2011/08/11

لماذا فسدت طبائع الناس في بلادي؟

قد تشتري بالمال كل شئ إلا السعاده، وقد تعتبر نفسك بالمال مع أولئك الساده؛ ولكن ..... عندما يصبح التكالب على المال هو همّنا ، وعندما ننكبّ على جمعه بتلك الشراهة، ونسعى الى تكديسه بتلك الأنانيه... فإننا عندها سوف نخسر دنيانا، وحينها فقط سوف ننتبه الى أننا ربما أيضا كنا قد خسرنا أخرانا.

لا أدري لماذا؛ لكنني أظن بأن حياتنا أصبحت هكذا تتقاذفها أمواج السياسه الهائجه هنا وهناك، ولم يعد لنا من متّسع للتفكير الهادئ الرصين الذي به ننتبه الى ما هو أهم من السياسه، وما هو أعجل من أحداث الساعه. تحولّنا كلّنا، أو أغلبنا على الأقل الى ماكينات لاتتحرك إلا بوقود السياسه؛ وبذا فقد غاب عنا الإبداع، غاب عنا الإحساس المرهف، وغاب عنا الإهتمام بأنفسنا الى درجه أننا أصبحنا توابع يجرجرنا السلطان كما يشاء، وإلى حيثما أراد؛ بعد أن كنا مبدعين ننطلق من داخل أحاسيسنا ووجداناتنا غير عابئين بالسلطان ولا بأفعاله ونشاطاته ربما من باب أننا في واد والسلطان في واد آخر، أو ربما لأننا لم نكن حينها نهتم بالسياسه قدر إهتمامنا بها الآن.

لقد كثر الطمع، وضعفت النفوس، وإستحوذ حب المال على طبائع البشر في بلادنا؛ ذلك فقط لأننا تغافلنا أنفسنا، ولم يعد أحدنا يقدم النصيحه الخيّره لأهله وأصدقائه. نعم لقد أصبح كل منا يخجل من تقديم النصح للآخرين ربما إنطلاقا من فلسفة عدم إحراج الغير، أو ربما من باب " وشنو دخلّني أنا"؛ لكننا بذلك لم نعد نبالي، بل إننا لم نعد نخجل من فعل المنكر حيث عم الفساد، وتحولت المخجلات الى بطولات في عصر إستحوذ فيه الراعي على قوت الرعيه، وأصبح فيه بصدق "حاميها حراميها".

لم يعد أئمة المساجد في بلادنا يتحدّثون عن الفضيله في خطبهم؛ بل إنهم فقط يكررون تلك الرويات المملّه حتى الغثيان عن ذلك "السلف الصالح" الذي عاش في الماضي السحيق، والذي كان حسب رأيهم ملاكا لايدخله الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ وكأن أولئك الذين عاشوا في ذلك الزمن لم يكونوا بشرا مثلنا يصيبون ويخطئون (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ) ؛ ولم يقدر خطباء المساجد الخوض في حياتنا التي نعيشها حتى لا يدخلوا في المحاذير، ولكي لايتجاوزوا "الخطوط الحمراء"؛ لأنهم لو فعلوا لكانوا قد رفعوا الغطاء عن كل منكر وما أكثره بدءا بأفعال من هم على رأس السلطه، ومرورا بمن هم في السلطه، وإنتهاء بأنفسهم فالكل وللآسف في عالم اليوم يعد غارقا في الملّذات، ومستفيدا من الرشاوي والهبات دون تكلّف عناء السؤال... السؤال عن المصدر؛ أي من أين لك هذا، وكيف بلغت ما بلغت ؟.

يقول الله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ ۗ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ) سورة العلق، آية 6،7 ، ويقول كذلك: (وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ ۗ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ ) سورة الليل؛ آية 8 ، 9. ويقول: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا ۗ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ) سورة الفجر؛ آية 19، 20.

إذا من هنا نلاحظ بأنه كلما إهتم الإنسان بجمع المال، وكلما أصبح الإثراء شغله الشاغل كلما فقد هذا الإنسان علاقته الجيده بربه، وكذا علاقته الجيده بالناس؛ وهذا هو الحال الذي أصبحنا عليه.

نعم لقد ساءت أحوالنا، وتبهذلت أمورنا، وتحوّلنا إلى حثاله في عالم تسارع بقيته الى الأمام بقدر لم نعد نحن معه بقادرين على مجاراته ذلك لأننا فقدنا إتصالنا بما يدور حولنا، ودخلنا في حلقه مفرغه لم نعرف كيف نكسر حوافها للخروج منها. لماذا وصلنا الى هذا الوضع المتردّي.... هل هوبسبب التحجّر في تفكيرنا، أو هو بسبب التبلّد في آحاسيسنا، أم أننا فقدنا المبادره ولم نعد بقادرين على المسك بتلابيبها؟.

الإجابه على مثل هذه الأسئله قد تكون سهله، وقد يكون بإمكاننا وضع الإصبع على الجرح إن نحن بالفعل نظرنا حولنا، وتدّبرنا حالنا بقليل من التأمل، والإستدراك بدل هذا التكالب على الإستحواذ على المال والجاه والسلطان ونسيان أنفسنا من أجله.

نعم إن مصيبة الإبتلاء بالبخل، والرغبه الجامحه في الإستحواذ والتملّك، وتلك الآنانيه المفرطه، وذلك الطمع المخجل... لم يكن كل ذلك الجنوح بسبب علّة أصابتنا لوحدنا، ولم تكن يقينا حكرا علينا؛ بل إن العالم ـ كل العالم ـ من حولنا كان ضحيتها؛ غير أن مصيبتنا نحن ـ ربما دون سوانا ـ تكمن في أن جلّ غيرنا توافر لديهم عيون ساهره تراقب تصرفات الجانحين منهم من صحافه، وإذاعه، ومنظمات للمجتمع المدني تعتبر كلها مستقله عن السلطه الحاكمه؛ بل وتعتبر خصما لتلك السلطه من أجل الشعب الذي بكل حرية إنتخب تلك السلطه نفسها التي إذا به يخاصمها ويتخاصم معها من أجل إنتزاع حقه منها، وبقراره أتى بأفرادها. نعم أولئك قد يحدث عندهم الجنوح ـ كما يحدث عندنا ـ لكنهم يمتلكون القدره على رفع الغطاء عن العفونه، وكشف المتعفنين تحته؛ أما نحن فالأفواه مكممه، والعيون مغمّضه، والإراده مسلوبه؛ أما تنظيمات المجتمع المدني عندنا فهي لاتعدو كونها ديكورات تزيّن قصر السلطان؛ إن كانت قد وجدت أصلا. الحاكم عندنا لايخطئ، وإن أخطأ فلا يحق لأحد منا في أن ينبّهه الى الخطأ حتى لايكشف له عوراته المتعرّيه أصلا... فالحاكم في بلادنا يعتبر نفسه منزّها عن الخطأ ... أي أنه لايخطئ حتى وإن بلغ الى يقينه بأن بعض من الأنبياء كانوا قد أخطأوا وكانت تلك من سنن الله في خلقه حتى يعي الناس بأن الكمال لله وحده دون سواه.

عندما يخطئ الحاكم أيها الإخوه، وعندما تتكرر وتتفاقم أخطائه ماذا تتوقّعون من عموم الناس بربكم ؟. من البديهئ أن الناس كانت، ولازالت، وسوف تظل على دين حكامها.... وإذا كان رب البيت بالدف ضاربا فهل من العدل أن نلوم من كان في الخدم ؟.

تلك هي مصيبتنا، ونحن نعرفها بكل جداره لكننا فضلنا أن ننغمس في الملذات مع المنغمسين الى أن أصبح الشاذ في عرفنا مشاعا، والمخجل ممارسته بطوله، أو شطاره، أو فهلوه؛ وبذا لم يعد يخجل السارقون، ولم يعد يستح المارقون، وبدأ وكأن النفاق تحوّل الى وجاهة... ذلك هو الحال الذي بلغناه، وتلك هي السقطه التي وقعنا فيها؛ ولا أدري إن كان مازال بيدنا في أن نمتلك المقدره على الإستدراك.

 فكرت كثيرا في الكتابه بعيدا عن السياسه، وقررت في قرارة نفسي أن أبتعد عن السياسه حتى يتسنّى لي الكتابه في مواضيع كنت أكتب فيها منذ زمن مثل القصه، والقصيده، والمقاله الإجتماعيه الهادفه؛ فتلك يستطيع فيها المرء بأن يبدع، وأن يرتقي بذوقه الى مستويات حسّيه متقدمه. قررت أن أكتب هذا المقال ربما كمحاوله تتجنّب الخوض في السياسه؛ لكنني ما لبثت أن مشيت في الوحل من جديد بعد أن قمت بتنظيف حذائي... وما كان ذلك من فيض إختياري.

عندما يعدل الحاكم ولايسرق ثروات بلاده، وعندما يحس الحاكم بألام وآهات بناته وأولاده، وعندما يعتبر الحاكم نفسه من هذا الشعب يستمع الى كبيرهم وصغيرهم، ويتعلم من مهنييهم، ويخطط مع خبرائهم من أجل يومهم، ومن أجل غدهم الذي به مستقبل أبنائهم... عندها فقط نحس ـ نحن الشعب ـ بالآمان في بلادنا، وعندها نستطيع ـ نحن الشعب ـ إصلاح ذات بيننا إذا نحن أخطأنا، أو سرقنا، أو تحايلنا؛ لأننا سوف ننكشف بمجرّد جنوحنا حيث يوجد حولنا من يراقب إعوجاجنا، ويقف أماممنا من يمنعنا من المضئ في المسار الممنوع. عندما تصبح ليبيا دوله فيها قانون، وفيها نظام ، وفيها عدل... عندها فقط سوف يسير قطار حياتنا ـ آمنًا ـ الى الأمام، وحينها فقط نتفرّغ نحن أبناء الشعب للإبداع، ويكتب من يستطيع منا في الحب، وفي الفن، وفي الموسيقى، وفي السعاده، وفي الرفاه.... عندها فقط نستطيع أن نحلم، ونعرف وقتها بأن أحلامنا تعيش في خيالنا ثم تكبر الى أن تتحول الى واقع نعيشه في أيامنا وفي ليالينا لكي نحلم من جديد وننتظر الغد ونحن نرنوا الى بلوغه ربما قبل أن يحين أوانه.... فالحالم لا يعرف الإنتظار؛ بل يعمل دوما على تجاوز عجلة الزمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك