2011/08/27

ليبيا بعد القذّافي-4

الإنتقال من الثورة إلى الدولة

 

من الواضح لكل مراقب في داخل البلد أو خارجها بأن الصورة بدأت بالفعل ترتسم معالمها على أرض الواقع، وبأنّ تلك المخاوف التي كانت تساورنا كليبيّين حريصين على بلدنا ومستقبلها بدأت هي بدورها تنحسر تدريجيّا مع أنّها بالتأكيد لم تنجلي كليّة بعد.

نحن الآن في عملية تمشيط، وتطهير، وتنظيف لنواصل بعد ذلك مباشرة وبكل ثقة عمليات البناء ؛ وإسمحوا لي هنا بأن أقول "ليس إعادة البناء" ذلك لأن ليبيا التي إسترجعناها وعدنا بها إلى أهلها كانت مغتصبة، ولم تكن دولة على الإطلاق.
نحن نعرف بأنّ مكوّنات الدولة – وكل دولة – تشمل الأرض والشعب والحكومة. كانت في ليبيا أرضا محددة المعالم، وكان في ليبيا شعبا له صفاته ومميّزاته؛ ولكن لم تكن في ليبيا حكومة أو نظام حكم، ولم يكن نظام ولا قانون ولا سلطات تحكم بل إن ليبيا كان يحكمها الطاغية القذّافي كإقطاعيّة يملكها هو وأبنائه. ذلك الوضع الشاذّ خلق بلدا تعشعش فيها الفوضى، وكانت أشبه بسفينة تسيطر عليها طغمة من قراصنة البحر.

من هنا أرى بأنّ مهمّتنا سوف لن تكون سهلة، والتحدّيات التي تواجهنا سوف تكون كبيرة جدّا؛ لكن بلادنا تزخر بعقول نيّرة، وبأناس يحبّون بلدهم وتهمّهم صورة ليبيا أمام العالم. يوجد في بلادنا وطنيّون ندر مثلهم في العالم ودليلنا هو تلك البطولات العظيمة التي شهدها العالم من حولنا أثناء مرحلة التحرير التي تجاوزت ستة أشهر من التحدّيات الكبيرة، والمخاطر الجسيمة إستطاع أبناء وبنات الشعب الليبي تجاوزها بكل إقتدار.

الآن بإمكاننا القول بأن بلادنا أصبحت حرّة، وبأنّ إرادتنا كليبيين أضحت ملك أيدينا، ويمكننا القول أيضا بأننا بكل أهليّة "نحن أصحاب القرار"؛ أي أننا نحن من يقرر مستقبلنا، ونحن من يرسم معالمه... فهنيئا لأهلنا في ليبيا الحبيبة بإنتصاراتهم، وترحّما على شهدائنا الأبرار الذين ضحّوا بأنفس ما لديهم في هذه الدنيا وهو حياة كل منهم؛ وأسأل الله بأن يتقبّلهم شهداء في جنان خلده؛ كما أنني أسأل الله بأن يلهم أهلهم وذويهم وأصدقائهم جميل الصبر والسلوان، وبأن يعطيهم القوة على التحمّل، والدفع من أجل الإستمرار بحياتهم إلى الأمام مؤزّرين بإذن الله بإخوانهم الليبيين الكرماء والرحماء. وعلينا أيضا كليبين أن لاننسى أولائك المعاقين، والمتضررين من أثار الحرب بحيث نشعرهم أيضا بحبّنا وحناننا ورعايتنا حتى لا يحسّوا بأنّهم منسيّين في بلادهم.

علينا أيضا أن ننتبه للفقراء والمحتاجين بحيث نشعرهم بأن ثورة الشعب الليبي لم تكن فقط تطمح لإسقاط نظام حكم القذّافي المتخلّف؛ بل إنّها كانت ثورة من أجل الكرامة، ومن إجل إحترام القيم الإنسانيّة النبيلة. إن ثورة الشعب الليبي هي في الأساس ثورة إجتماعية بكل المعايير بما يشمل ذلك من إحداث للعدالة بين مختلف طبقات المجتمع الليبي، وهي ثورة أيضا من أجل إحقاق الحق، وتحقيق العدل، ونصر المظلومين، ورفع الظلم عن كواهل الذين ظلموا بحيث لايتكرر الظلم من جديد.
كيف يمكن الإنتقال إلى الأمام ؟

الثورة بكل المفاهيم قام بها الشباب، والنصر على الأرض بكل صدق ووفاء كان قد حقّقه شباب ليبيا الشجعان؛ ذلك لأن الشباب هم من يقدر على الحركة، وهم من يستطيع تحمّل أعباء القتال. بالطبع فإن ثورة الشباب في ليبيا لم تكن منعزلة عن محيطها، ولم تكن صيحة في فضاء فسيح بل إنّها كانت ثورة شعبيّة شاملة إلتحمت فيها كل فئات المجتمع الليبي برجاله ونسائه على حدّ سواء؛ فقد قام المؤهّلون، والمثقفون، والخبراء في مجال فنون الصراع بتقديم الدعم اللوجستي والدعم المادّي لثوّار الجبهة. كذلك قامت الكوادر المؤهّلة بتنظيم الجبهة الخلفيّة، ودعم صمودها بحيث أوجدت للثوّار في الميدان تلك الأرضيّة الصلبة التي كانوا في أمسّ الحاجة إليها من أجل الإنتصار في ساحة القتال. كذلك فإن ثورة 17 فبراير برهنت بكل جلاء على أن كل أبناء وبنات الشعب الليبي قاموا بالتعاون والتلاحم مع بعض كل بحسب قدرته والأرضيّة التي تواجد عليها. فأبناء ليبيا في الخارج قاموا بدور جبّار في خصوص توفير لوازم القتال اللوجستيّة من مناظير الرؤية الليليّة، إلى وسائل الإتّصالات عبر الثريّا بحيث تفلت من أجهزة المنع والتشويش لنظام الطاغية القذّافي عندما كان يتحكّم في كل شئ في ليبيا قي أوائل أيّام الثورة. كذلك قدّم أبناء ليبيا في الخارج الكثير من المستلزمات الطبيّة، والغذائيّة، والأموال، والأطباء، والمهندسين، والمهنيين في مختلف المجالات من أجل دعم جبهات القتال. قام أبناء ليبيا في الخارج أيضا بدور إعلامي مميّز بدءا بمواقع التواصل الإجتماعي وإلى المواقع الإليكترونيّة المختلفة، وكذلك الكثير من المواد الإعلامية الأخرى من دعاية، وتنوير، وتفهيم، وإتصالات بمن يمكن الإستفادة من مواقفهم من غير الليبيين. قام الكثير من أبناء ليبيا في الخارج أيضا بالتحدّث عبرالمحطّات الفضائية المتاحة بغية شرح أسباب ودوافع وأهداف ثورة 17 فبراير للناس في داخل ليبيا، وللمراقبين في خارجها.

نعم فقد أبانت ثورة 17 فبراير بكل جلاء ذلك الإلتحام الكبير بين أبناء ليبيا بمختلف طوائفهم وخلفيّاتهم الثقافية والعرقية بدون ترفّع أحد على الآخر، وبدون تكبّر أحد على الآخر، وبدون تحزّب جهة ضد أخرى.

إذا... والحال هذه؛ فإن الليبيين في داخل البلد وخارجه كانوا قد قالوا كلمتهم الموحّده ضد نظام الطاغية القذافي، وبأنّهم أعلنوها صريحة بأنّ أبناء الشعب الليبي لم يعد بإستطاعتهم تحمّل الظلم فتمكّنوا بذلك من القضاء على هذا النظام، وإستطاع هذا الشعب التحرر من العبوديّة والتسلّط إلى الأبد بإذن الله.

الآن.... نحن في أمسّ الحاجة لإستمرار التلاحم الأخوي في ليبيا، وإستمرار الوئام، وإستمرار العطاء لأننا مازلنا في أوّل الطريق، ولأنّه مازالت تواجهنا تحدّيات كبيرة وخطيرة بدءا بفلول القذّافي الهاربة وما بإمكانها في أن تسبّب من تنغيصات لحياة الليبيين على الأقل في فترة ال 12 شهرا القادمة. التحدّيات أيضا تشمل ما يمكن أن ينتج عن أي إختلاف بين الليبيين، أو ربما محاولة جهة معينة من نسيج المجتمع الليبي في أن تفرض تصوّراتا أوتوجّهاتها أو أجندتها على الآخرين. كذلك سوف تكون هناك إختلافات في الرؤى بين مختلف المثقفين والمتعلّمين في ليبيا، وأيضا عدم الإتفاق ربما عن كيفية التعامل مع من كانوا يتعاملون مع الطاغية القذّافي، وكيف يمكن محاسبتهم على سبيل المثال. ثم هناك بؤورة أخرى قد تتسبب في الكثير من المشكلات وهي تربّع أنصار القذّافي ومعاونيه على سدّة الحكم في البلاد، وكذلك إحتكارهم الظالم لأعلى المناصب في ليبيا وما قد يدفع ذلك إلى تباطئ متعمّد في عجلة التغيير المنشود الذي يؤخّر مراحل الإنطلاق إلى الأمام، وكذلك محاولات هؤلاء المستميته من أجل محاربة القادرين والوقوف في طريقهم بنفس الطريقة التي كانت شائعة في بلادنا أثناء فترة حكم الطاغية القذّافي.

الذي يجب قوله هنا هو أنّه بمجرّد إنتهاء المعارك القتالية في الميدان، ولحظة التأكّد من إنهاء جميع المناصرين للطاغية القذّافي ؛ ولو توّج ذلك بالقضاء على القذّافي وأولاده فإنّه سوف يكون خير دليل على إنحسار أفعالهم الشيطانيّة..... فإن ذلك وغيره سوف يساهم في إستقرار ليبيا وإبعاد المطبّات التي قد توقف أو تؤخّر مسير قطار التغيير؛ فإنني حينها أدعو بكل صدق وإخلاص إلى إلقاء السلاح بغرض تجميعه تحت إدارة قيادة الجيش الوطني التي تتبع المجلس الوطني الإنتقالي ليتّجه الثوار بعدها كلّ إلى عمله السابق لمن كانت له وظيفة، وإتجّاه الآخرين لمراكز الإنطمام للجيش الوطني لمن يرغب في ذلك، أو مراكز إعادة التأهيل لمن يطمح في تعلّم مهنة أو حرفة تمكّنه من العيش الشريف في ليبيا الجديدة التي تحترم كل أبنائها.

بمجرّد إنتهاء العمليات العسكرية يتوجّب على الثوار إلقاء سلاحهم وتسليم إدارة شئون البلاد للكوادر المؤهّلة لذلك من تكنوقراط، وإختصاصيين، ومؤهلين حتى تبدأ عمليات البناء على أسس علميّة ومدروسة من أجل أن يسير قطار حياتنا على سكته المرسومة له بكل آمان وسلام بغية الإنطلاق إلى الأمام بكل سرعة، وبكل ثقة، وبكل إقتدار.

علينا أيها الإخوة والأخوات أبناء ليبيا أن نرى أنفسنا من خلال بلدنا، وأن تكون ليبيا هي هدفنا وتفكيرنا بعيدا عن مصالحنا الذاتيّة ؛ فمصالحنا يجب أن تتحقق من خلال تحقيق مصالح بلدنا لأنّ ذلك يعني بالضرورة وبالقطع خدمة كل أهلنا.

مازال الشعب الليبي ينتظر الحقيقة



الشعب الليبي بمجاميعه قام بالثورة على الظلم والطغيان بغرض تغيير مسار حياته بعد أن إستحوذ الطاغية القذافي على كل شئ، وتحكّم في كل شئ، وبعد أن حكم البلاد بالغش والكذب والضحك على الليبيين مستغلاَّ طيبتهم. الشعب الليبي ضحّى بالكثير، وقدّم خيرة أبنائه فدءا في سبيل الحرية، وهذا الشعب سوف لن يرضى بأن يحكمه مخادع جديد. المجلس الوطني الإنتقالي في المحك، ومسيرة ثورة 17 فبراير في المحك أيضا إلى أن تعلن الحقيقة كاملة في قضية إغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس. لابدّ للحقيقة من أن تعلن كاملة للشعب الليبي، ولابدّ من أن ينال الجاني عقابه ولو كان الجاني هو أحد أعضاء المجلس الإنتقالي، أو أحد أعضاء اللجنة التنفيذيّة؛ وعلى المجلس الإنتقالي أن يكون القدوة في عملية البحث عن الحقيقة وإظهارها حتى وإن كان الإختيار صعبا.... فالوطن هو أهم من الأفراد، والعدل يجب أن يكون سمة التغيير، والقانون لابدّ من أن يكون فوق الجميع إن كنّا بالفعل نبحث صادقين عن حياة أفضل، ومستقبل واعد لأبنائنا وللأجيال اللاحقة.

هل هناك من يقدر على إحترام عقولنا ؟
صدر الخبر التالي عن وكالة رويترز للأنباء:{ قال متحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي المعارض في ليبيا ان المجلس قرر حل المكتب التنفيذي بعد قصور من قبل بعض الاعضاء في التعامل مع حادث مقتل القائد العسكري للمعارضة قبل 12 يوما.
وقال المتحدث عبد الحفيظ غوقة لقناة تلفزيون الجزيرة ان الزعيم المعارض محمود جبريل الذي شغل منصب رئيس المكتب كلف مجددا بتشكيل مكتب تنفيذي جديد.
وتابع غوقة "نظرا للقصور الذي صاحب اداء بعض اعضاء المكتب التنفيذي حيال هذه الازمة والحادثة قرر المجلس اعادة تشكيل المكتب التنفيذي.}

وتعليقا على هذا الخبر أودّ قول الآتي... والله إنني أشعر بالأسى والحزن ؛ بل والمرارة حين أرى نفرا من أبناء بلدي وهم يغلّبون مصالحهم الآنيّة على مصلحة الوطن.
إنّه لمن المخزي فعلا أن نرى شباب ليبيا وهم يضحّون بأرواحهم في سبيل حريّتنا جميعا، وفي سبيل إنقاذ بلادنا من براثن حكم الطغاة الذين إستولوا على حريتنا، وأذلّوا شعبنا، وإستباحوا حرماتنا جميعها، وسرقوا ثروة بلادنا، وإحتقرونا، وحقّرونا لأكثر من أربعة عقود من الزمان؛ وفي المقابل نجد من إعتبرناه منّا يخرج خلسة من وراء ظهورنا ليقوم بطعننا ويغدر بنا جهارة وفي وضح شمس النهار.

هل نحن بالفعل جديرون بالحرية، وهل نحن أهل لها؟. علينا جميعا أن نسأل أنفسنا مثل هذا السؤال المنطقي: كيف إستطاع بدويّ متخلّف مصاب بعقد نفسية لا حصر لها أن يحكمنا ويسيطر على كل شئ في حياتنا لأكثر من أربعين سنة؟. هل تمكّن من ذلك لقوّته وذكائه؛ أم أنّه إستثمر ضعفنا، وتفرّقنا، وطمع الكثير منّا، ونفاقنا، وخداعنا لبعضنا البعض فتقوّى بذلك الطاغية المتخلّف حتى أصبح بطلا نحن من صنعه، ونحن من سلّم له رقابنا ليفعل بها ما يشاء بمباركتنا، وبتملّقنا، وبضعفنا، وبخذلاننا؟.
نعم في كل بلاد العالم يوجد الجيّد والردئ؛ ولكن أن يقدم من هم في صف الثوّار.. بل ومن هم في قيادتهم بالغدر ببطل من أبطال ثورة 17 فبراير فهذا لم أعثر له على مشابه، وقد يكون سابقة لن تتكرّر مرة أخرى، وفي أي مكان آخر من العالم حولنا.

اللواء الشهيد هو أكبر بكثير من الكلمات التي ربما أقولها في حقّه لأن أفعاله كانت قد سبقت أقواله، ولأنّه كان العماد الأساس الذي بنيت عليه كل إنجازات ثورة 17 فبراير منذ إنطلاقتها الأولى وربما كان ذلك ما أثار حسد وكره المحيطين به الذين عجزوا عن أن يفعلوا مثله. إنّهم يعرفون جبنهم، ويعرفون ضيق أفق تفكيرهم، ويعرفون محدودية قدراتهم وبذلك فقد رأوا فيه البطل الذي لم يستطيعوا محاكاته فبدل أن يصطفّوا وراءه ويشدّوا من عضده فضّلوا أن يقضوا عليه والتخلّص منه حتى يفسح لهم المجال للسيطرة وفرض أنفسهم على الآخرين.
كنت أرى اللواء الشهيد يمضي معظم وقته على جبهات القتال في إجدابيا، ثم البريقة، وعلى الجبهات الأخرى بما فيها البعيدة جدا من مكان سكناه، وكنت أشاهده وهو يسامر جنوده، ويربّت على أكتافهم بإبتسامة مليئة بالحنان، وبنبرة كلّها دعم للمعنويات كان جنودنا في أمسّ الحاجة إليها بعد تلك الإنكسارات التي عانت منها جبهة البريقة التي وصل مقاتلوها إلى الوادي الأحمر على مشارف مدينة سرت منذ حوالي أربعة أشهر مضت.
إننا نتحدّث الآن عن أهمية البريقة الإستراتيجية، وكيف أن الطاغية القذافي يتشبّث بها بكل ما أوتي من قوة في حين كانت هذه المدينة الإستراتيجية تحت سيطرتنا؛ بل وتجاوزناها إلى رأس لانوف وغربها إلى مشارف مدينة سرت. ألم يكن الأولى بنا أن نعاتب أنفسنا على هروب مقاتلينا أمام كتائب القذافي وهم مذعورين ليتركوا له هذه المدينة الإستراتيجية فيحتلها منهم في ساعات معدودة وبدون مقاومة ذات جدوى؟.ألسنا الآن نتقدّم خمسة سنتيمترات كل إسبوع نحو وسط البريقة ونفرح بذلك أيّما فرح؟. السنا نحن من يكرر بأننا على مشارف مدينة البريقة، ونحن على وشك دخولها منذ حوالي 4 أشهر ولازلنا وللأسف عاجزين عن إحداث أي إنجاز يذكر؟. فلننظر إلى جبهة ثوّار جبل نفوسة.. إنهم رغم نقص عتادهم، ورغم قلة مواردهم إلا أنّهم بصدقهم وتعاونهم مع بعض إستطاعوا أن يحققوا الكثير من الإنتصارات بدون دعاية، وبدون مبالغة. تحية إكبار وإجلال لثوار ليبيا الشجعان من آهالي جبل نفوسة، وإخوانهم من طرابلس، والزاوية، وزوارة، وصبراته، والخمس، وترهونة، وحتى من بني وليد الذين تمكّنوا من التسلل من مدنهم لينظمّوا إلى ثوار جبل نفوسه فأصبحوا كلهم أسرة واحدة لاتخاف الغدر، ولا تفكّر في المؤامرات والخدع. كما أنني في هذا الإطار أحيّي ثوّار مصراته الذين حرّروا مدينتهم ولم يسمحوا لكتائب القذافي بالعوده إليها كما حدث في البريقة.
كان الشهيد المغدور به من طرف من وثق فيهم يمضي جلّ وقته على خطوط المواجهة الأمامية بكل شجاعة وإقتدار... كان جادّا في مهمّته التي يعرف بأنّها صعبة، وكان مخلصا في عمله ولا أظنّه كان يتوقّع أن يغدر به من كانوا معه مكلّفين بحماية ظهره فإذا بهم يغدرون به بكل خسّة، وبكل جبن.
تمكّن الشهيد المغدور به بفعل صدقة وإخلاصه لمهنته من أن يبرز كشخصية ليبية كاريزماتية فرض إحترامه على الغير في داخل ليبيا وخارجها، وتمكّن بتلك الشخصية القوية التي لاتهادن من فرض القرار الوطني على كل من حاولوا الإستفادة من ضعف الثوّار وقوة كتائب الطاغية القذّافي فمنعهم من تنفيذ مآربهم التي كانت تطمح في النزول على التراب الليبي ومن ثمّ فرض أجندتهم علينا كما فعلوها من قبل في العراق.
تمكّن اللواء الشهيد من تكوين نواة للجيش الوطني الليبي بعد أن عمل الطاغية القذّافي على تدمير الجيش في ليبيا، وتدمير الروح القتالية لدى أبناء هذا الشعب. لم يتوقّف اللواء عبد الفتّاح يونس عند حد تكوين نواة للجيش الوطني الليبي؛ بل إنّه تجاوز تلك المحطة المهمة بأن بدأ في تكوين السلّم القيادي في الجيش الوطني، وكاد أن يخرج الفكرة إلى حيّز التنفيذ لولا أن أيدي الغدر لم تمهله بأن يكمل مهمّته.
لم يكتف اللواء الشهيد عند ذلك الحد بل إنّه إنتقد علانية وبكل شجاعة رداءة أداء قوات الناتو، وتحدّاهم في مواضع كثيرة؛ بل إنّه ذهب إليهم في عقور ديارهم ليقنعهم بأهمية تسليح الثوّار، وأهمية التعامل معهم كشريك على الأرض بحيث يتوجّب على قوات الناتو أن تنسّق مع الثوّار لإنهاء المهمّة بسرعة بعد فترة من سوء الأداء، وكثرة الأخطاء، والبطء المتعمّد الذي كان يغيض الثوّار ويثبط من عزائمهم خاصة بعد تلك التصريحات المتناقضة من قبل وزير الدفاع الفرنسي، ووزير خارجية بلاده، وكذلك السيد راسموسن المسئول عن حلف الناتو.
كان أساس تفكير اللواء الشهيد، وإسترتيجية تحرّكه تعتبر أن قوات الناتو هي مجرّد قوات داعمة وليست هي بقوات رائده في ليبيا لأن الريادة كانت في تفكير الشهيد هي حكرا على ثوّار ليبيا الأشاوس الذين ثاروا من أجل حريتهم، وثاروا من أجل عزة ومكانة بلدهم الحبيب ليبيا.
اللواء المغدور به الشهيد عبد الفتّاح يونس كان ربما يعتبر من أقوى الأصوات المدافعة عن كرامة الإنسان الليبي، وكان من المؤكّد بأنه سوف يكون الصوت القوي لليبيا بعد سقوط القذّافي حين ينزل من هم خلف الناتو على الأرض بغرض البدء في إقتسام الكعكة الليبية بين المشاركين في قوات الدعم الجوي للثوّار.
كان من الممكن أن يكون الشهيد البطل هو الصوت الليبي القوي الذي ينادي بالبقاء على حرية القرار، وحرية إرادة الشعب الليبي على أرضه بعد سقوط نظام الطاغية القذّافي لكن الجبناء لم يمكّنوه من ذلك لأنهم كانوا يظنّون بأن تلك المهمة هي ملكا لهم دون سواهم فهم كانوا قصيري النظر، ضيقي الأفق، وسوف يظلّون كذلك لأن فاقد الشئ لايمكن له من أن يعطية ولو حاول جاهدا.
هناك أسماء يشاع بأنّها وراء إغتيال الشهيد عبد الفتّاح يونس منها اللواء جلال الدغيلي، والعقيد فوزي بوكتف، والسيد فوزي العيساوي وهم أعضاء في المجلس التنفيذي؛ لكنني لم أتمكّن من التأكّد من صدق هذه المعلومات التي أذاعتها محطة العربية الفضائية منذ عدة أيّام غير أنني تعمّدت الإحتفاظ بهذه المعلومات دون التعليق عليها حرصا منّي على المصداقية.

إن الخبر الوارد أعلاه عن وكالة رويترز للأنباء هو ما دفعني لنشر هذا التعليق الذي كنت أعددته منذ بضعة أيم حلت لكنني أثرت عدم نشره حينها إلا أنني أحسّ بأن الحقيقة ربما سوف يتم التحفّظ عليها من قبل المجلس الإنتقالي وحجّتهم ربما تكون في "المحافظة على اللحمة الوطنية وعدم إثارة البلابل" ولكن مهما كان المبرر فإن طمس الحقيقة، وتغييب الشفافية سوف لن يكون بادرة خير، ولن يكون مطمئنا لأحد؛ فثورة 17 فبراير قامت بكل تأكيد من أجل هذه الثوابت: الصدق والمصداقية، الشفافية والوضوح، العدل وسيادة القانون على الجميع بدون إستثناء.... فعلى المجلس الإنتقالي ـ الذي نعرف ببراءته من جريمة إغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس ـ أن يقوم بإعلان نتائج التحقيقات بكل جرأة، وبكل شفافية، وبكل صدق ليحافظ هذا المجلس على ثقة الليبيين في أعضائه، ووقوفهم خلف قيادته بدون تردد.... كما أنّه على الدكتور محمود جبريل وهو إنسان قدير بعقلية عصرية وتفكير ناضج أن يبحث عن الليبيين الأوفياء الذين لاتهمّهم مصالحهم الشخصية بقدر ما يهمّهم همّ بلادهم، ومعاناة شعبهم ليشكّل منهم مجلسه التنفيذي الثاني الذي نتمنى بأن يكون مختلفا عن المجلس التنفيذي الأول الذي تمّ حلّه على خلفية جريمة الغدر بقائد الثوّار الشهيد الفريق( تمت ترقيته بعد إستشهاده تقديرا لخدماته الوطنية ومواقفه الشجاعة) عبد الفتّاح يونس رحمه الله؛ على أن يزيد من نصيب الجهات الغربية وخاصة منطقة الجبل في تشكيلة المجلس الجديد، كما نتمنى منه بأن لاينسى إخوانه المهجّرين الذين تتوفر فيهم المهنيّة العالية، والمستوى التعليمي الراقي، وكذلك الحب والولاء لليبيا.... أتمنّى كذلك بأن يكون للسيّد عبد الرحمن شلغم مكانا في المجلس الجديد.

وفقنا الله جميعا لخدمة ليبيا الحبيبة؛ لكنّني سوف لن أسكت على أية ممارسات أراها خطأ في حق ليبيا وفي حق أهلها فيكفيهم ما عانوه من تزييف للحقائق أثناء حكم الطاغية القذّافي لعنة الله عليه في الدنيا وفي الآخرة.

2011/08/23

الصدق والمصداقيّة..... كيف يثق الغير بنا ؟

سيف القذّافي لم يتم إعتقاله


توارد في الأخبار بأن سيف القذّافي كان قد تم إعتقاله من قبل الثوّار، وكان أن إنتشر الخبر في كلّ مكان وصدّقه الجميع بما فيهم المجلس الإنتقالي على لسان السيّد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس. بالطبع هذا الخبر تمّ تأكيده من قبل المجلس الإنتقالي لمحكمة الجنايات الدوليّة فإذا بها هي بدورها تؤكّد الخبر؛ وكل هذه التأكيدات كان مصدرها واحدا ولم يتمهّل أحد ليتأكّد من صحّة الخبر.

حسب ظنّي وإعتقادي القوي فإن الذي حدث كان من شبه المؤكّد بأن مجموعة - ربّما - من أقرب أنصار سيف القذّافي كانت قد أعلنت إختطافه، أو أنّها ربما إختطفته في مسرحية هزليّة كان القصد منها الضحك على ذقون الثوّار؛ وحدث لهم وللأسف ما هدفوا إليه.
غاب سيف القذّافي قليلا عن الأنظار وإذا به يخرج صباح هذا اليوم في مشهد مسرحي آخر يشبه أفلام هوليوود، وكان قد تم دعوة الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى لعرض هذه المشاهد على العالم بما فيهم بالطبع أبناء الشعب الليبي.
بالطبع أحدثت هذه المشاهد تحديدا ما كان متوقّعا منها، وما كان قد برمج حين إعداد هذه المسرحيّة ذلك لأن وسائل إعلام الطاغية القذّافي تتوفّر لديها خبرات عالمية في هذا المجال، وتوجد لديها خبرات طويلة في الخداع والتدجيل.
  
من ناحية أخرى أكد مبعوث ليبيا لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدبّاشى أن ظهور سيف القذافى على الملأ فى منطقة باب العزيزية بالعاصمة طرابلس يدلّ على وجود خلل لدى المعارضة الليبية فى التعاطى مع من وصفهم ب"الأسرى".
وإعتبر الدبّاشى ـ فى تصريح خاص لهيئة الإذاعة البريطانية (بى بى سى) اليوم الثلاثاء ـ أن حياة أبناء القذافى لن تكون مصانة بعد إلقاء القبض عليهم في المستقبل القريب من قبل المعارضة الليبية.

الذي أريد أ أنبّه إليه وبكلّ قوّة نتيجة لهذا العجز التكتيكي من قبل المجلس الإنتقالي، ومن قبل الثوّار على الأرض في طرابلس يمكن تلخيصه في الآتي:
1- على المجلس الإنتقالي أن لايتسرّع في مثل هذه الأمور حتى يرى الدليل بالصور المؤكّدة.
2- في حالة التأكّد من الخبر بتلك الطريقة فإنني إفترح بأن يقوم أحد أعضاء المجلس الإنتقالي ويفضّل أحد أعضاء المجلس التنفيذي مثل السيّد محمود شمّام بأن يقوم بإعلان الخبر أمام وسائل الإعلام بدل السيّد مصطفى عبد الجليل.
3- على المجلس الإنتقالي أن يقوم فورا بتغيير السياسة المتعلّقة بموضوع الأسرى حين يتعلّق الأمر بآل القذّافي والمقرّبين منه جدا وذلك بعرضهم على شاشات التلفزيون فور القبض عليهم، وتكتيف أطرافهم ثم نقلهم فورا إلى آماكن آمنة بما في ذلك وجود سلاح مسلّط على رؤوسهم بحيث يتم قتلهم فور الشعور بوجود من يريد إفتكاكهم.
4- على السيّد مصطفى عبد الجليل أن يحيط نفسه بمجموعة ممتازة من المستشارين وبأن يستمع إلى نصائحهم في كل قرار أو تصريح يقوم به.

علينا أيها الإخوة بأن نكون أكثر يقظة، وأكثر نباهة حتى لا يسخر بنا إعلام القذّافي مرّة اخرى، وحتى لا تتزعزع مكانة رئيس المجلس الإنتقالي لأننا في أمسّ الحاجة للحفظ على عزّة وكرامة السيّد الطيّب مصطفى عبد الجليل حفظه الله والشدّ على يديه لأنّه بكل صدق يمثّل صمّام الآمان لثوّارنا في هذه الأوقات العصيبة.
علينا أيضا أيها الإخوة أن نلتزم بقول الحق، وأن لانحاول إخفاء الوقائع عن الناس حتى وإن كانت ضدّنا فلا شئ يعلو على كلمة الحق، وكلّما كثر الكذب على الناس، أو إخفاء الحقائق عنهم كلّما فقد الناس الثقة  بالثوّار وبمجلسهم الإنتقالي. علينا بالصدق، والصراحة، والشفافية إن كنّا بالفعل حريصين على الحفاظ على مصداقيّتنا. 

2011/08/20

تحرّرت طرابلس فتحرّرت ليبيا

قال الله تعالى في كتابه العزيز: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ.... صدق الله العظيم


وأخيراً تحرّرت طرابلس... فقدت نفّذت عملية " فجر عروسة البحر" بحذافيرها، وبرهنت هذه العملية الجريئة على أن ليبيا يوجد بها من يفكّر، ومن يخطط، ومن بيده أن ينتصر. 
نعم... فقد تلاحم الشعب الليبي مع مجلسة الإنتقالي، وإستمع الثوّار إلى النصائح والإرشادات، وبرهن شباب وشابّات ليبيا على أنّهم أبناء هذا البلد المخلصين، وهم من يهمّه حاضر ومستقبل ليبيا.
إنتصرت إرادة الثوّار بفضل الله وعونه، وتم خلع يد التسلّط والطغيان إلى الأبد، وبدأ بالفعل فجر الإنعتاق النهائي من حكم الجبروت والطغيان فتحرر الشعب الليبي من حكم الفرد، وتخلّص هذا الشعب من الطاغية الذي جثم على صدره لأكثر من 40 سنة.

هنيئا لأهلنا في ليبيا الحبيبة بهذا الإنتصار الباهر، ودعوى لتذكّر شهدائنا الذين لولا تضحياتهم لما تمكّنا من القضاء على نظام القذّافي المتخلّف. علينا أيها الإخوة أن نتذكّر شهدائنا في هذا اليوم المشهود، وعلينا أن نصلّي من أجلهم، وأن ندعوا الله لهم حسن الثواب وأن يحتسبهم عنده كشهداء، وأن يسكنهم جنّة الخلد. كما أنّه يتوجّب علينا تذكّر أهل الشهداء، ومؤاساتهم، والترفّق بأطفالهم، ومساعدة المحتاجين منهم بما يحفظ لهم كرامتهم، وبما يبرهن لهم على أن تضحيات أعزائهم لم تذهب سدى.

اللهم يارب أجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، وساعد أهله على العبور إلى شاطئ الآمان بعيدا عن الخلافات، وبعيدا عن التقاتل فيما بينهم حتى نبدأ جميعا في عملية بناء ليبيا التي سوف لن تكون سهلة؛ فالمحافظة على الإستقلال أصعب من نيله.
قال رسول الله ليه السلام بما روي عنه: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. الجهاد الأكبر هو مشروع بناء الدولة.

فلنكن على قدر كبير من المسئولية، ولننظر إلى الأيام بأعين على ليبيا كبلد يأوينا جميعا، وسقف نستظل تحته كإخوة متحابّين لافرق بين عربي أو غير عربي، ولا بين مسلم أو غير مسلم، ولا بين غني أو فقير فنحن كلّنا أبناء هذا الوطن، والوطن بوسعه أن يأوينا جميعا.

2011/08/14

بصراحة.... أقول لكم


من المشاهد بأن نظام الطاغية القذافي بدأ بالفعل في التقهقر والضعف، وهو الآن جاهز بالكامل لبدء عمليات الهروب الجماعي من قبل أتباعه الذين لايربطهم به أيّ عهد أو عقد سوى المصالح الآنية ( مالية ووجاهية وسلطوية) التي هي بدورها بدأت تشحّ نتيجة لحصار الثوّار لمصادر تموين نظام القذّافي المتعفّن.
بالنسبة لثوّار ليبيا البواسل عندما نسترجع مسيرتهم المظفّرة خلال الستة أشهر الماضية  تبرز أمامنا ثلاثة مشاهد يجدر بنا التوقّف عندها بهدف المراجعة والتدبّر؛ فالإنسان الذي يقف ويتدبّر في كل لحظة من حياته هو من يتعرّف على عيوبه، ويتنبّه إلى أخطائه فيقوم بإصلاحها ويعمل على تحسين مسارها بهدف الإنتقال إلى الأمام بخطى أكثر فعالية، وبروح أكثر إيجابية، وبفعل يمتاز بالمزيد من المصداقيّة. هناك نقطة مهمّة أرغب قي عرضها أولا حتى لايفهم كلامي على أنّه ينحاز إلى طرف ما، أو أنّه ربما يتحامل على آخر؛ فأنا إبن ليبيا ولا همّ لي غير بلادي الحبيبة التي أريد أن أراها حرّة، متحدة، ومتماسكة. كما يهمّني أهل ليبيا الذين أطمح في أن آراهم متحابّين، متآخين، منسجمين، ومتوحّدين من أجل أنفسهم ومن أجل ليبيا بيتهم الذي يأويهم جميعا بدون إستثناء، وبدون تمييز، وبدون إقصاء مهما كانت المبررات. 

المحاور الثلاثة التي رأيت أنّه من واجبي مناقشتها هنا بغرض تسليط بعض الضوء على نضال أبنائنا خلال الستة أشهر التي بدأت بإنتفاضة السابع عشر من فبراير عام 2011 هي:

أولا- محور مصراته
بتاريخ 23 أبريل 2011 أعلن متحدث باسم الثوار الليبيين أن مدينة مصراته أصبحت مدينة محررة من كتائب القذافي بعد نحو شهرين من الحصار والقصف المتواصلين. ونقلت وكالة رويترز عن متحدث باسم الثوار قوله إن مصراتة تحررت من قوات القذافي وانتصر الثوّار الأبطال على كتائب الطاغية.
حاول الطاغية القذّافي إستعادة السيطرة على مصراته نظرا لأهميتها الإستراتيجية بالنسبة لنظام حكمه بسبب قربها من سرت من ناحية، وبسبب الأثر النفساني ( السلبي) على مقاتليه؛  لكن كتائب القذّافي عندما فشلت في العوده إلى مصراته إلتجأت إلى قصفها بصواريخ الغراد من غربها ومن شرقها لكن الثوّار إستمرّوا في مطاردة كتائبه غربا حتى مدينة زليطن، وشرقا حتى مدينة تاورغا فجنّبوا بذلك مصراته من التعرّض لصواريخ الغراد العشوائية، وتمكّنوا من حماية سكّان مصراته من هول هذه الصواريخ المدمّرة على البنيان وعلى الإنسان بكل عشوائية وبدون هدف؛  حيث أن مداها لم يعد يمكّن قاذفيها من الوصول إلى وسط أو حتى ضواحي مصراته ففقدوا بذلك نشوة كانوا يتمتّعون بها نظرا لتفكيرهم السادّي المقرف.
من هنا نلاحظ أن إتحاد الثوار وإصرارهم على تحقيق الإنتصار ، وخططهم المدروسة مكنتهم من تحقيق النصر والحفاظ عليه
ما يميّز ثوار مصراته هو تجانسهم، وإنسجامهم، ووحدة قيادتهم العسكرية تحت مجلسهم العسكري الذي شكّلوه لقيادة عملياتهم العسكرية. هناك بعد أخر يجب التنويه إليه وهو وجود مدينة مصراته على شاطئ البحر مما مكّن الثوّار من إستلام المعونات العسكرية، الدوائية، وكذلك الغذائية الأمر الذي ساعدهم في مواصلة حربهم رغم قسوتها، وقوة الخصم الذي كان يحاول الفتك بهم وتدمير مدينتهم بمن عليها.

ثانيا- محور جبل نفوسة
بدأت المُظاهرات والإحتجاجات لأول مرة في جبل نفوسة  بالخروج في مدينة الزنتان الليبية منذ يوم 17 فبراير 2011،  واستمرّت الأحداث في المدينة بالاشتعال في اليوم التالي 18 فبراير، ثم استمرّت الحالة هكذا خلال يوم 19 فبراير، والأيام التي تلته.... وفي يوم 23 فبراير أصدرت قبائل المدينة بياناً هددت فيه بوقف تصدير النفط إلى الدول الأجنبية خلال 24 ساعة في حال استمر سفك الدماء في أنحاء البلاد، كما هددت أيضاً بالزحف نحو طرابلس العاصمة لدعم المتظاهرين هناك في حال لم تتوقف المذابح.
  في يوم 24 مارس أجبر ثوّار الزنتان كتائب القذافي على التراجع، وإستمر بعدها الكر والفر بين الطرفين، وتم فرض حصارا كاملا على مدينة الزنتان، ومنعت وسائل الإعلام من نقل ما يحدث؛ ولكن رغم كل ذلك، ورغم الصعوبات والشدائد تمكّن ثوّار الزنتان من تحرير مدينتهم وطرد كتائب الطاغية القذافي منها بالكامل.
لم يتوقّف ثوّار الزنتان عند ذلك النصر؛ بل إنّهم واصلوا قتالهم ضد قوات القذّافي في المناطق المحيطة بالزنتان، وتمكّنوا مع الأيام من فرض سيطرتهم على منطقة جبل نفوسة تدريجيّا إلى أن إستطاعوا تحرير وازن، ثم أخيرا تحرير الغزايا.
وجد ثوّار ليبيا الفارّين من مدينة الزاوية بعد إستيلاء قوات القذّافي عليها في منتصف شهر يونيه الماضي، وكذلك أولئك الراغبين في تحرير ليبيا من المناطق الغربية الأخرى مثل طرابلس، وصبراته، وصرمان... وجد هؤلاء أيدي تمتد إليهم من ثوّار الجبل الذين إستقبلوهم بالأحضان رغم ضنك العيش وشح المستلزمات الطبية، وقاموا بتدريبهم بغرض تأهيلهم ليوم الهجوم على قوات الطاغية القذافي في مناطقهم.
واصل ثوّار الجبل قتالهم ضد قوات الطاغية بكل عزم وثبات، وبكل تخطيط سليم بعد أن شكّلوا مجلسهم العسكري الذي وحّد كل المقاتلين تحت إمرته مما نظّم صفوفهم، ووحّد عزائمهم، وقلّل من فرص عودة كتائب القذّافي إلى المناطق المحرّرة؛ وذلك ما حدث بالضبط.
لم تتمكّن قوات القذافي من العودة إلى أية منطقة تم تحريرها؛ بل على العكس تماما فقد واصل ثوّار الجبل مع ثوّار المناطق الشمالية المنضمّين إليهم من تحرير مدن تحت سفح الجبل مثل الرابطة الغربية، ثم بئر عيّاد، وبعدها منطقة بئر الغنم التي إنطلقوا منها نحو مدينة الزاوية حيث تمكّنوا من دخولها بالأمس وهم الآن يستعدّون لتحريرها بالكامل من أيدي كتائب القذّافي الإجرامية.
حرر ثوّار الجبل كذلك معظم الآماكن في مدينة غريان وهي آخر معاقل كتائب القذّافي في جبل نفوسة، وسوف يتم تحرير غريان بالكامل في الأيام القليلة اللاحقة، وتمكّنوا مساء هذا اليوم من دخول صرمان، ومنطقة العلالقة في الركن الجنوبي من صبراته.
يستعد الآن ثوار طرابلس ومعهم ثوّارجبل نفوسة ملتحمين في جسد واحد وتحت قيادة عسكرية واحدة للزحف نحو طرابلس عاصمة بلادنا الحبيبة وسوف يتمكّنوا من تحريرها قبل حلول عيد الفطر المبارك  بإذن الله ناصر المظلومين والضعفاء.

ثالثا- محور البريقة
بعد معركة التحرير المبين لمدينة بنغازي، والمناطق المجاورة لها تمكّن ثوّار المناطق الشرقية من ليبيا الحبيبة من تحرير مدينة إجدابيا بعد قتال شرس، وعمليات كرّ وفر. بعد ذلك إتجّه الثوّار نحو البريقة وقاموا بتحريرها لأول مرة يوم 2 مارس 2011 بعد أن إشتبكوا مع قوات كتائب القذافي الذي إستخدم سلاح الطيران لدعم قواته الأرضية، وتمكّن الثوّار من تحرير رأس لانوف، والعقيلة في السابع من مارس 2011. بعد ذلك قامت كتائب القذافي بهجوم شامل مدعوم بأحدث الأسلحة الثقيلة مما مكّنهم من إعادة إحتلال هذه المناطق؛ بل إنهم واصلوا تقدّمهم نحو إجدابيا، وبدأوا يهددون بنغازي التي دخلوا أطرافها الغربية وكانوا على بعد 3 كيلومترات من وسط المدينة حين وافق مجلس الأمن على التدخّل لإنقاذ المدنيين في ليبيا مما حمى بنغازي من تدمير شامل وتقتيل لسكانها بالجملة.
 وتم تحرير البريقة للمرة الثانية؛ غير أن كتائب القذافي عادت إليها من جديد حيث كان ثوّار الشرق الليبي غير مدربين تدريبا جيدا، وغير منضوين تحت قيادة واحده؛ بل إنهم كانوا عبارة عن وحدات مقاتله منقسمة لكل منها قيادتها الخاصة بها.
بعد ذلك تمكّن ثوّار المناطق الشرقية من تحرير البريقة للمرة الثالثة  يوم 29 مارس 2011 ؛ حيث واصل الثوّار تقدّمهم غربا نحو مدينة سرت بعدما أكملوا سيطرتهم على مدينة "الهراوة" الواقعة على بعد 70 كلم شرق سرت. قام الثوار بعيد ذلك بعمليات استطلاع قبل شن هجوم كبير على مدينة سرت، وكانوا يقولون بأنّهم يأملون بالسيطرة على المدينة في وقت قريب جدا.
قام الطاغية القذّافي بعد ذلك بهجوم مضاد إستولى من خلاله على كل المدن المحررة غرب إجدابيا؛ بل إن قوّاته بدأت في قذف مدينة إجدابيا بالصواريخ والراجمات، وكاد يهدد بنغازي للمرة الثانية لكنّه فعل ذلك هذه المرة في وجود الغطاء الجوّي الذي كان يوفّره الحلفاء على دوام الساعه.... فشل القذّافي في تحقيق أهدافه المنشوده في الإستيلاء على بنغازي من جديد؛ لكن كتائبه تخندقت في كامل البريقة وحافظت على إحتلالها لهذا الميناء النفطي الهام جدا بالنسبة للطرفين.
ظلّ ذلك الوضع على حاله إلى أن حاول الثوّار تنظيم صفوفهم وبدأوا في الهجوم على البريقة من جديد؛ لكنّ ضعفهم، وتفرّقهم، وغياب القيادة العسكرية الموحّده ... وقفت هذه الأمور حائلا بينهم وبين تحقيق النصر. واصل الثوّار محاولاتهم الجدّية لتحرير البريقة والإنطلاق منها غربا نحو مدينة سرت لأكثر من 4 أسابيع لم يتمكّنوا خلالها من تحقيق تقدم يذكر حتى بدأ اليأس يدبّ إلى نفوسهم، وقد يكون الإحتقان والإختلافات التي نشأت فيما بينهم من بين الأسباب التي دفعت بعض جماعات الثوّار ( كما يعتقد) للقيام بإغتيال أهمّ شخصيّة عسكريّة في جانب الثوّار جميعا وهو الفريق الشهيد عبد الفتّاح يونس رحمه الله الذي كان يحاول جاهدا توحيد فصائل الثوّار في منطقة البريقة من أجل تكوين نواة للجيش الوطني الليبي كان بإمكانها تحقيق النصر المبين على كتائب القذافي في هذه المنطقة.
 إغتيال الشهيد اللواء ركن (حينها) عبد الفتّاح يونس من قبل مجموعة من "الثوّار" أنفسهم لأسباب لم نعرفها بعد، كان ضربة مفجعة لكل الليبيين، وأدّى ذلك الفعل الشنيع إلى بعث روح اليأس والتشاؤم بين ثوّار ليبيا في كل أنحاء البلد؛ لكن الثوّار بطبعهم سرعان ما يضمّدوا جراحهم كي ينطلقوا إلى الأمام فلا وقت للدموع في حضرة الثوّار الحقيقيين.
الأخبار التي سمعتها تقول بأن مجموعة من المقاتلين الذين يتبعون المتشددين الإسلاميين من أمثال الجماعة المقاتله الليبيه ربما كانوا قد قاموا بإغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس إنتقاما من محاربته لهم عام 1996 عندما كان الشهيد قائدا مرموقا لقوات الصاعقة التابعة لنظام الطاغية القذافي.
خلاصة القول.... في الوقت الذي تمكّن خلاله ثوّار مصراته، وجبل نفوسة من تحقيق إنتصارات هامة ومتواصلة في الجبهة الغربية من ليبيا بذلك القدر الذي عجزت فيه كتائب الطاغية القذافي عن إسترداد أية منطقة تم تحريرها؛ نجد أن قوات الثوّار في المناطق الشرقية وقفت عاجزة عن تحقيق المطلوب منها في منطقة قتال صحراوية صغيرة لا يوجد بها سكان مدنيّون بحيث يسهل على قوّات الناتو فيها تصيّد قوات القذافي وتدميرهم بكل يسر؛ لكن قيادة الناتو ربما شعرت بوجود إختلافات كبيرة بين الثوّار في جبهة البريقة فقللت من إهتمامها بهم بحيث  ركّزت إهتمامها على ثوّار منطقة جبل نفوسة إذ تعتبر جبهة الثوّار هناك متماسكة، ويتحلّى مقاتلوها بروح قتالية عالية جدا وهذا ربما كان له أثره الإيجابي في جبل نفوسة، وأثره السلبي على جبهة البريقة. 

لماذا تمكّن ثوّار المناطق الغربية من تحقيق إنتصارات عجز عن تحقيق مثلها ثوّار المناطق الشرقية؟
ربما يجب علينا التوقّف عند هذا السؤال بكل جدية، وبكل شفافية، وبكل مكاشفة وجلد للنفس إن كنا بالفعل نبحث عن طريقنا للمضي قدما في مسعانا الحثيث للتخلّص من هذا الطاغية، وبناء ليبيا الجديدة التي سوف تختلف كليّة عن ليبيا التي أرادها الطاغية القذافي.
لا يجب علينا التحرّج من مناقشة مثل هذا الأمر، ولا يجب علينا الشعور بالدونية أو النقص فالذي يهمّنا هنا هو فقط البحث عن مواضع الخلل بغرض إصلاحها أو التقليل منها. علينا أيضا التنبيه إلى أن مدينة بنغازي إنطلقت منها الشراره الأولى التي أشعلت ثورة 17 فبراير، كما أريد أن أنوّه إلى أن أغلب المناطق الشرقية من بلادنا كان قد تم تحريرها من كتائب القذّافي بفضل تضحيات أهلها وحدث هذا قبل أن تبدأ مدينة مصراته معركة التحرّر. سبقت بنغازي ومحيطها برنامج التحرر حتى مدينة الزاوية، ومدينة الزنتان وهذا بالطبع يعود إلى طبيعة أهل بنغازي التحرّرية التي قاومت كل محاولات الطاغية القذافي تطويع هذه المدينة أو تدجينها رغم محاولاته المستميته بذلك القدر الذي دفع الطاغية المتعجرف إلى فرض حصار غير معلن على بنغازي وأهلها؛ لكنّهم قاوموه وإستمرّوا في مقاومتهم لكل مخططات هذا الطاغية إلى أن حدثت إنتفاضة فبراير الأولى عام 2006، وبعدها تلك الوقفات البطولية الإسبوعية لأسر ضحايا سجن أبوسليم والتي كانت هي بدورها تقلق النظام الحاكم وتخيفه.
إذا... عندما نحاول البحث هنا عن أسباب تخلّف جبهة البريقة عن الركب، وعن أسباب الإنكسارات التي حدثت للثوّار فيها فإننا لامحالة لانقلل أبدا من تضحيات الثوّار هناك، ولا من عزائمهم، ولا نفضّل بعضهم على بعض؛ وإنما أنا هنا أدعو إلى البحث عن الحقيقة بهدف إصلاح الأخطاء وإحداث التقدّم. إننا إن مضينا في طريقنا المبني على التستّر وتغييب الحقيقة فإننا مطلقا سوف لن نتقدّم إلى الأمام مهما حاولنا.
علينا أيها الإخوة والأخوات في كل ليبيانا الحبيبة أن نناقش مشاكلنا جماعة فيما بيننا حتى نحدد مواضع الخلل ونجتهد في البحث عن إيجاد حلول ناجعة لها.
نحن نعرف بأن جبهة البريقة لم تكن موحّده في أي وقت من الأوقات بذلك الشكل الذي يتطلّبه الظرف الذي يمرّون به، ونسمع بأن كتائب الثوّار التي تقاتل في البريقة هي على خلاف فيما بينها، ولم تخضع هذه الكتائب لقيادة عسكرية موحّده لأنها لم تكن ترغب في ذلك حسب الإعتقاد. أنا لا أعرف الأسباب التي تمنع قوّاد هذه الكتائب من توحيدها وتعيين قائدا أوحدا لها يمتثل البقية لأوامره وفق التسلسل العسكري والإنضباطي.
من بين المعلومات التي إستمعت إليها، وقرأت عنها هو أن هذه الكتائب كان قد تم تشكيلها من مقاتلين متطوّعين من مختلف المستويات في المناطق الشرقيه من طبرق وحتى إجدابيا، مع إضافة أعداد كبيرة من العائدين من خارج البلاد من شمال أمريكا، وأوربا، ومن منطقة الخليج العربي أيضا. كما أنني منتبه إلى أن أعدادا كبيرة منهم هم من بقايا "الجماعة الإسلامية المقاتله" وهذا ربما  ما كان قد أوجد عنصر الريبة بين الدول المشاركة في الحماية الجويّة نتيجة لتخوّفهم من تنظيم القاعد؛ فالجماعة الليبية المقاتله سبق لها وأن أعلنت إنضمامها إلى تنظيم القاعده في السابق؛ وتلك كانت إحدى المحطّات السوداء في تاريخ هذا التنظيم - من وجهة نظري - التي تركت أثارها السلبية العميقة على تفكير وتصرّفات هذه الجماعه التي عرف عنها مغازلتها لنظام الطاغية القذافي، ودعمها لإبنه سيف في مشروعه المراوغ المسمى "ليبيا الغد"؛ عندما كان الطاغية القذافي يصول ويجول في ليبيا قبل إنتفاضة 17 فبراير التحررية المباركة.
 بدأ واضحا للمتتبّع العادي لجبهة البريقة، وقبلها إجدابيا  بأن عدد كبير من القوّاد والمدربين العسكريين للثوّار في هذه المنطقة كانوا قد إنحدروا من بقايا تنظيم الجماعة الليبية المقاتله، وعددا منهم كانوا من الإخون المسلمون، وكان يوجد بينهم أيضا أفرادا من تنظيمات إسلامية متشددة أخرى؛ فهؤلاء كانت لهم خبراتهم القتاليه والتنظيمية التي إكتسبوها من وجودهم في أفغانستان، والعراق، وربما بوسنيا أيضا. هؤلاء المتشددون الإسلاميون يعرف عنهم حبّهم للقتل والقتال ولو كان ذلك بدون سبب والدليل يكمن في بحثهم عن بؤر القتال أينما كانت بغض النظر عن دوافعها وأهدافها؛ والأمثله على ذلك كثيرة من الصومال، وأفغانستان، بل وحتى العراق، والجزائر.
المتشددون الإسلاميّون لهم وجهات نظرهم الخاصة بهم، ولديهم في معظم الأحيان "الغاية تبرر الوسيلة".... ولعل ما قام به تنظيم القاعدة من مهاجمة أميركا، والكثير من مدن أوروبا الغربيه، وبعض المدن العربية من مراكش وحتى المخيمات الفلسطينية ليؤكّد هذا المفهوم.
ثوّار المناطق الشرقية عليهم أن يتحرروا من سيطرة "الجماعه الإسلامية الليبية المقاتله"، ومن المتشددين الإسلاميين إن كانوا بالفعل يطمحون فى تحقيق مكاسب جوهرية على الأرض ضد كتائب الطاغية القذافي، وعلى السادة التابعين لتلك التنظيمات أن يتخلّوا عن نهجهم الذي أثبتت الأيام عمقه وفشله في تحقيق أية مكاسب للإسلام والمسلمين في أي مكان في العالم. إن تصرفاتهم وطريقة تفكيرهم في حقيقة الأمر هي التي أساءت إلى الإسلام بشكل لم يسبق له مثيلا.  
علينا أيها الساده والسيدات أن نرى ليبيا أمامنا، وأن ننظر إلى المستقبل بأعين متفتّحة، وعقول بتفكير عصريّ يعتمد على الواقع الذي نعيشه بدل التشبّث بأفكار أولئك الذين عاشوا في عصور ليست هي عصورنا، ومعطيات حياتية ليست هي معطيات حياتنا التي نعيشها الآن.... العالم من حولنا كان قد تغيّر بشكل بالفعل وعلينا أن نكون جزءا منه إن أردنا أن يكون لنا حضورا ذا معنى. 

أما بالنسبه ل"الإسلاميين" بمختلف طوائفهم وتسمياتهم فأنا أريد أن أقولها واضحه وصريحه وعليهم أن يعوها : إن الشعب الليبي لايرضى ولن يرضى بنظام حكم يسيطر عليه الإسلاميّون مهما كانت التسميات، ومهما كانت التنازلات؛ فالشعب الليبي يعتبرشعبا مسلما بكامله، ولايحتاج الى "تكفيريين" سوف يكون همهم الأول والأساسي هو التحكّم في كل صغيرة وكبيرة من حياة كل ليبي وليبيه وفق نظراتهم الضيقة للحياة، ووفق تفسيراتهم لكتاب الله التي مازالت وللأسف تستند الى أقوال وأفعال أولئك الذين عاشوا في الزمن الغابر. وإلى أولئك الذين يطلبون منا بالعوده الى نهجهم في الحياة ومسالكهم نقول لهم وبكل قوة "لا" فربما كانت أفكارالسلف جيّده في الزمان والمكان الذي عاصروه وعاشوا فيه، وربما كانوا عباقرة في عصرهم؛ لكن أفكارهم وتفكيرهم لايمكن تطبيقها في زمننا الحاضر لأن الزمان والمكان والإنسان كانوا قد تفيّروا بالفعل ولا يمكن إرجاع ساعة الزمن إلى الوراء. إن الذين يدعون الى عودة "الخلافه الإسلاميه" ما هم إلا أناس يعيشون في الماضي السحيق ولايستطيعون النظر الى الأمام لأنهم عاجزون.

الإسلاميون على وجه العموم ـ والإخوان المسلمون على وجه الخصوص ـ ليس لهم من حلم سوى الإستيلاء على السلطه ومن بعدها سوف يحوّلون حياتنا الى جحيم؛ ولذلك فأنا شخصيا ضد أي حكم يتمسّح بعباءة الإسلام مهما كانت وسائلهم وتطميناتهم فهم يتلاعبون بالألفاظ، ويتسلّحون بالمرونه من أجل تحقيق أهدافهم وأنا متأكّد بأن الغاية عندهم تبرر الوسيله وسواء كان ذلك إعتقادا أو تكتيكا فلايهمني في شئ.

أما كلام السيد مراقب الإخوان "سليمان عبد القادر" في آواخرعهد الطاغية معمر القذّافي فإنني إعتبره إنعكاسا واضحا لما ذكرته أعلاه فقد قال السيد سليمان عبد القادر { وإنما اخترنا طريق الإصلاح وقدمنا مصلحة البلاد على جراحنا، نحن اخترنا منهجا إصلاحيا سلميا ورحبنا في هذا الصدد بكل جهد يصب في هذا الاتجاه، لأننا نريد المحافظة على الوطن، لأن أي منهج غير الإصلاح سيعرّض البلاد إلى التدخل الخارجي أو الفوضى، ونحن لسنا مع التدخّل الخارجي ولا مع الفوضى}... أقول إن هذا الكلام يعتبر مردودا على الخط "الإسلامي" بالكامل؛ فهم أول من خلق الفوضى في البلاد، وهم من مارس العنف بكل أشكاله في أحداث الجبل الأخضر التي كادت أن تمزّق البلاد وتحوّلها الى أفغانستان جديده. من كان المسئول عن أحداث الجبل الأخضر في أوائل التسعينات؟. أليست هي الجماعة المقاتلة الليبية التي تعتبر واحدة من الجماعات الأصولية التي نشطت في حقبة التسعينات وقامت بكثيرٍ من الأعمال ـ أعمال العنف المسلح ـ تحت شعار إقامة حكم إسلامي في ليبيا؟.

 على "الإسلاميين" أن ينظّفوا عقولهم بل ويغسلوها من ذلك التيه والبهتان الذي يعيشون فيه، وليخرجوا الى نور الله في الأرض حتى يروا الدنيا على حقيقتها؛ وبعدها بإمكانهم أن يقنعونني بأنهم بالفعل كانوا قد تغيّروا؛ أما أنهم يركبون على كل سكه، ويصدروا "المراجعات" كما أرادها منهم السلطان فذلك هو النفاق السياسي الذي يمارسه الإسلاميون في كل بقاع العالم من حولنا بدءا بحزب التحرير الإسلامي، ومرورا بطالبان، وعروجا على القاعده، وإنتهاء بالجماعه الليبيه الإسلاميه المقاتله والتي أظنها الآن قد تنازلت على كلمة "المقاتله" توافقا مع مراجعاتها التي كانت يقينا مرحليه وأعدت حصريا لخدمة الظرف الزمني الذي وجدت مضطرّة فيه نفسها... أي أن تلك المراجعات لم تكن أبدا تعبيرا على تطوّر فكري، أو تغيير منهجي أو سلوكي، وإنما كانت فقط ثمنا لحرية كانت الجماعه تحلم بها لأعضائها المسجونين حينها في سجون الطاغية القذّافي لكنّها لم تحصل عليها بعد أن خسرت الصفقه لأنها كانت قد تعاملت مع رئيس عصابات، ولم تكن قد تعاملت مع رجل دوله له عهد أو خلق. ذلك هو وللأسف "وليّ الأمر" الذي أوجبوا علينا طاعته، وأمرونا بأن لانعارضه أو نقف ضدّه مهما فعل بنا على أساس أن ذلك من شأنه أن يسبب فتنة في البلاد ناسين بأن الفتنة التي يخيفوننا منها هي نفسها التي سعوا إليها بسلاحهم ونيرانهم القاتله في عام 1996. 
أتمنّى أن يتحرر المقاتلون في شرق بلادنا من سيطرة أولئك الذين مازالوا يؤمنون بالثأر، ويتبّنونه كما حدث للشهيد البطل اللواء عبد الفتاح يونس، وكما سوف يحدث الكثير منه في المستقبل إن تمكّن هؤلاء من الإستيلاء على السلطة أو الحصول على جزء منها. علينا أن نحذر شرور هؤلاء، وأن نتعامل معهم بكل ريبة وخوف فهم لايمكن أن يؤمّن جانبهم.
إن الذي منهم من يرغب في بناء حياته كمواطن ليبي فهو مرحّبا به في بلده ليساهم في بنائها مع بقية الليبيين والليبيات؛ أما أولئك الذين فضّلوا البقاء على معتقداتهم البالية فأقول لهم إن ليبيا سوف يحكمها الشباب المتعلمون، وهؤلاء سوف لن يستمعوا إلى دعوة تقودهم إلى الوراء حتى وإن تجمّلت هذه الدعوات بأيات من كتاب الله الذي نعرفه جميعا كليبيين مسلمين فعالم اليوم لم يحتاج إلى هؤلاء أصحاب الفتاوي كما نشاهده كل يوم على شاشة "ليبيا الأحرار" يأخذ من وقتنا الثمين أكثر من 4 ساعات يوميا بين البرنامج وإعادته من أجل الإفتاء للناس عن إستعمال معجون الأسنان للصائم في النهار... الم يوجد في حياتنا ما هو أهم من هذه "الفتاوي الرخيصة" مع كامل إحترامي لمفتي ليبيا الذي ما كان يجب عليه أن ينزل بمستواه الفقهي والثقافي إلى هذا المستوى المتواضع الذي لايفيد الكثير من الليبيين.

2011/08/11

لماذا فسدت طبائع الناس في بلادي؟

قد تشتري بالمال كل شئ إلا السعاده، وقد تعتبر نفسك بالمال مع أولئك الساده؛ ولكن ..... عندما يصبح التكالب على المال هو همّنا ، وعندما ننكبّ على جمعه بتلك الشراهة، ونسعى الى تكديسه بتلك الأنانيه... فإننا عندها سوف نخسر دنيانا، وحينها فقط سوف ننتبه الى أننا ربما أيضا كنا قد خسرنا أخرانا.

لا أدري لماذا؛ لكنني أظن بأن حياتنا أصبحت هكذا تتقاذفها أمواج السياسه الهائجه هنا وهناك، ولم يعد لنا من متّسع للتفكير الهادئ الرصين الذي به ننتبه الى ما هو أهم من السياسه، وما هو أعجل من أحداث الساعه. تحولّنا كلّنا، أو أغلبنا على الأقل الى ماكينات لاتتحرك إلا بوقود السياسه؛ وبذا فقد غاب عنا الإبداع، غاب عنا الإحساس المرهف، وغاب عنا الإهتمام بأنفسنا الى درجه أننا أصبحنا توابع يجرجرنا السلطان كما يشاء، وإلى حيثما أراد؛ بعد أن كنا مبدعين ننطلق من داخل أحاسيسنا ووجداناتنا غير عابئين بالسلطان ولا بأفعاله ونشاطاته ربما من باب أننا في واد والسلطان في واد آخر، أو ربما لأننا لم نكن حينها نهتم بالسياسه قدر إهتمامنا بها الآن.

2011/08/08

الإسلام الحقيقي

الإسلام يعني العلاقة بين الإنسان وربّه وكلّما صلحت هذه العلاقة كلّما صلحت علاقة الإنسان بغيره من البشر. إن الإسلام بمفهومه الحقيقي يعني الممارسة اليومية أي أنّه يعني الحياة والتعايش من خلال ضوابط إيمانيّة وليس من خلال طقوس ومظاهر خارجيّة.

إن أهم ما يميّز الدين الإسلامي هو تلك العلاقة المباشرة بين المسلم وربّه، وهذه العلاقة وفق التعريف لاتقبل طرفا ثالثا ومن ثمّ فهي تبنى على الصدق والشفافيّة والإخلاص. عندما يقف المؤمن بين يدي الله، وعندما ينوي القيام بعمل ما فإنّه يشهد الله فقط على هذا وتلك في حدّ ذاتها تدخل في بند الإلتزام الذاتي الذي لايقبل التظاهر؛ فالعلاقة في الأساس هي بين إثنين ( ربّ قادر وعبد مطيع).

2011/08/07

المستسلمون

الجماعه الليبيه المقاتله ـ أو كما كانت تسمّى ـ يبدو أن أعضاءها كان قد جرفهم التيار، وتاهوا في عالم الوهم والخيال الذي رسمه لهم أولئك الظلاميون الذين لم يروا من الإسلام غير العقاب، وعذاب السعير.

الحراك الوطني

تشهد بلادنا هذه الأيام حراكا سياسيّا وفكريّا لم يحدث مثله منذ فترة ما قبل الإستقلال؛ أي منذ عام 1949-1951 حين شعرالليبيّون بحرّيتهم فتسابقوا إلى التفكير في مصير بلادهم، ومستقبل حياتهم.

عندما تقترب النهاية يصعب الطريق

من طبيعة البشر التسرّع في جني الثمار والوصول إلى نهاية الطريق ولو كان ذلك قبل الآوان ؛ وإذا حدث أن تعطّل المسير ولو لوهلة قصيرة فإنّ الناس تبدأ في القلق والخوف. الإنسان المتفائل هو ذلك الذي يأمل خيرا، وينتظرالأحسن، ويقول في داخله: عسى أن يكون الغد أفضل.
في المقابل نجد المتشائمين لايرون من الأشياء غير سلبياتها، ومن المستقبل غير نكساته فيتحوّلوا إلى عصابيين سرعان ما ينتابهم الضيق الذي قد يؤدّي بهم إلى الإكتئاب في أغلب الأحيان.

الثورة تعني الهيجان

منذ عام 1969 ونحن نكاد لانستطيع أن نعفي أنفسنا من عناء سماع هذه الكلمة "الثورة التي تحولت بفعل "ثورة" العقيد القذافي إلى كلمة نكد تحمل بين طيّاتها الشر، واللؤم، والغش، والسرقة. نعم فقد تحولت "الثورة" في ليبيا في عهد الطاغية القذافي إلى هيجان متواصل يجرف من أمامه كل ما هو مستقر وكل ما هو مستو ومنتظم.

يحكم بلادنا الأخيار بعد فترة من حكم الأشرار

دأب المجلس الإنتقالي في ليبيا منذ الأيام الأولى لتكوينه على إختيار الأصلح لحكم وإدارة شئون بلادنا. فبعد المجموعة المنتقاة سالفا من أمثال الدكتور محمود جبريل، والدكتور علي الترهوني، والأستاذ محمود شمّام، وغيرهم من السادة الأخيار الذين وإن كانوا لايمثّلون الأحسن في ليبيا؛ لكنّهم قد يكونون من بين الأفضل فيها.
بدون شك إن عملية الإنتقاء والتكليف قد تكون صعبة وحسّاسة في نفس الوقت، وقد تحتاج إلى عقول مفكّرة، وضمائر صادقة لكنّ ما سبق من تعيينات ينبئ بأن هناك صدق في الإختيار، وبأن هناك واعز كبير لخدمة الوطن، وهناك رغبة أكيدة أيضا في البحث عن الأجود من أجل بلوغ الأفضل..... وهذا في حدّ ذاته يشعرنا بالإطمئنان على أداء المجلس الوطني المؤقّت رغم كل الصعاب، ويعطينا ما يكفي لنعيد الثقة بأنفسنا بعد أن حطّم الإرادة بداخلنا ذلك البدائي المتخلّف.
كان آخر التعيينات الصائبة من وجهة نظري يتمثّل في تكليف السيّد محمود الناكوع بمهمّة تمثيل المجلس الإنتقالي في لندن ( ما يعادل سفير) مع أنّني كنت أتوقّع بأن يقوم بهذه المهمّة السيّد جمعة القماطي تقديرا لدوره الفعّال في التعريف بثورة 17 فبراير المجيده من خلال أعماله الجيّدة على الأرض، ومن خلال مساهماته الكثيرة في وسائل الإعلام المختلفة.
نعم أنا أتّفق مع من إختار الأستاذ محمود الناكوع ليقوم بالمهمة التي أنيطت به نظرا لعمقه الثقافي، ونضوجه، وكذلك معرفته الجيّدة بالبيئة التي سوف يعمل في محيطها؛ ومن هنا فأنا أبارك هذا التعيين وأعتبره إختيارا موفّقا من حيث المكان ومن حيث الزمان.

أنا متأكّد تماما بأن الأستاذ محمود الناكوع، والأستاذ جمعة القماطي يعرف كل منهما الثاني جيّدا، ويوجد بينهما تجانس وتشابه في الأفكار والتفكير وبذلك فإنهما سوف يشكّلان معا نواة الفريق الديبلوماسي لسفارة بلادنا في المملكة المتّحدة التي تعتبر من بين الدول السبعة العظام في عالمنا المعاصر.

أريد هنا أن أنتهز هذه المناسبة لأنبّه على أهمية السلك الديبلوماسي كمرآة تعكس صورة البلد للعالم المحيط؛ ومن هذا المفهوم فعلى أصحاب القرار في بلادنا منذ الآن أن يعطوا هذا المجال الكثير من تفكيرهم وإهتمامهم بما يتماشى وروح التغيير التي تشهدها بلادنا الحبيبة منذ 17 فبراير 2011 والتي سوف تستمر إلى الأبد بإذن الله.

إنني إقترح في هذا السياق بأن يتم إنشاء معهد عال متخصّص لإعداد الديبلوماسيين الليبيين تحدد له معاييرعالمية راقية لمسيرة العمل فيه، وشروط واضحة لمن يريد الإنتساب إليه بحيث في نهاية المطاف لن يعيّن أي ليبي في المجال الديبلوماسي بدون الحصول على شهادة تخرّج من هذا المعهد. كما أنني أقترح بأن يتم إختيار الدارسين في هذا المعهد من خريجي كليّات الإقتصاد والتجارة، الصحافة، اللغات، والقانون الدولي؛ كما إقترح بأن يكون من بين شروط الإنتساب لهذا المعهد الذوق واللطافة في المظهر، الوسامة في الملامح، التهذّب في الحديث، السعة في المدارك، القدرة على الخلق والإبداع، والرغبة الصادقة في العمل.

ختاما... أتمنّى من كل إخوتي الليبيّين والليبيّات بأن يجعلوا ليبيا نصب أعينهم، وحب الوطن مسعاهم، والرقي بحياة الليبيين ككل غايتهم، وأن نعمل جميعا على قتل الآنانية وحب التملّك التي غرسها نظام العقيد المتخلّف في أنفسنا طيلة عقود حكمه المظلمة. علينا أن نتعلّم أسس الحوار البناء، وآدابه، وفنونه هادفين إلى خلق روح من التآخي والحب والإحترام لبعضنا ولغيرنا بذلك القدر الذي تتعزّز به قيمة الإنسان في بلادنا بتلك الهيئة التي أراده الله بأن يكون عليها... سيّد المخلوقات جميعا.

شتّان بين الثرى والثريّا

بعد فترة سكون وسكوت أحاطت بالطاغية القذافي كانت غير معهودة بالنسبة لحاكم طاغية مثله لايستطيع العيش بدون ضوضاء وبهارج حتى أن حدوثها أرسل الكثير من الإشارات؛ فهذا الطاغية يعيش على الدعاية، ولا يستطيع نظام حكمه أن يعيش يوما واحدا بدونها.... بعد هذا السكوت الذي لم يستمر طويلا؛ قرر الطاغية القذافي الخروج للعالم بطريقة فريدة من نوعها... رقما قياسيا عالميا في طول "العلم الأخضر"الذي إستعرض به "مؤيدوه" في شوارع العاصمة ليبرهن للعالم على أنه مازال موجودا، وعلى أنه مازال قادرا على تحدّي العالم أجمع.... وعلى أنّه سوف ينتصر في نهاية المطاف؛ أو هكذا قال له السحرة.

إنتظرنا خطابا فتحصّلنا على خطبة

لو كان الإختيار بين ديكتاتور السياسة أو ديكتاتور الدين لكنت إخترت ديكتاتور السياسة
ديكتاتور السياسة يمكن التفاوض معه، وهو قابل للتنازل إن هو حصل على ما يريد؛ أما ديكتاتور الدين فهو غير قابل للتنازل حتى وإن حصل على مايريد لأنه لايعرف حقيقة ما يريد.
ديكتاتور السياسة يستلم آوامره من الأرض، أما ديكتاتور الدين فهو يستلم آوامره من "السماء" .

ديكتاتورالسياسة يفكّر بعقله؛ أما ديكتاتور الدين فهو يفكّر بصلبه.

ديكتاتور السياسة لن يتدخّل في حياتك إن لم تقترب منه أو تنتقده؛ أما ديكتاتور الدين فهو يتدخّل في كل شئ في حياتك حتى وإن حاولت تجنّبه أو الإبتعاد عنه .

شباب ليبيا وشاباتها... سلّموا على بعضكم، وتصافحوا كما شئتم؛ وليعلم أصحاب التفكير الضيق، والعقول المتحجّرة بأن الأعمال

بالنياّت، ولكل إمرئ ما نوى.

الصلاّبي والدور المشبوه




الكثير منا ربما يعرف الدكتور علي الصلابي. بعضكم ربما يعرفه من خلال كتاباته، وكتبه، وربما من خلال مقابلاته مع المحطات
الفضائية وخاصة محطة الجزيرة الفضائية .
أنا شخصيا عرفت الصلابي من خلال دوره في قضية سجناء ( وليس شهداء) أبوسليم من أعضاء الجماعة الإسلامية المقاتله حين كان
الصلابي يستظل بظل إبن الطاغية المدعو سيف معمر القذافي الذي كان يعتبر عراب "ليبيا الغد" حين كان هو ووالده، وإخوته، وأمه، وأخته يصولون ويجولون في ليبيا معتبرينها إقطاعية يملكونها، وحين كان ينظر هؤلاء "الحقراء" إلى أبناء الشعب الليبي على أنهم مجرد عبيد في بلدهم من واجبهم خدمة السيد وأهله، أما بنات ليبيا فكن يعتبرن متاعا ومتع للقذافي وأبنائه.
الدكتور الصلابي قام بالكثير من الأدوار المشبوعة حينها؛ لكن العهر في عهد الطاغية القذافي كان يحتسب شرفا ووطنية. الدكتور الصلابي قام بالطلب من سجناء الجماعة المقاتلة بإصدار ما عرف حينها ب"التراجعات" والتي كانت مذلة لسجناء الرأي الذين كان جرمهم الوحيد أنهم طالبوا بحريتهم . ربما يعرف بعضكم بأن تلك التراجعات كانت مجرد إعتذار للطاغية القذافي من قبل أعضاء الجماعة المقاتلة لوقوفهم في وجهه، ولتجرأهم على المطالبة بحقوقهم التي سنتها لهم الشرائع السماوية، والشرائع الأرضية؛ لكن الطاغية القذافي كان يعيش في عالم آخر غير عالمنا الأرضي... عالم صنعه من خياله، وظل أسيرا له منذ أن إستولى على الحكم في ليبيا عام 1969 وظل كذلك وللأسف إلى يومنا هذا وهو لايستطيع أن يخرج من سجنه الذي أحاط به نفسه؛ لأنه وبكل بساطة كان أسير الوهم؛ وسيظل كذلك إلى أن يتم مسكه في أحد الجحور كما حدث للطاغية صدام حسين من قبله.
الدكتور الصلابي ( ساعد سيف القذافي الأيسر في عهد القائد الأوحد) وجد نفسه اليوم يعاني من فراغ في السلطة في داخله، وأحس بأن العالم من حوله لم يعد يحفل به فقرر الإتصال بالواثقين به من أجل أن يرد لهم الجميل. هب إليهم يفاوضهم على "التنازل" عن الحكم في مقابل ضمان الأمن والسلام لهم في مستقبل حياتهم، وقال بأنه يتفاوض بالنيابة عن الليبيين !!.
الدكتور الصلابي لم يفكر حينها بأولئك الذين ضحوا بحياتهم في سبيل حرية الشعب الليبي وهم بعشرات الألاف كما أظن بأن الدكتور الصلابي يعرف؛ وهؤلاء لم يضحوا بأغلى شئ في حياتهم وهو حياتهم نفسها من أجل أن يقف الطاغية القذافي أمام "المؤتمر الشعبي لطرابلس" ليعلن من خلاله تنازله عن الحكم في مقابل ضمان حياة آمنة ومطمئنة يحتفظ فيها بكل أمواله المغتصبة من أموال الليبيين، ويحتفظ أيضا بحماية مضمونه من محكمة العدل الدولية، وكذلك ربما بالإشارة إليه في الدستور المزمع إعداده ( الدكتور الصلابي بالمناسبة من بين أعضاء لجنة إعداد الدستور !) بأنه الرمز، وبأنه صاحب نظرية الإنعتاق النهائي من " العبودية" و"التسلط"!!!.

أتمنى من الدكتور الصلابي أن يعود إلى الإمارات أو قطر ليبقى هناك حتى نتمكن من تحرير أنفسنا من هذا الطاغية لأننا نحن اليوم نبحث عن حريتنا، ولا نستجدي حقنا للدماء لأن الباحث عن الحرية لايحسب الخسائر وإلا فإنه حتما سوف لن ينتصر أبدا.

منذ متى يا دكتور الصلابي يحفل الطاغية القذافي بدماء الليبيين، أو أرواحهم حتى يعمل للحفاظ عليها؟

أجب على هذا السؤال بكل صدق وحينها سوف تكتشف هذا المطب الخطير الذي وضعت فيه نفسك حين قررت التفاوض مع نظام
القذافي من أجل "الحفاظ على دماء الليبيين"!!.