2011/08/07

الحراك الوطني

تشهد بلادنا هذه الأيام حراكا سياسيّا وفكريّا لم يحدث مثله منذ فترة ما قبل الإستقلال؛ أي منذ عام 1949-1951 حين شعرالليبيّون بحرّيتهم فتسابقوا إلى التفكير في مصير بلادهم، ومستقبل حياتهم.

شعر الليبيّون حينها بأن الطريقة المثلى لبناء مستقبل سياسي واعد في ليبيا لايمكنها أن تتحقق بحكم أو تفكير الفرد؛ وإنما تتأتّى من خلال تفكير وحكم الجماعة ( كل أهل البلد)؛ ذلك لأن البلد بتعريفها تعني أرض، وشعب ، وحكومة تنظّم العلاقة بين طرفي هذه المعادلة.
توافق الليبيّون في ذلك الوقت على أن العمل السياسي الناجع لابد له من أن يتأتّى من خلال تكوين الأحزاب، والجمعيات الوطنية؛ فتم بالفعل تأسيس العديد من الأحزاب كان أهمّها ربما حزب المؤتمر، وحزب الإستقلال، ثم بقية الأحزاب الصغيرة الأخرى.... وتشكّلت أيضا الجماعات والتنظيمات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمون، وغيرها .....
قام الليبيّون كذلك تدريجيّا بتكوين الكثير من تنظيمات المجتمع المدني فأخذت الحياة حينها تسيرإلى الأمام بخطى متثاقلة ربما؛ لكنّها كانت واعدة بدون شك.
حاول الليبيون وقتها بكل صدق وبراءة ممارسة العمل السياسي من خلال التفكير العلني، والتحاور الوطني البعيد عن الإنتماء القبلي، أو العائلي، أو الإنتماء المكاني؛ وكادت ليبيا أن تحتل موقع الصدارة في هذا الشأن؛ إلاّ أنّه بعيد إعلان الإستقلال تمّ فرض نظام الحكم الملكي على ليبيا من قبل بريطانيا ( لامحالة في ذلك كون نظام الحكم الملكي في ليبيا كان نسخة معدّلة من نظام الحكم في المملكة المتحدة أو ما كان يسمّى حينها ببريطانيا العظمى) وبدون شك فقد حدّ ذلك من الحماس السياسي للفعاليات المثقّفة من أبناء وبنات الشعب الليبي وخاصة في المناطق الغربية التي لم تتقبّل النظام الملكي لكنها رضت به من باب المحافظة على الوحدة الوطنية.
كان أول ماقام به النظام الملكي حينها أي منذ بدايات 1952 هو محاربة نشاطات حزب المؤتمر الوطني التي لم تكن منسجمة مع النظام الملكي لأسباب ترجع بالتأكيد إلى أيّام المقاومة والجهاد ضد الطليان حيث تم تضييق الخناق على قادة وأعضاء حزب المؤتمر الوطني بقيادة المجاهد بشير السعداوي مما إضطرّه ورفيق له إلى الهروب من مطاردة أجهزة النظام الملكي إلى خارج الوطن، وتم بعدها تهميش المؤتمر الوطني بحجة معارضته لنظام الحكم.
بعد تهميش حزب المؤتمر والكثير من الأحزاب الوطنية الأخرى، والقيام بسجن أو تهجير الناشطين من أعضائها؛ هيمن حزب الإستقلال الموالي للنظام الملكي على مجريات الحياة السياسية والفكريّة في ليبيا بذلك الشكل الذي قضى على التعددية الحزبية بالشكل العملي فتحوّلت الإنتخابات البرلمانية في ليبيا - حينها وبعدها - إلى مجرّد مسرحيّات هزلية معروفة النتائج مسبقا... والذين عاشوا في تلك الحقبة يعرفون ذلك جيّدا.
فرض على الليبيين النظام الملكي الذي يحكم بالتوارث الأسري وهذا لوحده يكفي لإحتكار السلطة في أيدي أناس معيّنين لايعبّرون بأي حال من الأحوال عن إمكانيات أهل البلد الذهنية والمقدرية؛ وهذا بالطبع ينسجم مع أنظمة الحكم الملكي في العالم التي يجب أن تندثر لأنّها بكل بساطة تعتبر من موروثات الماضي حين كان الناس يُحكمون بنظرية الأمر الواقع، أو نظرية التفويض الإلهي عند الكثير منها في فترة العصور الوسطى عندما كان المواطن يعد كرقم ليس إلاّ.
الناس في العصور القديمة لم يكن يتوفّر لديهم العلم والتقنية التي نملكها بحمد الله الآن، ومن ثمّ فإن من يعيش في عالم اليوم لايمكنه أبدا بأن يرضى بالعيش بمعطيات (ثوابت) الأمس وتلك هي سنّة الله في الأرض.

إذا من هنا أرى أنّه من الواقعية والإنسجام مع العصر الذي نعيش فيه يتوجّب علينا كليبيين وليبيّات بأن نبحث عن نظام حكم يعكس تطلّعاتنا نحو الحريّة والتقدّم بغرض الولوج في عالم الغد بخطى ثابته، وبإرادة شعبية فاعلة تحدد هي نفسها معالم الحكم وأسس تطبيقه على الأرض بدون السماع لبروز ديكتاتور جديد مثل ذلك الذي حكم بلادنا بدون إرادتنا ولا رأينا لأكثر من أربعة عقود من الزمان.

إن الحراك الذي تشهده بلادنا هذه الأيام في الداخل - رغم ظروف القتال وتشبّث الطاغية القذافي بالحكم، ووجود عدد من الليبيين الذي مازالوا وللحسرة يعيشون في عالمهم الخيالي الذي نسجه لهم المعتوه القذافي خلال ال42 سنة من حكمه المتسلّط البغيض - وما يقوم به الليبيون في خارج الوطن من لقاءات متواصلة ونقاشات جديّة إنّما يهدف إلى رسم معالم الغد السياسي لليبيا الحبيبة الذي يجب أن يكون نتاج فكر وعقول وثقافة أهل ليبيا ككل بدون إستثناء أو إقصاء أو محاباة مهما كانت المبررات؛ بحيث يستجيب هذا الواقع السياسي لتطلّعاتهم جميعا، ويفتح نافذة لكل مواطن ليبي في أن يفكّر، ويختار، ويبدع بدون تسلّط من أحد اللهم إلا القانون والعرف الإجتماعي الذي يحدد الشعب ملامحه ومعالمه وآفاقه.
جرت كما نعرف الكثير من اللقاءات، والمنتديات، والحوارات خارج الوطن كان من بينها "ملتقى والسول للعلماء والمثقفين الليبيين" في والسول ببريطانيا، "المجمع العالمي للخبرات الليبية" في لندن ببريطانيا، والكثير من الملتقيات المشابهة في الولايات المتحدة وكندا.
هناك لقاءات أخرى تبرز في الأفق مثل اللقاء المزمع عقده هذا اليوم وغدا (23، 24 يوليو) في مدينة مصراته الأبيّة والذي يأتي تحت عنوان"المؤتمر الأول للحوار الوطني"، واللقاء الثاني ل"ملتقى والسول للعلماء والمثقفين الليبيين " الذي سيعقد بعد ظهر هذا اليوم (23 يوليو)، وكذلك مؤتمر "الحوار الوطني" المزمع عقده في بنغازي يوم 28 يوليو؛ وكل هذه الحوارات واللقاءات تسعى إلى تحقيق هدف واحد وهو رسم الخريطة السياسية لليبيا في فترة ما بعد زوال حكم الطاغية القذافي.
ن أملي في أبناء وبنات الشعب الليبي كبير بأن ينصبّ كل تفكيرهم، وبأن تتركّز كل جهودهم من أجل ليبيا الحبيبة كوطن يعيش فيه كل الليبيين، وكسقف يستظل تحته كل أبناء هذا الوطن بدون إستثناء، أو إقصاء، أو تمييز اللهم إلا ما كان قد أعتمد على المقدرة والفعالية.

علينا أيها الإخوة والأخوات أن ننتصوّر غدنا ومصالحنا من خلال غد ومصالح ليبيا، وأن نرى مجدنا وتقدّمنا من خلال نافذة الوطن التي لا تسمح بتسرّب الآنانية وحب الذات مع حسن النوايا؛ بحيث تكون أعمالنا خالصة لله وللوطن منقّاة من آفة "الأنا" التي كانت تسيطر على كل شئ في حياتنا خلال العقود الأربعة الماضية بسبب مفاسد ونواقص وأخطاء نظام حكم الطاغية القذافي الذي أوصلنا إلى الطريق المسدود بحيث تمكن شعبنا الأبيّ من الثورة عليه في 17 فبراير وسوف لن تتوقّف هذه الثورة المباركة حتى يتمكّنالشعب الليبي من فرض وجوده على الخارطة السياسية والإجتماعية في بلادنا لأن الأرض والعمران بدون شعب لايمكنهما أبدأ بناء دولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك