2015/03/07

مسّ من الجن - الفصل الأوّل: الموروث والمتداول (2)

الحلقات السابقة: الحلقة الأولى

(الحلقة الثانية)
الجن عبر العصور
عندما يولد الطفل الصغير فإن أوّل شيئاً يفعله بعد البكاء هو التجوّل بعينيه حول العالم المحيط به وهو ربّما يحاول التعرّف عليه أو تفهّمه أو التعوّد عليه بهدف تقبّله والإنسجام معه. 

تستمر ملكة حب التعرّف على المجهول عند الطفل الصغير بدون توقّف، فكل ما يحيط بالطفل هو عالم غريب عليه. غريب في الشكل وفي الحجم وفي الحركة وفي ما يصدر عنه من أصوات. أعتقد بأن الطفل الصغير يرى العالم الكبير المحيط به من خلال عالمه الصغير، وبذلك فإن كل شئ يحيط به يعتبرعالماً غريباً فيه الكثير من المجاهيل؛ والجهل بالأشياء هو ما يجعل ذلك العالم بالنسبة للطفل الصغيرمخيفاً ومرعباً وربّما مقلقاً أيضاً.

الطفل بكل تأكيد يرى أمّه كأقرب مخلوق إليه، والأم هي ربّما من يطمئن الطفل إليها ويأمنها، وبذلك نجده يستنجد بها كلّما بلغته نوبة من الخوف أو الشعور بالخوف. يبكي الطفل دائماً موجّهاً نظره وإهتمامه ناحية أمّه وكأنّه يقول لها "أنجديني" من هذا العالم الغريب الذي أحضرتيني إليه.
يولد الإنسان ومعه حب الإستطلاع وحب التعرّف على المجاهيل وهي كثيرة وكثيرة جداً، وكلّما عجز الإنسان عن معرفة سر أو كنه شيئاً ما فإنّه إمّا أن يهرب منه خوفاً وجزعاً أو أنّه قد يعبده بهدف التقرب إليه وتأمين جانبه.

حينما خلق الله الإنسان على الأرض في هيئة آدم عليه السلام، كان آدم غريباً في عالمه المحيط به مع أن الله علّمه الأسماء وأنزل السكينة على قلبه، لكن آدم كمخلوق بشري لابد له من إستكشاف عالمه المحيط به بهدف التعرّف عليه وتلك أراها غريزة تولد مع الإنسان وتنمو معه ربّما إلى أن يغادرهذه الحياة إلى العالم الآخر(يموت).
إتّجه الإنسان القديم منذ ملايين السنين الى السماء باحثاً فيها عن إلاه يعبده، فكما يتجه الطفل الصغير إلى فضاء الغرفة وهو يحاول إستكشاف عالمه المحيط به، إتّجه الإنسان القديم منذ ملايين السنين إلى السماء ( وهي بمثابة سقف البيت) باحثاً فيها عن إلاه يعبده، أو قوّة خارقة يستنجد بها أو يشكو ضعفه إليها بهدف إستعطافها ومن ثمّ طلبها لنجدته من مخاوفه.

عبد الإنسان عبر العصور كل ما هو غريب وكبير ومخيف ومزعج. عبد الشمس وعبد القمر وعبد الجبال وعبد الحيوانات الضخمة وصنع لنفسه أصناماً كبيرة الحجم أوى إليها طالباً الآمان عندها وباحثاً عن حماية ظنّ بأنّها تأتيه عن طريقها.

كان علم الإنسان البدائي محدوداً ومداركه ضيّقة جدّاً ومعلوماته عن الكون المحيط به تكاد لا تتجاوز التخيّل والتصوّر، وكلّما أحسّ الإنسان بأنّه لا يعرف كثيراً عمّا يحيط به كلّما دخل الخوف والتوجّس في عقله وفي تفكيره. خاف الإنسان من عالمه المحيط به لأنّه كان يجهل كل شئ فيه، وحاول تبرير مخاوفه بإعطاء صفات ومسمّيات لتلك الأشياء المجهولة التي كان يظن بوجودها ويقنع نفسه بقوّتها الخارقة، ومن ثمّ فقد رسمها له خياله على صور كائنات شاذّة وغريبة ومرعبة ومخيفة فأطلق عليها أسماء كثيرة من بينها الجن والعفريت والغول والشيطان والشبح، ومن بين القصص المثيرة التي نسجها خيال الإنسان عبر العصور مدفوعاً بعوامل الخوف والترقّب ومحاولة لمعرفة المجاهيل.. من بين تلك القصص الخرافية طائر العنقاء وطائر البطريرق وطائر فينيكس. 

طائر الفينيكس  Phoenix

طائر الفينيكس هو كائن أسطوري كان له صدى واسع في التراث الشعبي القديم لدى الكثير من الشعوب الممتدة جغرافياً حول العالم كالمصريين والفينيقيين والإغريق والفرس والرومان والصينيين ، فتعددت الأسماء لكنها كانت تكاد أن تتفق على ما تشير إليه، ولحد يومنا هذا ما زال له تأثير في الأدب والثقافات المعاصرة كرمز للتجدد والخلود رغم أنه لم يعد في صلب معتقدات الشعوب أو ثاني المستحيلات كما كان في الماضي. 
وبحسب الأسطورة فإن الفينيكس هو طائر عملاق طويل الرقبة ومتعدد الألوان وإن كان يغلب عليه لون التراب الاحمر ، فريد لا مثيل له ويعيش الواحد منه مدد تترواح بين 500 إلى 1000 عام، وفي نهاية "حياته" يجثم على عشه في إستكانة وغموض ويغرّد لآخر مرة في حياته الراهنة بصوت خفيض وحزين إلى أن تنير الشمس الأفق وهو عاجزا عن الحركة فيحترق ويتحول إلى رماد وهو يصدر أصواتاً تبدو أقرب إلى الأصداء. وعندما يكون الجسد الضخم قد إحترق بالكامل، تخرج يرقة صغيرة من بين بقاياه وتزحف في دأب نحو أقرب بقعة ظليلة وسرعان ما تتحول إلى طائر الفينيكس التالي..وهكذا.

ومن يوجد لديه إهتماماً بمعرفة المزيد من المخيفات التي تخيّلها الإنسان أو نسج حولها قصصاً وخرافات، عليه بأن يمر من خلال هذا الرابط لقراءة المزيد: العشر المرعبات 
ذكر الجن والشيطان في الكتب القديمة ومن بينها التوراة والإنجيل. وذكر الإنجيل في الكثير من الإصحاحات كيف أن الشيطان كان يعيش مرفّهاً وسعيداً وفي طاعة الله، لكنّه قرّرعصيان الله فقام بأعمال شرّيرة من بينها إغواء آدم وحواء، فغضب منه الرب وأنزله من عليائه في كوكب أخرى يظن بأنّه فينوس (الزهرة) إلى الأرض وظل ملعوناً من يومها.
هناك الكثير مما قيل عن الشيطان في الكتب المقدّسة القديمة، لكن كل ما قيل كان يتحدّث عن شرور الشياطين وأوصافها وكيف أنّها من الممكن أن تعبث بالناس وتفسد تصرّفاتهم، وتؤكّد إصحاحات الإنجيل على أن الإنسان السليم والقوي لا توثّر فيه الشياطين.
خلق الله الجن من النار، وكان الجن أول من عبد الله على الأرض، كما ذكر ذلك إبن كثير في كتابه "البداية والنهاية". 
يقال بأن أمة من الجن، بدلاً من أن يداوموا الشكر للرب على ما أنعم عليهم من النعم، فسدوا في الأرض وذلك بسفكهم للدماء فيما بينهم، فأمر الله جنوده من الملائكة بغزو الأرض لإجتثاث الشرّ الذي عمّها وذلك بمعاقبة بني الجن من الشياطين على إفسادهم في الأرض.
غزت الملائكة الأرض فقتلت من قتلت وشرّدت من شرّدت من الجن. فرّ من الجن نفر قليل، فإختباءوا بالجزر وأعالي الجبال. وأسّر الملائكة من الجن (إبليس) الذي كان حينذاك صغيراً، وأخذوه معهم للسماء. والذي أصبح عبدا شاكراً لله كما ذكر عبد الله بن مسعود في كتاباته.
وقد يرد تساؤل هل الشيطان هو أصل الجن أم هو واحد منهم؟. الرأي الأرجح هوالأخير بالطبع لوروده في الآية: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ}، ولكن هنالك رأي "لإبن تيميّة" يقول فيه بأن الشيطان هو أصل الجن كما أن آدم هو أصل الإنس.

وحكى "الشهرستاني" في أول كتابهِ عن "الملل والنحل" حكاية عن ماري شارح الأناجيل الأربعة، وهي مذكورة في "التوراة" متفرقة على شكل مناظرة بين الشيطان وبين الملائكة بعد الأمر بالسجود لآدم، في ختامها قال شارح الآناجيل: فأوحى الله إليه من سرادقات الجلال والكبرياء، يا إبليس إنك ما عرفتني، ولو عرفتني لعلمت أنني لا أسأل عما أفعل. وبذلك سقطت شبهات الشيطان. 
من هنا نرى الكثير من التباين والكثير من التفسيرات والمعتقدات حول الجن، وهناك الكثير مما سوف أسرده في الحلقة القادمة والتي سوف تعني برأي شيوخ الدين في الجن وقدراتهم الكبيرة على "إختراق" جسم الإنسان وتلبّسه ومن بعدها التحكّم في وظائفه وممارساته وتسيّر قراره بعد أن تستولي على إرادته !!.

 في الحلقات الموالية من الفصل الأوّل سوف تقرأون:
3- ماذا يقول شيوخ الدين والشعوذون عن الجن.
4- السحر عبر العصور.
5- ماذا يقول شيوخ الدين والمشعوذون عن السحر.
6- الشيطان في المفاهيم القديمة.
7- ماذا يقول شيوخ الدين عن الشيطان.
8- الرقية عبر التاريخ.
9- ما يقوله شيوخ الدين عن الرقية.
 
10- ما ورد في القرآن عن الجن.
11- ما ورد في القرآن عن السحر.
12- ما ورد في القرآن عن الشيطان.
13- ما ورد في القرآن عن الرقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك