2013/12/26

"لا".. لعودة الملكيّة في ليبيا


إلى المطالبين بعودة الملكيّة إلى ليبيا أقول...

النظام الملكي في ليبيا ربما يقف الثاني في طابور الفساد بعد نظام الطاغية معمّر القذّافي مباشرة. نحن نقول بأنّه لولا الفساد في عهد الطاغية القذّافي لما عانت بلادنا ما عانت منه منذ 20 أغسطس 2011، وأنا أضيف، لولا فساد النظام الملكي الخانع الضائع لما حكمنا الطاغية القذّافي من حيث الأساس، ولما ضيّعت بلادنا أكثر من 60 سنة من تاريخها وهي تعوم في بحر من الفساد والرشوة والمحسوبيّة وأنظمة حكم غير ديموقراطيّة لا همّ لها غير الهيمنة على الشعب من قبل "القوّة المتحرّكة" في العهد الملكي العميل للأجنبي أو من قبل قوّة اللجان الثوريّة في عهد الطاغية القذّافي العميل لأفكاره ومعتقداته الغبيّة. علينا بأن ننظر إلى الأمام ولنترك ماضينا لحاله، فلا خير في العهدين وأتمنّى بأن نرى الخير في العهد الثالث بعد الإستقلال.

2013/12/25

الدكتور محمود جبريل... مبادرة إنقاذ ليبيا



قبل الإستماع إلى بيان الدكتور محمود جبريل قمت بطرح سؤال محدّد: هل سوف نسمع ما يثلج صدورنا هذا المساء؟. والجواب بعد سماع البيان التفصيلي كان: نعم أنا إستمعت إلى أكثر ممّا يثلج الصدور.... فبوركت يا دكتور محمود جبريل.

مقتطفات من أفكار الدكتور محمود جبريل:

** ثورة 17 فبراير هي ثورة كل الليبيّين، وكانت هذه الثورة جهداً جماعيّاً وبإمتياز.
** ثورة 17 فبراير هي ملك للشعب الليبي، وليست لأفراد أو أشخاص أو جماعات معيّنة.
** الشرعيّة (شرعية الدولة) تأتي بالجميع (مشاركة الجميع في إتخاذ القرار).
** الشريعة الإسلاميّة هي مصدر التشريع، ويقع باطلاً كل ما يخالفها. الليبيّون هم كلّهم   
     مسلمون، والإسلام هو هويّة كل الليبيّين. من هنا فإنّه لايحق لأية جماعة دينيّة بأن
     تستخدم هذا المبرّر لفرض سلطتها أو رأيها على الناس.
** ليبيا لجميع الليبيّين والليبيّات، ولا يجوز إقصاء أحداً بسبب عرقه أو قبيلته أو توجّهه
     السياسي أو معتقده.
** سيادة ووحدة تراب الوطن هي غير قابلة للتجزئة، وهذه تعتبر أمانة في أعناق كل الليبيّين.
** الجيش الليبي والشرطة الوطنية تعتبر كيانات لا يمكن الإستغناء عنها في الدولة العصريّة.
     الجيش يحمي أمن الوطن، والشرطة تحمي أمن المواطن... وكلاهما أمران مرتبطان ببعض 
     ولا يمكن تجزأتهما.
** ليس المهم هو التجديد للمؤتمر من عدمه، لكن السؤال هو: هل هذا المؤتمر يستطيع أن
     يفعل شيئاً في شأن بناء الدولة؟.
** لكي يقوم الليبيّون بإدلاء أصواتهم في إنتخابات لجنة الدستور هم يحتاجون إلى "بيئة آمنة".
** إنّه لأمر محزن أن ننتقل من الخوف على الحريّة إلى الخوف على أنفسنا.
** هل يستطيع المؤتمر الوطني أن يضمن أمن الليبيّين كي يستطيعوا المشاركة في إنتخابات
     الدستور؟. لا يمكنك أن تضع مولوداً وتتركه هكذا بدون عناية.
**   جوهر المرحلة التأسيسيّة هو "الحوار" وليس "السلاح".
** ما ينفعش أنّك تصوّت على الدستور وأكثر من مليون مواطن هم من النازحين. هذا الأمر لابد
     من التعامل معه بكل مسئوليّة قبل الخوض في موضوع الدستور.
** غياب تأسيس الجيش والشرطة أدّى إلى إختراق شبه كامل للتراب الليبي، وتدخّل سافر
     في السيادة الليبيّة.
** الخلاف بيننا يعطي مبرّراً للآخر للتدخّل في شئوننا.
** المركزيّة يجب التعامل معها بجديّة لمنع دعوات الإنفصال.
** دار الإفتاء دورها ليس واضحاً بعد. دار الإفتاء يجب أن تحث على الإنسجام الوطني.
** قرار تمديد صلاحية المؤتمر الوطني أدّى إلى إحتقان الشارع.
** مشكلة السلاح هي ليست فيمن يحمله، ولكن في السلاح نفسه. أي سلاح في غير
     أيدي الشرطة أو الجيش هو سلاح مدمّر.
** الإنتقال من عسكرة المجتمع إلى تمكين المجتمع يعتبر هو التحدّي الحقيقي.
** يجب بأن يكون هناك تصوّراً جديداً للإقتصاد الليبي. تحويل الشباب من حملة سلاح إلى
     رجال أعمال يجب أن يكون هو شغلنا الشاغل.
** الليبي من المفروض بأن يكون دمه غالٍ.
** إنشاء مجلس رقابي إستشاري من أعيان المناطق، وقادة ثوّار ما قبل 20 أغسطس 2011،
    ورؤساء تنظيمات المجتمع المدني ليقوم بمراقبة المؤتمر الوطني، بدل تركه يراقب نفسه.
** ما حدث من إستنزاف لثروات الشعب الليبي في السنتين الماضيتين يصعب وصفه وربما
     يستحيل حصره.
** الجيش يكون ولاءه لله والوطن، والشرطة يكون ولاءها للمواطن، ولا ولاء من أي منهما
     للحاكم.
** الإعتماد على التقنية من شأنه بأن يقفل الهوّة بين الإنسان والمكان في بلد مثل ليبيا
     مساحتها كبيرة وعدد سكّانها قليل.
** تنمية مكانية يدعمها حكماً لا مركزيّاً تعتبر قضية إستراتيجية وليست إختياراً.
** بالإضافة إلى الوزرارات السيادية، لابدّ من إنشاء مجالس عليا للتخطيط حتى لا يحدث
     الفساد .
** لا بد من أن يتحوّل الدين إلى قوّة دافعة لبناء الدولة بدل التركيز على إقحام الشريعة
     والهويّة الدينية في الجدل السياسي. الشريعة والهويّة الإسلاميّة هي من خصوصيّات
     الشعب الليبي ولا نحتاج إلى من يفرضها عليه.
** من المخاطرة المضي في مشروع إنتخابات لجنة الدستور في وجود السلاح.
** لابدّ من تشكيل المحكمة الدستوريّة العليا اليوم وقبل غدٍ من أجل الخروج ببلادنا من عنق
     الزجاجة.

هذه كانت مجرّد نقاط مختصرة جدّاً من بيان الدكتور محمود جبريل على القنوات الفضائيّة ليوم 25 ديسمبر 2013، ومن خلال ما سمعت منه هذا المساء توصّلت في قرارة نفسي إلى هذه القناعات كمواطن ليبي بعيداً عن الترويج لأيّ كان:
  1. الدكتور محمود جبريل برهن بالفعل على أنّه ذلك القائد الذي كثيراً ما بحثنا عنه، لكنّه وللأسف تم تغييبه عن الواجهة لغرض في نفس من أبعدوه.
  2. الرجل بكل وضوح يفكّر بعقلية إستراتيجيّة وبمنظار برغماتي قل وجود نظيراً له في بلادنا.
  3. الدكتور محمود جبريل عرض برنامجاً متكاملاّ لم يكن للحكومة أو المؤتمر الوطني مثيلاّ له.
  4. الفرق بين الدكتور محمود جبريل ومن يحتلّون واجهة الحكم في ليبيا الآن هو أن الدكتور جبريل محمود جبريل هو رجل دولة بكل معاني الكلمة، امّا هم فإنّهم عبارة عن مجموعة من العشوائيّين     ليس إلاّ.
  5. إنتخابات لجنة الدستور والإقتراع على الدستور سوف لن يتم قبل تنظيف البلاد من السلاح الغير قانوني. بمعنى... أنّه على المؤتمر الوطني أن يتوقّف عن صرف الأموال في أمور غير مجدية وسوف لن تحدث في هذه الظروق التي نعرفها جميعاً.
  6. إن تغييب هذا الرجل ومحاربة الإخوان له لأكثر من سنتين حرم بلادنا ثروة إسترتيجيّة لا يمكن تعويضها، وبيّن لنا بأن تنظيم الإخوان لا يهتم إلاّ بمصالحه الآنيّة ولو كان ذلك على حساب الدولة والشعب.

والخلاصة... إن الدكتور محمود جبريل كان قد برهن هذه الليلة على أنّه هو رئيس الدولة الليبيّة المغيّب.... فلعنة الله عن من كان السبب في تغييبه وحرمان البلد من قدراته الذهنية والإستراتيجيّة.

2013/12/24

خبر وعبر... وخارطة طريق


الخبر هو الإحتفال بالذكرى 62 لعيد الإستقلال المجيد، والعبر بكل تأكيد هي ما يمكننا إستنتاجة إو إقتباسه أو أستنباطه من هذه الذكرى العطرة التي منعنا من الإحتفال بها لأكثر من 4 عقود من الزمان في عهد الطاغية القذّافي الذي ذهب بغير رجعة.
كما يعرف كل الليبيّين والليبيّات فإنّ ذكرى الإستقلال هذه تمر علينا الآن ونحن لسنا وللأسف في أحسن أحوالنا، بل ولم نتمكّن من تحقيق أي من أحلامنا وحتى الحد الأدنى من طموحاتنا حين خرجنا نطالب بحريّتنا من جديد بعد أن إغتصبها ذلك الطاغية.

أغلب أبناء وبنات هذا البلد يحسّون اليوم بأنّهم ليسوا في أحسن حال من ذلك الذي كان في عهد الطاغية القذّافي، بل إنّ هناك أعداداً هائلة من الليبيّين والليبيّين من يحسّون بأن الأوضاع في عهد ثورة 17 فبراير هي في واقع الأمر أسوأ بكثير منها في ذلك العهد،  وهذا يقيناً ليس حنيناً لذلك العهد الأسود، وليس أملاً في عودته؛ وإنّما قد تكون تلك الأصوات تعبّر عن إمتعاضها بل وسخطها ممّا يجري الآن في ليبيا من فساد وخراب وتقتيل وفوضى وفقدان للأمن... والأهم هو تسرّب اليأس والقنوط عند الأغلبيّة الساحقة في بلادنا.
مشكلتنا الكبرى في ليبيا من وجهة نظري تكمن في عدم مقدرتنا وحتى الآن على حكم أنفسنا والسبب بكل تأكيد هو ليس في غياب الكفاءات وليس في غياب النوايا، وإنّما في غياب الآليّة وفي غياب الثقافة السياسيّة التي تتفهّم العمليّة الديموقراطيّة بكل أبعادها نظراً لغياب الخبرة لدينا كشعب لم يمارس الديموقراطيّة الحقيقيّة منذ نشوء هذه الدولة وحتى اليوم.

كيف هو الطريق إلى الأمام؟

يدخل مثل هذا المهم ربّما تحت بند العبر المستفادة من تذكّر الإستقلال، فلعلّ الناس في بلادي يستفيقون من سباتهم ولعل روح الوطنيّة وحب الوطن تبعث من جديد في داخل آحاسيسنا وفي داخل مشاعرنا. 
حينما ينتعش حب الوطن في داخلنا تتحوّل إهتماماتنا من أنفسنا إلى وطننا... من إهتمامات أنانيّة إلى إهتمامات مجتمعيّة يجلس الوطن على رأس قمّتها.
حينما يتحوّل تفكيرنا من الفرد إلى الجماعة نتمكّن من رؤية الوطن، وحينما نرى بلادنا أمام أعيننا فإنّنا نتعرّف على مشاكلها ونهتدي إلى متطلّباتها فيسهل علينا تلبيتها والبحث عن حلول لها.

هناك قضيّة وددت العروج عليها وأنا أتحدّث عن ذكرى الإستقلال وهي آليّة التناوب على الحكم في بلادنا، حيث قرّر المؤتمر الوطني التمديد لصلاحيّاته القانونيّة والتي تنتهي وفق الإعلان الدستوري يود 7 فبراير 2014، بحيث يستمر هذا المؤتمر الفاشل - بحكم أكثر من 90% من أهل هذا البلد - في العبث بأمور البلاد وحتى 24 ديسمبر 2014.


المؤتمر الوطني وكما نعرف حكم ليبيا منذ 07 يوليو 2012 ولم يشعر الليبيّون بأنّ أعضائه المنتخبين هم قادرين على الإنسجام مع بعض أو يستطيعون العمل مع بعض كمؤسّسة حكم سياديّة تتبع الدولة الليبيّة وتمثّل كل شعبها، مما أربك كل شئ في ليبيا وأوصلنا إلى ما نعاني منه الآن ومنذ إعلان التحرير. 
كانت تجربة الحكم الديموقراطي في ليبيا فاشلة بكل المعايير والسبب ليس خطأ في الديموقراطيّة، وليس خطأ في من مارسها من أبناء وبنات هذا الشعب، وإنّما في اعضاء المؤتمر الذين تم إنتخابهم وهم ليسوا أهلاّ للمهام التي أنتخبوا من أجلها. 
بدأ أعضاء المؤتمر الوطني منذ يوم إنتخابهم في الجري وراء الإثراء والإستثراء من وراء مناصبهم بدل العمل على تحسين أمور الناس والإهتمام بأمنهم وسلامتهم.
لم يتواصل أغلب أعضاء المؤتمر مع دوائرهم الإنتخابيّة التي أوصلتهم إلى قاعة المؤتمر، ولم يرجعوا إلى أولئك الذين إنتخبوهم، ولم يهتم أغلب أعضاء المؤتمر حتى بمناطقهم التي أتوا منها مؤثرين على ذلك رغد العيش في مواقع إقامتهم الجديدة في فندق الخمس نجوم بالريكسوس.
تجديد أعضاء المؤتمر لأنفسهم رغم كراهية الناس لهم ورغم المعارضة القويّة من قبل كل قطاعات الشعب الليبي لهم في أن يبقوا يوماً واحداً بعد 07 فبراير 2014... هذا التجديد المفاجئ إنّما يعكس عقليّة التجاهل لرأي الشارع والتي جبل عليها أعضاء المؤتمر منذ أوّل يوم تم إنتخابهم فيه. قرار التجديد من وجهة نظري يعتبر تحدّياً سافراً لرأي المواطنين وإمعاناً في فرض نوع جديد من الطغيان لايختلف في جوهره عن طغيان الديكتاتور معمر القذّافي، وهذا بكل تأكيد يدعم الإنطباع الشعبي بأنّ ثورة 17 فبراير ربما نجحت في القضاء على الطاغية معمّر القذّافي لكنها عجزت عن تغيير طريقة حكمه والعقليّة التي حكم بها ليبيا منذ عام 1969.

ماذا على الشعب عمله؟ 

هناك الكثير ممّا يستطيع هذا الشعب جماعة فعله، ذلك لأنّ الشعب هو سيّد الجميع سواء قبل الطغاة أو رفضوا. الشعب الليبي بمقدوره تغيير هذه الرتابة والتخلّص من هؤلاء الطغاة الجدد وذلك وفق هذا التصوّر:

خارطة طريق

2013/12/15

هل يفتح شيوخ الدين عيونهم على العالم المحيط بهم؟

العالم من حولنا يسير إلى الأمام ونحن لم يعد لنا من خيار غير السير في إتجاه التيّار. لقد حاولنا الجريان ضد التيّار فتهنا وضعنا وفقدنا الإتجاه، فهل نراجع أنفسنا؟


كنت أستمع بعد ظهر هذا اليوم لشيخ أظنّ من قناة "ليبيا الدوليّة" وهو يتحدّث عن العلاقة بين الرجل والمرأة، لكنّه إختصر تلك العلاقة في النكاح والمناكحة ولم يتمكّن من مبارحة تلك المنطقة لأكثر من ساعة متواصلة كنت إستمع إليه فيها "مكرهاً" حيث أنّني كنت مستمعاً "سلبيّاً" إن شئتم... أي أن هناك من كان يستمع إلى الشيخ وكنت أنا جالساً أمام الكمبيوتر أكتب مقالات وتعليقات فلم يكن لي بدّاً من الإستماع حيث لم يكن التلفزيون بعيداً عنّي... لكنّني أخيراً لم أندم على إستماعي إليه فقد أمدّني بما يكفي لأكتب هذا الكلام!.
كان من بين ما تحدّث عنه هذا الشيخ هو العلاقة بين الرجل والمرأة ( وهي تعني بالنسبة له حب وغرام وإغراء ومعاكسات وإغواء وما إليها من هوس جن.....) فتحدّث عن وجوبيّة عدم إختلاط الذكور والإناث في المدارس الإبتدائيّة والإعداديّة، ثم بعد ذلك عرج على الجامعة فبدأ بشئ من الخجل ينتقد الوضع الحالي ثم إذا به يجد الشجاعة الكافية ليعترض على إختلاط الشباب والفتيات في الجامعة حيث قال: حينما يتعوّد الطفل على عدم الإختلاط في الإبتدائي والإعدادي يجد نفسه غريباً حين دخول الجامعة حيث الإختلاط بين الذكور والإناث. قال: في الأسبوعين الأوّلين يبقى الشاب في مقعد الدراسة خائفاً وجلاً من الفتاة، لكنّه سرعان ما يبدأ في تبادل الحديث معها وما إن تمضي ثلاثة أسابيع إلّا وتجد الشاب والفتاة يتحدّثون في الغرام وبعدها تبدأ اللمسات وبعدها المواعيد وبعدها قد..... ثمّ وجد فرصته حينها ليعلن عدم رضاه عن الإختلاط في الجامعة وبأنّه يجب فصل الإناث عن الذكور في الجامعة تنفيذاً لأوامر الله سبحانه وتعالى كما قال.
الحديث كان طويلاً كما أسلفت لكنّه تشعّب إلى المكتب والعمل والوظيفة وقيادة السيّارة وكل ما يتعلّق بحرية المرأة. تحدّث في البداية عن جوازية تحدّث الفتاة مع محرم غير أبوها وإخوتها، وهل يجوز لها السلام على محرم أم لا وتوصّل إلى قناعة بالكثير من التردّد أنّه يجوز للفتاة بأن تسلّم على إبن أخيها مثلاً أو عمّها أو جدّها، لكنّه حرّم عليها التسليم على غير محرم ولو كان إبن عمّها.
بالنسبة لجوازية تحدّثها مع غير محرم قال بأنّه يكره عليها التحدّث لغير محرم وعليها بألّا تتجاوز عبارات السلام لو أضطرّت إلى ذلك.
من خلال كلامه إستشفّيت بأنّه لا يريد للمرأة بأن تختلط مع الرجل في أي مكان، بمعنى أنّه على الدولة أن توفّر كليّات للبنات وكليّات للأولاد، بالإضافة بالطبع للمدارس من روضة وإبتدائي وإعدادي وثانوي.
قلت في نفسي حينها... قد يفرض هؤلاء أمثاله على الدولة بناء كليّات وجامعات مفصولة بين الجنسين، ولكن كيف يمكن للدولة بأن تبني مكاتب منفصلة في وظائف الدولة، وماذا عن المواصلات، وماذا عن الرصيف، والشارع، والمحلّات التجاريّة، والأعراس، والمناسبات الإجتماعيّة الأخرى؟. ماذا عن السينما والمسرح والمعارض والحملات التطوّعيّة، وماذا عن تنظيمات المجتمع المدني... هل يتوجّب علينا فصل الرجال عن النساء في كل تلك الآماكن خوفاً على المرأةبأن يهمّ بها الرجل فتهمّ به وكأنّها عنزة أو قطّة أو أرنبة؟.
ثمّ سرح بي خيالي إلى أبعد من ذلك.. فقلت: وماذا عن المستشفى حيث تشتغل المرأة كطبيبة؟. هل نبني لها مستشفيات خاصة بالنساء، وهل نمنعها من علاج الرجال؟. وماذا عنها حين تكون محاميّة... هل نبني محاكم للرجال وأخرى للنساء؟. وماذا عن الزبائن.. هل نقول للمرأة المحاميّة لايحق لك الدفاع عن الرجال؟.
فكّرت في مجالات أخرى من حياتنا العصريّة المتشعّبة والمتنوّعة مثل السفر بالطائرة، وإشتغال المرأة كمضيفة طيران، ثم فكّرت في معامل الأبحاث وخاصّة النادرة حيث تجد معملاً واحداً أو إثنين في كل الدولة.. هل نمنع المرأة من الإشتغال في تلك الأماكن لأنّها إمرأة ولا يحق لها الإختلاط بالرجال درءاً للشهوة والإغواء والغوص في شر الموبقات والعياذ بالله.
فكّرت فيما هو أبعد أبعد من ذلك فقلت في نفسي... ماذا لو أن ليبيا أصبحت دولة متقدّمة وقامت بإرسال مركبة فضائية للقمر أو المريخ أو كوكب الزهرة؟. هل نرسل مركبتين واحدة للرجال والأخرى للنساء؟. هل نبعث معها محرماً، ماذا لو وطئت قمدماها أرض القمر، هل يحق لها هناك الإختلاط بالرجال أم أننا ربما نرسل إمراءة للمريخ ورجل للزهرة وهكذا؟.
خلصت في النهاية وحسب كلام هذا الشيخ بأن "مكان المرأة هو البيت" ولا حاجة لها في الذهاب إلى المدرسة. عليها بألّا تتعلّم.. فما حاجتها للتعليم وهي سوف تتزوّج من رجل ينفق عليها ويعول أطفالها، وإن لم تعجبه يتزوّج عليها من مثنى وثلاث ورباع وهو مزهوّاً بفحولته يتجوّل بين نسائه يحاول العدل بينهن بقدر المستطاع فإن أعجبته واحدة أكثر من الأخريات فلا حرج عندهم في أن يقضي الزوج أكثر من ليلة مع زوجته التي يحب أكثر بشرط أن يعدل بينهما في الإنفاق وكأنّها "بقرة" لا يهمّها غير البرسيم لملء البطن.
هل فكّر هذا الشيخ "الجليل" في شئ إسمه الترشيد بدل المنع؟. هل المنع يمنع بالفعل حدوث الخروقات؟. أليس الأجدر بنا أن نعلّم الرجل قبل المرأة بأن ينظر إليها كإنسانة قبل أن يراها كمصدر للمتعة؟. 
هل علّمنا الرجل في أن ينظر إلى عقل المرأة بدل أردافها، وإن يستمع إلى طريقة تفكيرها بدل الإنتعاش بعذوبة صوتها؟. 
هل يعلم هذا الشيخ وغيره من الشيوخ الذين يفكّرون بمثل تفكيره - وهم يكادون يكوّنوا إجماعاً فيما بينهم - بأن المرأة مثلها مثل الرجل لها عقل تفكّر به وبإمكانها أن تقول "لا" إن همّ الرجل بها؟. هل العيب في واقع الأمر يقع على الرجال أم على النساء؟. دعوني أذكّر نفسي وإيّاكم بكلام الله عز وجل في قرآنه الكريم: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَ‌ٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.. تمعّنوا في هذه الآية جيّداً. "لا ينكح" و "لا ينكحها"... الذي ينكح هو الرجل وليس المرأة مع أنّها تتساوى معه في العقاب. إذا نحن منعنا الرجل من أن ينكح المرأة فإنّ المرأة سوف لن تنتكح. هل نعيب على الرجل أم على المرأة، وهل الأولى بالنهي والنهر الرجل أم المرأة؟. لو أن الرجل إحترم نفسه وخاف ربّه وإحترم المرأة كإنسانة لما حدث نكاح غير شرعي بينهما على الإطلاق.
إذا يا سادتي... نحن في حاجة إلى "تعليم" و"تبصير" و"ترشيد" بدل المنع والتحجير والتغليف.


كنت أستمع هذا المساء إلى الدكتور علي الصلّابي - وأعترف بأنّني لا أحبّه لتلوّنه ونفاقه وأعتقد بأنّه كعضو في تنظيم الإخوان المسلمون عليه بأن ينافق وعليه بأن يتلوّن وإلّا فإنّه يفقد عضويته في هذا التنظيم - المهم... أنّني كنت أستمع إلى الدكتور الصلّابي وهو يتحدّث عن التعليم وبأنّه خير من المنع. قال الدكتور الصلّابي: أنا شخصيّاً أؤمن بالتعليم ولا اعتقد كثيراً في جدوى المنع. لقد أعجبني كثيراً في هذا الكلام وأتمنّى بأنّه لم يكن ينافق حينها !. 

2013/12/14

لماذا هي المرأة تتنازل عن حقوقها؟


خلق الله الحياة لنا واسعة رحبة وعلّمنا كيف نشعر بسعتها، لكن يتواجد بيننا من يراها ضيّقة فيحسّ بضيقها ولا يتمكّن من التحرّك بحريّة في داخلها.

أحياناً أستغرب بأن المرأة قي بلادنا تعمد إلى التنازل عن حقوقها وتترك الرجال يعبثون بأمورها ويأمرونها بما يجب أن تلبس وكيف يجب أن تتكلّم وهل يجوز لها قيادة السيارة أم لا. 
ما الذي يمنع المرأة من قيادة السيّارة، وما هو دليل أولئك المتكلّسين الذين يحجّرون على المرأة ويمنعونها من قيادة السيّارة ؟. أنا أتحدّاهم بأن يأتوا بآية واحدة في القرآن أو أي حديث صحيح أو غير صحيح ليفنّدوا به ما يدعون إليه.
 
أليست المرأة هي نصف المجتمع، وأليست هي من يشارك الرجل في تحمّل أعباء الحياة؟. كيف يمكن للمرأة بأن تتحمّل جزءاً من أعباء الحياة إن كانت هي مكبّلة في داخل بيتها وممنوعة من الخروج إلّا في وجود زوجها؟. أليس من ضرورات الحياة العصريّة بأن نخرج جميعنا للعمل والمساهمة في بناء دولنا والرفع من شأننا؟. 
علينا يا أيّها السادة بأن نعيش في عصرنا ونتعامل مع واقعنا وبألّا نخلط الأمور حتى نتمكّن من رؤية معالم حياتنا واضحة وجليّة.

ما يفكّر به شيوخ السعوديّة يخصّهم ويخص مجتمعهم ولا علاقة لذلك بنا، فنحن مسلمون ونعرف تعاليم ديننا وهي ليست حكراً على أحد أو خاصّية لأحد.
إن كانت السعوديّة غنيّة ولا تحتاج لعمل المرأة أو خروجها من البيت فتلك خاصيّة للسعوديّة. وإذا كان السعوديّون يستعينون بالخادمات الفليبينيّات والخدم الهنود ليقوموا بمهام الحياة اليوميّة نيابة عنهم بما في ذلك التبضّع ونقل الأطفال من البيت إلى المدرسة والعودة بهم.. فتلك خواص سعوديّة قد لا تتوفّر في بلاد أخرى مثل الصومال وموريتانيا وتونس والمغرب واليمن والأردن ولبنان وبنغلاديش والباكستان حيث يكابد المسلمون هناك من أجل حياة كريمة تتطلّب خروج المرأة للعمل أسوة بالرجل.
الإسلام هو برنامج حياة موجّه لكل البشر، وهو من عند رب السماء الذي أراده بأن يكون دينه على الأرض، وطالما أنّه كذلك فقد جعله الله صالحاً لكل زمان وصالحاً لكل مكان... أي أن الإسلام هو في واقع الأمر يصلح لكل البشر سواء منهم الأغنياء أو الفقراء. وطالما أن الإسلام بقناعتنا هو يصلح لكل البشر فلا بدّ وأنّ رسالته تكون قابلة التطبيق في كل بلاد العالم، وهنا نجد رب القصيد.
بلاد العالم الفقيرة تحتاج إلى كلّ إنسان فيها سواء كان رجلاً أو إمراءة لكي يعمل وينتج ويساهم في بناء دولته، والمرأة العاملة تحتاج إلى وسيلة مواصلات، والتي تتمكّن من الحصول عليها يحق لها قيادتها بدل إستئجار أحد الغرباء ليقودها لها بالنيابة عنها بعذر أنّها لا يحق لها قيادة السيّارة !.

هناك الكثير من الخلط حينما يقول البعض بأن المرأة لو تركت لها حرّيتها فإنّها سوف لا تحترم متطلبات تلك الحريّة ممّا قد يدفع بها إلى التصيّع وربّما إلى الإنحلال الخلقي الذي بدوره يفسد الرجال أيضاً ممّا سوف يؤدّي إلى فساد كل المجتمع.
وأقول في هذا السياق، إن الفساد ليس صفة نسويّة على الإطلاق، بل إن كل الدلائل والإحصائيّات وعبر العصور والأزمان وفي أي أي مكان في العالم تشير إلى أن الرجل دائماً يتجاوز المرأة في جميع أشكال الفساد وفي كل الموبقات بما في ذلك حوادث الطرقات.  وأقول أيضاً... إن كان هناك من تتعرّى أو تتبرّج فعلى أسرتها أن تنصحها وتمنعها، فإن هي لم تستجب فعلى أجهزة الدولة نصحها أو نهرها أو ردعها حسب ما يقتضي الأمر.
إن كان هناك بعض الشباب من هم من المائعين أو الضائعين أو المشاغبين فتلك هي مشاكلهم وليست هذه مشاكل في الدين أو التديّن. الدولة السويّة هي من تقدر على حماية مواطنيها وتوفير الأمن لهم في بيوتهم وفي شوارع وأزقّة مدنهم. هنا في بريطانيا مثلاً، لو تحرّش رجل بإمراءة وقامت هي بإبلاغ الشرطة تقوم الشرطة في زمن قياسي (دقائق) بإعتقال ذلك المتحرّش وتقديمه للمحاكمة إن إقتنعت الشرطة بالقضيّة المرفوعة ضدّه.
فقد تحرّش أخصائي قدير أصوله باكستانيّة بفتاة (طالبة) كان يعلّمها ولم يعتد عليها جسديّاً.. هو قال لها بعض العبارات لم تروقها فأبلغت الشرطة والتي على الفور أتت لذلك الإخصّائي في مكان عمله وبكل إحترام طلبت منه مرافقتها إلى مركز الشرطة بهدف التحقيق معه.
سمعت عن أخصائي في جراحة الأعصاب في برمنجهام من أصول عربيّة "مسلمة" قام بالكشف على مريضة بدون مرافق وببعض اللمسات في آماكن غير مباحة فقامت المريضة بإبلاغ الشرطة والتي قامت على الفور بالقبض على ذلك الأخصائي بغض النظر عن قدراته الطبيّة وإحتياج الدولة لخدماته... قامت الشرطة بإقتياده للتحقيق العادل وبوجود محام له إختاره هو بنفسه.
لا توجد هنا في هذا البلد المسيحي مجاملات ولا واسطات ولا تجاوزات من سلطات الدولة من أجل حماية المواطن من تحرّشات المشاغبين أو الخارجين عن القانون، وهم يحافظون على الحياء والأداب العامة وإحترام حقوق وحريّات الآخرين بغض النظر عن دياناتهم أو جنسياتهم أو عرقياتهم. لماذا لا تقوم دولنا الإسلاميّة بمثل هذا العمل بدل التحجير على المرأة وفرض الحواجز والمكبّلات حولها؟. أليست هي لغة "العجز" التي نحاول تغليف الدين بها من أجل "حمايته"؟. دين الله لا يحتاج إلى من يحميه فهو من أوجده من لا شئ، وهو من نشره بشخص واحد ضعيف ولا يحمل سلاحاً في بيئة كانت كلّها معادية لهذا الدين الجديد، لكن الله أراد لهذا الدين بأن ينتشر فنشرة حتى نرى اليوم أكثر من ألفي مليون (مليارين) مسلم في جميع أنحاء العالم وهم يؤمنون بدينهم ويتّبعون نواميسه كل بما إستطاع وكل بما فهم. ألم يبدأ هذا الدين بشخص واحد؟. هل يحتاج دين الإسلام إلى وصاية من هنا أو هناك؟.

قالت: "ليس الرجال من يأمروننا ما نلبس بل ديننا ..".

فقلت... وحتّى لا نحاول إخفاء عين الشمس بغربال... الرجال هم من يأمر النساء، وهم من يراقبونهنّ في الشوارع، وهم من شكّل ما يسمّى ب"جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أو ما يطلقون عليه "الشرطة الإسلاميّة" والتي من أهم مهامها تعقّب النساء في السعوديّة والإعتداء على من تخرجن غير مغلّفات من الرأس إلى أخمس القدمين بالسب والشتم. لباس المرأة (الحجاب أو الخمار أو النقاب أو البوركة أو أيّ من تلك الموروثات الإجتماعيّة) لم يكن أمراً على الإطلاق في القرآن لكنّه كان "نصيحة" بدأت بكلمة "قل" ولم يصدر أي أمر في القرأن باللباس أو الزي وأنا أتحدّى بأن يأتيني أحد بآية في القرأن صدر فيها "امراً" بخصوص الزي أو اللباس. الله نصحنا بالتعلّم ونصحنا بالتواصي خيراً ونصحنا بطاعة الوالدين... وهذه كلّها نصائح من الله وهي ليست أحكام ولا شرائع ولا أوامر والدليل أن الله لم يتحدّث إطلاقاً عن العقاب في حق من لا يتبع تلك النصائح. قال الله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْر وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَ‌ٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}... فهذا كل ما ورد في القرآن بخصوص شرب الخمر. كلّها كانت نصائح ولم تكن حكم ولا آوامر، والدليل أن الله لم يقل (فمن يفعل فسوف...)، ومع ذلك أصدرنا نحن البشر "فتوى" بجلد شارب الخمر 80 جلدة لم ترد في القرآن ولم يحكم بها الله. ألم يكن الأسلم تعليم شارب الخمر وإعادة تأهيله لكي يتحوّل إلى عنصر فعّال في المجتمع بدل ضربه أمام الناس ممّا يدمّر شخصيّته ويحوّله إلى إنسان مهزوز وقد يصاب بالكآبة... وقد يقدم على الإنتحار؟. الهدف من التعفّف والإحتشام في الإسلام هو فقط لدرء الفتنة ومنع المشاكل، فإن غابت الفتنة وإلتزم المسلم بتقوى الله فلا داعي للمرأة بأن تغلّف جسمها وتغطّي وجهها وتلبس الخمار. ألم تخرج المرأة الليبيّة في الستينات وهي غير متحجّبة، أم أنّنا نسينا كيف كانت تذهب معظم المدرّسات والطالبات وقتها للمدارس وهن يرتدين التنورة والجاكيت أو القفطان مع ترك الرأس عاريا.... على إعتدى عليهن أحداً وقتها؟. التحجّب والتخمّر والتنقّب ما هي إلّا وسائل للإحتشام تهدف كلّها إلى درء الفتنة (وسيلة) ولم تكن غاية على الإطلاق، لكنّ شيوخنا وللأسف جعلوا منها أحكاماً فقهيّة وأوامر منزّلة أعطوها أهميّة أكثر من أهميّة أركان الإسلام نفسها.، والقاعدة العقلانيّة تقول بأن الوسيلة تنتفي بتحقّق الغاية. أمّا إهتمام شيوخ الدين بهذه القضيّة وتحويلها إلى "ركن سادس" في الدين وهي تعتبر بكل تأكيد قضيّة ثانوية فربّما يعود للطريقة التي يفكّرون بها، فهم في الكثير من الأحيان يفكّرون بأصلابهم وشهواتهم وليس بعقولهم. أليسوا هم من يتزوّج بأربع من النساء لغرض التمتّع وإشباع الغريزة؟. دعوني أحدّثكم عن هذه الواقعة وهي حقيقيّة: كان هناك شيخاً من الشيوخ الملتحين يتحدّث على إحدى القنوات الفضائيّة الليبيّة ويجيب على أسئلة المشاهدين. إتّصل به شاب من بنغازي سائلاً إيّاه عن رأي الدين في والده الذي عاشر والدته كزوج لها لمدّة 43 سنة متواصلة، وأخيراً قرّر الزواج عليها من شابّة صغيرة، مع أن الأب له ما شاء الله من الأبناء والبنات، وظهر واضحاً بأن الإبن وأمّه لم يكونا براضيين على تلك الزيجة المتوقّعة (المخطّط لها). ماذا رد عليه ذلك الشيخ؟. قال له: من حق أبوك أن يتزوّج، فالشرع أباح له مثنى وثلاث ورباع. ليس فقط، بل إن ذلك "الشيخ" بعد إنقطاع المكالمة واصل قائلاً: أنا أستغرب بأن هناك في بلادنا من يحارب شرع الله ويحاول تحريم ما أجازه الله لنا كبشر. أنا والله أحسست حينها بالغضب والإمتعاض، وبالفعل أحسست بالأسى والحزن تجاه ذلك الشاب وأمّه المسكينة التي عاشرت والده لأكثر 43 سنة، وهو لم يحتفظ في قلبه بذرة حب أو حفاظ على مودّة مع تلك الزوجة التي أنجبت له الأولاد والبنات، والتي قضت جل عمرها معه تهتم به، تغسل ملابسه وتهيئ له الطعام. قرّر هذا الرجل في عمر لا يقل عن 60 سنة الزواج بغيرها.. من شابّة تصغرها بكثير... لماذا؟. أليس من أجل إشباع رغباته البهيميّة وبإسم الدين؟. ألم يكن في إستهجان ذلك "الشيخ" من تضايق الإبن من زواج أبيه الكثير من الأنانيّة والغباء الإجتماعي والإساءة لدين الله نتيجة لغياب المعرفة بالقيم الإنسانيّة والعلاقات الإجتماعيّة؟.

قالت إحداهنّ: "إذا  طُبّقت تعاليم الاسلام، فإن معظم الظواهر السلبيّه سوف تختفي.."

فرددت عليها قائلاً: لا... أنا لا أعتقد ذلك. الظواهر السلبيّة سوف تبقى ما بقى الإنسان على وجه الأرض، وهي كانت موجودة في عهد الرسول، وفي عهد الصحابة من بعده، وظلّت كذلك إلى يومنا هذا وسوف تستمر إلى حين قيام الساعة.
كل إنسان يتواجد بداخله عنصر الخير وعنصر الشر، وتلك هي حكمة الله التي بوسعنا البحث فيها مع أنّنا قد لا نعرف كنهها بالكامل. الشر وجد مع الإنسان وسوف يبقى معه إلى نهاية الحياة الدنيا، والهدف من وجهة نظري هو أن يجتمع أهل الخير من كل مجتمع لسن قوانين وضعيّة لحماية الشعب من المشاغبين. ليس للدين علاقة بهذه الأشياء، بل على العكس تماماً.... لو أنّنا فرضنا قوانيناً تحميها الشرطة وتفصل فيها المحاكم وتطبّق على الجميع بدون إستثناء فإنّ تطبيق الشريعة سوف يحدث أليّاً، لأن الإنسان الملتزم بقوانين الدولة سوف لن يلمس تعارضاً بين القيم التي فرضت عليه وبين قيم الإسلام.... فالإسلام هو الحياة بعينها.

 

2013/12/13

من الذي أساء إلى الإسلام ؟

عـندما يحل الحقد والكراهيه محل الحب والرحمه، يتحول الإنسان الى حيوان كاسـر يدمّـر كـل شئ يقـع في طريقه بدون هدف.... اللهـم الا الإنتقام الأعـمى. 

تجادل الناس منذ القديم في شأن الحريه، ولم يستطيعوا التوصل الى تعريف لها. نعم.... ما هي الحريه بالنسبه لك، وما هي الحريه بالنسبه لي، وهل تعريف حريتك هو نفسه تعريف حريتي؟.
أنا أرى بأن الحريه هي أن تفعل ما تشاء، وحيثما شئت؛ ولكن بشرط أن ترسم لحريتك حدودا لاتتعداها. الحريه هي الإيمان بأن مجال حريتك يتوقف عند تلامسه مع مجال حرية غيرك.
هل يمكن مثلا تعميم هذا التعريف على الجميع، وهل يمكن أن يشمل كل مجالات الحياة؟. لا أدري؛ لكنني أؤمن برسم حدود للحريه وتقنين ذلك حتى يعرف المرء المتاح له، والممنوع عليه؛ ومن ثم تنتظم شئون الحياة.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانيه بدأ الناس يبحثون عن وسائل وطرق لمنع تكرارها، أو حدوث شبيها لها مرة أخرى... فأنُشئت الأمم المتحده، ثم تبع ذلك إنشاء المنظمات التابعه لها، ثم جاء ميثاق حقوق الإنسان العالمي؛ وبدأت الحياة تتطبع تدريجيا. أخذت الدول تلتزم نسبيا بتلك المواثيق بعد أن وقعت عليها طبعا؛ ولكن لامحاله نهم الإنسان وحبه في التسلّط على الآخرين لم يلزمه بالإمتثال كلية لما هو مطلوب منه، فإتخذ التجاوز أنماطا مختلفه تهدف كلها الى التحايل على القانون والنظام؛ وبذلك بدأت الحرب البارده التي كانت تتمحور أساسا حول إقتسام النفوذ الغير ودي، وبدأ الظلم يعود من جديد ولكن بحلل مختلفه.
إستمر الصراع بين الإنسان والإنسان على أشدّه؛ وفي كل مره يتجاوز شخص ما، أو أمة ما الحدود المرسومه لكل منهما بحيث تم التعدي على حدود الغير؛ إذ أن تجاوز حدودك يعني بالضروره الدخول في حدود الغير... أدى ذلك بالطبع الى إستمرار الصراع بين الإنسان ونظيره الإنسان، بين هذه الفئة وتلك، وبين هذه الأمه وتلك .... صراع بين من يَتعدى ومن يُتعدى عليه؛ وكان الفيصل في كل مره ليس القانون، وليس العدل أو الإنصاف، وإنما العضلات. هذا الوضع أدى الى خلق ظالما ومظلوما، ومُغتَصِبًا ومُغتَصَبأ عليه.. تلك هي ربما الحياة كما أرادها الله. قد تكون تلك هي مشيئة الله ورغبته في أن يخلق الصراع بين المرء ونفسه، وبين الإنسان ونظيره الإنسان، وبين الإنسان والطبيعه.. ربما ذلك ما أراده الله لحكمة يراها من أجل هدف؛ والهدف هنا على ما أظن هو الدفع بالإنسان الى إستخدام العقل من أجل التدبر والتفكير بحثا عن مخرج كلما إبتدأت أزمة ما تطل في الأفق. نعم خلق الله الإنسان كي يصارع من أجل البقاء؛ فمن المرض، إلى الجوع، إلى الحروب، وإلى الكوارث الطبيعيه؛ وأظن بأنه لابد من أن يكون في حياتنا صراع دائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ فحتى لو تفاهم البشر وإستطاعوا منع الحروب، وحتى لو تعاون العلماء وقضوا على المرض، وحتى لو تكرم الموسورون وإنتهت المجاعه؛ فإن الله سوف يبتلي البشر بزيادة عدد وقوة الكوارث الطبيعيه من أجل حفظ التوازن.. وذلك هو عهد الله الذي قال (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) سورة هود؛ أية 6. 

في أواخر الخمسينات، ومع إطلالة الستينات ظهرت حملات الدعوه للتحرر من "القيود" بكل أشكالها، وكان الهدف الأساس لهذه الدعوات ينصب على "تحطيم القيود الإجتماعيه"؛ فتداخلت حدود الحريات، وتدافع بعضها فوق البعض كما هي أمواج البحر، وكان مقدار التدافع و"الإجتياز" يختلف في الكميه، كما كان يختلف في الشده أيضا؛ فتشابه كل ذلك مع تداخل أمواج البحر حسب سرعة وقوة الرياح المحّرِكه لها. 
بدأت الحواجز "الوهميه" تنمحي تدريجيا أمام قوة وجدية الدعوه لإزالتها، وكانت "الفوره الجنسيه" من أهم علامات ذلك "التحلل" للضوابط الإجتماعيه ، وتوافرت لإحداثه وإستمراره كل السبل التي كان يقف وراءها طابور من دعاة التحرر من "العقد الإجتماعيه" كما سموها، وكانت الموسيقى والرقص هما السلاح السحري الذي إستخدمه أولئك الداعون الى التحرر الإجتماعي؛ فخرجت صيحات التويست والبوجي في أمريكا متمثله أساسا في أغاني وموسيقى إلفيس بريسلي، وكان الروك أند رول في بريطانيا، وبعدها بقية أوروبا متمثلا أساسا في أغاني وموسيقى "البيتلز" أو كما كان متعارف عليه عندنا بالخنافس!!. لم تتوقف الدعوه الى التحرر من "القيود" و "العقد الإجتماعيه" على ذلك النمط فقط، بل إتسع أفقها ليتواصل مع إنتشار ظاهرة "الهيبز" التي تميزت بترك الشعور لتنمو عند الذكور، مع إرتداء البنطلونات الممزقه والخرق الباليه عند الجنسين.
كانت المرأة هي مركز الإهتمام في كل تلك الظواهر؛ وكانت في النهايه هي "الضحيه". أوعزوا إليها بأن تتحرر من العقد، وشجعوها على فتح حدودها، ومكنوا الغرباء بطريق أو آخر من الولوج الى عالمها الذي كان وحتى ذلك الوقت عالما مليئا بالأسرار و"الهيبه" أيضا الأمر الذي أضفى إليه قدسيه جعل من المرأه كائنا لاهوتيا؛ وكذا كانت المرأة بالفعل. كانت المرأة مهابه مقدسه، وتحولت الى معبوده تغنى بها الشعراء، وحلموا بالإقتراب منها، وشبهوا الظفر بقربها ورضاها ودخول عالمها بدخول الجنه!!.
فال الشاعر العربي قيس بن الملوّح ( مجنون ليلى):
مررت بالديار ديار ليلى        أقبّل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي     ولكن حب من سكن الديار
ويقال بأنه عندما أصيب بالجنون من حب ليلى، ووصل به الأمر الى درجة "الخبل" خاف الناس عليه، وودب الخوف في قلب أبيه الذي أتاه يطلب منه الكف عن هذا "الهراء"؛ لكن قيس لم يكن في "حل من أمره". لم يتوقف مجنون ليلى عن جنونه بحبها، ويقال بأن والده ـ بعد مشورة أهل الحل والربط في زمانه ـ أرسل قيس الى مكه ليحج إليها ويسأل الآلهة أن تنسيه حب ليلى. ذهب قيس مكرها الى هناك، لكنه وبينما كان يطوف بالبيت توسّل الى الآلهه بأن "لا تنسيه حب ليلى !" ويبدو أن الآلهة تستجيب لوله القلوب، وما نسى قيس حب ليلى؛ بل إزداد إفتنانا بها !.
إحتفظت المرأة بخصوصياتها لأنها إحترمت تلك الخصوصيات، وآحاطت نفسها بهالة منعت الغير من التفكير في إختراق أجوائها؛ وبذلك ظلت محط إعجاب بالنسبه للرجل الذي ولع بها الى درجة التشبه بها؛ رغم غريزة التكبر والتعالي التي ترتكز عليها شخصية الرجل. تشبه الرجل بالمرأه في البدايه سرا، وعندما إنتقلت العدوى لآخرين جاهر بذلك أمام الملأ فتحلّى بحليّها، وتفوًح بعطورها، وصبغ وجهه بأصباغها، ووضع أحمر شفاهها على شفتيه، ثم إذا به يرتدي ملابسها، ويمشي مشيتها، ويتكلم بطريقتها. لم يكتفي الرجل بذلك فقط، بل إنه تخنث في كل شئ؛ فأخذ الرجل مكان المرأه في الفراش، وهو ينتظر الزوج من آخر ربما كان مازال قد إحتفظ برجولته حينها، أو أنه لم يقرر بعد. حاول الرجل أن يحمل مثل المرأه وتعاطى هرمونات الأثوثه من أجل ذلك؛ لكن إرادة الله لم تمكنه من ذلك، فقد أراد الله أن يكون في هذه الحياة من كل زوجين إثنين، ولو شاء أن يخلقكم متشابهين لكان قد فعل. 
عندما عجز الرجل عن إمتلاك ذلك السحر الخلاب، والمكانه "اللاهوتيه" للمرأه لم يعجبه ذلك، ولم يتقبل العجز فإهتدى الى طرق أخرى تمكنه من وضع يده عليها بغرض تحقيرها وإهانتها ربما لتعويض عجزه عن محاكاتها والتشبه بها. تحولت جماعات من الرجال الى محتالين يتصيّدون المرأة تحت مسميّات برّاقه منها دعاة "الإنعتاق"، وجمعيات تحرير المرأة، وغيرها التي حولت المرأة من جديد الى مركز الإهتمام ولكن بفكرة وهدف مختلف هذه المره؛ إذ لم يعجب أغلب أولئك بقاء المرأة معزوله عن الرجل حسب مفاهيمهم بسبب "قدسيتها" فعملوا على "تدنيس" تلك القدسيه وبأي ثمن. إستخدموا الموسيقى، والرقص، ثم الخمر، وبعدها أجازوا اكبر المحاذير (المخدرات) ولم يمنعهم أحد من كل ذلك. كانت دعوتهم الى "الإنعتاق" تجد صدى على كل المستويات الإجتماعيه وحتى الحكوميه ولما لا فكل الاعيان في الدوله ـ وأي دوله ـ هم من الرجال، وكل وجد غايته ولأول مره فقد فتحت بوابات المرأه، وبدأ عالمها السحري ينكشف تدريجيا أمام "العموم"، ولم يجد رجال "الباب العالي" وقتا لتطبيق القوانين؛ فلحقوا هم أنفسهم بجمهور الشباب الحالم بالدخول الى جنة الدنيا التي كانت تتمثل في عالم حواء الممنوع الممتنع.
وقعت المرأه الحنونه الرقيقه، الإنسانه الطيبه الخلوقه ضحية ذلك الرجل الآناني الذي لايرى إلا مصلحته. الرجل الذي ظن وعبر كل العصور والأجيال، بأنه هو الأفضل، وهو الأكثر ذكاء، وهو السيد؛ ونظر الى المرأة على أنها إنما خلقت فقط لخدمته والإمتثال لتنفيذ رغباته. قالوا إن المرأة ما هي إلا إحدى ضلوع الرجل أخذت من قفصه الصدري عند نشوء الخلق، وإتفقت ربما كل الديانات والمعتقدات البشريه على هذا الروايه؛ ومن ثم ربما شعرت هي أيضا بأنها إنما خلقت من ذلك الرجل ومن ثم فمن الطبيعي أن تظل جزءا منه، وبذلك يكون من حقه عليها أن تمتثل لرغباته. صدقت المرأة دعوة الرجل لها في التحرر والإنعتاق، وبطيبتها ـ وربما سذاجتها أيضا ـ دخلت ذلك العالم الذي ظنته رحبا، وتحررت من "القيود" ففتحت أبواب عالمها على مصارعها ولم تنتظر إقدام الرجل على الدخول، بل دعته إليها مرحبة به؛ ولم يتأخر الرجل لحظة فأندفع اليها كالعطشان في وسط الصحراء يعثر على شربة ماء منعشه.... فقضى وطره منها، وأخذ منها ما أراد؛ ثم بعد ذلك ذهب عنها الى غيرها وتركها تذرف الدمع نادمة على مافعلت، متتوقة بكل لهف الى إعادة ما فقدت؛ ولكن هيهات.. كان ما فقدته المرأه أكثر مما توقعت، وما بلغته أقل مما توهمت، ووجدت نفسها ضحية لكذبة نسجها لها ومررها عليها الرجل. تنازلت المرأة عن عزتها وغرورها الأنثوي، فقدت عذريتها، وتركت ذلك الرجل الغجري يدوس بقدماه القذره فضاءها الذي وللأمس القريب كان من خصوصياتها تفتحه بإذنها متى تريد ولمن تريد ، وكان حراما على من لايمتثل لغرورها وكبريائها؛ لكنها اليوم تجد نفسها وقد أصبحت مطية لكل من يريد أن يركب.
دعى الرجل المرأة إلى بيته فولجت، وفتح لها ذراعيه أن أدخلي فدخلت، وطلب منها أن تمكنه من نفسها فقبلت، وبعد أن قضى وطره منها قال لها لم أعد في حاجة اليك؛ إن غيرك ينتظر خارج الباب. بكت، وحزنت على نفسها، وندمت على ما فعلت، وعرفت عندها بأنها كانت ضحية مؤامره فحاولت أن تنقذ ما تبقى من كرامتها ولكن بعد فوات الأوان. لقد خطط الرجل لكل شئ، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وحسب لها حسابها؛ فقد كان الرجل يفكر في أكثر من ذلك. أقفل باب الرجوع عليها حين همت بالإنصراف؛ قال لها إن باب الدخول ليس كما هو باب الخروج.. قال لها إن باب الدخول لايسمح إلا بالدخول فقط، وبأن هناك من ينتظر دوره، وطلب منها أن تبحث عن باب الخروج إذ لم يعد يهمه شأنها. جمعت أغراضها وهي لا تكاد تصدق ما رأت وما سمعت، لكن الوقت المتاح لها كي تخرج لم يكن ليمهلها كي تتدارك نفسها وتسترجع نضوجها وعمق تفكيرها.. كان عليها أن ترحل الآن، ولتذهب الى "الجحيم". خرجت المسكينه تلملم بقايا خصوصياتها، ووقع بصرها على باب الخروج فهرعت اليه مسرعه عساها أن تسترجع أنفاسها بعيدا عن هذا الجوء الخانق. خرجت مسرعه لاتعرف الى أين تذهب، وإلى من تشتكي، ومن عساه أن يساعدها على تضميد جراحها، ويجبر كرامتها التي إنكسرت. خرجت وهي تحس بأنها وحيدة ضعيفه وكانت في داخلها تبحث عن من عساه أن يحتضنها بحنانه الصادق هذه المره. ما إن شرعت الباب ورائها حتى وجدته.. مد يده لمصافحتها باسماً، قدم نفسه اليها على أنه رجل أعمال له من الثروه ما لا يتوفر لغيره، وعلى أن بإمكانه أن يساعدها، ويفتح أبواب الحياة "الحرة، الكريمه" أمامها. قال لها بأنه يفهم حاجاتها، ويعرف متطلباتها، ويحس بأوضاعها.نعم إنه بقادر على إيجاد عمل لها تقتات منه، وتبني من خلاله مستقبل حياتها. كانت المسكينه لازالت لم تخرج بعد من هول ما حدث لها، لكنها لم تسترجع بعد مقدرتها على التركيز والتفكير السليم، وكانت جائعه، عطشاء، مرهقه، ومحطمه فقبلت ما عساه أن يقدم إليها. قالت له وهي تتحامل على الإبتسام.. أشكرك، ثم تبعته حيث تقدمها مشيرا اليها أن تلحق به. أدخلها الى مكتبه الانيق، والموسيقى الهادئه تضيف الى الأناقه شيئا من "الطمأنينه" كانت هي في أمس الحاجه اليها. جلست والخوف في عينيها وهي تتأمله يتحدث لبعض مستخدميه طالبا فطورا "راقيا" لإثنين؛ وكان ما أراد في ثوان. تناولت المسكينه فطورها وهي لازالت مشدوهة متشردة الفكر؛ وبعد الإفطار يحين وقت "البزنس". سألها عن مؤهلاتها فأجابت بأنها لازالت في مقتبل العمر، قالت بأنها طالبه في الثانويه، وليست لديها مؤهلات، ولاتوجد لديها خبره أكثر من الطبخ والغسيل. قال لها مبتسما لاتهتمي بذلك؛ فنحن توجد لدينا مهن تليق بكل المستويات.. ويكفي بأنك صغيرة وجميله. إبتسمت المسكينه بشئ من التفاؤل منتظره بقية كلامه. قال لها توجد لدينا مؤسسه تهتم برفاهية الناس وتسهر على راحتهم، وبإمكانك العمل في هذه المؤسسه. قالت وهو كذلك؛ وإنتهت المسكينه باغية تبيع جسدها لمن طلب، ثم تحولت مع الزمن الى"رجلة" أعمال هي بدورها فأنشات "مؤسسه" خاصة بها تقوم بالعمل على تلبية طلبات الرجل، وسرعان ما إمتلآت مؤسستها "بالبضاعه المطلوبه" من الفتيات المغرر بهن في تجارة إحتكرها الرجل كانت سلعتها دائما من النساء.

2013/12/01

لن يحكمنا من سوف يظلمنا

من أجل أن يعيش الإنسان بمعطيات الواقع الذي يعيش فيه عليه أوّلاً أن يعترف به ثم يتناغم معه ثم من خلال ذلك يحاول بأن يكون جزءاً منه..... تلك هي فلسفة الحياة وتلك هي "العقلانيّة".

لا يمكنك أبداً أن تحكم قوماً من خلال التسلّط عليهم أو من خلال إرغامهم على تقبّل أشياء هي ليست من واقعهم وليست من إهتماماتهم اليوميّة.
لقد حاول المستعمرون في بداية القرن الماضي إحتلال دول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينيّة، وما إن تمكّنت تلك الدول من فرض همينتها على الشعوب التي إستعمرتها حتى بدأت كل منها (الدول المستعمرة) في فرض ثقافتها على الناس، لكن الناس رفضت الإنصياع وحتى في وجود القهر والتغصيب والإذلال بقوّة السيطرة والطغيان. تحرّرت الشعوب وبدأت في العودة إلى إحياء ثقافاتها ومعطيات حياتها التي تنبثق من واقعها ومعتقداتها.. وتلك هي سنّة الحياة.

بعد ثورة الربيع العربي وجدت الكثير من الجماعات الدينيّة المتشدّدة والتي كانت مضطهدة هي نفسها في زمن الديكتاتوريّات... وجدت المجال مفتوحاً أمامها لتبدأ في تنفيذ أهدافها ونشر رسالاتها التي تظن بأنّها من أجل إصلاح الناس وهدايتهم إلى التي هي أحسن. كانت هذه الجماعات مضطهدة في عهد الديكتاتويّات لأنّها كانت تهدّد تلك الأنظمة وذلك بإستغلالها عنصر الدين الذي هو إعتقاد المجتمع ويمثّل جزءاً كبيراً من ثقافته ومن فقد حظيت تلك الجماعات بالتعاطف الشعبي على أساس أن الكثير من الأنظمة الديكتاتورية كانت قد حاربت الدين وضيّقت على الناس في عيشهم وفي معتقداتهم.
تعاطفت الشعوب مع الجماعات الدينيّة لأنّها كانت ترى فيها ومن خلالها بصيص الأمل نحو عالم مختلف تحترم فيه القيم الإنسانيّة وتحترم فيه حريّة العبادة وحريّةالإنسان. 
حظيت الجماعات الدينيّة في البداية بالكثير من التأييد والتعاطف الشعبي، لكن هذه الجماعات عجزت عن الإستفادة من ذلك التناغم الشعبي وإستغلاله بالطريقة المثلى. الجماعات الدينيّة إكتشف الناس فيما بعد بأنّها هي نفسها لها أجنداتها ولها طريقتها في التفكير فبدأت الجموع بالنفور منها وإستهجانها في الكثير من الأحيان.

عرفت الجماعات الدينيّة بأن طريقة تفكيرها والكثير من تصرفاتها لا تتناغم مع طموحات الناس فبدل أن تنزل إلى الشارع لتصبح جزءاً من العموم إعتبرت نفسها من الخصوص فتكبّرت على الناس وأخذت تنعتهم بالجهل وعدم الفهم وفي بعض الأحيان بالتنكّر لها ولعلم وأفكار قادتها ورموزها. بدأت الهوّة بين الناس وهذه الجماعات الدينيّة تتسع رويداً رويداً، وبدأت الثقة بين الطرفين تتناقص تدريجيّاً حتى وصلت إلى حد التوجّس والخوف وربما الإرتعاب أيضاً، خاصّة وأن الكثير من المحسوبين على هذه الجماعات كانوا قد تصرّفوا بطريقة وبشكل لا يختلف عن تصرّفات أولئك الحكّام الذين أسقطهم الشعب وأنهى أنظمة حكمهم. 
بدأت الجماعات الدينيّة تجهّز نفسها لمرحلة تجد فيها نفسها في مواجهة جموع الناس على إعتبار أن هؤلاء الناس في نظر هذه الجماعات المتشدّدة هم ربّما من "الكفرة" أو "العلمانيّين" أو " المخمورين ومتعاطي المخدّرات". بدأت الجماعات الدينيّة المتشدّدة تتسلّح وتتجّهز ليوم المنازلة ولكن هذه المرّة مع الشعب نفسه.
حدث مثل هذا في بنغازي، وحدث في درنة، وسوف يحدث مستقبلاً في الزاوية وفي إجدابيا، وربما في سبها أيضاً. تحوّلت الجماعات الدينية المسلّحة إلى طوائف غريبة على المجتمع وربما معادية لأحلام الناس وتطلّعاتهم في الحريّة والتقدّم والإنطلاق نحو اللحاق بالعالم الذي تجاوزنا وبدأ في الإبتعاد عنّا. أصبحت هذه الجماعات المتشدّدة بسبب طريقة التفكير عند قادتها وزعمائها إلى تتحوّل إلى حجر عثرة في سبيل بناء الدولة المدنية والعصرية في ليبيا، وربما كان تصريح المدعو الشيخ محمود البرعصي أحد قادتها والنافذين فيها من أن الديموقراطيّة كفر والإنتخابات بدعة غربيّة، وبأنّ الجماعات الدينية المتشدّدة من أمثال "أنصار الشريعة" يعتبرون الحكومة "كافرة" ويعتبرون أنفسهم في حلّ من هذه الحكومة ولا يخضعون لسلطتها وهو ما يعني في عرف السياسة "إنشقاق" على الدولة وخروج على الإجماع الشعبي أو لنقل الإختيار الشعبي والذي تمثّل في إنتخابات 07\07\2012... أي أن هذه الجماعات المتطرّفة والتي تحمل كل أنواع السلاح الفتّاك والمدمّر أصبحت الآن بمثابة العدو المباشر للشعب والمتربّص به إنتظاراً لمواجهة لا يرغب فيها الشعب لكنّه قد يضطر للدخول فيها إن وصل الأمر إلى حد تهديد وجوده وكيانه. 

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: وما هي الخطوة القادمة؟. كيف يكون المخرج، وماذا على جماهير الشعب أن تفعل لبدء رحلة البناء بعيداً عن المعتقدات والمفاهيم الغريبة للجماعات الدينيّة المتشدّدة التي يبدو أنّها تركت مهمة الدعوة وبدأت في إمتهان السياسة بهدف فرض أفكارها وطريقة تفكير قادتها التي لم تجد قبولاً عند عموم الناس الذين يعيشون عصر الإنفتاح وعصر ثورة المعلومات والعولمة، وهذه المعطيات المعاصرة تحتّم التعايش مع العالم المحيط بنا وفق مفاهيم مشتركة تشمل إحترام المعتقدات وإحترام الكيانات وتجنّب المواجهات مع غيرنا ممّن هم يختلفون معنا بقدر المستطاع طالما أنّهم لا يؤذونا ولا يتدخّلوا في إختياراتنا.

أنا أعتقد بأن الكرة أصبحت الآن في أيدي الجماعات الدينية المتشدّدة، وبأنّه أصبح لزاماً على هذه الجماعات أن تتخلّى عن فكرة فرض أفكارها بالقوة على الناس وأن تعود للتفاعل مع الشارع لتصبح جزءاً منه على أسس إحترام سيادة وكيان الدولة التي ترسمها الجماهير من خلال العملية الديموقراطيّة التي أصبحت اليوم جزءاً من الحياة العصريّة مثل الأكل والشرب والنكاح والإنجاب.