2011/10/30

ليبيا بعد القذّافي-6

الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة.... سوف أقوم بمواصلة السلسلة السابقة "من حقّي أن أحلم" التي تعبّر عن نظرتي وأحلامي لليبيا المستقبليّة.

بعد 8 أشهر متواصلة من كفاح الليبيين ضد الطاغية القذّافي؛ تمكّن هذا الشعب الأبي بعون الله وتوفيقه من حسم الصراع بالكامل لصالحه، وتوّج ذلك في يوم 20 أكتوبر 2011 حين تمّ القبض على الطاغية القذّافي، وأغلب بقيّة أزلامه الذين شاركوه في محاولة إبادة الشعب الليبي التي كان الطاغية القذّافي وأبنائه، والكثير من أبناء عمومته وأفراد قبيلته، وبقية الحقراء من الليبيين الآخرين يخطّطون لها بكلّ إصرار وسبق ترصّد. قام شباب ليبيا بعد ذلك بمعاقبة الطاغية بما يستحق؛ ومن حق الليبيين أن ينتقموا من هذا الطاغية، ومن أزلامه بالطريقة التي ترضيهم، والتي تعكس بكل تأكيد مقدار وعمق حنقهم عليه، وكراهيتهم له بعدما أفسد كل شئ في بلادنا طيلة عقود حكمه المظلمة. نعم.. فقد قتل الطاغية القذّافي وكان ذلك إشعاراً عمليّاً بنهاية حكمه الجائر وبداية لليبيا حرّة يحكمها أبناؤها، وترعاها عناية الله.

ذهب القذّافي، وتبخّر نظام حكمه هكذا في لمحة بصر كما بدأ في عام 1969، وتنفّس الليبيون الصعداء. شعر الليبيّون بحريتهم لأول مرّة، وأحسّوا بقوّتهم، وعادت إليهم ثقتهم بأنفسهم، وإستطاع هذا الشعب الأبي أن يحافظ على إرث بطل ليبيا عمر المختار، وأبطال الجهاد الآخرين الذين شاركوا عمر المختار النضال ضد المستعمر الإيطالي إلى أن تحقّق إستقلال ليبيا في عام 1951.

ليبيا كبلد

عادت إلى بلادنا نضارتها، ورونقها، وعزّها، وكرامتها بعد أن إغتصبها المعتوه القذّافي، وبعد أن عبث بطهرها ونقاء ترابها وهواءها.

  
عادت ليبيا من جديد إلى حيّز الأضواء بعد أن أطبق عليها القذّافي من ظلام أفكاره وترّهاته، وبدأ العالم من حولنا يرى بلادنا بمنظار يختلف فوجدوها مختلفة. بدأ العالم من حولنا يرى ليبيا من خلال أهلها، من خلال ترابها، وحدودها، وجيرانها.... من خلال بحرها، ومن خلال معالمها الحقيقيّة التي أبانت الكثير من تاريخ الحضارات البشريّة لأناس سبقونا عاشوا في بلادنا فعمّروها وتركوا بها الكثير من تراثهم وصور من أشكال حضاراتهم فحافظنا نحن على ذلك التراث لأننا فهمناه وقدّرنا قيمته الفتيّة، وقيمته التراثيّة؛ فقد عمد الطاغية على طمس تاريخ ليبيا بهدف إنشاء تاريخ جديد يبدأ بيوم صعوده إلى سدّة الحكم من على ظهر دبّابة معطوبة.
ليبيا هي بلدنا الذي نحبّه، ونعتز به، ونفتخر بإنتمائنا إليه. ليبيا إختزلها الطاغية القذافي في نفسه، وفي أولاده، وفي خيمته التي كانت تعكس عقليته وعقم تفكيره المتخلّف؛ لكنّها تنكّرت له، وثارت على أفكاره البالية فأنجبت له شباب 17 فبراير الذين ظنّ بأنّه تمكّن من تدجينهم، وتخدير عقولهم، وإستمالة قلوبهم؛ لكنّهم كانوا أوّل من ثار عليه، وكذّب ترهاته وأفكاره البالية فكانت بذلك أولى مفاجأته التي لم يتنبّه إليها، ولم يستعد لها لأنّها في نظره كانت من المستحيلات.

ليبيا يا أيها السادة والسيّدات هى السقف التي نستظلّ بظلّه، وهي البساط الذي نفترشه، وهي الماء الذي نشرب منه، وهي خيرات الأرض التي بارك الله ارضنا بها لتخفّف عنّا الكثير من كرب الدنيا وتعطينا ذلك الإحساس الذي به نرفع رؤوسنا عالياً بكل فخر وإعتزاز لنقول "نحن ليبيّون ونعتز بها". ليبيا أيّها الإخوة والأخوات هي الهواء العليل الذي نستنشق نمساته فيشعرنا بالإرتياح والسعادة. ليبيا هي تلك الشطوط الرمليّة الجميلة، وهي تلك الوديان المتموّجة الخميلة، وهي تلك الصحراء الوادعة الأصيلة... ليبيا هي بلدكم الذي تستمدّون منهه شخصيّتكم، وتستلهمون منه عزتكم، وتتشربون من نبعه كرامتكم، وفي ليبيا يرفع كل منكم رأسه عالياً ليقول هذه بلدي وأنا بفخر أنتمي إليها.... ذلك الإنتماء الذي لايخضع للزمن، ولا يعترف بالنسبيات، ولا يتأثّر بعوامل الإنسلاخ. إنّه الإنتماء الذي يولد معنا ونذهب به إلى عالمنا الآخر دون أن نتجرّد منه، أو ينسلخ عنّا.

ليبيا هي أمّنا، وهي حبيبتنا، وهي موعد لقائنا، وهي غاية مقصدنا، وليبيا هي العامل المشترك الذي نلتقي حوله كلّنا مهما إختلفت ألواننا، أو تمايزت أوصافنا، أو تغايرت جيناتنا، أو تعددت ثقافاتنا، أو تنوّعت منابع معتقداتنا.... ليبيا هي الأرض التي تجمعنا في السرّاء، وفي الضرّاء، وفي حر الصيف أو برد الشتاء.

ليبيا هي العقد الذي يربط بيننا فهل نعتقد فيه، وهل نلتزم به، وهل نحافظ عليه، وهل نقوم بتجديده من حين لآخر؟. هل ننفض من حوله الغبار حتى نتمكّن من رؤية حدوده، وتهجّي بنوده، وربط نواجذه الواحدة بالأخرى؟. نعم... بوسعنا أن نفعل كل ذلك والكثير غيره إن نحن بالفعل جددنا ولاءنا للوطن، وعقدنا العزم على أنّنا بدون وطن لن نساوي أي شئ حتى وإن رسمنا حول أنفسنا هالة من عالم إفتراضي ننسج خيوطه من وشائج خيالنا.

ليبيا بلدكم أيها السادة والسيّدات هي رابع أكبر مساحة في أفريقيا، ورقمها العالمي من حيث رقعة الأرض هو17... فرجائي منكم جميعا أن تحافظوا عليها لأنّها هي ملككم الذي لن ينازعكم عليه أحد؛ وإن فعلت جهة ما، أو دولة ما فإنّكم بدون شك سوف تحمون بلدكم كما تمكّنتم من فكّها من أيدي الطاغية القذّافي، وكما فكّها أجدادكم من أيدي الغزاة الطليان.

الشعب الليبي

أظن بأنّكم جميعاً تعرفون بأن عددكم وصل إلى 6,431,450 نسمة حسب تقديرات يوليو عام 2011. يوجد بينكم 3,275,080 من الذكور، 3,156,370 من الإناث. كما أنّه يوجد بينكم - لمن يهمّه الأمر- 2,011,226 من النساء ( أغلبهنّ من الفتيات)، 2,124,053 من الرجال (أغلبهم من الشباب)؛ وهؤلاء تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 سنة، وهم يمثّلون ما يقارب 65% (ثلثين) من مجموع السكّان في بلادنا الحبيبة .... ما الذي يطمح إليه هؤلاء ( الطبقة العاملة) في ليبيا الجديدة؟.

بدون شك يطمح هؤلاء في الحصول على الكثير وهم أحق بذلك من غيرهم لأنّهم وبكل بساطة يمثّلون العمود الفقري لبلادنا التي بكل تأكيد ما تزال تحسب في عداد الدول النامية ( وأتمنى بألاّ تكون نائمة).

قبل أن أتحدّث عن إحتياجات هؤلاء، وعن طموحاتهم، وآمالهم، وأحلامهم دعوني أعود قليلا لما قاله السيّد مصطفى عبد الجليل في كلمته – الفضيحة – في مهرجان يوم التحرير في مدينة بنغازي. قال السيّد عبد الجليل إنّه "يلغي" قانون القذّافي الذي يمنع الرجال من الزواج بأكثر من واحدة. بالطبع السيّد المستشار تنازل في اليوم التالي مباشرة عمّا صدر منه في خطابه – الذي كان في مستوى كلمة في إجتماع محلّة أو خطبة في جامع الحارة – بخصوص إلغاء قوانين مازالت سارية المفعول. السيّد عبد الجليل يعتبر إنساناً قانونيّاً (مستشاراً) ومن المفترض بأنّه يعرف جيّدا الطريقة القانونيّة لسن إو إلغاء أية قوانين في دولة ما زالت قائمة رغم القضاء على الطاغية القذّافي الذي كان يسيّر هذه الدولة. دولة القذّافي مازالت قائمة، وستظل قائمة إلى أن يتمكّن الشعب الليبي من إحداث البديل الدستوري لهذه الدولة من خلال صناديق الإنتخابات؛ أمّا ما نشاهده الآن فهو حلولا مؤقّته قصد منها ملء الفراغ السياسي الذي نتج عن سقوط نظام حكم الطاغية القذّافي. السيّد مصطفى عبد الجليل، والدكتور محمود جبريل، والسيّد عبد الحفيظ غوقة، والسيّد محمد العلاّقي، وغيرهم كثير هم من بقايا نظام حكم القذّافي فعلينا الآّ نغالط أنفسنا.

السيّد مصطفى عبد الجليل ربما يعرف مسبّقاّ بأن إلغاء أو سن قوانين بتلك الطريقة الإرتجاليّة كان مخالفة صريحة لروح ثورة 17 فبراير التي قامت من أجل إلغاء مثل تلك الممارسات الغير شرعيّة؛ وهذا الإسلوب هو ما كان ينتهجه الطاغية القذّافي الذي كان يحكم بالشريعة الثوريّة ( بدون شريعة). السيّد المستشار بالطبع هو رئيس غير منتخب لمجلس إنتقالي ( إستثنائي) لايحق له سن قوانين جديدة، ولا إلغاء قوانين قائمة بأي شكل أو طريقة كانت؛ أمّا أن يقوم السيّد المستشار بإلغاء قانونين قائمين في خطاب متلفز وبأثر آنيّ ( من الآن فصاعداً)؛ فتلك هي المأساة بعينها.

بالطبع السيّد المستشار تراجع عن كلامه في اليوم الموالي ومن المرجّح بأنّ تراجعه كان إستجابة لمكالمة هاتفيّة من البيت الأبيض الذي بدأت أوصاله ترتعد خوفاً من سيطرة المتطرّفين الإسلاميين على الحكم؛ وربما كان البيت الأبيض محقاً في ذلك التخمين لأن خطاب الأستاذ عبد الجليل كان بكل جلاء وبكل وضوح يعكس تفكير أولئك المتشددين الذين كانوا هم من إشترط عليه أن يقوم بذلك التنازل كي يبقون ولاءهم للمجلس الإنتقالي؛ فهم كما قال الدكتور محمود جبريل يوجد لديهم المال، والسلاح، والإعلام وبذلك فبوسعهم الإستيلاء على السلطة ليكمّلوا مثلّث السيطرة عند الطاغية القذّافي ( السلطة والثورة والسلاح).

الغرض من العوده للتذكير بذلك الخطاب الفضيحة ليس للتشمّت، وليس للإستهزاء، وليس للتقليل من قيمة الأستاذ مصطفى عبد الجليل فأنا أحترمه، وأقدّره، وإحتفظ بإمتناني لدوره الكبير في معارك تحرير ليبيا من سلطة الطاغية القذّافي... وأقولها بكل صراحة إن الذي يؤلمني حقاً هو ليس خطاب السيد عبد الجليل ؛ وإنما عقلية وتفكير "الإسلاميّين" الذين يصرّون على العيش في الزمن الماضي السحيق، بل إنّهم يريدون فرض تفكيرهم العقيم علينا ولو كان ذلك رغماً عن إرادتنا.... أي بقوة الحديد والنار.

أكثر من مليوني فتاة وشابّة وسيّدة متعلّمة... أين مكان هؤلاء في سلّم الحياة في بلادنا، وأين نرغب كبقيّة الليبيين أن نضع هؤلاء المليونين أو أكثر بقليل؟.

حسب نظرية وتفكير "الإسلاميّين" ليس من مكان لهؤلاء "النسوة" غير البيت؛ لكن ماذا يريد "الإسلاميّون" لهؤلاء النسوة أن يقمن به في ليبيا الجديدة؟.

بخلاصة شديدة وغير متحاملة... يريدوهنّ أن يبقين في البيت متاع للرجل، وبعيدا عن إثارة غرائزه في ميادين العمل؛ فالمرأة عندهم ما هي إلاّ شيطان يمشي على الأرض في ثوب إنسان. المرأة عند الإسلاميّين بوجه العموم تعتبر مبعث الفتنة، وهي سبب إغواء الرجل ودفعه لعمل الموبقات. هؤلاء الناس وللأسف يرون أن الوسيلة الوحيدة لحماية الرجل من الإنجرار وراء الرذيلة تتم بإبعاد أسبابها من حوله ومن أمامه. إنّهم وللأسف لايعتمدون مبدأ "الإلتزام الذاتي" للرجل... أي أنّه يتوجّب على الرجل أن يتحلّى بالأخلاق، وأن يتعلّم كيف يحترم أخته المرأة، وكيف يحافظ على شرفها ونقائها.

أيها السادة الرجال قبل أن تغلّفوا المرأة بالأسمال والأغطية، وتأمروها بإرتداء النقاب، أو وضع الحجاب عليكم بتعليم أنفسكم شرائع الله التي من بينها حفظ الفرج، وصون البصر، وعدم التعدّي على حريّة الغير.

مليوني شابة وسيّدة وفتاة ( ثلث سكّان ليبيا) يبقون في البيت لإمتاع الرجل جرياً وراء قوله تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَ‌ٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا} حسب تفسيرهم؛ أو ربما تبعاً لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } حسب فهم "الإسلاميين" وتفسيراتهم لكتاب الله الذي لا يعلم تأويله إلا هو.

هل سوف ترضى فتاة اليوم برجل "زمني" يضع عقله بين رجليه، ويفكّر من خلال "فحولته" وإشباع غرائزه ليقرّر لها ما عساها أن تفعله؟. قبل أن تجيب فتاتنا المتعلّمة الذكيّة في ليبيا الحبيبة على مثل هذا السؤال دعوني أذكّركم بما يفعله الوهابيّون في السعودية فيما يخص المرأة: ممنوع عليها قيادة السيّارة، وممنوع عليها السفر بدون محرم مهما كانت الضمانات ولو كان سفرها في طائرة حديثة تصاحبها أسرتها إلى سلّم الطائرة حتى لحظة إقلاعها، وتستقبلها قريبتها في سلّم الطائرة في المكان الآخر بمجرّد هبوط الطائرة. كذلك فإنّها لايحق لها الترشّح، أو الإنتخاب، أو قيادة الرجل، أو تولّي رئاسة ولو كان ذلك في شركة طالما أن بها رجال يعملون ولو كانوا من الأغبياء. هل من الممكن أن تصبح المرأة في السعودية ملكة ولو كان دور وراثة الحكم يقع عليها بدون منازع؟.

من لم يقتنع بما يجري في السعودية فليذهب إلى أفغانستان، أو الصومال، أو اليمن، أو البحرين، أو الكويت، أو قطر، أو المغرب وإسألوا عن المرأة هناك. هل محاربة الرجال للمرأة تقع من باب الخوف عليها أم هو بسبب الخوف منها، ومن نجاحاتها؟. إسألوهم فلعلَ الجواب الشافي يقع في ثنايا جلابيبهم، أو تحت شعر لحيّهم الشاعث.

ماذا يتوجّب على الشعب عمله؟

من الواضح بأن الشعب الليبي بعد أن أبدع في حربه ضد كتائب الطاغية القذّافي، وتمكن من الإنتصار عليها منهياً بذلك الإنتصار نظام حكم هذا الطاغية وإلى غير رجعة؛ فإن هذا الشعب أضاف مأثرة أخرى لمآثره التي نالت إعجاب العالم من حولنا، وحتى بعيدا عنّا.... تماسك الشعب الليبي عكس توقّعات الساسة، والقادة العسكريين في بلاد العالم المتحضّر. نعم.... برهن الليبيّون على أنّهم أكبر من كل التوقّعات، وأعقل من كل العقلاء، وأنجب من كل النجباء. تماسك الليبيون مع بعض، وحافظوا على وحدة بلادهم، ولم يتقاتلوا مع بعض ذلك لأن الشعب الليبي يمتلك رجاحة العقل، ويمتلك سعة الإدراك... ذلك لأن الشعب الليبي يحسب ويقدّر، ويتدبّر، ويحسب الخسائر والأرباح. بوركت يا أيها الشعب الأبي، وحماك الله من كيد الكائدين.

هل يواصل شعبنا الطيّب مسيرة الكفاح لبناء الدولة الليبية العصريّة بنفس الروح، وبنفس التفكير، وبنفس النجاح؟. نعم.... بشر من هذه الطينة، وشعب مثل شعبنا الليبي يستطيع أن يواصل مسيرة بناء الدولة كما يجب لأن شعبنا يعرف بأنّ معركة بناء الدولة هي أصعب وأكبر من معركة إسقاط النظام. عندما كان القذّافي موجوداّ يسيطر على بلادنا كنا نعرف موضع الورم؛ وبذلك توجّهنا إليه وتمكنّا من إستئصاله. الآن نحن نواجه وضعا مختلفاً، وتواجهنا جبهات عديدة علينا التعامل معها بكل حنكة، وعقلانية، وذكاء، وسعة أفق.

أنا أقترح عليكم القيام بالآتي من أجل فرض إرادتكم فى بلادكم، ومنع المفسدين من أن يتحكّموا في مصيركم، ومستقبل حياتكم:

1- على المرأة الليبية المثقفة أن تبرهن على وجودها، وبأن لاتسمح لمن يريد أن يدجّنها بأن يقترب من فعل ذلك. على فتيات ليبيا،  
     وشاباتها في جميع أنحاء بلادنا الخروج إلى الميادين للتعبير عن نظرتهن للحياة في ليبيا المستقبل، وعن تصورهنّ لدور المرأة
     في العالم المعاصر الذي نحن جزءاً منه. في عالمنا العربي والإسلامي يقوم الرجال بتحديد مهام المرأة في غيابها وبالنيابة عنها....
     هل تتمكّن الإنسانة المتعلّمة في ليبيا من تغييرهذه المعادلة؟. هل تستطيع المرأة في بلادنا أن ترفع صوتها عالياً فوالله إن صوت
      المرأة الصادقة ليس بعورة كما يصرّ أولئك "المتزمّتون" على إقناعنا به من خلال تفسيراتهم المتخلّفة لكتاب الله. من يبحث عن
      حرّيته، ويعمل على إنتزاعها عليه أن يرفع صوته عالياً؛ فما أخذ حق الصامتين ولو كنا نعيش في دولة إفلاطونيّة من صنع
      الخيال.
2- بالنسبة لطبقة الشباب من الجنسين: عليهم هم أيضاً أن ينتزعوا حقّهم من بين مخالب الكهول الذين يصرّون على التشبّث بالسلطة
     ولو كان ذلك عكس سيران عجلة الزمن التي تسير إلى الأمام، وإلى الأمام فقط. على شباب ليبيا وشاباتها أن يخرجوا إلى الميادين
     ـ كل في منطقته ـ وأن يبدأوا  بالإعداد لمهرجانات حواريّة منتطمة بعد صلاة الجمعة من كل إسبوع يتبادلون من خلالها وجهات
     النظر، ويتعلّمون ويعلّمون أسس وأداب الحوار العصريّ المثمرالذي ينتج في النهاية قادة ومدراء إدارة شئون ليبيا بدون وصاية
     من أحد.
3- بالنسبة للمثقفين والمتعلّمين من أبناء وبنات ليبيا: عليهم هم أيضاً المشاركة في ذلك الحراك الثقافي والتنويري الإسبوعي مع بقية
     شباب ليبيا ؛ لكنّهم فوق ذلك عليهم المبادرة بتأسيس منابر للنقاش والحوار كل في مصلحته بحيث يلتزم الجميع بآداب الحوار
     والنقاش حتى نتعلّم من بعضنا، ونصنع أبطالنا بأنفسنا.
 4- بالنسبة لأفراد القوات المسلّحة والشرطة: عليكم ـ كل في مجاله ـ العمل على تنظيم لقاءات مهنيّة متحضّرة تهدف إلى التحاور مع
      بعض من ناحية، والبدء في تأسيس جيش وطني عصري، ونظام شرطة متطوّر يتواءم مع متطلبات الزمن الذي نعيش فيه بحيث
      يلتزم الجميع بمبدا: أن يقودنا أحسننا، فإن تساوا في الدرجة العلمية والخبرة المهنية فيكون الفوز لأكبرهما سناً بكلّ هدوء، وبكل
      محبّة؛ على أن يلتزم الجميع بالعمل تحت قيادة الأخيار بكل رحابة صدر، وأن يلتزم الأخيار أنفسهم بمبدأ الإحلال عبر مسار
      الزمن ( أي أن يحل الأحسن محل الحسن متى توفّر ذلك ) وعلى أن يتم كل شئ بكلّ هدوء وسلام وفق قواعد يتم الإتفاق عليها،
      ويلتزم الجميع بإحترامها.
5- بالنسبة لأعضاء السلك الديبلوماسي، والمسيّسين، وأصحاب الأفكار التنظيميّة (حزبيّة، مجتمع مدني، جمعيات مهنيّة وإجتماعيّة،
     وغيرها) أن يجتمعوا مع بعض، ويتناقشوا ليرسموا معاً معالم طريق الغد بحيث تتحوّل تحت المعالم يتم الإتفاق عليها إلى خارطة
     طريق يسير على هداها ويطوّرها شباب الغد كل حسب زمنه الذي يعيش فيه.

المجلس الإنتقالي

المجلس الإنتقالي فلح في حرب التحرير لكنه فشل في حرب البناء، وتلك بدون شك تحتاج إلى نقاش، وإلى حوار؛ لكنّها قطعاً لا تحتاج إلى شجار، ولا ترتكن إلى إقتتال.

كلّنا يعرف الطريقة التي تم بها تشكيل المجلس الإنتقالي في أوّل الأمر، ورغم كل المصاعب تمكّن الإخوة في المجلس الإنتقالي من الإسراع - وفي الوقت المناسب - لإحتواء الفراغ السياسي الذي تم التنبوء بحدوثه بأشهر قبل حدوثه، تلك كانت نباهة، وشطارة، وبعد نظر من قبل أولئك الذين تداعوا وإتفقوا فيما بينهم لتشكيل المجلس الإنتقالي في شهر فبراير الماضي بحيث وجد الليبيّون مرجعيّة يرجعون إليها؛ فتوحّدوا حول هذا المجلس رغم أنّهم لم يتعرّفوا حينها عن تركيبته، وعن نوعية أعضائه؛ لكنّهم عرفوا بأنهم ليبيون ومن داخل الوطن، وعرفوا ربما بأنّهم رجال قانون، وعلم، وعرفوا حينها بأن أعضاء المجلس هم وطنيّون ولا يهمهم إلا مصلحة ليبيا.


إنخرط كل الثوّار تحت مظلة المجلس الإنتقالي، ولم يدخلوا مع أعضاء المجلس في نقاشات أم مساءلات، أو مناضرات ذلك لأن همّ كل الليبيين حينها كان يرتكزحول معركة القضاء على نظام حكم الطاغية القذّافي، والقضاء على الطاغية نفسه.

إستطاع المجلس الإنتقالي رغم قلة الإمكانيّات، ورغم صعوبة التواصل، ورغم فقدان الآمان لكل أعضائه، ورغم حساسيّة المرحلة ودقتها... إستطاع هذا المجلس سريعاً تشكيل مجلس تنفيذي ليقوم بالإشراف على تنفيذ قرارت المجلس الإنتقالي، والعمل على تسهيل حياة الليبيين بقدر المستطاع؛ وتمكّن المجلس التنفيذي تحت مظلة المجلس الإنتقالي من الحصول على إعتراف العالم بنا، والإحساس بقضيتنا، والوقوف معنا.

نجح المجلس التنفيذي، ونجح المجلس الإنتقالي في تلك المرحلة الصعبه أيّما نجاح، وكان ذلك بدون شك بسبب ميزات وصفات شخصيّة السيّد المستشار مصطفى عبد الجليل الذي تمكّن بحنكته، وخبرته في الحياة، وهدوء أعصابه من تذليل الكثير من المشاكل، وتمكّن المجلس الإنتقالي من تفويت الفرصة على أولئك الذين كانوا يعملون على إشعال حرب أهليّة؛ لكن الليبيون فوتوا الفرصة على الكائدين سواء كان ذلك في داخل البلد أو خارجها... وتمكّن الشعب الليبي من الإنتصار، وتحرير ليبيا.

كانت هناك الكثير من المشاكل، وكان هناك الكثير من النواقص، وبالطبع حدثت الكثير من التجاوزات؛ لكننا في النهاية وصلنا إلى شاطئ الأمان ببلادنا وبحمد الله وتوفيقه.

علينا كليبيين أن نشكر أعضاء مجلسنا الإنتقالي، وأعضاء مجلسنا التنفيذي رغم مآخذنا عليهم أو على بعضهم لأننا شعب أصيل، ولأننا نقدّر كل إنسان على جميل صنعه... فنبينا عليه السلام قال فيما أتفق عليه: من إجتهد منكم وأخطأ فله أجر إجتهاه، ومن أجتهد وأصاب فله أجرإجتهاده، وأجر توفيقه.

الآن وقد إنتقلنا من الثورة إلى الدولة، وبعد أن حسمت المعركة في الميدان؛ وجدنا أنفسنا في وضع أكثر صعوبة وتعقيدات ذلك لأن الطاغية ترك لنا بلدا بدون دولة... بلدا بدون مؤسسات، وبدون قيادات، وبدون قوانين. بلدا مليئاً بالمشاكل الإجتماعية، والأخلاقية، وايضا المشاكل الإستراتيجية والتكتيكية مع غياب التكامل بين مصالح الدولة التي تم تفكيكها في عام 1977.

الآن... وقد وجدنا أنفسنا وجها لوجه أمام هذه الوقائع التي كانت خارج أفق تفكيرنا عندما كنّا في أتون المعركة نكافح من أجل البقاء، ومن أجل تحقيق الإنتصار. لم نكن حينها نحفل بقضية بناء الدولة لأنها بكل بساطة لم تكن من أولوياتنا وقتها.... ولا خطأ في ذلك أبداً.

الآن.. بدأنا نكتشف عيوب المرحلة السابقة من 17 فبراير وحتي 20 أكتوبر. الأن.... بدأنا نتعرّف على نواقصنا التي كنّا نتجاهلها، ونحاول العيش بدونها لأننا كنا في حالة حرب. الآن... بدأنا نتكشّف عن عيوب ونواقص المجلس الإنتقالي، ووبدأنا نتكشّف عن عيوب المجلس التنفيذي لكنّها هي طبيعة الأشياء.

قام البعض وللأسف بإنتقاد أعضاء المجلس الإنتقالي ووضع اللوم عليهم مع تحميلهم كل الأخطاء، قام البعض الآخر بإنتقاد المجلس التنفيذي ككل، والدكتور محمود جبريل على وجه الخصوص بشكل فضّ، وغير مؤدّب وتلك كانت من عيوب اللائمين وربما هي أضافت إلى حسنات الملام؛ غير أننا كشعب ليبي طيّب وذكي علينا ألاّ ننسى من خدم بلادنا، وأن لا نتجاهل تضحياتهم ذلك لآن الظروف التي كانوا يعملون خلالها هي ليست نفس الظروف التي نعيشها الآن وعلينا أن نكون واقعيين، وعمليين، ومنصفين.

الآن يمكننا القول بأن المجلس الإنتقالي على هيئته الحالية لم يعد يصلح لقيادة المرحلة المقبلة (الإنتقالية) ذلك لأن المجلس الإنتقالي برهن على فشله في الكثير من الأصعدة؛ غير أن الفشل لم يكن مقصوداً. تلك هي مقدرة الأفراد، وتلك هي حدود قدراتهم فعلينا الاً نلومهم؛ بل يجب أن نسعى جميعاً لإصلاح الخلل، والمضي قدما نحو تحقيق الهدف.

كيف يمكن إصلاح المجلس الإنتقالي؟

سبق لي طرح مشروع لإعادة النظام الإداري في ليبيا وفق عدد السكّان في مقال سابق لي يمكن الرجوع إليه على هذا الرابط:

لكنّني هنا أطرح فكرة ملخّصة تتعامل مع الوضع الراهن بما يتماشى من متطلّبات معطياته الحاليّة من أجل المضي قدماً دون الوقوع في متاهة التردد والتذبذب واللخبطة:

1- إعادة العمل بنظام المحافظات السابق بقرار رسمي من المجلس الإنتقالي وبصورة
    فورية.
2- أن تقوم كل محافظة بإنتخاب أعضاء مجلسها المحلي الإنتقالي، وأقترح بأن يتكوّن
    المجلس من 20 عضو.
3-  تتبع كل محافظة مديرية للشرطة تشرف على مراكز ونقاط الشرطة في كل مناطق
    المحافظة، وحامية عسكرية تشرف على معسكرات الجيش الوطني في مناطق
    المحافظة تحت قيادة الجيش الوطني العليا.
4- تتكون في كل محافظة مديريات الخدمات حسب الكثافة السكانية، وعدد البلديات.
5- تشكّل كل محافظة مجلسها التنفيذي المؤقت وأن يكون ذلك من خلال التعيين على أن
    يكون أعضاء هذا من الأكادميين والمهنيين المشهود لهم وتتحدد لوائح لذلك.
6- يتم تحديث المجلس الإنتقالي الوطني الحالي وذلك بأن يتشكّل المجلس من 20 عضواً
    ( عضوين من مجلس كل محافظة الإنتقالي).
7- يختار المجلس الوطني الإنتقالي من بين أعضائه العشرين رئيساً له بطريقة الإقتراع
    السرّي.
8- أن تقوم كل محافظة بإجراء الإنتخابات بطريقتها على أن تكون نزيهة وبوجود
    مراقبين من محافظات أخرى.
9- أن يتم تشكيل مجالس المحافظات، والمجلس الإنتقالي المنتخب خلال فترة لا تتجاوز 4
    أسابيع من الآن مع إعتماد التشريعات الحالية ( أي بدون الحاجة إلى تشريعات جديدة).
10- يستمر مخطط المجلس الإنتقالي السابق وفق بنود الدستور المؤقّت كما هو بدون
      تغيير؛ على أن تتشكّل الحكومة الإنتقالية الليبية من خيرة أبناء ليبيا أكاديميا ومهنيّا
     ( وفق الخبرة) بدون الحاجة إلى المحاصصة (مناطقيّة، جهوية، قبلية، أو عرقية).

المهجّرون الليبيون في الخارج

تم إستنزاف القدرات الليبية البشرية خلال فترة حكم الطاغية القذّافي من خلال التهجير المبرمج أحياناّ مما حرم بلادنا من الكثير من خبرات أبنائها الذين ما كانوا ليتركوها لو أنّ باب العودة كان قد فتح أمامهم بدون مشاكل ولا تنغيصات.

يوجد عشرات الألاف من الليبيين أصحاب المؤهّلات العالية في الخارج منهم ما يزيد عن 4000 طبيب متخصّص، ومنهم آلاف من المهندسين، والقانونيين، والإعلاميين، وأصحاب المهارات المختلفة بما فيها التجارة وخدمات المصارف؛ وهؤلاء في معظمهم كانوا قد أكملوا دراستهم لكّنهم فضّلوا البقاء خارج البلد لظروف أغلبها سياسيّة نتيجة للقمع، والتسلّط، والفوضى الإدارية التي كانت متفشيّة في عهد الطاغية القذافي.

قام الليبيون المهجّرون في الخارج بدور إيجابي وفعّال طيلة أشهر إنتفاضة 17 فبراير التي تمكّنت بعون الله من الإطاحة بنظام حكم الطاغية القذّافي، وألغت جماهيريته الفوضوية. شمل دور المهجّرين الليبيين في الخارج المعونات المالية، والطبيّة، والإعلامية، واللوجستية أيضاً. كذلك قامت أعداد كبيرة من الإطباء الليبيين المتخصصين بزيارات لجبهات القتال بهدف مساعدة إخوانهم المصابين، ومن أجل رفع معنويات المقاتلين، وكذلك بهدف إجراء مسح ميداني للتعرف على مطالب المقاتلين الصحيّة، وإحتياجات المناطق.

كذلك عقدت الكثير من الندوات والملتقيات في دول أوروبية، وأمريكية عديده للتعريف بالقضية الليبية، وتنسيق المساعدات المرسلة إلى ليبيا، وكذلك تناول الكثير من المتحاورين سبل الرفع من مستوى الخدمات الطبية في ليبيا بعد تحرير ليبيا من حكم الطاغية القذّافي.

الآن وقد تحررت بلادنا بدأنا نسمع عن مئات الأطباء الأجانب الذين تم التعاقد معهم للعمل في ليبيا، أو أولئك الذين قررت دولهم إرسالهم لليبيا بهدف إنشاء مستشفيات ميدانية في مناطق مختلفة من ليبيا يعمل بها أطباء وطقم صحيّة من الدولة صاحبة المشروع ولا أدري إن كانت هذه المبادرات مدفوعة الثمن أو نها كانت عبارة عن تبرعات؛ مع يقيني بأن لكل شئ ثمنه سواء كان عاجلا أو عاجلاً.

يقال بأن الأردن قررت إرسال 30 طبيبا متخصصاً إلى ليبيا، وكانت قطر قد فعلت مثل ذلك، وكذلك مصر، وتونس، وغيرها من البلاد العربية. بالطبع نحن نرحّب بكل من يمد يد المساعده إلينا، ونشكرهم على ذلك لأننا في الوقت الحاضر في أمسّ الحاجة إلى كل جهد وعون.

الذي أود الإشارة إليه في هذا الإطار هو وجود الألاف من المهنيين الليبيين أصحاب الخبرات والمؤهلات العلمية والطبية العالية في أوروبا وشمال أمريكا وهؤلاء يشغل الكثير منهم رؤساء أقسام تخصصية، ومدراء مراكز صحية عالية التخصص، ويقوم الخبراء الليبيون بالكثير من الأبحاث والأعمال الإداريّة كل في مجال تخصصة. هذا ويتمتع الخبراء الليبيون بكفاءات علمية ومهنية عالية جداّ تنال إحترام وتقدير الدول التي يقيم بها هؤلاء الليبيون.

الكثير من الليبيين المهجّرين في الخارج كانوا قد أمضوا ما يقارب أنصاف أعمارهم خارج بلادهم، وبالطبع هؤلاء يعدون من المتزوجين ولهم أطفال يذهبون إلى المدارس في البلاد التي يقيمون بها؛ يدرسون بلغتها، ويتبعون أنظمة التعليم المحلية لهذه الدول، وهناك الكثير من الأطفال الليبيين الذين لايجيدون اللغة العربية لسبب أو لآخر.

أغلب المهجّرن الليبيين يعدّون العدة للعودة إلى ليبيا والمشاركة في عمليات بناء ليبيا الجديدة بعد إنتصار ثورة 17 فبراير، والكثير من هؤلاء المهنيين والآكاديميين لديهم أفكارا طموحة، وتصوّرات مهنية راقية لمستقبل العمل الطبي والعلمي في ليبيا، وهم بدون شك سوف تكون لهم أدوارا ذات قيمة عالية في مشروع البناء الحضاري والمهني للدولة الليبية الجديدة.

ماذا ينتظر المهجّرون للعودة إلى ليبيا

لا أظن بأن أي ليبي في الخارج يمانع في قضيّة العودة من حيث الأساس؛ فكلّنا أبناء الوطن، وكلّنا يهمّنا مستقبل بلادنا، ورفاهية أهلنا. كما أن الكثير منّا من تعلّم ومارس مهنته بكل حريّة في مجال تخصّصه كان قد إكتسب الكثير من المهارات الرفيعة التي بإمكانه توظيفها في ليبيا لمساعدة أهلنا الذين نحبّهم، ونتمنى لهم كل الخير. المعضلة الكبرى من وجهة نظري التي ربما تقف بين المهجّر والعودة تكمن في النقاط التالية ( وجهة نظري الشخصية، ومن له أسباب أخرى فمرحبا به ليضيفها حتى تعم الفائدة، وتكون الصورة معبّرة عن الكثير من المهجّرين):

1- الكثير من المهجّرين كما ذكرت كانوا قد قضوا سنوات طويلة خارج ليبيا، وهؤلاء
    بدون شك كان قد فاتهم قطار الإستقرار في داخل البلد. العائدون قد يحتاجون إلى
    مساعدة مالية مثل تسهيلات قروض وما شابهها.
2- المهجّرين لهم أطفال يدرسون في مراحل مختلفة في البلاد التي يقيمون بها. هؤلاء
    الأطفال قد يجدون صعوبة في الإلتحاق بالمدارس الليبية خاصة في وجود عازل اللغة.
    من حق هؤلاء الأطفال على الدولة الليبية أن تتكفّل بالإنفاق عليهم في المدارس
    القائمة في ليبيا والتي تدرّس بلغات أجنبية إلى أن يستوعب الطفل لغته العربية، أو
    يصل إلى مستوى التعليم الجامعي.
3- المهجّر الليبي في الغالب كان قد قضى سنوات طويلة خارج بلده مما يقلّل من إحتكاكه
    بمكاتب التعيين في داخل البلد عند العوده. يرجى تسهيل إجراءات التعيين للعائدين بما
    يتلاءم مع مؤهلاتهم وخبرتهم حتى يتمكّن العائد من خدمة بلده كما ينبغي.
4- المهجّر المقيم في بلاد الغربة لمدد طويلة حين يعود إلى بلده سوف يحمل معه الكثير
    من ممتلكاته وأغراضه الشخصية. يرجى إعفائه من المستحقات الجمركية على
    ممتلكاته المستعملة مهما كانت قيمتها الماديّة.

لا لهيمنة الغير علينا

من المعروف بأن الكثير من دول العالم كانت قد ساعدتنا في مساعينا للقضاء على نظام الطاغية القذّافي؛ وكان من بين هذه الدول قطر، الإمارات العربية، فرنسا، بريطانيا، تركيا، وإيطاليا. هناك الكثير من الدول الأخرى التي إلتحقت بالركب بعدما تبيّن لها إمكانية إنتصار ثوّار 17 فبراير.

من واجبنا شكر هذه البلاد وتقدير وقوفها معنا ولكن ليس إلى حد التدخّل في شئوننا، أو فرض وصاية ما علينا. يجب علينا كليبيين أن نميّز بين المساعدة والإحتواء.

أنا أكره لغة "المؤامرة" لكنني أود التحذير أو على الأقل الإنتباه إلى قطر ربما على وجه الخصوص. قطر بدون شك كانت أوّل من وقف معنا، وقطر يسّرت الكثير من إجراءاتنا في البداية مثل المعاملات المالية وإسترجاع أموالنا في الخارج، وكذلك في مجال تصدير النفط، وتزويدنا بما تيسّر من السلاح. شكرنا لقطر كما أسلفت يعتبر واجباً علينا لكننا يجب أن لانبالغ في ذلك كثيراً.

علينا أن نتذكّر بأن ليبيا تعتبر دولة أكبر من قطر بكثير، وبها أكبر عدد من السكّان، وبها أكبر عدد من المؤهلين وخريجي الجامعات، وليبيا لها من الإمكانيات الإقتصادية أكبر من قطر؛ كما أن شعبنا سوف بإذن الله يختار النظام الديموقراطي الشفّاف في الحكم بدل نظام الحكم الأسري الوراثي الذي عفى عليه الزمن.... أنظر إلى هذه المقارنة السريعة بين ليبيا وقطر:

الصفة                          ليبيا                                            قطر         
المساحه                  1,759,540 كم مربع                     11,586 كم مربع                      
عدد السكان              6,324,357 نسمة                         833,285 نسمة (تعداد 2009)
الدخل السنوي           89,920 بليون دولار                     11,586 بليون دولار (2088)
تصدير النفط             1.602 مليون برميل يوميا               1.079 مليون برميل يوميا
ميزانية التنمية           35.220 بليون دولار (2008)          27.14 بليون دولار(2008)
 نظام الحكم               جمهوري ديوقراطي                       أميري عائلي وراثي

أتمنّى بأن يكون الحلف الجديد " مجموعة أصدقاء ليبيا" الذي أعلن على إنشائه أخيراّ في الدوحة هو مجرّد حلف برئ همّه الوحيد حماية ليبيا إن هي تعرّضت للخطر، وتنتهي هذه "الحماية" بمجرّد تأسيس الجيش الوطني الليبي. كما أود القول بأنني لا أشعر بالإرتياح تجاه تدخّل هذا "التحالف " في الشئون الداخليّة الليبيّة مثل تجميع السلاح، وتأسيس قوات الشرطة، وربما أيضاً المساعدة في تشكيل الجيش الوطني. علينا أيها السادة أن نحافظ على أمن بلادنا، وأن لانسمح لغيرنا في أن يتدخّل في شئوننا وخاصّة تجميع السلاح.

علينا أيضاً الإنتباه بأن قطر تتعاطف كثيراً مع "الإسلاميين"، وهي بدون شك لاتنسجم مع "الأكاديميين" من أمثال الدكتور محمود جبريل، والدكتور فتحي البعجة لأنّهم في نظر "الإسلاميين" يعتبرون من "العلمانيّين" ومن هنا ربما كانت محاربة الدكتور محمود جبريل. علينا ألاّ ننسى زيارة الأستاذ عبد الحكيم بلحاج إلى قطر صحبة المستشار مصطفى عبد الجليل ( وهو كما نعرف أمير الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة)، وكذلك إستقبال عبد الحكيم بلحاج لوزير دفاع قطر دون أي ممثّل للمجلس الإنتقالي، أو المجلس التنفيذي؛ بل ومرافقة السيّد بلحاج لوزير دفاع قطر في جميع تنقلاته داخل ليبيا. علينا أن نكون يقظين كليبيين خاصّة وأن السيّد مصطفى عبد الجليل لا يفقه كثيراً في لعب السياسة وخفاياها؛ كما أنني لا أثق كثيراً في رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم آل ثاني ومن لم يعرف عنه كثيراً فليسأل عنه رجال المال والأعمال... آسف رجال الكذب والنفاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك