إن أردت أن تمنع قيام أية دولة فعليك، أن تقضي على جيشها وأن تشرع حدودها وأن تستهين بكرامتها وأن تدوس على سيادتها...... وأن تفرض الذل والخنوع على أهلها.
إلى كل من لم يصدّق بعد بأن الدولة الليبية هى على وشك أن تصبح حقيقة، وإلى كل من يظن بأن المليشيات يمكنها أن تصنع دولة،
وإلى كل من يحاول إيهامنا بأن مرتزقة الثورية هم من سوف يحمي ليبيا... إلى كل هؤلاء نقول ونؤكّد ونجزم بأن ليبيا سوف تصبح دولة عصريّة ومدنيّة ومتطوّرة ومتحضّرة، وسوف يحميها الجيش المهني المتعلّم والمتحضّر الذي يعيش بأبجديات زمانه. لا بد وأن يكون لليبيا جيشاً محترفاً يحمي حدودها، وتكون لها شرطة عصريّة تحمي حقوق المواطن فيها، ويكون في ليبيا قضاء يحقّق العدل وينهي الظلم والطغيان. ليبيا الدولة آتية، وعلى من يحلم بغير ذلك أن يبدأ في البحث له عن مكان آخر يأويه.
أنا أستغرب وبقوّة أنّه يتواجد بيننا في ليبيا من لا يحب أن يرى فيها جيشاً قويّاً يحميها، ومن لا يريد أن يراها تتحوّل إلى دولة عصريّة تتوفّر فيها كل معاني الحياة الكريمة وكل وسائل الرفاهيّة ومباهج السعادة حتى يعوّض الشعب الليبي بعض ممّا ضاع منه طيلة العقورد الأربعة الماضية. في المقابل، نرى البعض من المحسوبين على ليبيا وهم يبحثون عن كل مبرّر ويلتجأون إلى كل ذريعة لمنع قيام الدولة.
هذا النوع من البشر يعرف يقيناً بأن الجيش هو العمود الفقري الذي تقوم عليه الدولة وبذلك كان تركيزهم على منع تكوين هذا الجيش مهما كانت المبرّرات ومهما كانت التضحيات من جانبهم... بمعنى مهما كان نوع الوسيلة التي عن طريقها يمكنهم تحقيق تلك الغاية.
من ذاك الذي يكره رؤية الدولة تتكوّن ؟
بقدر إستغرابي لوجود أمثال هؤلاء البشر في بلد مثل ليبيا تشتهر بإنسجام وتناغم تركيبتها السكّانية والإجتماعيّة، بقدر معرفتي بوجود أولئك الناس بيننا وللأسف. لماذا تواجدوا في ليبيا، وعن ماذا يبحثون، وما هي أماد أحلامهم وطموحاتهم... تلك هي الأسئلة التي عجزت عن إيجاد إجابات شافية لها رغم أنّني عصرت مخّي كثيراً حتى كدت أجفّفه من كل قطرة دم وأحبس كل الأوكسجين عنه.
هناك بكل تأكيد من لايحب الجيش، وهذا النمط من البشر إمّا أنّه:
- يخاف الجيش لأنّه هو أو أحد معارفه كان قد تأذّى من الجيش مثل الإخوان المسلمون أو الجماعة الليبيّة المقاتلة.
- لا يؤمن بالدولة العصريّة من حيث الأساس: الجماعات الإسلامية المتشدّدة من أمثال تنظيم القاعدة، الطالبان، السلفيون وخاصّة الوهابيّون، الجهاديّون، وتنظيم داعش.
- الإرهابيّون والمجرمون والفوضويّون، حتى لايتواجد من ينغّص عليهم حياتهم.
- من يسمّون بالثوّار: وهؤلاء في واقع الأمر هم مجموعة من المعدمين ومن لا يحملون مؤهّلات علميّة تؤهّلهم لمسك وظائف كبيرة في الدولة المستقبليّة، وكذلك من كانوا في السجون وهم يعرفون جيّداً بأنّهم لا ينسجمون مع الحياة المدنيّة التي تخضع لأعراف وقوانين وضوابط ومحاسبة.
- جهات خارجيّة: منها أمريكا و"إسرائيل"، ودول الخليج العربيّة التي تخاف على أنضمة حكمها مثل قطر والإمارات والسعوديّة والبحرين والكويت وعمان.
الذي قتل اللواء عبد الفتّاح يونس هو من لا يريد أن يرى دولة تتكوّن، ومن قتل كل ضبّاط الجيش وضبّاط الإستخبارات والأمن وضبّاط الشرطة هو من لا يريد للدولة بأن تتكوّن، وهؤلاء هم تحديداً الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة. هذه الجماعات بالنسبة لليبيا هي تلك التي عادت من أفغانستان والعراق وأوروبّا. هؤلاء الناس يشكّلون في مجاميعهم الجماعة الليبيّة المقاتلة (طالبان وقاعدة)، أنصار الشريعة (أفغانستان وأوروبا)، وأخيراً أتباع داعش (العراق وسوريا).
بالنسبة للإخوان، هم في جوهرهم ليسوا ضد تكوين الدولة لكنّهم بكل تأكيد يريدونها دولة على طراز تفكيرهم وتفكيرهم يرتكز على مبدأ "الغاية تبرّر الوسيلة". الإخوان هم بكل تأكيد يتستّرون بعباءة الدين لكنهم في واقع الأمر لا يحفلون كثيراً بالتديّن إلاّ أن يخدم مصالحهم ويوصلهم إلى حيث يحلمون.
الإخوان المسلمون يتعاملون مع كل الفئات طالما أن مصالحهم هي التي سوف تتحقّق في نهاية المطاف. الإخوان بمجرّد تحقيق أهدافهم يتخلّصون من خصومهم بطرق ذكيّة جدّاً نادراً ما تنتهج العنف المباشر أو العنف الظاهر.
من يحلم بالدولة العصريّة؟
يحلم بالدولة العصرية كل إنسان يحمل أحلاماً في داخله، وكل إنسان يحب الحياة العصريّة المتطوّرة، وكل إنسان يحلم بتكوين أسرة سعيدة، كل متعلّم ومثقّف، كل مبدع يمتلك مقدرة على التنافس، كل إنسان نشأ في أسرة ميسورة الحال من الناحية المادية، الناس البسطاء الذين يعطون الولاء للحاكم ويعتبرون أن الدولة هي من يوفّر لهم سبل العيش ولا يحلمون هم أنفسهم بالسلطة. كذلك يجب أن لا ننسى ضبّاط الجيش والشرطة المهنيّون والذين يقدرون على المنافسة ويثقون في قدراتهم المهنيّة.
هذه الفئات بكل تأكيد تستفيد من وجود الدولة بكل مرافقها لأنّهم يستطيعون الإنتفاع من هذا الوجود من خلال القناعة أو المساهمة أو التنافس الشريف أو بسبب أن الدولة هي من يحقق أحلامهم حسب أمدية طموحاتهم.
كيف تتحقّق الدولة؟
في البلاد المتقدّمة التي تعوّد الإنسان فيها على ممارسة السلطة من خلال صناديق الإقتراع، تتحقّق الدولة عندهم وفق القوانين التي تسودها الدساتير ويحميها القانون. في تلك البلاد، الدولة تعتبر متكوّنة آليّاً ولو حدث فراغاً في السلطة لسبب من الأسباب.
في البلاد المتخلّفة مثل ليبيا، لكي تتكوّن الدولة لابدّ من وجود "القائد الرمز". في البلاد المتخلّفة الشعب دائماً يبحث عن القدوة، والشعب ينقاد في هذه لبلاد بكل سهولة بما يتناسب وقوة شخصيّة "القائد الرمز". حينما يغيب القائد الرمز كما يحدث عندنا الآن، فلم يبقى لنا غير الجيش الذي يسيطر على الأوضاع، يفرض القوانين، يلزم المشاغبين بالخضوع لسلطة الدولة، ينزع السلاح ممن يمتلكه بدون أحقية قانونية، يحمي حدود الدولة من دخول المشاغبين، وقد يوفّر القائد الرمز (اللواء خليفة حفتر !).
العنصر الأوّل والأكيد في الدولة المتخلّفة كليبيا هو الجيش، ثم تأتي بعد ذلك الحكومة القويّة وهي تسبق الجسم التشريعي، حيث يقوم الجيش عادة بهذه المهمّة ولكن بطريقة غير مباشرة. بمعنى أن الجيش هو من يصدر التعليمات وعلى الحكومة التنفيذ، ومن هنا فإن الجسم التشريعي يعتبر صوريّاً أو رمزيّاً أكثر منه فعليّاً، خاصة حينما يكون الجيش سلطة قويّة كما حدث في مصر في عهد الفريق عبد الفتّاح السيسي، وكذلك في اليمن في عهد الفريق عبد ربّه منصور هادي قبل أن يسيطر الحوثيّون على اليمن.
بعد أن يتكوّن الجيش ويسيطر على الأوضاع في البلاد، ويشرف على تعيين حكومة تكون في واقعها خاضعة لهذا الجيش.. بعد ذلك تسير الأمور حسب إرادة ومتطلبات ونباهة الشعب.
الشعب يستطيع أن يفرض النظام الديموقراطي على العسكر، والعسكر في العادة ينسجمون مع ذلك المطلب ولا يعارضونه لأنهم يعرفون بأن سلطتهم لا تضعفها الديموقراطيّة. الجيش في أغلب بلدان العالم يعتبر سلطة مستقلّة عن الدولة من الناحية السياسية، والجيش يبقي دائماً ولاءه للشعب وبذلك يبقى الجيش دائماً في وضع قوي لأنه يستند إلى الشعب، والشعب دائما يثق في الجيش أكبر من ثقته في مؤسّسات الحكم التشريعية والتنفيذيّة، وربما القضائيّة أيضاً.
كيف سوف تتأسّس الدولة الليبيّة؟
برغم ما يجري الآن في ليبيا من أحداث كارثية وبرغم إنتشار السلاح في كل بيت وفي كل زنقة، إلا أن ليبيا سوف تصبح دولة عصريّة ومتمدّنة وديموقراطية أيضاً. ليبيا بكل تأكيد سوف تصبح دولة مدنية وعصرية ومتقدمة للأسباب الآتية:
- التجربة المريرة التي عانى منا الجيش والشعب في عهد الطاغية معمر القذّافي.
- مستوى التعليم الجيّد جداً للشعب الليبي على وجه العموم.
- رغبة التعلّم وحب المنافسة الشريفة لدى أغلب أبناء وبنات الشعب الليبي.
- مستوى الثقة الكبير عند أفراد الشعب.
- موقع ليبيا الجغرافي وقربها من أوروبا، كذلك موقعها بين دول متحضّرة إلى درجة كبيرة.
- ثروات ليبيا الطبيعية.
- الترابط الإجتماعي القوي.
- الوسطية في التديّن وغياب الحاضنة الإجتماعية للتطرّف الديني.
- العصرنة في التفكير والنظرة المستقبلية عند أغلب أبناء وبنات الوطن بما فيهم الكبار في السن.
- التجربة المريرة التي مرّت بها ليبيا خلال الأربع سنوات الماضية ومنذ ثورة 17 فبراير مما ولّد عند عموم الناس شعور بكراهية التنظيمات الدينية والسياسية المؤدلجة الأخرى، كذلك فإن الثقافة الحزبية تكاد تكون غائبة عند غالبية مكونات الشعب الليبي وهذا بكل تأكيد يحتسب من مؤثّرات الحياة السياسية في عهد النظام السابق.
من كل هذا وغيره، فإنّني لازلت أحمل في قلبي الكثير من مؤشّرات الإرتياح والإطمئنان على أن ليبيا سوف تصبح دولة عصرية ومدنية ومتحضّرة رغم كل ما تعاني منه الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك