2011/08/27

مازال الشعب الليبي ينتظر الحقيقة



الشعب الليبي بمجاميعه قام بالثورة على الظلم والطغيان بغرض تغيير مسار حياته بعد أن إستحوذ الطاغية القذافي على كل شئ، وتحكّم في كل شئ، وبعد أن حكم البلاد بالغش والكذب والضحك على الليبيين مستغلاَّ طيبتهم. الشعب الليبي ضحّى بالكثير، وقدّم خيرة أبنائه فدءا في سبيل الحرية، وهذا الشعب سوف لن يرضى بأن يحكمه مخادع جديد. المجلس الوطني الإنتقالي في المحك، ومسيرة ثورة 17 فبراير في المحك أيضا إلى أن تعلن الحقيقة كاملة في قضية إغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس. لابدّ للحقيقة من أن تعلن كاملة للشعب الليبي، ولابدّ من أن ينال الجاني عقابه ولو كان الجاني هو أحد أعضاء المجلس الإنتقالي، أو أحد أعضاء اللجنة التنفيذيّة؛ وعلى المجلس الإنتقالي أن يكون القدوة في عملية البحث عن الحقيقة وإظهارها حتى وإن كان الإختيار صعبا.... فالوطن هو أهم من الأفراد، والعدل يجب أن يكون سمة التغيير، والقانون لابدّ من أن يكون فوق الجميع إن كنّا بالفعل نبحث صادقين عن حياة أفضل، ومستقبل واعد لأبنائنا وللأجيال اللاحقة.

هل هناك من يقدر على إحترام عقولنا ؟
صدر الخبر التالي عن وكالة رويترز للأنباء:{ قال متحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي المعارض في ليبيا ان المجلس قرر حل المكتب التنفيذي بعد قصور من قبل بعض الاعضاء في التعامل مع حادث مقتل القائد العسكري للمعارضة قبل 12 يوما.
وقال المتحدث عبد الحفيظ غوقة لقناة تلفزيون الجزيرة ان الزعيم المعارض محمود جبريل الذي شغل منصب رئيس المكتب كلف مجددا بتشكيل مكتب تنفيذي جديد.
وتابع غوقة "نظرا للقصور الذي صاحب اداء بعض اعضاء المكتب التنفيذي حيال هذه الازمة والحادثة قرر المجلس اعادة تشكيل المكتب التنفيذي.}

وتعليقا على هذا الخبر أودّ قول الآتي... والله إنني أشعر بالأسى والحزن ؛ بل والمرارة حين أرى نفرا من أبناء بلدي وهم يغلّبون مصالحهم الآنيّة على مصلحة الوطن.
إنّه لمن المخزي فعلا أن نرى شباب ليبيا وهم يضحّون بأرواحهم في سبيل حريّتنا جميعا، وفي سبيل إنقاذ بلادنا من براثن حكم الطغاة الذين إستولوا على حريتنا، وأذلّوا شعبنا، وإستباحوا حرماتنا جميعها، وسرقوا ثروة بلادنا، وإحتقرونا، وحقّرونا لأكثر من أربعة عقود من الزمان؛ وفي المقابل نجد من إعتبرناه منّا يخرج خلسة من وراء ظهورنا ليقوم بطعننا ويغدر بنا جهارة وفي وضح شمس النهار.

هل نحن بالفعل جديرون بالحرية، وهل نحن أهل لها؟. علينا جميعا أن نسأل أنفسنا مثل هذا السؤال المنطقي: كيف إستطاع بدويّ متخلّف مصاب بعقد نفسية لا حصر لها أن يحكمنا ويسيطر على كل شئ في حياتنا لأكثر من أربعين سنة؟. هل تمكّن من ذلك لقوّته وذكائه؛ أم أنّه إستثمر ضعفنا، وتفرّقنا، وطمع الكثير منّا، ونفاقنا، وخداعنا لبعضنا البعض فتقوّى بذلك الطاغية المتخلّف حتى أصبح بطلا نحن من صنعه، ونحن من سلّم له رقابنا ليفعل بها ما يشاء بمباركتنا، وبتملّقنا، وبضعفنا، وبخذلاننا؟.
نعم في كل بلاد العالم يوجد الجيّد والردئ؛ ولكن أن يقدم من هم في صف الثوّار.. بل ومن هم في قيادتهم بالغدر ببطل من أبطال ثورة 17 فبراير فهذا لم أعثر له على مشابه، وقد يكون سابقة لن تتكرّر مرة أخرى، وفي أي مكان آخر من العالم حولنا.

اللواء الشهيد هو أكبر بكثير من الكلمات التي ربما أقولها في حقّه لأن أفعاله كانت قد سبقت أقواله، ولأنّه كان العماد الأساس الذي بنيت عليه كل إنجازات ثورة 17 فبراير منذ إنطلاقتها الأولى وربما كان ذلك ما أثار حسد وكره المحيطين به الذين عجزوا عن أن يفعلوا مثله. إنّهم يعرفون جبنهم، ويعرفون ضيق أفق تفكيرهم، ويعرفون محدودية قدراتهم وبذلك فقد رأوا فيه البطل الذي لم يستطيعوا محاكاته فبدل أن يصطفّوا وراءه ويشدّوا من عضده فضّلوا أن يقضوا عليه والتخلّص منه حتى يفسح لهم المجال للسيطرة وفرض أنفسهم على الآخرين.
كنت أرى اللواء الشهيد يمضي معظم وقته على جبهات القتال في إجدابيا، ثم البريقة، وعلى الجبهات الأخرى بما فيها البعيدة جدا من مكان سكناه، وكنت أشاهده وهو يسامر جنوده، ويربّت على أكتافهم بإبتسامة مليئة بالحنان، وبنبرة كلّها دعم للمعنويات كان جنودنا في أمسّ الحاجة إليها بعد تلك الإنكسارات التي عانت منها جبهة البريقة التي وصل مقاتلوها إلى الوادي الأحمر على مشارف مدينة سرت منذ حوالي أربعة أشهر مضت.
إننا نتحدّث الآن عن أهمية البريقة الإستراتيجية، وكيف أن الطاغية القذافي يتشبّث بها بكل ما أوتي من قوة في حين كانت هذه المدينة الإستراتيجية تحت سيطرتنا؛ بل وتجاوزناها إلى رأس لانوف وغربها إلى مشارف مدينة سرت. ألم يكن الأولى بنا أن نعاتب أنفسنا على هروب مقاتلينا أمام كتائب القذافي وهم مذعورين ليتركوا له هذه المدينة الإستراتيجية فيحتلها منهم في ساعات معدودة وبدون مقاومة ذات جدوى؟.ألسنا الآن نتقدّم خمسة سنتيمترات كل إسبوع نحو وسط البريقة ونفرح بذلك أيّما فرح؟. السنا نحن من يكرر بأننا على مشارف مدينة البريقة، ونحن على وشك دخولها منذ حوالي 4 أشهر ولازلنا وللأسف عاجزين عن إحداث أي إنجاز يذكر؟. فلننظر إلى جبهة ثوّار جبل نفوسة.. إنهم رغم نقص عتادهم، ورغم قلة مواردهم إلا أنّهم بصدقهم وتعاونهم مع بعض إستطاعوا أن يحققوا الكثير من الإنتصارات بدون دعاية، وبدون مبالغة. تحية إكبار وإجلال لثوار ليبيا الشجعان من آهالي جبل نفوسة، وإخوانهم من طرابلس، والزاوية، وزوارة، وصبراته، والخمس، وترهونة، وحتى من بني وليد الذين تمكّنوا من التسلل من مدنهم لينظمّوا إلى ثوار جبل نفوسه فأصبحوا كلهم أسرة واحدة لاتخاف الغدر، ولا تفكّر في المؤامرات والخدع. كما أنني في هذا الإطار أحيّي ثوّار مصراته الذين حرّروا مدينتهم ولم يسمحوا لكتائب القذافي بالعوده إليها كما حدث في البريقة.
كان الشهيد المغدور به من طرف من وثق فيهم يمضي جلّ وقته على خطوط المواجهة الأمامية بكل شجاعة وإقتدار... كان جادّا في مهمّته التي يعرف بأنّها صعبة، وكان مخلصا في عمله ولا أظنّه كان يتوقّع أن يغدر به من كانوا معه مكلّفين بحماية ظهره فإذا بهم يغدرون به بكل خسّة، وبكل جبن.
تمكّن الشهيد المغدور به بفعل صدقة وإخلاصه لمهنته من أن يبرز كشخصية ليبية كاريزماتية فرض إحترامه على الغير في داخل ليبيا وخارجها، وتمكّن بتلك الشخصية القوية التي لاتهادن من فرض القرار الوطني على كل من حاولوا الإستفادة من ضعف الثوّار وقوة كتائب الطاغية القذّافي فمنعهم من تنفيذ مآربهم التي كانت تطمح في النزول على التراب الليبي ومن ثمّ فرض أجندتهم علينا كما فعلوها من قبل في العراق.
تمكّن اللواء الشهيد من تكوين نواة للجيش الوطني الليبي بعد أن عمل الطاغية القذّافي على تدمير الجيش في ليبيا، وتدمير الروح القتالية لدى أبناء هذا الشعب. لم يتوقّف اللواء عبد الفتّاح يونس عند حد تكوين نواة للجيش الوطني الليبي؛ بل إنّه تجاوز تلك المحطة المهمة بأن بدأ في تكوين السلّم القيادي في الجيش الوطني، وكاد أن يخرج الفكرة إلى حيّز التنفيذ لولا أن أيدي الغدر لم تمهله بأن يكمل مهمّته.
لم يكتف اللواء الشهيد عند ذلك الحد بل إنّه إنتقد علانية وبكل شجاعة رداءة أداء قوات الناتو، وتحدّاهم في مواضع كثيرة؛ بل إنّه ذهب إليهم في عقور ديارهم ليقنعهم بأهمية تسليح الثوّار، وأهمية التعامل معهم كشريك على الأرض بحيث يتوجّب على قوات الناتو أن تنسّق مع الثوّار لإنهاء المهمّة بسرعة بعد فترة من سوء الأداء، وكثرة الأخطاء، والبطء المتعمّد الذي كان يغيض الثوّار ويثبط من عزائمهم خاصة بعد تلك التصريحات المتناقضة من قبل وزير الدفاع الفرنسي، ووزير خارجية بلاده، وكذلك السيد راسموسن المسئول عن حلف الناتو.
كان أساس تفكير اللواء الشهيد، وإسترتيجية تحرّكه تعتبر أن قوات الناتو هي مجرّد قوات داعمة وليست هي بقوات رائده في ليبيا لأن الريادة كانت في تفكير الشهيد هي حكرا على ثوّار ليبيا الأشاوس الذين ثاروا من أجل حريتهم، وثاروا من أجل عزة ومكانة بلدهم الحبيب ليبيا.
اللواء المغدور به الشهيد عبد الفتّاح يونس كان ربما يعتبر من أقوى الأصوات المدافعة عن كرامة الإنسان الليبي، وكان من المؤكّد بأنه سوف يكون الصوت القوي لليبيا بعد سقوط القذّافي حين ينزل من هم خلف الناتو على الأرض بغرض البدء في إقتسام الكعكة الليبية بين المشاركين في قوات الدعم الجوي للثوّار.
كان من الممكن أن يكون الشهيد البطل هو الصوت الليبي القوي الذي ينادي بالبقاء على حرية القرار، وحرية إرادة الشعب الليبي على أرضه بعد سقوط نظام الطاغية القذّافي لكن الجبناء لم يمكّنوه من ذلك لأنهم كانوا يظنّون بأن تلك المهمة هي ملكا لهم دون سواهم فهم كانوا قصيري النظر، ضيقي الأفق، وسوف يظلّون كذلك لأن فاقد الشئ لايمكن له من أن يعطية ولو حاول جاهدا.
هناك أسماء يشاع بأنّها وراء إغتيال الشهيد عبد الفتّاح يونس منها اللواء جلال الدغيلي، والعقيد فوزي بوكتف، والسيد فوزي العيساوي وهم أعضاء في المجلس التنفيذي؛ لكنني لم أتمكّن من التأكّد من صدق هذه المعلومات التي أذاعتها محطة العربية الفضائية منذ عدة أيّام غير أنني تعمّدت الإحتفاظ بهذه المعلومات دون التعليق عليها حرصا منّي على المصداقية.

إن الخبر الوارد أعلاه عن وكالة رويترز للأنباء هو ما دفعني لنشر هذا التعليق الذي كنت أعددته منذ بضعة أيم حلت لكنني أثرت عدم نشره حينها إلا أنني أحسّ بأن الحقيقة ربما سوف يتم التحفّظ عليها من قبل المجلس الإنتقالي وحجّتهم ربما تكون في "المحافظة على اللحمة الوطنية وعدم إثارة البلابل" ولكن مهما كان المبرر فإن طمس الحقيقة، وتغييب الشفافية سوف لن يكون بادرة خير، ولن يكون مطمئنا لأحد؛ فثورة 17 فبراير قامت بكل تأكيد من أجل هذه الثوابت: الصدق والمصداقية، الشفافية والوضوح، العدل وسيادة القانون على الجميع بدون إستثناء.... فعلى المجلس الإنتقالي ـ الذي نعرف ببراءته من جريمة إغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس ـ أن يقوم بإعلان نتائج التحقيقات بكل جرأة، وبكل شفافية، وبكل صدق ليحافظ هذا المجلس على ثقة الليبيين في أعضائه، ووقوفهم خلف قيادته بدون تردد.... كما أنّه على الدكتور محمود جبريل وهو إنسان قدير بعقلية عصرية وتفكير ناضج أن يبحث عن الليبيين الأوفياء الذين لاتهمّهم مصالحهم الشخصية بقدر ما يهمّهم همّ بلادهم، ومعاناة شعبهم ليشكّل منهم مجلسه التنفيذي الثاني الذي نتمنى بأن يكون مختلفا عن المجلس التنفيذي الأول الذي تمّ حلّه على خلفية جريمة الغدر بقائد الثوّار الشهيد الفريق( تمت ترقيته بعد إستشهاده تقديرا لخدماته الوطنية ومواقفه الشجاعة) عبد الفتّاح يونس رحمه الله؛ على أن يزيد من نصيب الجهات الغربية وخاصة منطقة الجبل في تشكيلة المجلس الجديد، كما نتمنى منه بأن لاينسى إخوانه المهجّرين الذين تتوفر فيهم المهنيّة العالية، والمستوى التعليمي الراقي، وكذلك الحب والولاء لليبيا.... أتمنّى كذلك بأن يكون للسيّد عبد الرحمن شلغم مكانا في المجلس الجديد.

وفقنا الله جميعا لخدمة ليبيا الحبيبة؛ لكنّني سوف لن أسكت على أية ممارسات أراها خطأ في حق ليبيا وفي حق أهلها فيكفيهم ما عانوه من تزييف للحقائق أثناء حكم الطاغية القذّافي لعنة الله عليه في الدنيا وفي الآخرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك