2015/07/27

مسّ من الجنّ - الفصل الثاني: وفي أنفسكم أفلا تبصرون(8)

 الفصل الأوّل:  الحلقات السابقة . . . . الفصل الثاني: الحلقة الأولى  الحلقة الثانية  الحلقة الثالثة  الحلقة الرابعة الحلقة الخامسة

  الحلقة السادسة الحلقة السابعة


(الحلقة الثامنة)
رحلة إلى خارج القاع .... من المخ إلى النخاع 
كما سبق لي وأن ذكرت في الحلقة الرابعة من هذه السلسلة (أضغط أعلاه للمزيد) فإنّ أغلب الألياف الحركيّة تتجه ناحية قاعدة المخ المسمّاة جذع المخ Brain Stem والتي تقع في أسفله، ومن هناك وتحت منطقة البصلة مباشرة أو ما يعرف بالنخاع المستطيل Medulla Oblongata تتجمّع الألياف العصبيّة الحركيّة بملايينها في حزمتين كبيرتين تسمّى كل منهما بالحزمة الهرميّة Pyramidal Tract على كل جانب من جانبي النخاع المستطيل حيث تتقاطع هاتين الحزمتين الهرميتين كلّ إلى الجانب الآخر، ومن هناك تأخذان طريقهما إلى خارج المخّ فتعبرا من برزخ في قاعدة الجمجمة وفي أعلى الرقبة يسمّى الثقبة العظمى  Foramen Magnum.

هذا المشهد ربّما من السهل تصوّره إذا أتفقتم معي في أن أشبّهه بعمليّة الخروج من أعماق المحيط الأطلسي في إتجاه البحر الأبيض المتوسّط، ولابدّ أن يحدث ذلك من خلال العبورعن طريق مضيق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا، وتحديداً بين طنجة وجبل طارق.
بعد العبور من مضيق جبل طارق سوف تبدأ رحلة الخروج إلى الشاطئ من خلال البحرالمتوسّط، وسوف نخرج معاً عن طريق ميناء اللاذقيّة في سوريا، وسوف يكون ذلك في الحلقة الموالية بإذن الله.
ولنعد إلى الواقع... إلى موضوع الخروج من المخّ بإتّجاه الحبل (النخاع) الشوكي في طريقنا نحو السطح من جديد، ولكن هذه المرّة صحبة الألياف العصبيّة الحركيّة والتي سوف تؤدّي بنا نحو الألياف العضليّة Muscular Fibers ليبدأ منها الجهاز العضلي Myology والذي سوف أفرد له حلقة تامّة لأهمّيته ولمجموعة من الأمراض تعتريه تكون سبباً في عجز الإنسان وتخلّفه عن مواكبة الحياة كما يجب وما لذلك من تأثيرات عمليّة(حياتية)، ونفسيّة .... وإجتماعية أيضاً على المصابين.
النخاع الشوكي هو الحبل الرابط بين الدماغ وبقيّة جسم الإنسان، ويبلغ طوله في الشخص البالغ ما بين 40 - 50 سنتيمتر، ويبلغ نصف قطره ما بين 1 - 1.5 سنتيمتر. النخاع الشوكي هو عبارة عن حزمة خطوط عصبيّة تشتمل على ألياف حسّية وحركيّة ولا إراديّة بنوعيها الودّي ونظيره، كما يشتمل النخاع الشوكي على خلايا عصبيّة أغلبها حركيّة تسمّى هي نفسها العصبونات.
يبدأ النخاع الشوكي من قاعدة الراس أو قاعدة الدماغ كإمتداد لجذع المخ، وينتهي بين الفقرة 1 و 2 من الفقرات القطنيّة (البطنيّة) عند البالغين، بينما ينتهي عند الفقرة 2 و 3 عند الأطفال حتى عمر 12 سنة.

النخاع بصفة عامّة هو مادّة رخويّة بيضاء تتكوّن أغلبها من الألياف العصبيّة وتكون في الأطراف الخارجيّة للنخاع على عكس المخ حيث تكون المادّة البيضاء من الداخل، وتتكوّن المادّة السمراء في وسط النخاع من ألياف حركيّة في الثلثين الأمامييّن الخارجيين من القرن الأمامي على كل جانب، بينما يتكون القرنين الخلفيين من أقسام حسّية يبلغ عددها 7 على كل جانب ويتخصّص كل قسم حسّي في نوع معيّن من الآحاسيس.
الحبل الشوكي يقوم بوظيفتين رئيسيّتين هما إستقبال وإرسال الإشارات الحركيّة للعضلات، وإستقبال الإشارات الحسّية من أطراف الجسم ودراستها وبرمجتها وتوجيهها ثم إرسال أغلبها إلى الدماغ للمزيد من التحليل والفهم والتصرّف.
يتغذّى الحبل الشوكي بثلاثة شرايين هم: الشريان الشوكي الأمامي، وهو الأكبر والأكثر فعاليّة. قفل هذا الشريان بالجلطة مثلاً يؤدّي إلى فقدان النخاع الشوكي لأغلب وظائفه وهو ما يؤدّي إلى شلل الأرجل المتصلّب، وهذا النوع من الشلل يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة لإزالة الجلطة أو أن المصاب يبقى معاق طول عمره بالشلل النصفي السفلي المتصلّب.
ونظراً لهشاشة ورخوية النخاع الشوكي وسهولة إعطابه، فإن الله قرّر حفظه ووقايته في داخل عمود فقري متماسك ومتراكب بشكل ليس من السهل محاكاته أو حتى فهم كل تصميماته رغم ما شهدته البشرية من تقدّم في مجال التشريح على وجه الخصوص.
وحيث أن أغلب ألام الظهر لا تأتي في واقع الأمر من عطب في النخاع الشوكي، وإنّما من مشاكل في العمود الفقري؛ فقط أعطي الكثير من الإهتمام لهذا العمود الفقري الذي يحمي النخاع الشوكي من ناحية ويحافظ على آمان ومتانة قامة الإنسان عندما يقف وعندما يمشي، وعندما يمارس أي من النشاطات العضليّة.
 يتكوّن العمود الفقري من 29 فقرة مختلفة الحجم والشكل والمتانة. الفقرتين الرقبتيتين الأولى والثانية تندمجان مع بعض على عكس بقية الحيوانات، والفقارات الخمسة الأخيرة (العجزيّة) هي بدورها مدموجة مع بعض على عكس الكثير من الحيوانات وليس كلّها. هناك أيضاً عظمة العصعص التي تمثّل عند الإنسان الذيل المندثر مقارنة بالحيوانات التي لها ذيل مثل الكلاب.
الفقرات هي بدورها كانت قد صمّمت بشكل هندسي غاية في الإبداع بما يخدم الوظيفة ويساعد على الحركة، ويسهّل مرور الأعصاب والأوعية الدموية بشكل لا يمكن أن يحاكيه أمهر إنسان على وجه الأرض.

وحينما تتراكب الفقرات على بعضها فإنّها تصنع قناتين مهمتين: قناة العصب الشوكي، والقناة الفقارية التي تعبر عن طريقها الأعصاب الطرفية من موضع تنشأتها إلى طريقها التي سوف تسلكها لتقوم بمهامها المناطة بها.

وعند إنتهاء الحبل الشوكي، تتوظّب الفقارات القطنية والعجزية بشكل إبداعي بصدق، حتى أنها تمكّن الأعصاب السفلية الطرفية من العبور نحو آماكنها بدون إلتواء أو إنثناء أو تعطيل أو إحتكاك.
 وحتاماً أقول - بعد سبحان الله الذي خلق كل شئ فأحسن خلقه وتقديره - إن أغلب مشاكل الظهر تأتي من الفقرات (القطنية على وجه الخصوص)، وكذلك من الغضاريف بين الفقرات، ومن زوائد الفقرات التي تتخشّن وتنمو عليها زوئد عظمية تضغط على الأعصاب الطرفيّة ممّا يجعلها تضغط على تلك الأعصاب وتتسبب في وخز وألم وتنميل أحياناً. إن أعطال العصب الشوكي من النادر أن تسبب ألاماً موضعية في مكان العطب إلّا أن يكون ذلك بسبب ضاغط ما مثل نزيف أو صديد متجمّع أو ضغط غضروفي كبير أو سرطان. أغلب مشاكل العصب نحسّ بها في الأطراف مثل اليدين والرجلين، وليس في الظهر. إن أغلب ألام الظهر تأتي من أعطاب في العمود الفقري ومرفقاته من أربطة وغضاريف وليس في الحبل الشوكي. إن أي ضغط على الحبل الشوكي من قبل إنزلاق غضروفي أو من خلال نتوء روماتيزمي يمكن معالجته جراحيّاً، وعمليات من هذا النوع تعتبر ناجحة بنسب كبيرة حسب المكان والخبير الذي يجري تلك الجراحات.

في الحلقة القادمة بإذن الله سوف أخرج بيكم ومعكم من النخاع الشوكي ومن الجهاز العصبي المركزي إلى الجهاز العصبي الطرفي، وهناك حيث سوف نتجوّل في عالم الأعصاب الطرفية ونحاول معاً التعرّف عليها عن قرب.... وفقكم الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك