2015/03/13

مس من الجن (3)

الحلقات السابقة: الحلقة الأولى   الحلقة الثانية
(الحلقة الثالثة)
ماذا يقول شيوخ الدين والمشعوذون عن الجن؟
منذ أن نشأ الإنسان وهو يبحث دائماً عن شئ مخيف يشير إليه أو يخاف منه أو يخيف الآخرين به. تحدّثت البشر عبر العصور عن الغولة والهائشة والعبّاثة والعفريت والخارقة والبعيّة وهذه إستخدمت كثيراً لتخويف الآخرين، بينما تحدّثوا عن الجن والشيطان كمخلوقات مخيفة وخارقة ولا يستطيع الإنسان مقاومتها أو الوقوف في وجهها.

كلّما إنتشر الفقر والجهل والتخلّف كلّما كثر الحديث عن الجن وكثر الإحساس بمسّ منه أو الشعور بأن كل هموم ومشاكل وأمراض البشر هي من "الجن"، وكلّما ذكر الجن في هذه المناطق وبين هؤلاء الأقوام كلّما كان السحر هو القرين. لا يمكن التحدّث عن الجن في المجتمعات المتخلّفة إلّا وكان السحر والسحرة هم من يسخّر الجن ويرسلونه للضحيّة كي يعبث بكل شئ في حياتها. 
كلّما أحس الإنسان بالضياع وبالوحدانية وبقلة الحيلة كلّما تسرّبت إليه وساوس ضعفه لتدفعه للتصديق بوجود الجن والسحرة وبقيّة القصّة. الإنسان المتخلّف فكريّاً وتعليميّاً والضعيف نفسانيّاً والمنغلق على نفسه وقليل الحجّة والذي يرى الدنيا ضيّقة حوله ولا يعرف من دوّامته طريقاً للخروح، مثل هذا النوع من البشر هو من يحفل كثيراً بالجن وبالشيطان وبالسحرة وبالكتاتيب والحجاجيب والنفثّات  في العقد وما إليها من الخرافات التي تتوارثها الأجيال وبكل تأكيد سوف يقضي عليها العلم والتفتّح وإرتفاع مستوى المعيشة والرفاهيّة.... وربّما مستوى التحضّر أيضاً.

 

 كلّما كثر عدد المصدّقين لمس الجن وتأثير ذلك على العلاقة بينهم وبين غيرهم من البشر، كلّما تكوّنت خلايا من السحرة والمشعوذين الذين كثيراً ما يستفيدون من وجود الجهلة والحائرين والمكتئبين فيجدون في ذلك بيئة مناسبة لترويج بضاعتهم التي كثيراً ما تزدهر  في البلاد التي يكثر فيها الجهل والتخلّف والتي تنتشر فيها المجاعة وتنعدم فيها الخدمات وخاصّة الصحيّة والتعليميّة.
 في المقابل فإنّنا نجد أنّه كلما إنتشر العلم والتقدم كلّما إفتقد الجن من يصدّق أنه سيتلبّسه، وكلّما إفتقد الساحر من يسوّق له بضاعته، وبذلك نجد السحرة والمشعوذين يكثر عددهم في أفريقيا وخاصّة في البلاد الفقيرة مثل النيجر وتشاد ومالي وموريتانيا، وكذلك نجدهم يكثرون في آسيا مثل اليمن والصومال وإريتريا والحبشة وما جاورها.  
المشكلة الحقيقيّة هي ليست في تلك الفئات من البشر فهم ليس لهم من يعينهم ولا من ينصرهم ولا من ينجدهم، وإنّما المشكلة الحقيقيّة من وجهة نظري تكمن في أولئك المحسوبين على طبقة المتعلّمين والمرّفهين ورجال الدين. بكل تأكيد لا يمكن وضع كل رجال الدين في بوتقة واحدة، وإنّما أنا أتحدّث هنا عن أولئك الذين إرتدوا عمامات الدعوة وأخذوا يرون ما لم يره غيرهم، وهؤلاء منهم من يقول بأنّه رأى "الجن"، ومنهم من يصدّق وعن قناعة بأن الجن قد يلبس جسد بنى آدم، وهو قد يستند فى ذلك إلى تفسيرات محددة وقاصرة للقرآن.
خلاصة القول وأنا أقدّم لهذه الحلقة فإنّ الجنّ ظل في ثقافة البشر عبر العصور بمثابة الكائن العجيب والخارق الذي لايستطيع أحد مقاوته أو الوقوف ضدّه أو الحد من "قدراته" على العبث بحياة ومصير الناس خاصّة إذا غضب أو أستثير أو شعر بعداء الإنسان له. 

