2024/04/11

الإنتقال من الإستقبال إلى الإرسال

حينما يتمكّن أيّ منّا من التعرّف على كم قدراته الكامنة، وحنيما يعرف كيف ومتى ولأيّ هدف يستخدمها؛ فإنّه بذلك سوف يقدر على بلوغ مستويات ومراتب لايقدر غيره على بلوغها أو حتى الإقتراب منها. ذلك المستوى الراقي سوف يجعله قدوة لغيرة، ومنارة تضئ طرق الآخرين.

في هذا اليوم الموافق للثاني من شهر العيد؛ أود أن أنتقل معكم وبكم من مرحلة الأخذ في حياة الإنسان إلى مرحلة العطاء والإبداع والتجديد. أنتقل بكم ومعكم من محطّة الإستقبال إلى محطّة الإرسال... من برزخ القبول بما يأتي إلى زنقة العبور نحو الهدف. سوف ننتقل معاً من محاولات "التعرّف" إلى إمكانيّات وآليّات "إستخدام" ما نعرف.
أريد هنا أن أعود إلى فكرة "الحاسوب"، وكيف أن حاسوبك هو عبارة عن صندوق يحمل بداخله قدرات بوسعها أن تحوّله من جهاز جامد وساكن وميّت إلى كينونة مختلفة... إلى عالم متحرّك، وفاعل، وقادر على العطاء. أريد أن أذكّر القارئ العزيز والقارئة العزيزة اليوم بفكرة "الصندوق الخشن" Hardware، و"المحتويات الناعمة" Software؛ لأنّنا بصدق نحتاج إلى هذا الإستدراك من جديد بهدف العبور معاً إلى الأمام.... إلى فرض أنفسنا على واقعنا بدل فرض واقعنا علينا. أحاول من الآن طرح ذلك البساط النظيف بألوانه الجميلة وملمسه الناعم حتى نقدر كلّنا على المشي فوقه بهدف العبور من موضع "الرضاء" السلبي إلى موقع "القبول أو الرفض" الإيجابي، وذلك سوف لن يتحّقق بدون أن نعرف ونمتلك ونقدر ونتصرّف. قد نقبل بكل ما يقذف إلينا من نافذة الخوف والإرتعاب وغياب المعرفة، وقد نقذف كل ما يقذف إلينا إلى من يقذفه علينا ونحن نمتلك ثقتنا بأنفسنا ونتصرّف بإيعازات من قدراتنا الكامنة في دواخلنا.

التعرّف على قدراتنا الكامنة
علينا بالتذكّر دوماً بأنّنا أرقى مخلوقات الله جميعاً، وبأن الله كان قد أمدّنا بقدرات كبيرة وإمكانيات ضخمة تمكّننا من البقاء والإستمرار وقبول التحدّي. علينا بالتذكّر بأن الله كان قد نفخ في أجسامنا من "روحه"، وتلك لها معاني كبيرة جداً لمن يبحث عن خفايا الأشياء، ويرغب في الدخول إلى عالم "المجهول". أن تمتلك جزء من الله في جسمك، وأن تسير بتلك "الروح" التي نفخها الله فيك؛ فليس ذلك بالأمر الذي يعبر هكذا بدون توقّف بهدف التفكير والتدبّر.... والتعرّف على قدراتنا المختفية بدواخلنا.
كل منّا إخوتي وأخواتي يمتلك بداخله قدرات كبيرة وكبيرة جداً، وعلى كل منّا بأن يتلمّسها... يبحث عنها.... يعرف مواضع تخزينها.... يتعرّف على الأليّة التي بها وعن طريقها يمكنه إستجلابها؛ والأهم إستخدامها في مواضعها التي خلقت لها أو من أجلها.
الحديث في هذا الإطار قد لا تكون له نهاية، وقد أستمر حتى صباح الغد وأنا أكتب؛ ويقيناً سوف لن أصل إلى العمق الذي أقصده برغم أنّني أحمل من الجدية والإصرار بذلك القدر الذي يجعلني أقدّر معنى وجودي على هذه الأرض. الحديث هنا يطول ويتشعّب وقد لا يعرف وجهة معيّنة أو ربّما مقصداً Destination محدّداً؛ لكنّني يقيناً أعرف معالم ذلك العالم الذي أحلم بالولوج في رحابه ومتاهاته المكتنزة بالأسرار.
فيما أكتب لكم اليوم سوف أقصر كلامي على قدراتنا المخيّة، وكيف يمكننا وضع أيادينا عليها ومن ثمّ تجييرها وتسييرها والتحكّم فيها، بحيث نستخدمها متى إحتجنا إليها وحينما نستخدمها نقدر على الإستفادة من مردوداتها بأقصى ما يمكن.
الكثير منكم كان قد سمع عن مشاريع برمجة وظائف مخّ الإنسان بحيث يكون بوسع العارفين من البشر والمقتدرين منهم الإستفادة من كل وظيفة مخيّة حسب الحاجة وحسب الزمن.
مشاريع برمجة مخّ الإنسان حينما تتوسّع ويتعرّف الناس عليها سوف تمكّننا من التحكّم في عالمنا المحيط بما يخدم رغباتنا ويحقق لنا الكثير من أحلامنا وفق مشيئاتنا من ناحية ووفق إحتياجاتنا لها من ناحية أخرى. مشاريع برمجة مخّ الإنسان حينما تكتمل وتصبح واقعاً مدروكاً فإنها قد تكون مشابهة لبرنامج "تحديد المواقع العالمي" Global Positioning System؛ أو كما نعرفه بنظام GPS الشهير؛ والذي كلّنا نستخدمه لبلوغ غاياتنا المكانيّة.
نظام GPS نستخدمه هنا في بريطانيا كبديل لخريطة الطرق القديمة والتي تسمّى A-Z . تلك الخرائط الورقيّة كانت ترشدنا إلى توجّهاتنا؛ بحيث نصل إلى حيث نبتغي في أقل فترة من الزمن بدون التيه في عوالم لم نكن نعرفها أو نعرف معالمها. بكل تأكيد إن وضعت اليوم كتاب A-Z في سيّارتك قبل أن تخرج من بيتك فسوف يضحك عليك كل من يشاهدك، وقد يصفك ب"المتخلّف" !!.
مشاريع برمجة مخّ الإنسان سوف يقيناً تمكّننا من بلوغ غايات نرتأيها؛ لكنّها يقيناً سوف لن تكون غايات "مكانية"؛ وإنّما غايات "هدفيّة". مشاريع برمجة مخّ الإنسان تتلخًّص في رسم خريطة مخيّة تحدد مواقع الوظائف حسب المعرفة الطبيّة والفسيولوجيّة لمخ الإنسان، ومن بعدها البحث عن وسيلة لحثّها حسب الطلب وحسب الحاجة بهدف تفعيلها ثم تجييرها والإستفادة منها. تلك المشاريع من الممكن بأن تصبح مشاريعك أنت، وبوسعك أن تستلمها من روّادها مثل "إيلون ماسك" وبدون التوسّل إليه بأن يعطيها أو يعيرها لك؛ فيمكنك أنت وفي مكانك وبيئتك ووفق ظروف حياتك إستخدام مشروع "إيلون ماسك" لتسيير حياتك وفق رغباتك وتحقيق غاياتك حسب تعاملاتك... عيدكم سعيد ومبهج ومفيد.

2024/04/04

هزائمنا وإنكساراتنا كانت بسبب أنانيّاتنا



لا يـمـكـنـك أن تـبـنـي بــلــداً بـدون حــكــم ديــمــوقــراطــي. إن الــديــمــوقــراطــيّــة تـعــنـي حــريّــة الــشــعــب فــي أن يــخــتــار مـن يــحــكـــمــه، وأن يــعــتــرض حــيــنــمــا الـحــاكــم يــظــلـــمــه، وأن يــغـــيّــره ثــم يــحــاســـبــه.
إن المتتبّع لتاريخ العرب خلال القرنين الماضيين يرى بكل يسر وسهولة بأن كل الشعوب العربيّة تعيش في عالم مليء بالآنانيّة والتسلّط ورغبة التملّك والإستحواذ من ناحية من يحكمون العرب، وقبول الشعوب العربيّة صاغرة بكل ما يقذف إليها وكأنّها قطيعاً من الغنم يهيم في صحراء قاحلة يفرح بكل ما يقذف إليه ولو كان رديئاً.
لماذا يا عرب... يا سادة ويا سيّدات... لماذا نحن وصلنا إلى هذا العجز والفشل والهوان والإرتماء.... وغياب النخوة في دواخلنا؟. لماذا نحن هكذا مهزومين، ومستصغرين، ومستضعفين.... ومن غيرنا محتقرين؟.
أنا ربّما أعرف لماذا. علينا بأن ننظر إلى دولة الصهاينة"إسرائيل"، ولنتخذ منها مثالاً قد نتعلّم منه. "إسرائيل" أنشئت في عام 1948م ، وكانت قد أنشئت على أعقاب العرب المهزومين حينها وحتى اليوم، وعلى ترابهم الذي يقولون بأنّه "مقدّس".
"إسرائيل" هذه عدد سكّانها 6 مليون يهودي، وهي محاطة بكل الأعداء، ومن كل مكان. "إسرائيل" يا سادة أصبحت اليوم أكبر قوة في كل الشرق الأوسط، وربما من بين أقوى العشرة الأوائل في كل العالم... لماذا؟.
لأن "إسرائيل" هي بالفعل تحكم شعبها ب"الديموقراطيّة"... نعم "الديموقراطيّة" يا عرب. أنتم - يا شعوب العرب - يحكمكم الأنذال بقوّة الغطرسة، وبفعل التعنيف، وبأثر الترهيب. الذين حكمونا وما زالوا يحكموننا وقفوا بيننا وبين "التقدّم"، وقفوا بيننا وبين "الحريّة"، وقفوا بيننا وبين "بناء أنفسنا". إنّهم حقّرونا وإحتقرونا حتى تمكّنوا من تدجيننا. أصبحنا اليوم كشعوب عربيّة لا يهمّنا غير إيجاد كسرة الخبز لنملأ بها بطوننا؛ أمّا الحريّة، والتحرّر، وفرض إرادتنا على من يحكمنا فهي أصبحت وللأسف من "الرفاهيّات" التي لا نقدر على توفيرها لأنفسنا.
نحن شعوب مهزومة، ومن هزمنا وفرض علينا الهزيمة هم حكّامنا، ومن فرض حكّامنا علينا هم "الكفّار" الذين يكرهوننا لأننا عرب، ويكرهوننا لأنّنا مسلمين. فنحن في نظرهم وتفكيرهم برابرة، وغلاظ، وإرهابيين، ومتخلّفين. وربّما هم على حق.
في عمق المعمعة، وفي وسط الحرب التي يشنّها جيشهم على أهل غزّة؛ وبرغم كل المخاطر الماثلة أمام جيشهم، وإحتماليّة حدوث مفاجآت غير متوقّعة قد تهدد كيانهم عن بكرة أبيه.... برغم كل ذلك، وفي وسط المعمعة يخرج الإسرائيليّون علنا وبكل ثقة، وبدون خوف... يخرج الإسرائيليّون في تل أبيب والقدس للشوارع ليسبّوا رئيس وزرائهم، وينعتونه بكل العبارات القذرة، ويطالبوا بإستقالته أو إقالته وهو يقود حرباً قد تكون مصيرية بالنسبة لهم. لم يمنعهم أحد من الخروج، ولا من التعبير عن سخطهم على رئيس حكومتهم.... فقط وفقط؛ لأنّهم يعيشون في دولة ديموقراطيّة. علينا الإعتراف بذلك فقط لأنّه حقيقة واقعة وماثلة أمام أعيننا، ولا يمكننا إنكارها.
هل يستطيع أي شعب عربي أن يفعل ذلك وفي أية دولة عربيّة؟. أجيبوا على ذلك السؤال بكل صدق؛ وحينها سوف تعرفوا لماذا تنفق بلداننا مليارات مليارات من الدولارات لتسليح جيوشها؛ لكن تلك الجيوش لا تعرف كيف تحارب، وإن حاولت فإنّها حتماً ستنهزم... وتاريخنا يخبرنا بهزائمنا وأسبابها.
لماذا تكدّس البلاد العربية كل أنواع الأسلحة التي تستوردها ممّن يكرهها؟. متى سوف تستخدم جيوشنا العربيّة تلك الأسلحة المكدّسة، وضد من؟. هذا هو سؤال آخر يبحث عن إجابة صادقة. ليلتكم سعيدة، ويتقبّل الله صيامكم وصلاتكم وتهجّداتكم وإبتهالاتكم. تصبحون على خير؛ وعيدكم هو يوم "الإربعاء".... وممكن أنّكم تدفعوا زكاة الفطر بالدينار.