2011/11/10

نصيحة أخويّة للدكتور الصلاّبي

عندما يعرف المرء ماذا يريد فإنّه يتمكّن من الوصول إلى الهدف؛ لكنّه عندما تختلط الأوراق عنده فإنّه يسئ إلى نفسه قبل إساءته للآخرين.

الدكتور علي الصلاّبي يعتبر من الملمّين بعلوم الدين، والمتخصّصين في مجال الفقه الإسلامي وهو بذلك بوسعه أن يقدّم الكثير لإخوته الليبيين. الشعب الليبي يعتبر شعباً مسلماً، وهو في أغلبه يعد من الحريصين على أداء شعائر الإسلام كما أمر الله ولكن بدون مغالاة، وبدون تشدّد.... الإسلام في ليبيا هو دين الإعتدال والوسطيّة، وسوف لن يكون بمقدور أيّ كان أن يغيّر هذه المفاهيم في عقول وتصرّفات الليبيين.
ممارسة الشعب الليبي لشرائعه الإسلاميّة بهذا الإعتدال، وبذلك النقاء تحتسب له، وبكل تأكيد تميّزه عن الكثير من الشعوب الإسلاميّة الأخرى؛ ذلك لأن شعبنا الليبي يمتاز بالطيبة، والصدق، والكثير من النقاء.... ومن هنا كان هم الطاغية القذّافي أثناء فترة حكمه لليبيا تخريب الدين الإسلامي في مفاهيم وعقول الليبيين بهدف إفساد هذا الشعب والتمكّن من تدجينه. الطاغية القذّافي ـ كما نعرف ـ إستطاع أن يحقق الكثير من النجاح في هذا الإطار بحيث أنه تمكّن من إفساد الكثير من الضمائر، وإستطاع أيضاً أن يحوّل الكثير من الليبيّين إلى منتفعين "بأية وسيلة" وهذا كان مقصوداً لتحقيق أهداف أخرى كانت تعشعش في عقليّة الطاغية. كان الطاغية القذافي يهدف إلى الإستحواذ على كل ثروات الشعب الليبي وإعطائها لأبنائه، وللمقرّبين منه من أبناء عمومته، وأفراد قبيلته حتى أننا لاحظنا علامات الرخاء "المميّزة" على مدينة سرت عندما دخلها الثوّار مما يعكس إهتمام الطاغية القذّافي بمسقط رأسه، ومكان إقامة أفراد أسرته.
ربما يعرف الكثير من الليبيين بأن الطاغية القذّافي كان في فترة الثمانينات ( أيّام الحصار الإقتصادي) يحوّل ما تمكّن من إستيراده بالحيل والخدع إلى مدينة سرت التي لم تكن مدينة بالمعنى الصحيح بل إنّها كانت أقرب إلى القرية المتواضعة منها إلى المدينة العصريّة. قام الطاغية القذّافي أيضا بخلع أعمدة الكهرباء من شوارع مدينة طرابلس وتحويلها إلى سرت حيث تمت إعادة نصبها في شوارع سرت نكاية في طرابلس من ناحية، وتعويضاً للنقص الحاد في كمية المواد المستوردة نتيجة لذلك الحصار الذي فرضه على الشعب الليبي.
تحوّل الكثير من الليبيين بفضل سياسة الطاغية القذّافي الفوضويّة إلى كذّابين، ونصّابين، وغشّاشين من أجل الإثراء بطرق ملتوية، وبعمليات تحايل مكشوفة كانت في كل الأحيان تمر بدون محاسبة لأن أغلبها لم يكن مدوّناً، ولأن الطاغية كان قد ألغى جميع القوانين المعمول بها في ليبيا منذ عام 1973 وإلى حين قتله والتخلّص من نظام حكمه المتخلّف.
نحن كليبيين لم يعد يهمّنا ما كان يفعله الطاغية القذّافي، ولكن بالطبع يهمّنا من كان يتعامل معه، ويحافظ على بقاء نظام حكمه وذلك بتلميعه، وإقناع الناس بالرضاء بولايته. كان من بين الملمّعين لنظام الطاغية القذّافي السيد عبد الحفيظ غوقة عضو المجلس الإنتقالي المعيّن، والدكتور علي الصلاّبي الذي أعلن حديثاً عن تأسيسه لحزب سياسي على غرارا حزب العدالة والتنمية في تركيا، وحزب النهضة التونسي ( راجع أشرطة الفيديو المرافقة لصور الرجلين عبر هذا المنبر الحر).
السيّد الصلاّبي كان من حواريي سيف إبن القذّافي، وكان من بين لجنة الدستور التي شكّلها إبن القذّافي بهدف الضحك على ذقون الليبيين؛ بل إن الدكتورالصلاّبي كان قد قال كلاماً كثيراً لمدح الطاغية القذّافي، ومدح إبنه سيف حين كان الطاغية في أوج أيام طغيانه وتسلّطه على الليبيين.
الدكتور الصلاّبي أيضاً كان من أكبر المعادين للدكتور محمود جبريل (رئيس المجلس التنفيذي)، وقام بمحاربته بكل عنفوان حتى أبعده عن المجلس التنفيذي؛ بل إنني أظن بأن الدكتور الصلاّبي كان وراء ذلك الخطاب الفضيحة للمستشار مصطفى عبد الجليل في مهرجان إعلان تحرير ليبيا يوم 23 أكتوبر 2011 في مدينة بنغازي.
الدكتور الصلاّبي ينتمي بكل جوارحه، وتفكيره، وعلومه الدينيّة إلى تنظيم الإخوان المسلمين الذي أسّسه حسن البنّا، وظل مقرّه الرئيسي في مصر إلى هذا اليوم. إنتماء الدكتور الصلاّبي لتنظيم الإخوان المسلمين هو ما كان يوجّه تصرّفات الصلاّبي، وكل ممارساته في ليبيا بعد إنتصار ثورة 17 فبراير  بدءاً ربما بإتصالاته السريّة بزبانيّة الطاغية القذّافي بما يشمل ذلك من معارضة الدكتور الصلاّبي لكل عمل يدفع إلى تأسيس نظام حكم ديموقراطي في ليبيا الجديدة.
أنا أظن بأن كل التذبذب في تصرّفات الدكتور على الصلاّبي، وكل عداءاته للنهج الديموقراطي في ليبيا الجديدة ربما يعود إلى إنتماء الدكتور الصلاّبي لتنظيم الإخوان المسلمين ذلك التنظيم الذي يعتبر الديموقراطية بدعة ما أنزل الله بها من سلطان.
بعد أن حاول الدكتور الصلاّبي بكل إستماته عرقلة المساعي الديموقراطيّة في ليبيا، وبعد تيقّنه الان بأن الشعب الليبي بكل طوائفه يسعى بكل جديّة وصدق نحو تأسيس نظام حكم ديموقراطي حقيقي في ليبيا الجديدة، وبعد تيقّن الدكتور الصلاّبي بأن أكثر من ثلثي سكّان ليبيا هم من الشباب العصري، وبأن أكثر من 50% من هؤلاء الشباب هم من الفتيات والشابّات العصريات اللائي يعشنّ في عصر العلم والمعرفة، وشبكات الإنترنت بحيث لم يعد بإمكان أولئك المتشددين في الدين من أمثال الدكتور الصلاّبي إبقائهنّ في البيوت بعيداً عن المشاركة في رسم سياسة الدولة بحجة أنهنّ نساء مكانهنّ في البيت، ووظيفتهنّ إسعاد الرجل، والرضى به يتزوّج عليهنّ ما طاب له من غيرهنّ.
أيقن الدكتور الصلاّبي الآن بأنّ نساء السعوديّة، والكثير من دول الخليج التي يحكمها ويتحكّم فيها الرجال لسن كنساء ليبيا حيث ترضى المرأة السعوديّة بالعيش في بلدها محرومة حتى من حقّها الإنتخابي، ومحرومة من قيادة السيارة من أجل أن لا يغضب عليها رجل الدين في بلادها الذي يسيطر هناك على كل شئ بدءاً بكل من يتربّع على سدّة الحكم من أولئك المتخلّفين من أبناء آل سعود الذين لايجيد زعيمهم (الملك عبد الله) القراءة من ورقة مكتوبة نتيجة لإصابته بمرض الصعوبة في القراءة (ديسلكسيا) الوراثي الذي ينتشر في أسرة آل سعود بشكل مخيف... ويمتد نفوذ رجل الدين "الوهابي المتزمّت" ليشمل الشارع والمدينة والقرية من خلال رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين يتحكّمون في كل صغيرة وكبيرة من حياة العباد هناك في مملكة التخلّف السعوديّة ( التقدّم لايمكن قياسه ببناء العمارات الشاهقة أو الشوارع الواسعة فتلك تشتريها الأموال، وكل من لديه أموال يستطيع عملها؛ أمّا بناء الإنسان فهو الإختبار الذي فشلت فيه مملكة التخلّف السعوديّة).
الدكتور الصلاّبي أيقن الآن وبعد طول صراع مع شباب ليبيا المتعلّم بأن بضاعته لم يكن لها من يشتريها، أو يقتنيها، أو حتى يأخذها بدون مقابل ومن ثمّ قرّر أخيراً الدخول في حلبة الصراع السياسي من خلال لغة ومفهوم هؤلاء الشباب... حلبة "الديموقراطيّة" التي لايمكن أن يؤمن بها الدكتور الصلاّبي ذلك لأن تعليمه وثقافته تحرّمان عليه التعامل مع الديموقراطيّة لأنّها في تراثه الذي نهل منه تعتبر بدعة، وتعتبر حراماً؛ فهي لم ترد في القرآن الكريم حسب فهم أتباع الفكر الوهابي المنغلق على نفسه، والمعترض بكل قوة لأي خروج عن فكر وتراث "الأقدمين" الذين عاشوا في فترة ما بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.
الدكتور علي الصلاّبي يعرف عنه تلوّنه، ومرونته الغير عاديّة حين يتعلّق الأمر ببحثه عن دور قياديّ لنفسه ( في الواجهة)، وهو في سبيل البقاء في الأضواء مستعدا  للّف والدوران إلى أن يتمكّن من تحقيق غايته التي يستميت من أجلها والتي أظنّها تتمركز حول وصوله إلى السلطة بأية وسيلة ربما لغاية وحيدة يخفيها الدكتور الصلاّبي بكل قوة والتي تتمثّل في سيطرة الإخوان المسلمين على السلطة وبعدها التحكّم في حياة الناس، ورسم مستقبلهم السياسي الذي لا يعترف بالديموقراطية؛ وإنّما يكرّس نظريّة "الولاية الإسلامية" من خلال فكر "المبايعة" التي لا تتم من خلال صناديق الإقتراع.. وإنّما بنمطها المعروف خلال العهدين العبّاسي الأول والثاني، وما تبعهما من ممارسات في العهد العثماني الأوّل والثاني أيضاً.
نحن هنا نتحدّث عن أكثر من 1000 سنة مضت حين كان "الوالي" يحكم ب"التفويض الإلهي" ويستمر في الحكم من خلال "المبايعة"  المفروضة بقوة فتاوي التكفير، والخروج على "الرّاعي" التي مازالت متداولة في السعودية، والكويت، والبحرين، وعمان، وحتى المغرب غرباً إلى يومنا هذا.
نصيحتي القلبية للدكتور الصلاّبي أن يقوم بالتوقّف قليلا، وأن يعيد تنظيم أوراقه، وأن يبعد نفسه عن فكر الإخوان المسلمين والفكر الوهابي المتخلّف، وأن يعود إلى ليبيا عقلا، وفكراً، وقلباً، وضميراً... وحينها فقط يستطيع الدكتور الصلاّبي التعامل مع شباب ليبيا الذي قرّر بكل ثقة، وبكل صدق، وبكل صراحة بأن المضي قدمأ سوف لن يتحقّق إلاّ من خلال العلم، والعقل، والإستفادة من ثقافة من يعيش في عالم اليوم.   

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف11/11/11

    Dr. Belhaj, I thank you again for your wonderful insights & articles.

    Regarding Dr. Salabi, but I will be more blunt in my assessment of this person. You are trying to dispense advice to a person who lacks the intellectual ability to see Libya as a modern democratic country. He, like many others, are trying to use Islam to reach power and I am sure like you mentioned if he does get power he will do another Gaddafi on us and insure he and his party will remain in power indefinitely. Salabi, the man who heaped praised on Saif Gaddafi as a wise and responsible man, can we trust the judgment and intentions of this man?

    I am not a secularist, but I believe that religion should not be used as a political tool. We are all Muslim in Libya and the likes of Salabi are playing a very dangerous game and using Islam to get to power.
    Salabi is now trying to use the lack of political awareness in Libya to his advantage, he is succeeding in creating a split in the political scene between “Islamists” & “Secularist”, this division has been created by him deliberately. He fashioned this to divert attention from the real issues on the ground. Instead of us concentrating on the enormous challenges we now face in terms of rebuilding a destroyed country and healing its many wounds, he is focusing in labeling his political rivals as secularists bent on destroying the Islamic character of Libya. Due to the naive nature of the Libyan people, he is beginning to win.

    He is doing the same as the right-wing religious parities in the USA are doing, not concentrating on the real issues but on emotions.

    Why is Salabi doing this?
    Simply put, because his only chance of getting power is through this route, he lacks the intellectual &technical ability to show the Libyan people he has a scientific plans to get Libya out of the deep hole Gaddafi put it in. He &his Islamist party friends lack the political &technical ability to lead Libya out of trouble, the only thing they can do is to patronize Libyans &raise the “we will protect Islam” &“they (opponents” will destroy it” points.

    His history has been very shady, like you mentioned, he was political chums with Gaddafi &his son and gave a form of religious blessing to Saif & his planned power inheritance from his father & then after the revolution broke out he continued communication with the fallen regime & tried to undermine the TNC even when Gaddafi was still powerful. I will be blunt, I do not trust Mr. Sallabi or his family, they have an agenda to rule Libya & they will purse this with a vigor & they will undercut anyone who opposes them with any means possible, moral or not.

    As proof this, look at their sly campaign against Dr. Mahmoud Jibril. Dr. Jibril a technically gifted & articulate man who to me, speaks with reason & purpose unlike Salabi. Dr. Jibril risked his life in February & help to set up the TNC with his colleagues & helped to rally support for the Libyan revolution & bring in funds & weapons to help the FF on the ground while Mr. Salabi was sitting in a 7 star Hotel in Qatar.

    If we were to believe certain “powers” in the world preferred that Arabs be still under dictatorships so they can can control them as they did with Mubarak& Gaddafi, as it was easier to do business & ensure cheap oil etc. They are now worried that this will be lost if responsible democracies come out of the Arab spring, a transparent democratic government will prevent corruption & outside foreign control. Believe it or not, their only hope to maintain a form of control over our countries is through the “islamists” like Salabi. Because they know once they take power, they will not let go & would need help to maintain it, & through a form of theocratic government they will manipulate the people & tell them resisting them is resisting God (God forbid).

    I am cautiously optimistic about Libya but I am also aware of the dangers that lurk in the dark
    LibyaHope1

    ردحذف
  2. غير معرف12/11/11

    Addendum: I would like to add that I am in no way against Islam, I am a proud Muslim and I do believe Islam has a role to play, but not in a way it is used as a political ploy to get into power as some do. There are many religious people who are excellent people who can a huge role to play, they are not hypocrites and understand Islam as it is to help Libya.
    I believe that in the new Libya everyone has a role to play just as long as they follow the rule of law and constitution and they are of good standing.

    Thank you.

    LibyaHope1

    ردحذف

الرجاء وضع تعليقك