وددت في هذه الحلقة أن أمتّعكم بما يقوله فقهاء الدين والشيوخ عن الجن وكيف يصفوه لنا وكأنّي بهم كانوا من ضيوف الجنّ بالأمس القريب أو أن نفراً من الجن كان في ضيافتهم أو أنّهم ربّما يقيمون معهم في بيوتهم.
دعونا نستمع إلى بعض مشائخ الدين وهم يصفون لنا الجن وكأنّهم تربّوا معهم أو ربّما عثروا على مخطوطات موثّقة تصف لهم الجن بكل التفاصيل وبأصغر الجزئيّات التي أحياناً لا نعرفها عن البشر. دعوني أتنقّل وأيّاكم عمّا يقوله "إبن تيميّة" عن الجن....

مساكن الجن
قال إبن تيميه : وغالباً ما يوجد الجن في الخراب والفوات في مواضع النجاسات كالحمّامات والحشوش والمزابل والمقامين والمقابر، والسحرة الذين تقترن بهم الشياطين وتكون أحوالهم شيطانيّة لارحمانيّة يأوون كثيرا إلي هذه الأماكن التي هي مأوي للشياطين.
 وأخرج "ابن أبي الدنيا" أثرا موقوفا على "يزيد بن جابر" أحد ثقات الشامين من صغار التابعيين قال : مامن أهل بيت من المسلمين إلا وفي سقف بيتهم من الجن من المسلمين إذا وضعوا غداءهم نزلوا فتغدّوا معهم وإذا وضعوا عشاءهم نزلوا فتعشّوا معهم حتى يدفع الله بهم عنهم.
كما يتواجد الجن في الخلاء ، والأماكن المهجوره ، او الغرف التي بها روائح كريهه ، او الغرف التي ترتكب فيها معاصي ، او الغرف التي تعلّق فيها صوراً، وأيضاً في زوايا الغرف.

طعام الجن

عن "عبد الله بن مسعود" أن رسول الله صلي الله علية وسلم قال :" أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القران " قال عبد الله: فأنطلق رسول الله صلي الله عليه وسلم بنا فأرانا آثارهم وأثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم ..، فقال النبي صلي الله علية وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم " أي طعام الجن... إن كان هناك منكم من يقدر أن يصدّق هذا الهراء، فما بالكم وينسب إلى رسول لله عليه السلام.
يواصل عبد الله بن مسعود مسترسلاً: وهذا إنما هو لمؤمني الجن، أما غيرهم فإنّهم يأكلون كل مالم يذكر إسم الله عليه لقوله صلي الله عليه وسلم " إن الشيطان يستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه" فالجن تأكل سائر أنواع الأطعمة وتشرب من كل الأشربة التي لم يذكر اسم الله عليها... من أين أتانا حضرته بهذه الأخبار اليقينيّة؟!.

إستمعوا إلى هذا الأعمش(إسمه) وهو يهرف: تروح إلينا جنّي (أي أتانا ليلاً) فقلت : ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال : الأرز قال الأعمش : فأتيناهم به فجعلت أري اللقم ترتفع ولا أري أحداً !! ...فقلت هل فيكم من هذا الهواء الذي فينا؟. قال :نعم. فقلت :فما الرافضة فيكم ؟ قال : شرّنا ، أي شرار الجن.... آه.



أنواع الجن

تتحدث الأدبيّات العربية القديمة(الكتب الصفراء) عن الجن وأنواعه فيذكر "البيان والتبيين" منها:


  1.  شيطان: وجمعها شياطين.
  2.  مارد: وجمعها مردة.
  3. عفريت: والجمع عفاريت.
  4. القرين.
  5. العمار: وهم الذين يعيشون في منازلنا ويسمحون للجن بدخول المنزل ويسمّون أيضا بالحامية، ولا يصلح أي عمل روحاني إلا 
    بصرفهم.

أشكال الجن

يقول إبن تيميّة: الجن يتصوّرون في صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وفي صور بني أدم. وحسب رأي الشيوخ، فإن الجن من الممكن أن يتشكّل في هذه الصور والمظاهر: رجل، عبد أسود، غلام، إمراءة، غول، قط، كلب، أفعى، أو فيل...!.


كيف يدخل الجن جسم الإنسان؟
يقول إبن تيميّة: بأن الجن يدخل لجسم الإنسان من أطراف اليدين، والقدمين، والفم، والأنف، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا تثاؤب أحدكم فليكظم ما إستطاع فإن الشيطان يدخل فم الإنسان.... وهذا بكل تأكيد إدّعاء آخر على النبي عليه السلام.

ظروف دخول الجن جسم الإنسان؟
الغفله وإرتكاب المعاصي، وترك الأذكار، والفرح الشديد، والغضب الشديد. الوجود في آماكن ترتكب فيها المعاصي !.
يضع الجن بصمة عند خروجه من جسد الإنسان لا يراها الا الجن، وهذه البصمة تكون بمثابة بوّابه تسهّل لهم عبور جسد الإنسان مره أخرى، أي أن الجن يستطيعون دخول جسد الإنسان مرّه أخرى وبطريقه سهله، مالم يغلقها الإنسان بالأذكار صباحاً ومساءً..... يا سلام !. هل يوجد مخلوق له عقل يصدّق مثل هذا الهراء وهذا الدجل؟.

التلبّس
يقول شيوخ الدين بأن الجن يستطيع أن يتلبّس في الإنسان بسبب:
  1. وجود أو مشاهدة صور وحوش أو صور تحثّ على المعاصي أو الجرائم.
  2. مشاهدة أفلام الرعب وخاصة اذا كان الشخص "ضعيف القلب" بسبب أن الجن يستغل حالات الخوف لدى الإنسان.
  3. المناطق التي يكثر فيها شرب الخمر وخاصة الحانات.
  4. ترك الصلاة بلا سبب.
  5. البيوت التي يمارس فيها السحر.
إذا كان هذا الهراء صحيحاً لكنّا رأينا جميع الأوروبيّين وقد تلبّسهم الجن، ولرأينا العالم الإسلامي خالياً من الجن .... أفيقوا يا أيّها الدجّالون.... بل أفق يا من تصدّق مثل هذا الدجل والضحك على ذقون.

وخلاصة القول، أود أن أقول هنا بأنّني تفسحّت كثيراً في مواقع الجن والسحر ومواقع الكثير من شيوخ الدين ومن يسمّون أنفسهم بالرقاة (جمع راقي وهو من يقرأ عليك الرقية ليخرج الجن منك !) وهم يصفون الجن بصفات ومسمّيات وألوان وخواص لا أدري من أين يأتون بها، ولكن لا يهم فهذا هو الراقي "الشرعي" الجزائري المدعو الشيخ عز الدين قداري الإدريسي وهو يعدّد ألوان الجن بأنّها سبعة (أعتقد على منوال السموات السبع وأيّام الأسبوع السبعة وما إليها..) فيذكرها كالآتي: الأسود، الأبيض، الرمادي، الأحمر، الأزرق، الأخضر، والأصفر. تجدون المزيد على صفحة هذا الراقي "الشرعي" الرسمية على الفيسبوك، ومن يرغب منكم في حجز موعداً له ليقرأ عليكم الرقية الشرعيّة لتنظّفكم من كل الجنون التي ربّما علقت بكم أو مسّتكم من حيث لا تعلمون، فيمكنكم حجز موعداً من خلال صفحته على الفيسبوك !.

أدعوكم لمشاهدة هذا الفيديو، وهو مقرف ومحبط وكئيب. مراهق يعاني من هيستيريا يقولون بأنّه ممسوس بالجن


 أنظروا إلى هذا الهراء والتدجيل على الناس ومقدار الإيذاء الذي يلحقونه بالبشر. هذا الشاب المراهق يعاني من هستيريا واضحة، وكل ما يحتاج إليه ليهدأ ويتخلّص من (جِنّه) هو حقنة ميدازولام أو لورازبام أو كلونازبّام وفي أقل من 60 ثانية سوف يخرج "الجن" ويستريح الشاب. بعدها بكل تأكيد مثل هذا المراهق سوف يحتاج إلى جلسات نفسيّة مع خبير نفساني  يفقه علل الشباب في هذا العمر، وسوف يتخلّص الشاب من هذه الحالة النفسيّة التي يعاني منها أو أنّهم ربّما غرسوها في عقله وتفكيره. سوف أتحدّث عن الجانب الطبّي من خلال فهم ما يمكن أن يقوم بتصويره مخ الإنسان له من خيالات وهلوسات سمعيّة وبصريّة وذوقية نتيجة الإصابة ببعض الحالات المرضيّة أو النفسيّة أو تعاطي بعض العقاقير أو إستنشاق بعض المهلوسات. سوف يتم طرح موسّع للجانب الطبي لهذه الظاهرة في الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة بإذن الله.

وحتى لا أشعركم بأنّني ثقيل الظل، دعوني أعرض عليكم هذا الكلام "الطريف"...يقول أحد شيوخ الدين:  لقد حاول بعض الناس الولوج في كيفية "النكاح" بين الإنس والجن، وهذا وهم غير حقيقي لإختلاف الجنس بين البشر والجن كما يقول بعض شيوخ الدين، ولكن كره "العلماء" (هم هنا يعنون بالعلماء شيوخ الدين بالطبع، فلا يوجد علماء أخرين في تصنيفاتهم) الخوض في هذه المسائل وعللوا ذلك بقولهم: "إذا وجدت إمرأة حامل فقيل من زوجك؟ قالت: من الجن فيكثر الفساد"، ولقد أنكرهُ علماء المسلمين، وقال بعضهم جائز ولكن لو تم ذلك وحصل بين الإنس والجن تزاوج فكيف نقرر ما لا نرى(هذا هو كل ما يهمّهم من كل الموضوع !)، بل يأتي من هذا الباب شر كثير، وكيف يحدث التآلف بين أجناس متخالفة في الخلق فتصبح الحكمة من الزواج لاغية، وزعم بعض الجهلة ورودها في الناس حاليًا، ويسأل فاعلها عن حكمها الشرعي وهو مغلوب على أمرهِ لا يستطيع الفكاك منها، ولو حدث ذلك لأوجدنا محاكم للفصل في زيجة الجن والإنس وهذا أمر يطول شرحه لكونهِ خيال بحت من نسيج القصاص والدجالون.

 ولإتمام المتعة، أعرض عليكم هذا الفيديو فقد تجدونه ملهماً ومفيداً: أسماء وقبائل الجن 



 في الحلقات الموالية سوف تقرأون:4- السحر عبر العصور.
5- ماذا يقول شيوخ الدين والمشعوذون عن السحر.
6- الشيطان في المفاهيم القديمة.
7- ماذا يقول شيوخ الدين عن الشيطان.
 
8- الرقية عبر التاريخ.
9- ما يقوله شيوخ الدين عن الرقية.
 10- ما ورد في القرآن عن الجن.
11- ما ورد في القرآن عن السحر.
12- ما ورد في القرآن عن الشيطان.
13- ما ورد في القرآن عن الرقية.
14- أجزاء الدماغ المتربطة بالإعتقاد.
15- إختلالات في وظائف الدماغ وعلاقتها بالإعتقاد والتخيّل.
16- حالات مرضيّة ودوائيّة وإرتباطها بالتخيّل وسماع الأصوات الغريبة.
17- مقدّمة للمحرّرعن الفرق بين عالمنا وعالمهم.
18- رأي المحرّر في موضوع الجن.
19- رأي المحرّر في موضوع السحر.
20- رأي المحرّر في موضوع الشيطان.
21- رأي المحرّر في ما يسمّى ب"الرقية الشرعيّة".
22- مقال ختامي وردود على إستفسارات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك