2015/03/02

مسّ من الجن - الفصل الأوّل: الموروث والمتداول (1)

  (الحلقة الأولى)

المخفيّات الثلاث: (الملائكة، الجن، والشيطان)
مقدّمة
أود في البدء ولمعلوميّة كل من ربّما يعترض على طرح هذه المواضيع للنقاش بإعتبار أنّها تصنّف من "المسلّمات" التي لا تخضع للنقاش ويتوجّب القبول بها كما ذكرت في القرآن وكا تم تفسيرها لنا من قبل "شيوخ الدين" عبر العصور.... أود أن أنبّه إلى أن هذا الطرح هو ثقافي وعلمي وفلسفي ولا علاقة له بمناقشة قضايا الدين ولا يدخل إطلاقاً في مجال الإفتاء أو التشكيك في إيمان ومعتقد الغير.
أنا أطرح هذه المواضيع للنقاش من باب التحاور حولها من ناحية، حيث أنّني أؤمن بأن الحوار هو الوسيلة المثلى لبلوغ الأفضل وتوضيح المبهم وترسيخ القناعة من خلال الفهم. أنا أؤمن بأنّه في هذه الدنيا يتوجّب علينا بأن نجادل في كل شئ موجود حولنا أو يحيط بنا أو يؤثّر في حياتنا أو يتدخّل في شئوننا، فكل شئ نناقشه لابد وأن نخرج منه بخلاصات سوف تكون مفيدة لنا ولغيرنا... وتلك هي من بين مزايا النقاش الكثيرة.
من ناحيتي، فأنا طبيب إختصاصي في المخ والأعصاب وبخبرة تتجاوز15 سنة متواصلة، وهذا التخصّص بكم المعرفة الكامن وراءه والمحرّك له يحتّم عليّ أن أطرح كل المواضيع التي أراها تؤثّر في حياة الإنسان بهذا الشكل أو بذلك للنقاش والتوضيح والتنوير والتوعية وبأن لا أسكت عن أشياء أراها من الممارسات الخطأ. أنا مهنتي هي تشخيصيّة وعلاجيّة في الأساس، لكنّها أيضاً توعويّة تهدف إلى مساعدة البشر على التخلّص من أمراضهم العضوية والنفسيّة، حيث أن الإرتباط بين الإثنتين هو عضوي ومتلاصق في أغلب الأحيان.
أنا كطبيب إختصاصي أعتبر نفسي ملزماً مهنيّاً وأخلاقيّاً وإنسانيّاً بأن لا أسكت عن شئ أراه من الممارسات أو الإعتقادات الخاطئة التي تضر بصحّة وحياة الإنسان بسبب جهله بها أو تعنّته وإصراره على ممارستها، ومن واجبي بأن أساعد ذلك الإنسان من خلال معارفي وخبرتي ومقدرتي على الإقناع. فشلي في تحقيق ذلك يعني إهمالاً في إمتهاني للوظيفة يتوجّب عليّ محاسبة نفسي عليه قبل أن يحاسبني الآخرون.
أنا أطرح هذه المواضيع من حيث الجوهر على أنّها قضايا طبيّة ومواد معرفيّة ولا أحفل كثيراً بجوانبها الدينيّة أو العقائديّة أو الروحانيّة، فتلك ليست من مهامي كطبيب ولا هي من إختصاصاتي كمهني.    
المخفيّات الثلاث 
هذه مخلوقات مثلنا من حيث أن الله خلقها، فنحن خلقنا من تراب، وخلقهم الله جميعاً من نار. الشياطين والجِنّة والملائكة خلقوا قبل البشر بكثير، وهم معروفون عند البشر منذ الخلقة الأولى، وتحدّثت كل المخطوطات والمنقولات عن معرفة الناس بوجودهم حولهم.

هذه المخلوقات الثلاث لا نراها ولا نسمعها لا ونتواصل معها ولا نحس بها، وكل من يظن بأنّه يتواصل معها بأ0ي شكل من الأشكال هو واهم ومهووس، ويجب تقديم النصح له. بكل تأكيد يستثنى من ذلك الأنبياء ومنهم سيّدنا محمّد عليه السلام، فما وجد في عهد الأنبياء يدخل في باب "المعجزات" التي شاءها الله كبرهان مدروك ومحسوس للناس بهدف تثبيت الإيمان في قلوبهم.

هذه المخلوقات تعيش في عالمها الخاص بها والذي لا نعرف عنه كثيراً، وبكل تأكيد فهي موجودة حولنا وقد تحيط بنا أو تحاول الإقتراب منّا أو أنّها ربّما تسبح في الفضاء الفسيح. أنا شخصيّاً لا أهتم ولا أحفل بها، فهي لها عالمها ونحن لنا عالمنا.
حسب علمي فإنّ هذه المخلوقات لا تأكل ولا تشرب ولا تتنفّس، لكنّني لا أستطيع الجزم بذلك، فلم يسبق لي الشرف بالإلتقاء بأي منها.

المـلائـكــة
بكل تأكيد لم يرأحدنا الملائكة على هيئتها الصحيحة وبذلك فهذه الصورة هي من نسج الخيال
الملائكة في الإسلام هم خلق من مخلوقات الله، خلقهم الله من نور، وهم مربوبون مسخّرون، عباد مكرّمون، لا يعصون الله ما أمرهم به ويفعلون ما يؤمرون. هم لا يوصوفون بالذكورة ولا بالأنوثة، لا يأكلون ولا يشربون، ولا يملّون ولا يتعبون ولا يتناكحون ولا يعلم عددهم إلا الله.
التصديق بوجود الملائكة هو ركن من أركان الإيمان، فمن أنكرهم ولم يؤمن بهم فقد خالف أمر الله حسبما ذكر في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}.
الملائة لها أعمال ومهمّات معينة وكّلهم بها الله وهم ينفّذونها ومنها: تبليغ الوحي والنفخ في الصور، ونزع أرواح العباد.
لا نعرف أعداد الملائكة لكنّهم كثر، وهم يقيمون في السموات العليا غير أنّهم يمتلكون المقدرة على النزول وبسرعة قسوة إلى الأرض إذا أمرهم الله بذلك.
الملائكة هم بررة ويطيعون الله في كل شئ. لا يستطيع الملاك عمل إي شئ إلاّ بأمر من الله، وهم معصومون عن الخطأ.

الـجِـــن
لم ير أحدنا الجن وبذلك فهذه الصورة هي من صنع الخيال
الجِن والجِنّة (جمع جان) وهم مخلوقات الله خلقهم من نار، وأوّل جنّي في العالم هو الجان "سوميا" الذي يعتقد بأنّه وجد على الأرض حوالي 2000 سنة قبل وجود آدم عليه السلام.
كلمة جِن تعني الإستتارة، فهم يرون ولا يراهم أحداً(مستترون)، وهم يعيشون معنا على الأرض، ولكن لهم عالمهم الخاص بهم ولا علاقة لنا بهم إلاّ أن يكون ذلك من خيال البشر من حيث "التسليط" من قبل السحرة والمشعوذين، أو "الإعتقاد" من قبل السذّج من البشر وهم عادة من قليلي العلم والمعرفة والمنغلقين على أنفسهم. السحر لا يؤثّر في الإنسان إلّا أن يكون ذلك بأثر نفسي محض لقوله تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ (((يُخَيَّلُ))) إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ}، وفي هذا دلالة أكيدة على أنّ من يدّعون بأنّ لهم القدرة على تسليط الجن على الإنسان إنّما هم من الدجّالين، وكل من يصدّقهم هو من يشاركهم في الدجل ومخالفة أمر الله.
الجن كما نعرف منهم الصالحون و منهم الكافرون، و الجن الكافر يسمي شيطان. الجِنّة يتزوجون و لهم ذريّة، ويقال بأن لهم أعماراً محددة، فعندما تنتهي أعمارهم يموتون. أمّا إبليس (إبن الجن الشرّير) فهو كما نعرف من القرآن سيعيش إلي يوم القيامة.
الإعتقاد بوجود الجن قديم جدًا، وهو في الميثولوجيا العالمية معروف بصورة الأرواح المحتجبة عن عيون البشر. ويسمى هذا العلم (Demonology)، ويعني علم الشياطين (باللغة اليونانية)، وكلّما كثر الجهل كلّما زاد الإعتقاد برؤية الجن وهناك من يتوهّم معاشرته أيضاً !.
لا يؤثّر الجن في الإنسان، وكل ما يقال عن لبس الجن للإنسان هو وهم وخيال. الإنسان الخائف والمرتعب وقليل الثقة بالنفس والمكتئب والمرتعش هو من يؤمن بتلبّس الجن له، وأولئك هم من يعتقدون بقدرة السحرة والمشعوذين على تسخير الجن للإيذاء بهم.
تأذّى الإنسان بالسحر وبوقع الجن (المس) هو تأثير نفسي محض كما أسلفت، والإنسان المتعلّم والمتفتّح والواثق والمستريح نفسيّاً لا يتأثّر بالسحر ولا بمس بالجن.

الـشـيـطـان
                                                                   لم ير أحدنا الشيطان وبذلك فهذه الصورة هي من صنع الخيال
كلمة شيطان هي عبريّة، وكلمة إبليس هي يونانيّة.
الشيطان ذكرت ووصفت بتوسّع في إصحاحات الإنجيل وفي التوراة، وهو تم وصفه بالكائن الخارق للعادة، وأعتبر تجسيدا للشر في كثير من الثقافات والأديان باختلاف المسمّيات وفي أحيان كثيرة وصف بأنّه عدّواً ونقيضاً للإله، فهو ممثّل للشر وكل ماينطوي تحته من أفعال وأفكار في حرب مقدسة أو كونية مع قوى الخير.
في الإسلام يعتبر الشيطان هو الشرّير من الجن، وهو يغوي الضعاف من البشر فيندفعون لإرتكاب الذنوب والمعاصي بحق الإله.
كثر الكلام عن مقدرة الشيطان على إغواء البشر وإخراجهم عن إيمانهم، ولكن يجب التنبيه على أن الشيطان لا يمسك يد إنسان أو يخرجه عن إيمانه، والشيطان لا يمكنه أن يغوي إنساناً قط إلّا أن يكون ذلك الإنسان ضعيفاً وقابلاً للغواية، والشيطان "يحاول" إغواء الإنسان ولا يغويه.
البشر يقتلون بعضهم البعض، ولكن الشيطان لا يفعل ذلك. البشر يضربون بعضهم البعض، ويسرقون بعضهم البعض، ويحسدون بعضهم البعض، ويبطشون ببعضهم لكن الشيطان لا يفعل ذلك. الشيطان يغوي الإنسان المستعد للغواية ويفسد ومن هنا فهو من وجهة نظري يدخل إلى الإنسان من باب نفسه الأمّارة بالسوء، ومن نافذة ضعفه.
الإنسان الواثق من نفسه لا يخاف الشياطين، والإنسان السوي لا يمكن أن تغويه الشياطين وهو بذلك لا يحفل بها ولا يحس بوجودها ولا يخاف منها. الإنسان الذي يخاف الله بصدق لا يخاف الشيطان، وكلّ من يكثر الحديث عن وساوس الشيطان هو فقط ذلك الإنسان الغير واثق من إيمانه والغير واثق من أفعاله والغير واثق من قدراته.

في الحلقات الموالية من الفصل الأوّل سوف تقرأون:
2- الجن عبر العصور.
3- ماذا يقول شيوخ الدين والشعوذون عن الجن.
4- السحر عبر العصور.
5- ماذا يقول شيوخ الدين والمشعوذون عن السحر.
6- الشيطان في المفاهيم القديمة.
7- ماذا يقول شيوخ الدين عن الشيطان.
8- الرقية عبر التاريخ.
9- ما يقوله شيوخ الدين عن الرقية.
 
10- ما ورد في القرآن عن الجن.
11- ما ورد في القرآن عن السحر.
12- ما ورد في القرآن عن الشيطان.
13- ما ورد في القرآن عن الرقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك