2013/12/24

خبر وعبر... وخارطة طريق


الخبر هو الإحتفال بالذكرى 62 لعيد الإستقلال المجيد، والعبر بكل تأكيد هي ما يمكننا إستنتاجة إو إقتباسه أو أستنباطه من هذه الذكرى العطرة التي منعنا من الإحتفال بها لأكثر من 4 عقود من الزمان في عهد الطاغية القذّافي الذي ذهب بغير رجعة.
كما يعرف كل الليبيّين والليبيّات فإنّ ذكرى الإستقلال هذه تمر علينا الآن ونحن لسنا وللأسف في أحسن أحوالنا، بل ولم نتمكّن من تحقيق أي من أحلامنا وحتى الحد الأدنى من طموحاتنا حين خرجنا نطالب بحريّتنا من جديد بعد أن إغتصبها ذلك الطاغية.

أغلب أبناء وبنات هذا البلد يحسّون اليوم بأنّهم ليسوا في أحسن حال من ذلك الذي كان في عهد الطاغية القذّافي، بل إنّ هناك أعداداً هائلة من الليبيّين والليبيّين من يحسّون بأن الأوضاع في عهد ثورة 17 فبراير هي في واقع الأمر أسوأ بكثير منها في ذلك العهد،  وهذا يقيناً ليس حنيناً لذلك العهد الأسود، وليس أملاً في عودته؛ وإنّما قد تكون تلك الأصوات تعبّر عن إمتعاضها بل وسخطها ممّا يجري الآن في ليبيا من فساد وخراب وتقتيل وفوضى وفقدان للأمن... والأهم هو تسرّب اليأس والقنوط عند الأغلبيّة الساحقة في بلادنا.
مشكلتنا الكبرى في ليبيا من وجهة نظري تكمن في عدم مقدرتنا وحتى الآن على حكم أنفسنا والسبب بكل تأكيد هو ليس في غياب الكفاءات وليس في غياب النوايا، وإنّما في غياب الآليّة وفي غياب الثقافة السياسيّة التي تتفهّم العمليّة الديموقراطيّة بكل أبعادها نظراً لغياب الخبرة لدينا كشعب لم يمارس الديموقراطيّة الحقيقيّة منذ نشوء هذه الدولة وحتى اليوم.

كيف هو الطريق إلى الأمام؟

يدخل مثل هذا المهم ربّما تحت بند العبر المستفادة من تذكّر الإستقلال، فلعلّ الناس في بلادي يستفيقون من سباتهم ولعل روح الوطنيّة وحب الوطن تبعث من جديد في داخل آحاسيسنا وفي داخل مشاعرنا. 
حينما ينتعش حب الوطن في داخلنا تتحوّل إهتماماتنا من أنفسنا إلى وطننا... من إهتمامات أنانيّة إلى إهتمامات مجتمعيّة يجلس الوطن على رأس قمّتها.
حينما يتحوّل تفكيرنا من الفرد إلى الجماعة نتمكّن من رؤية الوطن، وحينما نرى بلادنا أمام أعيننا فإنّنا نتعرّف على مشاكلها ونهتدي إلى متطلّباتها فيسهل علينا تلبيتها والبحث عن حلول لها.

هناك قضيّة وددت العروج عليها وأنا أتحدّث عن ذكرى الإستقلال وهي آليّة التناوب على الحكم في بلادنا، حيث قرّر المؤتمر الوطني التمديد لصلاحيّاته القانونيّة والتي تنتهي وفق الإعلان الدستوري يود 7 فبراير 2014، بحيث يستمر هذا المؤتمر الفاشل - بحكم أكثر من 90% من أهل هذا البلد - في العبث بأمور البلاد وحتى 24 ديسمبر 2014.


المؤتمر الوطني وكما نعرف حكم ليبيا منذ 07 يوليو 2012 ولم يشعر الليبيّون بأنّ أعضائه المنتخبين هم قادرين على الإنسجام مع بعض أو يستطيعون العمل مع بعض كمؤسّسة حكم سياديّة تتبع الدولة الليبيّة وتمثّل كل شعبها، مما أربك كل شئ في ليبيا وأوصلنا إلى ما نعاني منه الآن ومنذ إعلان التحرير. 
كانت تجربة الحكم الديموقراطي في ليبيا فاشلة بكل المعايير والسبب ليس خطأ في الديموقراطيّة، وليس خطأ في من مارسها من أبناء وبنات هذا الشعب، وإنّما في اعضاء المؤتمر الذين تم إنتخابهم وهم ليسوا أهلاّ للمهام التي أنتخبوا من أجلها. 
بدأ أعضاء المؤتمر الوطني منذ يوم إنتخابهم في الجري وراء الإثراء والإستثراء من وراء مناصبهم بدل العمل على تحسين أمور الناس والإهتمام بأمنهم وسلامتهم.
لم يتواصل أغلب أعضاء المؤتمر مع دوائرهم الإنتخابيّة التي أوصلتهم إلى قاعة المؤتمر، ولم يرجعوا إلى أولئك الذين إنتخبوهم، ولم يهتم أغلب أعضاء المؤتمر حتى بمناطقهم التي أتوا منها مؤثرين على ذلك رغد العيش في مواقع إقامتهم الجديدة في فندق الخمس نجوم بالريكسوس.
تجديد أعضاء المؤتمر لأنفسهم رغم كراهية الناس لهم ورغم المعارضة القويّة من قبل كل قطاعات الشعب الليبي لهم في أن يبقوا يوماً واحداً بعد 07 فبراير 2014... هذا التجديد المفاجئ إنّما يعكس عقليّة التجاهل لرأي الشارع والتي جبل عليها أعضاء المؤتمر منذ أوّل يوم تم إنتخابهم فيه. قرار التجديد من وجهة نظري يعتبر تحدّياً سافراً لرأي المواطنين وإمعاناً في فرض نوع جديد من الطغيان لايختلف في جوهره عن طغيان الديكتاتور معمر القذّافي، وهذا بكل تأكيد يدعم الإنطباع الشعبي بأنّ ثورة 17 فبراير ربما نجحت في القضاء على الطاغية معمّر القذّافي لكنها عجزت عن تغيير طريقة حكمه والعقليّة التي حكم بها ليبيا منذ عام 1969.

ماذا على الشعب عمله؟ 

هناك الكثير ممّا يستطيع هذا الشعب جماعة فعله، ذلك لأنّ الشعب هو سيّد الجميع سواء قبل الطغاة أو رفضوا. الشعب الليبي بمقدوره تغيير هذه الرتابة والتخلّص من هؤلاء الطغاة الجدد وذلك وفق هذا التصوّر:

خارطة طريق


بعد ذلك التراخي في التسجيل لإنتخابات لجنة إعداد الدستور، وبعد أن فاجأ المؤتمر الوطني الشعب الليبي بقراره اليوم الإثنين - حسب خريطة الطريق التي إعتمدها - التمديد لنفسه لولاية تنتهي يوم 24 ديسمبر 2014، خلافاً لما أقرّه الإعلان الدستوري المؤقت الذي أصدره أول مجلس إنتقالي للبلاد والذي ترأسه المستشار مصطفي عبدالجليل، والذي حدّد تاريخ 07 فبراير 2014 تاريخ نهاية صلاحية المؤتمر الحالي؛ يبدو أنّ المؤتمر الوطني كان قد أطلق بالون إختبار صباح هذا اليوم وذلك بأن "أوحى" بأنّه "ربّما يمدّد فترة صلاحيّته حتى نهاية السنة". وحينما خرجت أصوات فوريّة من جميع أنحاء البلاد وهي ترفض بشدّة تمديد مدّة عمل المؤتمر ولو ليوم واحد بعد الأجل المحدّد في 07 فبراير 2014، خرج الناطق الرسمي بإسم المؤتمر عمر حميدان لينفي الخبر جملة وتفصيلاً  قائلاً: إن المؤتمر الوطني ينفي ما تناقلته بعض وسائل الإعلام بشأن سعي المؤتمر لتمديد فترة عمله عاما آخر. وقال حميدان ل"أجواء لبلاد": إن لجنة خارطة الطريق التي شكّلها المؤتمر الوطني وجدت أن "كثيراً من الناس يرون أن المؤتمر محدّد بزمن ينتهي في السابع من يونيو القادم"، فيما يرى "محللون وسياسيون وقانونيون أن المؤتمر غير محدد بمدة بحسب المادة رقم 30 للإعلان الدستوري".
وأضاف حميدان أن اللجنة أوضحت بأنه "لا وجاهة للرأي الذي يقول أن المؤتمر محدد بزمن"، والمدة المحدّدة هي فقط من أجل ترتيب مهمة تسليم السلطة للبرلمان الذي سيتم تأسيسه وفقا للدستور، مشيرا إلى أن هذه المدة تبدأ عقب أول إجتماع للجنة الستين. وأشار حميدان إلى أن اللجنة إجتمعت مع رئيس المفوّضيّة الذي حدّد شهر ديسمبر القادم موعداً للإنتخابات البرلمانية، وأن أوّل إجتماع للجنة الستّين سيكون في يناير 2014، مبيّنا أنّه إذا ما المفوضية والمؤتمر إلتزما بالمواعيد المحدّدة فإن نهاية عمر المؤتمر ستكون مطلع 2015 وهي أقصر مدة له. وأكّد حميدان على أنّ المؤتمر لم يناقش هذا التقرير، مبيّنا أن عمل اللجنة هو عمل فنّي فحسب، وتلك حسابات تقديرية غير ملزمة.
  ويبدو واضحاً من تلك التصريحات المتضاربة أن المؤتمر الوطني هو في حيرة من أمره الآن بعد أن ضيّع فرصاً ذهبيّة لإنجاز مهمّته قبل حلول أجله وذلك بإهدار الكثير من الوقت الثمين في مناقشة توافه لا قيمة لها في مشروع تأسيس الدولة، أضف إلى ذلك تلك الصراعات ضيّقة الأفق بين أعضائه في قضايا تافهة أقل ما يقال عنها بأنّها بالفعل كانت "لعب صبيان".
المهم في الأمر هو أن المؤتمر الوطني فقد أي دعم أو تعاطف شعبي هو في أمسّ الحاجة إليه، وبأنّ إعتماده على الميليشيات المسلّحة لفرض الأمر الواقع على الشعب من خلال فوّهات البنادق التي مازال يمتشقها الكثير من الخارجين عن سلطة الدولة والذين الكثير منهم تقودهم وجوه من داخل المؤتمر نفسه، هو بدوره بدأ يضمحلّ تدريجيّاً خاصّة بعد سيطرة الجيش والشرطة على بعض المدن الكبرى مثل طرابلس وبنغازي ودرنة والبيضاء وطبرق رغم تكرار عمليات الإغتيال لعناصر الجيش والأمن من قبل الجامعات المتشدّدة التي تعمل على الإبقاء على الوضع الراهن بهدف منع تكوين مؤسّسات الدولة وخاصّة الجوانب الأمنيّة فيها.

إنّني والحالة هذه لم أعد أثق بأنّ هذا المؤتمر يستحق البقاء في تسيير شئون البلاد ليوم واحد فما بالك به يفرض علينا تمديد مدّة إقامته في داخل الريكسوس بدون موافقة المشرفين عليه وحتى نهاية السنة القادمة... أظنّها كبيرة إلّا على المنتفعين وأصحاب المصالح الشخصيّة.

ولكي لا يحدث في ليبيا فراغاً في السلطة قد يستغلّه بعض المتربّصين لتنفيذ مآربهم ضد ليبيا وضد شعبها والتي بكل تأكيد كانوا قد بدأوها بإغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس في شهر يوليو 2011 قاصدين بذلك القضاء على القائد الفعلي لسرايا التحرير التي إنتصرت على كتائب الطاغية القذّافي مما أدّى إلى دحره وإلى الأبد... من أجل ألاً يحدث ذلك الفراغ في السلطة في بلادنا فإنّني أطرح هنا خريطة طريق قد تنقلنا مباشرة من هذه المرحلة التعيسة إلى مرحلة أخرى قد نكون فيها أكثر حظّاً.

بنود خارطة الطريق

1- بالنسبة للذين يحافون على المسار الديموقراطي، والذين يتحجّجون بأن المؤتمر الوطني كانت قد جاءت به إنتخابات حرّة ونزيهة فلا يجوز إستبداله بسلطة غير منتخبة.... بالنسبة لهؤلاء أقول: الذي أتت به إنتخابات حرّة تذهب به إنتخابات حرّة مشابهة تماماً.

الإقـتـراح:
أن يقوم المؤتمر الوطني بالدعوة إلى إستفتاء شعبي كامل عن طريق صناديق الإقتراع السريّة يطلب فيه من كل الليبيّين والليبيّات الذين يحق لهم الإنتخاب قانوناً بأن يصوّتوا على هذا المقترح: يعتزم المؤتمر الوطني تمديد مدّة صلاحيّاته من 07 فبراير 2014 إلى 24 ديسمبر 2014 هلى توافق أم لا توافق؟.

2- بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في الإستعجال بإنتخاب لجنة الدستور على إعتبار أن تأسيس الدستور سوف يحل أغلب المشاكل العالقة في بلادنا بما فيها الأمن والفساد والإستهتار بالسلطة.. بالنسبة لهؤلاء ومن يفكّر بطريقتهم أقول: هناك دول في العالم لا يوجد لديها دستوراً مكتوباً وهي قمة في الديموقراطيّة وتعتبر من بين بلاد العالم الأكبر نموّاً. نحن أيضاً في واقع الأمر سيّرنا أمورنا منذ 20 أكتوبر 2012 على ورقة عمل قدّمت لنا على أنّها "إعلان دستوري" مع أنّنا لا نعرف من صاغ موادها وكيف تمت الصياغة وما هي الأسس التي على ضوئها تمّ إقراره. ورقة الإعلان الدستور تلك لم نستفت بشأنها ولم يتوصّل إلى علمنا بأنّه تم التوافق عليها، ومن ثمّ فإن هذا "الإعلان الدستوري" بالنسبة لنا كشعب لا يعدو كونه ورقة عمل أو كراسة أجندات ليس لها علاقة بالدستور بأي شكل من الأشكال ولا تعتبر قانونيّاً وثيقة دستوريّة، ومن ثمّ فكل ما ترتّب عليها يمكن إعتباره غير دستوريّ.

الإقـتـراح:
إلغاء جميع الإجراءات التي شرع فيها بخصوص لجنة الدستور من حيث العدد والتمثيل والتسجيل والمواعيد المناطة بعمليّة الإقتراع، على أن يعاد النظر في كامل العمليّة الدستوريّة بعد حل معضلة الإنتقال السلمي للسلطة.

3- بالنسبة لأولئك الذين يتخوّفون من الفراغ السياسي في ليبيا بعد إنتهاء مدة الصلاحية للمؤتمر الوطني الحالي، وموضوع التخوّف من إستبداله بسلطة غير منتخبة ممّا قد يحدث الفوضى في ليبيا. بالنسبة لهؤلاء أقول: من المرجّح بأنّ نتيجة الإستفتاء الشعبي على موضوع التجديد للمؤتمر الوطني سوف تكون في غير صالح التمديد، وبذا فلن يكون هناك خياراً أمام أعضاء المؤتمر الوطني غير حزم حقائبهم ومغادرة الركسوس ليتركوا المكان لغيرهم.

الإقـتـراح:
أن يقوم المؤتمر الحالي بالطلب من هيئة الإنتخابات الوطنيّة بأن تبدأ في الإعداد لإنتخابات جديدة يختار من خلالها الشعب 200 عضو جديد يكوّنون فيما بينهم مؤتمراً وطنيّاً جديداً تكون مدة صلاحيته 24 شهراً غير قابلة للتجديد أو التمديد على أن ينص على ذلك كتابيّاً منعاً للتاويل المستقبلي، بحيث تتم هذه الإنتخابات وتعلن نتائجها في اليوم السادس من فبراير 2014.

4- بالنسبة لأولئك الذين هم غير راضين عن الحكومة الحالية وأولئك الذين يرون بأنّ الحكومة الحالية يمكنها الإستمرار على أساس أن سبب فشلها يرجع في الأساس إلى فشل المؤتمر الوطني. بالنسبة لهؤلاء وأولئك أقترح بأن تواصل هذه الحكومة عملها كالمعتاد إلى أن تتشكّل حكومة بديلة.

الإقـتـراح:
تستمر هذه الحكومة في عملها كما كانت إلى أن يتشكّل المؤتمر الجديد فتكون من أولى مهامه الأمر بتشكيل حكومة تصريف أعمال وطنيّة  لا يتعدى عدد وزرائها عن العشرة تشمل الوزارات السياديّة بطبيعة الحال. تقوم إدارات مهنية مستقلّة تتبع رئاسة الوزراء بالإشراف على المصالح الخدميّة إلى حين تشكيل الحكومة الرسميّة بعد الإنتخابات العامة للبرلمان.

أعتقد بأن خارطة الطريق هذه بوسعها أن تنقلنا من الوضع الذي نعيشه الآن إلى وضع أفضل مع المحافظة على الإستمراريّة وبدون الوقوع في فخ "فراغ سلطة" الذي يخشاه الكثيرون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك