2015/05/17

مسّ من الجن (12)

                      

(الحلقة الثانية عشر)

السحر في القرآن الكريم ؟

خلق الله الإنسان وفي داخله خلق الخير وخلق الشر، بمعنى أن هذه الصفات تعتبر فطريّة ويولد الإنسان بها، أي أنّها في تكوينه (في جيناته) لكنّ كل من خصلة الخير وخصلة الشر تنموان مع الإنسان وتصاحبانه إلى أن يموت.
لأ اعلم إن كان معدّل الخير ومعدّل الشر متساويان في الإنسان أم أن أحدهما يتفوّق على الثاني، كما لا أعلم إن كان كل البشر يولدون بنفس الكم من كلّ منهما. الذي أعرفه هو أن الإنسان يولد وفيه الخير والشر والدليل هو ما فعله أدم وحواء بنفسيهما حتى أخرجهما الله من الجنّة، والدليل الآخرهو ما فعله هابيل وقابيل كلّ بالآخر.
إذاً... نعم، خلق الله البشر بالخير والشر في داخلهما، لكنّه زوّد هؤلاء البشر بالعقل وزوّدهم بملكة التفكير وخاصّية التدبّر ونصحهم بتفعيل تلك القدرات الذهنية والعقليّة من أجل التمييز بين الخير والشر، وحثّ الله البشر على فعل الخير ونبذ الشر. لقد سنّ الله قوانيناً لتسهيل الأمور على الناس ومع تلك القوانين والضوابط بيّن لهم الخالق بكل صراحة بأن من يفعل الشر سوف ينال عقاباً سعيراً، ومن يفعل الخير سوف يجني ثواباً وفيراً.
لقد خلق الله البشر وأعطاهم ما يكفي من الحكمة والعقل وأرسل لهم الأنبياء ومعهم كتباً فيها إرشادات وفيها نصائح وفيها آوامر وفيها نواهي، وكذلك فيها تهديد ووعيد، وفيها ترغيب وترهيب بهدف توضيح الصراط أمام البشر، وبعد أن أكمل لهم الدين وبيّنه لهم بشتى الطرق والوسائل تركهم بحريّتهم كي يختاروا ما يشاءون إلى يوم البعث. وعد الله البشر بأنّه لن يعذّبهم في الدنيا ولن يقوّمهم. ترك الله للبشر كامل الحريّة في تسيير شئون حيواتهم وإحتفظ هو لنفسه ببعض الأشياء الغيبيّة لأمر هو يعرفه، كمثل المعرفة اليقينيّة لما عساه أن يحدث في الدقيقة القادمة ولحظة الموت وموعد قيام الساعة.
إذاً الإنسان هو مخيّر في معظم مجريات حياته اليوميّة ومسيّر في أمور غيبيّة إحتفظ الله بعلمها لنفسه حتى تكون إشارات ضوئيّة حمراء يتوقّف عندها الإنسان ليفكرّ ويتدبّر ويعيد رسم معالم رحلته في هذه الحياة الدنيا.
ظننت بأن الله بعدله لابدّ وأن يكون قد خلق الخير والشر بقدرين متساويين في الإنسان، لكنّني سرعان ما تداركت بأن الله خلق البشر غير متساويين، ومن ثم يأتي الإختلاف بين الناس في موضوع الإرادة(الإختيار)؛ أي أنّه بوسع كل إنسان بأن يكون جيّداً أو أن يكون رديئاً. وتداركت للمرة الثانية بعدما تذكّرت الإختلاف بين البشر في الشكل واللون والطول والقصر والذكاء والغباء، وتذكّرت كذلك أولئك الذين يولدون وهم مصابين بعاهات خلقيّة، وأولئك الذين يصابون بعاهات وأمراض مكتسبة في حياتهم بعضها من صنع أيديهم(التليّف الكبدي نتيجة لكثرة شرب الخمر مثلاً)، وبعضها لا ذنب لهم فيه.... هنا تنبّهت إلى ما سبق لي كتابته منذ عدّة أيّام تحت عنوان"عدل السماء هو ليس نفسه عدل الأرض". من هذا وغيره، يتوجّب علينا التمييز بين حسابات الله وحساباتنا نحن البشر.
حسابات الله شاملة وكاملة وهي كونيّة، أما حساباتنا نحن كبشر فهي محدودة ومكانيّة وقد لا تتعدّى وسطنا المحيط بنا أو ربما تتجاوز ذلك محتوية في طيّاتها حسابات الأفق والتصوّر والخيال والتنبوء، وعلينا التنبّه إلى أن ليس كل ما يصيبنا هو من فعل أيدينا أو لأخطاء نحن من إرتكبها. فالكوارث الطبيعيّة والأمراض والعيوب الخلقية والأشياء القدرية الأخرى لا ذنب لنا فيها وهي ربّما تكون من أقدارنا أو حظوظنا أو نصيب كل منّا في هذه الدنيا. مثلاً... ما ذنب ذلك الطفل الصغير الذي يولد بعاهة خلقيّة، وهل يعاقب ذلك الطفل مثلاً بأفعال والديه؟.
من هنا فإنّني أقول بأنّنا نخلق في هذه الحياة بمعطيات وقدرات متفاوته، ولكن بوسع أي منّا أن يستخدم عقله ويختار لنفسه ما يظن بأنّه مناسباً له. وتبقى في نهاية الأمر حقيقة مفادها أن تأثير السحر علينا هو تأثير نفسي صرف، ونحن كأفراد من يقرّر مدى قبولنا أن ننسحر. نعم... نحن من يقبل الخضوع لتأثير الساحر أو التنكّر له، وذلك الإختيار هو ما يفرّق بين هذا الذي لا يمكن سحره وذلك الذي ينسحر بسهولة !.
 في نهاية المطاف، من المؤكّد بأنّه لن يصيبك ساحر بسحر ولن يسلّط عليك غيره جنيّاً يعبث بحياتك إلا أن تكون أنت قابلاً لأن تتأثّر نتيجة لجهل أو قلة معرفة أو غياب الإرادة أو ضعف في الشخصية أو ضيق في الأفق. لن يؤثّر فيك ساحر إلّا أن تكون أنت قابلاً للتأثّر، فالساحر هو حاذق يحاول التأثير عليك بنظرية الإيحاء مثله في ذلك مثل المنوّم المغناطيسي أو البهلوان أو المحلّل النفسي.... فتأثير السحر على الإنسان هو تأثير نفسي بإمتياز.   
       
السحر في القرآن الكريم
ذكر السحر والسحرة وساحر في القرآن 27 مرّة، والكثير منها كان عبارة عن ذكر لمّا كان قد فكّر به الأوّلون، أو كيف كانوا يفكّرون. ولكن يجب تدارك بأنّ هناك الكثير من الآيات أشارت إلى السحر أو تأثيره على الناس، وهذه الأيات ليس مجالها هنا. ذكر السحر ومشتقّاته والإشارة إليه 60 مرّة في القرآن، وهذه واحدة من الآيات التي تشير إلى السحر لكنّها لم تذكره مباشرة: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ}... وهنا نلاحظ عبارة "يخيّل إليه من سحرهم"، وهذا تأكيد يقيني بأنّ تأثير السحر هو نفساني يخضع لمجال التخيّل والتصوّر وينبعث من مشاعر الخوف أو الترقّب أو التوقّع أو الإيحاء. المزيد من هذه الإيضاحات سوف تأتي في المقالات المستقبليّة بإذن الله.  

  •  وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ(البقرة).
  • وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ(الأعراف).
  • وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ(الأعراف).
  • قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ(الأعراف).  
  •  يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ(الأعراف).  
  • فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ(يونس).
  • فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(يونس).
  • قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ(يونس)
  • قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ(يونس)
  • وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ(يونس)
  • فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ(طه).
  • إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ(طه).
  • قَالُوا إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ(طه).  
  • إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ(طه).
  • وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ(طه)
  • أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ(الأنبياء).          
  • فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ(الشعراء).  
  • لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ(الشعراء).
  • فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ(الشعراء).
  • فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِين(الشعراء).
  • إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(الشعراء).
  • قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ(الشعراء).         
  • وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ(ص).
  • إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ(غافر).  
  • وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ(الزخرف).
  • كَذَ‌ٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ(الذاريات).  
  • فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ(الذاريات).  

في الحلقات الموالية سوف تقرأون بإذن الله:
13- ما ورد في القرآن عن الرقية.
14- أجزاء الدماغ المرتبطة بالإعتقاد.
15- إختلالات في وظائف الدماغ وعلاقتها بالإعتقاد والتخيّل.
16- حالات مرضيّة ودوائيّة وإرتباطها بالتخيّل وسماع الأصوات الغريبة.
17- مقدّمة للمحرّرعن الفرق بين عالمنا وعالمهم.
18- رأي المحرّر في موضوع الجن.
19- رأي المحرّر في موضوع السحر.
20- رأي المحرّر في موضوع الشيطان.
21- رأي المحرّر في ما يسمّى ب"الرقية الشرعيّة".
22- مقال ختامي وردود على إستفسارات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك