2011/07/02

ليبيا التي ننشدها

 نظام حكم الطاغية القذافي إنتهى ولن يعود أبدا؛ وعلينا كليبيين أن نتعلم الدرس، ونتعظ  حتى لايضحك علينا معتوه آخر مثله أو يستغلنا كذاب و دجّال مفتر.... فنحن ربما تتوافر لدينا أقدارا كبيرة من السذاجة لكنه ذلك هو طبعنا الذي جبلنا عليه؛ غير أن هذا  يجب أن يتغيّر لأن الزمن من حولنا يتجدد، والحياة التي نعيشها هي بدورها تتغيّر.

بعد إمتزاج الدماء بالدموع في حياتنا، وبعد تناوب الخوف والأمل علينا، وبعد طول الترقّب والإنتظار طيلة الأربعة أشهر والنصف الماضية  ربما بدأنا الآن نرى ومضات فجر الحرية وهي تتجلّى بأبهج صورها أمام نواظرنا، وربما بدأ الأمل يدبّ قويّا في نفوسنا ؛ بل إننا بدأنا نلمحه  يرتسم على شفاه الأفق الواقع في مرمى أبصارنا، ويحقّ لنا الآن أن نقولها عالية مدوّية  ـ وبكل ثقة ـ  بأننا بالفعل تخلّصنا من حكم العقيد المعقّد، ونظام حكمه المتبلّد الذي فرض علينا وجوده لعقود ثقيلة من الزمن.
 

المشهد الذي نراه الآن مازال ربما تشوبه بعض الضبابية؛ لكن عزمنا وإرادتنا وثقتنا بأنفسنا هي الملكات التي بها نستطيع أن نرسم معالم طريقنا التي تجذبنا للسير فيه حثيثا بحيث أننا قد نتمكن من سباق الزمن لأننا يجب أن نسابق الزمن إلى أن نسبقه فنحن من فقد أكثر من أربعين حولا من أعمارنا حين كنّا تائهين لانعرف لأنفسنا هدى؛ يظللنا معتوه صدّقنا وللأسف بأنّه من المفكرين والفلاسفة.... أتمنّى بأننا تمكّنا الآن من تعلّم الدرس.
الواقع الذي يحيط بنا الآن هو أنه ما إن بدأت الأمور تتضح للمراقبين من حولنا حتى تحركوا من سكونهم أو لنقل عدم مبالاتهم وهم يبحثون حثيثا عن مدخل آمن يمكّنهم من خلاله وضع بصماتهم على نمط حياتنا وهم جدّيون فيما ينوون فعله..... فعلينا أن نستبق الأحداث، وعلينا أن نرسمها نحن وبأيدينا حتى يجدوا أنفسهم خارج الحلبة رغما عن إرادتهم لأن شروط اللعبة إستطاع الليبيون حبكها ووضع ضوابطها قبل أن يأتي أولئك بأفكارهم عسانا أن نسمح لهم بلعبها معنا فنتلهّى نحن بينما يصلون هم إلى ما يمكّنهم من تحقيق غاياتهم.
يقال بأن حراكات وطنية تجري الآن هنا وهناك من بنغازي، إلى إستانبول، وحتى روما، ويقال بأن كل هذه الحراكات رغم تنوّعها إلا أنها تتجه نحو هدف واحد مفاده البحث عن كيان وطني يسد الفراغ الذي أحدثته إنتفاضة الشعب الليبي بعد أن تلاشى نظام حكم الطاغية القذافي الوسخ.
أريد أن اقول إخوتي الإحباء من حيث المبدأ إن كل ذلك يعبّر عن الإتجاه الصحيح، وقد تحدث هذه الحراكات الوطنية النقلة الموضوعية التي ننشدها ونحن في حاجة ملحة إليها؛ لكنها الأشياء يجب ألآّ يسمح لها بأن تتدحرج كثيرا وفي هوينة وتأنّ؛ ولكن يتوجب علينا كمثقفين ليبيين أن نحاول مسابقة الزمن، وعلينا أن نستبق الأحداث التي سوف تفرض نفسها على أرض الواقع بوتيرة ربما تفاجؤنا بسرعتها وتسارعها.....  فإذا كان الوقت لاينتظر؛ فإن أولئك "البشر" هم أيضا في عجالة من أمرهم، وهم غير مستعدين للإنتظار.
نعم..... لحكومة إنقاذ وطنية، ونعم لجيش وطني موحّد، ونعم للسير إلى الأمام؛ فنحن لايهمّنا الأشخاص، ولاتستهوينا المناصب...  فالوطن هو أكبر من الجميع، وليبيا هي نصب أعيننا وهي من يستحوذ على إهتماماتنا؛ فنحن كوطنيين صادقين لاتهمنا المواضع فليبيا في حساباتنا هي وطن كل الليبيين؛ ومن هنا فلا يجب أن نخاف على وحدتنا إن كنا بالفعل نسعى مخلصين إلى بناء ليبيا كبيت يتّسع لنا جميعا، وإن كنا بصدق تعلّمنا من معاناتنا عبر العقود الأربعة الماضية التي نظن بأنها لن تتكرر ويجب ألاّ تتكرر.
نحن كجزء من الشعب الليبي باركنا تشكيل المجلس الوطني، وأمنّا برسالته النبيلة، وصدقنا نواياه الوطنية المخلصة فبايعناه من قلوبنا وقلنا في أنفسنا منذ الوهلة الأولى لتشكيله....  أهلا به ليبدأ الخطوة الأولى نحو بناء غد ليبيا الحبيبة فهو يعني بشئون ليبيا ككل، وبشئون الليبيين كجمع بدون إسثناءات وبدون إقصاءات، وبدون تهميش لحد من أبناء وبنات الوطن.
 علينا أن نعي دائما وأن نكون على بينة بأن ليبيا هي السقف الذي يحمينا من الحر، ويقينا من البرد، وهي المكان الذي نأمنه ونطمن على حياتنا بداخله فقد تشرّدنا وتعذّبنا وتضوّعنا وقاسينا وآن لنا الأوان بأن نحس بأننا ننتمي... بل ونفخر بإنتمائنا.
إن بناء الدولة أيها الإخوة سوف لن يحدث بين عشية وضحاها؛ بل هو عمل مضنيّ يحتاج إلى تكاتف جهود كل مواطنيها بدون إستثناء أو تهميش أو إقصاء أو إجتثاث لأحد أو لطائفة ما من الليبيين والليبيات.
إن بناء الدولة  أيها الأحباب هو مثل تشييد البيت؛ فأنت هنا تحتاج إلى مهندس معماري، تحتاج إلى رسّام، تحتاج إلى بنّاي، تحتاج إلى مواد بناء، وتحتاج فوق كل شئ إلى مراقبة دقيقة، ومعاينة مستمرة للعمل الذي يشيّد على الأرض حتى يلتزم كل المشاركين بخارطة البناء.
ومن هنا فإنني أقول ـ وبكل قوة ـ بأنه على كل من يريد أن يساهم في بناء ليبيا الحرة عليه أن يضع في إعتباره الآتي:
1-قدسية وحدتنا الوطنية
2- أهمية أخوّتنا وتآخينا
3- الإعتراف بتنوّعنا وإحترامه
4- الإعتراف بأفضال غيرنا من أبناء بلدنا علينا
5- الوفاء لشهدائنا، والإنصاف السخي لذويهم
6- الإستفادة من خبراء وعلماء بلادنا الحبيبة بدون إستثناء
7- تبنّي مبدأ الخبرة العملية قبل الإنتماء المكاني أو العرقي في إختيار موظفي الدولة الفتيّة.
8- أن نقدّر عمل وتضحيات من سبقونا في معارضة نظام الطاغية القذافي، وأن نكون سخييّن في تكريمنا لهم  بحيث لا نستثني من ذلك أيّ من المعارضين الليبيين الشرفاء الذين برهنوا على ثبات آحاسيسهم الوطنية، ولم يتاجروا بمواقفهم أو يتخلّوا عنها لأي سبب من الأسباب اللهم إلا ما كان أكبر من طاقة البشر.
9- بالنسبة لأولئك الذين تعاملوا مع نظام القذافي ثم تركوه وإنظمّوا للمعارضة بمحض إرادتهم، وبرهنوا على صدق نواياهم يجب معاملتهم كبقية الليبيين كل في مجال تخصصه، وقدراته المهنية بدون تمييز.
10-لابد من لفتة إنسانية لأسر ضحايا سجن أبوسليم، وأسر ضحايا حرب تشاد، وأسر وضحايا أطفال الأيدز، وكذلك كل شهداء الإنتفاضات السابقة، وأولئك المعارضين الذين قام القذافي بشنقهم في الداخل أو تصفيتهم في الخارج.
الوطن يبقى، ونظام الحكم الوطني يبقى؛ أما الأشخاص فإنهم يجب أن يتغيّروا بحيث يحل الأجود محل الجيّد.
عندما يقرر الأشخاص البقاء في الحكم لأكثر مما يجب، أو عندما يحتكر البعض الوظيفة لأنفسهم، أو لأقربائهم  فإننا بذلك نكون قد عدنا إلى المربّع الأول وهذه المسلسلات يجب ألاّ تتكرّر في ليبيا التي ننشدها ونسعى إلى بنائها.
أودّ أن الخّص ما أودّ طرحه للنقاش وتبادل الأراء في محاور ثلاث تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل؛ فأنا أؤمن صادقا بأننا من الماضي نستلهم العبر، ومن الحاضر نتجهّز للسفر، وللمستقبل نفكّر ونبتكر... وحيث أن قطار الحياة يسير إلى الأمام وفي إتجاه واحد، وبما أننا لايمكننا أبدا إرجاع عقارب ساعة الزمن إلى الوراء؛ فإنه يتحتّم علينا أن نعتلي قطار الحياة، وأن ندفع به إلى الأمام وأعيننا على الغد الذي علينا أن نراه واعدا، وأن نتحسسه صاعدا.
المحطة الأولى:
الدولة التي وجدناها
الدولة التي وجدناها وللأسف هي دولة محطّمة، دولة مبعثرة، وهي في مجملها لم تكن دولة: بل كانت إقطاعية يملكها الطاغية القذافي وأفراد عائلته.
كان من أولويات تفكير الطاغية القذافي من أجل البقاء في الحكم هو القضاء على جميع أشكال الدولة وبكل الواسائل، وكان في هذا وللأسف يطبّق نظرية "الغاية تبرّر الوسيلة"؛ وتحقق له كل ذلك بفضل معاونة الليبيين والليبيات له... وبإخلاص منقطع النظير في كثير من الأحيان !!.
حين كان القذافي يخطط ويفكّر لمستقبله ومستقبل أبنائه كنا نحن إما لامبالين، أو غير عارفين، أو متعاونين معه علّنا نتمكّن من الحصول على بعض من فتات خبز موائده.... ثم نفرح بذلك أيّما فرح.
بدأ القذافي بتخريب الدولة الليبية كما نعرف عام 1973 بتلك النقاط السوداوية الخمسة التي شملها خطابه في مدينة زوارة والتي تمخّضت عنها موجة إعتقالات واسعة شملت المثقفين والسياسيين والمتعلّمين على وجه الخصوص، وكل مناد بالحرية أو ساع لها على وجه العموم. ونتج كذلك عن خطاب زوارة ما سُمّي بـ"الثورة الثقافية" التي تجسّدت في منع واحراق ومصادرة الكتب والمكتبات، ومنع الفكر والتفكير والابداع، بالاضافة الى اعلان الاحكام العرفية ونشر الفوضى والفوضوية التي تعيشها ليبيا الى يومنا هذا.

من المؤكّد بأن كل ذلك لم يكن محض صدفة، ولم يكن مجرّد فكرة راودت القذافي في فترة ما؛ وإنّما كان تنفيذا لبرنامج طويل الأمد وواضح المعالم بالنسبة له، وكان هذا المخطط ربما قد بدأ عمليا في عام 1969 أو ربما في عام 1970 حين دعى القذافي لما سمّي ب "ندوة الفكر الثوري" التي عرف من خلالها كيف تفكّر النخبة في ليبيا، وتعرّف عن الكثير من خلفياتهم السياسية والفكرية؛ وكذلك عن توجّهات نخبهم المتعلّمة، وعن إرتباطات البعض الإديولوجية والتنظيمية.
أدّت تلك التوجّهات ـ والكثير مما لحقها فيما بعد ـ إلى خلق القائد الأوحد، والمفكّر الأوحد، والزعيم الأوحد، وغيرها من الصفات التي وضعت خصيّصا لسحق الفكر، ومنع التفكير، وقتل الإبداع بين الليبيين والليبيات مما أدى تباعا إلى هجرة العقول الوطنية النيّرة إلى خارج البلد، والتخلّص ممن لم يتمكن من الهجرة بالقتل أو السجن أو الترهيب بحيث لم يتبقى في بلادنا غير أولئك الذين تعرفونهم وهم من واصل معهم القذافي مسيرة الهدم والتدمير لكل ما هو وطني في بلادنا.
الغرض من العودة إلى الماضي هو بالتأكيد لتعلّم الدروس حتى لايتكرر ذلك الماضي في مستقبل حياتنا، وحتى لايخلق في ليبيا ديكتاتورا جديدا مثل الطاغية معمر القذافي.
الهدف الثاني من إسترجاع الماضي والتحدث عنه رغم أنه أصبح تاريخا هو "الشعب الليبي".
الشعب الليبي يعتبر شعبا ذا مستوى تعليمي وثقافي ربما يمكن وصفه بأنه متواضع جدا. الإنسان الغير متعلّم من السهل قيادته، وقولبته، وتشكيله وفق المطلوب. الشعب الغير مثقف يمكن الضحك عليه، ويمكن إستغلاله، ويمكن إستعباده.
الشعب الليبي كما نعرف يتحدّث في السياسة كثيرا؛ لكنه نادرا ما يمارسها... ومن هنا يقاد بمن يملك القوة، ويقاد بمن يدغدغ العواطف، ويقاد بمن يستغل الدين لإيهام الناس بالخضوع للحاكم على إعتبار أنه ولي الأمر.... وولي الأمر لايجوز "عقائديا" الخروج عليه، أو الإعتراض على آوامره.   
إذا يمكن القول بأننا ورثنا دولة لاتملك مقوّمات الدولة، ووجدنا أنفسنا أمام واقع صعب جدا.
     
 المحطة الثانية:
ما بعد سقوط القذاف
القذافي، وكتابه الأخضر، ونظريته، وجماهيريته، وكل توابع نظام حكمه إنتهوا جميعا وسوف لن يحكم القذافي ليبيا بعد اليوم. هذه حقيقة يجب أن يعرفها كل الليبيين، ويجب أن تتجذّر في أذهاننا، وتصبح حقيقة في تفكيرنا ومعتقدنا.
السؤال الملحّ الذي يفرض نفسه علينا، وعلينا عدم التهرّب من الإجابة عليه هو: وما الذي سوف يحدث بعيد سقوط نظام الطاغية القذافي؟.
في البداية أنا أظن وأؤمن بأن نظام الطاغية القذافي سوف يسقط هكذا فجأة وبدون مقدمات. تلك هي حقيقة برهنت عليها أحداث التاريخ حيث سقط كل الطغاة فجأة وترك كل منهم بعد سقوطه فراغا لم يستعد له الذين أسقطوا النظام أنفسهم. حدث هذا في ألمانيا النازية، وحدث في دول أوروبا الشرقية، وحدث في العراق.... علينا أن نكون على بيّنة، وأن نستعد لذلك من الآن.
القذافي سوف يقوم بكثير من المناورات، والإستعراضات، والشطحات كما حدث بالأمس؛ وكلّنا ربما يتذكّر تلك المسرحيات الإتعراضية التي كان يقوم بها الطاغية صدام حسين قبيل سقوط نظام حكمه؛ وكان ربما آخرها ما حدث ليلة سقوط بغداد حين خرج صدام إلى الشوارع في بغداد وهو محاطا بأعداد غفيرة من العراقيين بهدف إيهام الغير بأنه مازال يمسك بزمام السلطة في البلد.
أصبح العراقيون في اليوم التالي في ذهول يشبه الحلم، وزاد من ذهولهم أنهم لم يعثروا على أثر لصدام حسين في أي مكان، ولم يعثروا على وجود لجيشه على الأرض. لم تعد توجد في العراق شرطة، ولم يكن هناك وجود لأجهزة الحكومة، ولم يجد العراقيون حولهم جهات يمكن الإستعانه بها أو الإستغاثة إليها.
سقط العراق كدولة في غضون ليلة واحدة، ودخل العراق في ظلام دامس زاد من عتمته ذلك الفراغ المخيف في السلطة؛ ولم ينتظر المتربّصون للحظة واحدة بل إنهم قاموا بملء ذلك الفراغ كل حسب مقدرته وتخطيطاته. ساد المتشددون في كل مكان، وسيطروا على الشوارع والميادين، ثم توّجوا أنفسهم كأمراء للحرب، وبدأ من حينها مسلسل القتل في العراق الذي إستمر إلى يومنا هذا.
هل نريد أن يتكرر سيناريوا العراق في ليبيا؟.
بالطبع لا؛ لكن التاريخ لاتغيّره الآماني، والغد لاتبنيه العواطف، والتقدم إلى الأمام لاتحققه أشعار الغزل.
الإنتقال إلى الأمام يصنعه العقل، والتفكير، والإستعداد قبل أن تحدث الكارثة. 
العاقلون منا ربما يقولون بأن ما حدث في العراق سوف لن يحدث في ليبيا ولهم مبرراتهم في ذلك التي قد نشاركهم في الكثير منها، والمتافئلون من بيننا ربما يقولون بأن الوضع في ليبيا قد يكون أحسن منه في تونس وفي مصرحيث أننا نستطيع البدء في بناء نظامنا السياسي في ليبيا من لا شئ؛ وهذا يمكّننا من  برمجة، وهندسة آليّة الحكم كما نرى وكما نفكّر حسب متطلباتنا الليبية المحضة بدون الكثير من الفلسفات ونظريات الحكم.
وجود أحزاب في تونس ومصر، ووجود نقابات، وراوبط مهنية قد يكون عائقا في وجه مسيرة البناء السياسي لسببين:
1-أن تلك التنظيمات كانت قد تكوّنت في وجود أنظمة حكم شمولية لاتختلف كثيرا عن ذلك الذي كان يحدث في ليبيا.
2- في وجود فراغ سياسي كبير في الدولة ـ كالذي لامحالة سوف يحدث في ليبيا ـ ربما يفتح شهية السياسيين المخضرمين، والتنظيمات الحزبية الضاربة في التاريخ لإستغلال مثل هذه الظروف بحيث يفرضوا أنفسهم أو أفكارهم على المشهد السياسي في الدولة، أو ربما يقفون في وجه أي تغيير أو حداثة فيه؛ لكن مثل تلك السيناريوهات من السهل أن تشهدها الساحة التونسية أوالساحة المصرية؛ غير أنها ربما ليست مرشحة للحدوث في ليبيا نظرا لغياب التنظيمات الفكرية والحزبية من حيث المبدأ.
أما المتشائمون منا فقد يروا الأمور بمنظار مختلف. قد يفكّر هؤلاء بكثير من العقلانية فيروا حسب تقديراتهم بأن البداية سوف تكون صعبة، وسوف تحتاج إلى زمن طويل من شأنه أن يخلق بيئة خصبة لأطراف لاتهمّها مصالح الشعب الليبي فتعبث بأمن البلاد، وتعمل على نشر الفوضى لأن الفوضى تمثّل  الوسط المثالي  الذي تتعايش فيه الفئات الهدامة من البشر بدءا بتنظيم القاعدة، ومرورا ببقية التنظيمات الدينية والعرقية  المتشددة... كما أننا يجب الآّ ننسى أزلام النظام السابق، والمتعاطفين معه في الداخل والخارج، وكذلك أولئك الذين كانوا مستفيدين من وجوده.
من أجل الإستعداد لكل هذه الإحتمالات دعوني أعرج على بعض الحيثيات: 
من نحن ؟
 ( ليس العيب في أن يفرض علينا الظلم؛ لكن العيب في أن نرضى به ونتقبّله)
بعيد إنتفاضة 17 فبراير أصيب القذافي ـ رغم كل المؤشرات السابقة والدلائل ـ بهزّة في أعماقه بشكل أفقده صوابه وتفكيره من هول الواقعة. القذافي كان يظن بأنّه ملك ليبيا وإستعبد أهلها إلى الأبد، وكان بالفعل قد أصبح مغترا مختالا بشكل يفوق التصوّر.
حين حدثت إنتفاضة 17 فبراير قلبت كل الموازين،وغيرت كل الحسابات، وتمكنت إنتفاضة الشباب من قلب كفة الصراع السياسي والإجتماعي، ولم يتمكّن أولئك الذين كانوا يؤكّدون للقذافي بأنه سوف لن تحدث في ليبيا ثورة عارمة ضد نظام حكمه... لم يتمكّن هؤلاء من ربط جأش العقيد القذافي فأصابه الهلع، وتملّكه الرعاش كما شاهدناه وهو يتحدّث في تلك الأمسية من يوم 20 فبراير. فبالإضافة إلى زنقة زنقة، وبيت بيت، ودارا دار؛ قال العقيد المرتعب حينها لليبيين عبارته التي يجب أن تظل حاضرة في ذاكرة التاريخ: من أنتم؟.
أنا لا أريد أن أتناول تلك العبارة بالبحث والتحليل؛ لكنني بدلا منها أريد أن أسأل أنفسنا نحن الليبيون: من نحن؟
علينا أن نجيب على هذا السؤال بكل صدق، وبكل مكاشفة للنفس... من نحن؟.
هل جاءنا القذافي من كوكب آخر، أو من قارة أخرى، أو من بلد آخر؟ لا.
هل كان القذافي غريبا على ليبيا؟ لا.
القذافي كان نتاجا ليبيّا خالصا؛ تربى في بيئة ليبية، وتشبّع من ثقافة ليبية صميمة.... لماذا إذا فعل بنا ما فعل؟.
لماذا إستطاع هذا المعتوه أن يحكمنا 42 سنة؟.
كيف تمكّن رجل واحد من أن يفسد بلد بكامله... بترابه، وبخيراته، وبشعبه؟.
إذا كنا بالفعل نسعى إلى عدم تكرار "ظاهرة" القذافي في ليبيا؛ فعلينا أن نجلد أنفسنا، وعلينا أن نتحمّل المسئولية، وعلينا أن نعترف بالخطأ.
علينا أولا أن ننظر في داخلنا... علينا أن نتعرّف على أنفسنا.... على كل منا أن يتحدث إلى نفسه بكل صراحة...... علينا كليبيين أن نتساءل: من نحن؟.
كيف يتعامل كل منا مع الآخر؟.
هل نجيد فن الإستماع؟.
هل نلتزم بأدب الحوار بما يعني ذلك الإستماع إلى الرأي الآخر، وإحترام صاحب الرأي المناقض؟.
هل نعترف بالخطأ.. في سرّنا، أو في العلن أمام الغير؟.
هل نمدح غيرنا على فعل جيّد، وهل نرضى بالعمل تحت قيادة من هو أحسن منا في المهنة؟.
هل نتقبل النقد ولو كان نقدا بناء؟
هل نؤمن بالديموقراطية، وهل نحن في داخلنا ديموقراطيون؟.
هل نتعامل في داخل بيوتنا بالحوار؛ أم أننا نصدر الآوامر وننتظر التنفيذ الفوري، وبدون نقاش؟.
علينا أن نجيب عن كل هذه الأسئلة بكل صدق وصراحة قبل أن يعرض كل منا نفسه لقيادة التغيير في ليبيا. 
 
المصادر المتوقّعة للفوضى في ليبيا
الفوضى المتوقّعة بعد سقوط نظام الطاغية القذافي سوف لن تبحث لها عن مصادر. هناك الكثير من الجهات التي لاتريد للشعب الليبي بأن يستقر، والتي سوف لن تسمح للوطنيين بأن يحكموا بلدهم على اسس ديموقراطية تتبنى فكرة التناوب السلمي على السلطة.
المصادر المتوقعة لإحداث الفوضى في ليبيا بعد سقوط القذافي، والعمل على إشعال فتيلها كلما خمدت وتأجيج نارها كلما هدأت:
1-بقايا أنصار القذافي، والمستفيدين من نظام حكمه.
2- الجيران الذين يخافون من إنتشار الثورة غلى مرابعهم مثل الجزائر.
3- أصحاب النعرات العنصرية، وخاصة من دعاة الإنفصالية في شرق البلاد وغربها.
4- بعض أعضاء الناتو الذين قد يهددوا إستقرار الوضع في ليبيا بغرض فرض أجندتهم؛ وقد يلجأون في ذلك إلى دعم الأصوات المطالبة بالإنفصال في ليبيا.
5- بعض الليبيين المعارضين للقذافي والذين ربما كانوا يحلمون بتولّي مناصب مهمة في الدولة ولم يتمكّنوا من تحقيق أحلامهم.

كيف نستعد لملء الفراغ؟
هناك الكثير الذي يستطيع الشرفاء في بلادنا من عمله:
1)المجلس الوطني الإنتقالي والعمل السريع على تشكيل، وإعادة تأهيل جهاز الشرطة بما يتلائم مع المرحلة المقبلة بحيث يتم تشكيل أجهزة للشرطة تكون جاهزة للتحرّك الفوري إلى كل منطقة تتحرر من كتائب القذافي، وسيطرة لجانه الثورية.
2) المجلس الوطني والعمل على تشكيل فرق من الجيش الوطني تكون هي بدورها جاهزة للتحرك إلى المناطق المحررة للعمل على حمايتها، وتثبيت الأمن الخارجي فيها.
3) الشباب المتعلم في جميع مناطق ليبيا والقيام بتشكيل لجان شبابية مهمتها الأساسية الحفاظ على الأمن، وتسيير مرافق المرور، وحماية الآماكن الحيوية مثل المصارف، والكهرباء، والمطافي، والمدارس أيضا.
4) الطبقات المتعلمة المقيمة في الخارج ودورها الترشيدي من خلال الإتصالات، والمنشورات، والكتابات على صفحات الإنترنت.

المجلس الإنتقالي ومسألة التريّث
هناك الكثير من الحديث عن حل المجلس الإنتقالي بمجرد سقوط نظام حكم الطاغية القذافي؛ وهؤلاء يتحججون بالطريقة التي تم بها تشكيل المجلس الإنتقالي من حيث المبدأ حيث أن التشكيل كما نعرف كان قد تم بالتنادي والإتفاق التوائمي بدون الرجوع إلى أسس قانونية ( دستورية) أو ديموقراطية... بدون شك ظروف المرحلة حينها فرضت ذلك التشكّل، ولكن بمعرفتنا تشكيل المجلس الإنتقالي، والخطوات التي قام بها في المرحلة السابقة كانت قد حظيت بمباركة كل الليبيين، ومن هنا ولو مرحليا يمثّل هذا المجلس تطلعات الشعب الليبي، وهو قادر من وجهة نظري على تسيير المرحلة المؤقتة في الوقت الحاضر.
هناك من بيننا وللأسف من يجذّف في الماء العكر، ومن ثم نجدهم يتستّرون وراء مبررات في رأيهم مشروعة وفي رأينا واهية؛ ولكن الأسباب الحقيقية وراء إعتراضهم قد يكون دافعها مصالح آنية، ورغبة في إحتلال الواجهة أو الإستفادة من الوضع القائم.
أنا شخصيا لا افضّل التسرّع بحلّ المجلس الإنتقالي وذلك لأن المجلس ـ رغم المآخذ التي يسهل علينا إيجادها إن نحن بحثنا عنها ـ بلإمكانه أن يكون عامل إستقرار وإستمرار في المرحلة الراهنة التي نعرف جميعا بأنها ربما تكون خطيرة وحسّاسة، وقد ترسم معالم المستقبل في بلادنا. نعم نحن الآن نمر بمرحلة مفصلية وعلينا أن نكون مستعدّين جميعا للتوافق على الأحسن خير من أن نضيّع كل شئ ونحن نبحث عن الحلول المثلى.
نحن  ـ كوطنيين مخلصين لبلادنا ومهتمين بشئون شعبنا ـ نبحث عن الإستقرار بأي ثمن، وبأي وسيلة؛ وفي الوقت الحاضرعلينا أن نرتفع قليلا عن المطالبة بالمثاليات على أساس أن "الشيطان الذي تعرفه خير من الملاك الذي تحلم به ولاتعرف عنه كثيرا" ....  وهذا يعني أن إستمرار المجلس الإنتقالي في تسيير المرحلة الإنتقالية ـ التي قد تأخذ سنة كاملة من العمل الإداري والتنظيمي ـ ربما يعتبر الحل المثالي الذي بإمكانه أن يجنّبنا المحاذير.
المهام المناطة بالمجلس الإنتقالي في الفترة بعد سقوط القذافي:
1-إعادة اللحمة الوطنية بما يعني ذلك من إشراك جميع الليبيين بدون إستثناء ـ إلا من ثبت جرمهم في عمليات القتل أو سرقة المال العام – في جميع مرافق الدولة كل حسب قدراته، ومؤهلاته.
2- تطهير الأرض الليبية من كل مخلّفات نظام حكم القذافي بما في ذلك اللجان الثورية، وأجهزة الأمن، المؤتمرات واللجان الشعبية، وكتائب القذافي، وكذلك جمعيات ومؤسسات أبناء القذافي التي كانت تتحكّم في كل مرافق الحياة في بلادنا.
3- إعادة تشكيل جميع مكوّنات السلك الديبلوماسي بما في ذلك السفارات، والممثليات الليبية في الخارج.
4- حل الأجهزة الأمنية الحالية، وإحالة قادتها الى العدالة لمحاكمتهم على أفعالهم خلال الأربعة عقود الماضية؛ والعمل على تشكيل جهاز جديد للشرطة يدخل في تركيبته كل المنتمين للشرطة في عهد القذافي بشرط نقاء الذمة، وحسن السلوك أثناء عملهم السابق.
 5- إعادة تأهيل السلطة القضائية في ليبيا على أسس الأهلية، والنزاهة، والإستقلالية؛ بحيث تكون السلطة القضائية هي المرجع والحكم الفيصل في كل قضايا الدولة من الألف الى الياء بدون إستثناء أحد من الليبيين بما في ذلك رئيس المجلس الإنتقالي نفسه إن وجدت حوله أية شبهات.
6 - إعادة تشكيل، وتأهيل الجيش الوطني بكوادره ورتبه القياديه بما يجعل منه قوة فاعلة مهمتها حماية حدود البلد من المتسللين ومثيري الشغب.
 7ـ دعوة جميع المهاجرين الليبيين للعودة  إلى بلادهم مكرّمين ومعزّزين، والسماح لهم بالمشاركة السياسيه وفق تنظيمات سياسية أو إجتماعية يشكّلها هؤلاء إن أرادوا وبكل حرية.
8- إعادة تشكيل جميع مرافق الدولة التنفيذية، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب بما يعني ذلك من إخضاع رؤساء الأقسام، ومدراء الإدارات لإختبارات مهنية كل حسب مجاله وموقعه بحيث يخضع الغير قادرين لدورات إعادة التأهيل بإشراف جهات متخصصة في ذلك.
 9- تحرير جميع وسائل الإعلام من قبضة الدولة بحيث تكون وسائل الإعلام هذه مسئولة أمام القضاء الليبي فقط  ولا تتبع النظام الحاكم في شئ.
 10- تشكيل لجنة وطنية من خيرة أبناء ليبيا لصياغة دستور وطني يعرض على الشعب لمراجعته وتعديله ثم التصويت عليه؛ ويصبح نافذ المفعول بمجرد التصديق عليه من قبل الشعب الليبي بحيث يطبّق على الجميع بدون إسثناء.
11ـ الدعوة إلى والتشجيع على تشكيل الأحزاب والتنظيمات السياسية والإجتماعية التي تفتح أبوابها لكل الليبيين بدون إستثناء، وبدون خصوصيات مع إعتماد النموذج الوطني ونبذ التشكيلات الطائفية، أوالدينيه، أو العرقية
 12ـ الدعوة الى إنتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها جميع الليبيون بدون إستثناء لإنتخاب المجلس البرلماني الذي يمثل كل الشعب الليبي، وكذلك إنتخاب  رئيس الدولة قبل نهاية الفتره الإنتقاليه بشهر على الأقل يقوم خلالها الرئيس المتخب بتسمية رئيس للوزراء يقوم هو بدوره بتشكيل حكومته وفق الخبرة والمقدرة وبعيدا عن الولاء مهما كان نوعه وشكله، ومهما كانت تسمياته .
بعد ذلك يقوم البرلمان الجديد بمناقشة الحكومه المشكّلة، وبمجرد إعتماد البرلمان للحكومه الجديده يقوم رئيس المجلس الإنتقالي المؤقت بتسليم مقاليد الحكم لمن أنتخب من قبل الشعب وبذلك يبدأ قطار حياتنا في السير إلى الأمام.

المحطة الثالثة
الدولة التي نطمح إلى تحقيقها
(الإنتقال إلى الأمام يعني التمرّد على كل ما يشد إلى الوراء، والتسلّح بمستلزمات الولوج إلى عالم الغد)

من أكبر المهام الموكولة على الطبقة المتعلمة والمثقفة في ليبيا التفكير في شكل وتركيبة نظام الحكم المستقبلي في ليبيا. علينا أن نسأل أنفسنا: ماذا نريد بالضبط؟.
من وجهة نظري... نحن في حاجة إلى نظام حكم جمهوري، ديموقراطي، برلماني يتمتع فيه جميع أبناء الشعب الليبي بنفس الحقوق، ونفس الواجبات على أن يحترم هذا النظام خلفيات المجتمع الثقافية، والعرقية، والروحية أيضا.
نحن في حاجة إلى نظام حكم يحترم الجميع، ويتيح الفرص أمام الجميع بدون الإستناد إلى خلفيات ثقافية أو مكانية بحيث يحس كل ليبي وليبية بأنّهم أبناء هذا الوطن ينتمون إليه، وينتمي الوطن بكامله إليهم ليعيش في وجدانهم فيتدافعوا بتلقائية للدفاع عنه عند حدوث الشدائد.
مشروع تقسيم إداري جديد في ليبيا ( وجهة نظر)
نظرا للتغييرات الحاصلة في كل شئ يحيط بنا في عالم اليوم من تغيّر في عنصر الزمن، وتغيّر في الإنسان ( كما وكيفا)، ونظرا للتطوّر الطبيعي في حياة البشر عبر الزمان، وحيث أن بلادنا كانت قد ظلّت معزولة عن العالم المحيط بها وهي ترزح تحت نير نظام حكم العقيد القذافي البدائي المتخلّف الذي ينبذ التحضّر، ويجسّد فكر "البدونة" كنقيض لحركة التاريخ، وطبيعة البشر التي تسعى إلى بلوغ أفاق جديدة في عالم التحضّر الرحب الذي وقف ضده الطاغية القذافي بكل قوة وصلت إلى حد معاداة التمدّن كظاهرة حضارية على إعتبار أن المدينة في فكر وعقل الطاغية القذافي تعتبر منبوذة ومستهجنة بحيث أن هذا الطاغية كان قد غيّر كلمة "مدينة" بكلمة "شعبية" حتى يقضي على المدينة على إعتبار أن المدينة تعني "التمدّن" وهذه تعني "التحضّر" الذي لم يتمكن العقيد القذافي من التكيّف معه بحكم ثقافة "البداوة" التي كان الطاغية القذافي يتفاخر بإنتمائه العميق لها، وتشرّبه منها في مهده وفي صباه.
نحن نعرف جميعا بأن ليبيا كانت في العهد الملكي الذي سبق إنقلاب القذافي في عام 1969 تنقسم إلى 10 محافظات، وكل محافظة إلى عدد من المتصرفيات، وكل متصرفية إلى عدد من البلديات وهذا يعتبر تقسيما إداريا غاية في التحضّر والتنظيم، وبالطبع كان يتجانس مع العالم المحيط بحيث أن ليبيا كانت تمثّل إنسجاما مع محيطها.
ربما كانت هناك مشكلة في تقسيم ليبيا الإداري في العهد الملكي وتلك المشكلة كان سببها النفوذ القبلي في ليبيا من ناحية، ووجود عنصر المحاباة والمجاملات من ناحية أخرى؛ وبالطبع كان هناك عامل النفوذ الفردي لبعض المتنفذين في البلد في ذلك العهد. التقسيم الإداري القديم في ليبيا كان يراعي في الأساس العوامل المكانية أكثر من مراعاته للعوامل البشرية (السكانية) وتلك في رأيي كانت نقطة ضعف كبيرة جدا فالأرض بدون شعب لايمكن أبدا تسميتها بالدولة؛ حيث أن الدولة = أرض+شعب... والشعب يعتبر هو العنصر السائد في هذه المعادلة إذا إعتبرنا أن الشعب بدون أرض يستطيع أن يصنع الحياة؛ أما الأرض بدون شعب فتتحول إلى أرض بور مهملة لاقيمة لها.
دول المنظومة الإشتراكية (الشيوعية) إهتمت بالأرض ( العمران) وأهملت ساكن الأرض (الإنسان) فإنتهت تلك الأنظمة وتبخّرت؛ في حين أن الدول الرأسمالية التي إهتمت بالإنسان وأهملت الأرض التي ذابت في "العولمة" فإنتعش الإنسان وتطوّر وحافظ النظام الرأسمالي بذلك على وجوده لأنه كرّم الإنسان، وإعترف بقيمته.
أنا أحمد الله بأن حدث في ليبيا إنقلابا عسكريا بحيث جعل من إمكانية إعادة التقسيم الإداري في ليبيا أمرا ممكنا نظرا للتغييرات التي أحدثها القذافي في الهيكلية الإدارية لليبيا طيلة العقود الأربعة الماضية حيث لم تعرف فيها بلادنا إستقرارا إداريا كجزء من تلك "الفوضى العارمة" التي حكم بها العقيد القذافي ليبيا.
أود هنا أن أطرح مشروعا لنظام إداري في ليبيا مرتكز على الوجود البشري كبعد يتفوّق على البعد الجغرافي آملا في أن يلقى هذا المشروع قبولا من أصحاب الشأن في بلادنا:
1) يبلغ عدد سكان ليبيا حوالي 6 مليون نسمة.
2) يتركّز معظم سكان ليبيا في مدن طرابلس (25%)، بنغازي (16%)، مصراته (7%)؛ أي أن ما يقارب من 50% من الشعب الليبي يقيمون في ثلاثة مدن على الساحل وهذا يجعل من التقسيم الإداري المعتمد على الجغرافيا غير عملي في عالم اليوم على أساس أن الإنسان يعتبر أهم من العمران.
3) النظام الديموقراطي العادل يجب أن يعتمد على الكم السكاني وليس الكم المكاني ذلك لأن كل الخدمات يجب أن تركّز على إسعاد الإنسان وليس على جمالية ومعمار المكان... فمعمار بلا إنسان هو مآوي للخفافيش والجرذان.
وبناء على المفاهيم المذكورة عاليه فإنني أقترح التقسيمات الإدارية التالية:
أولا: تقسّم ليبيا إلى 15 محافظة يكون عدد سكان كل محافظة فيها 400 ألف نسمة ( 300 – 500 ألف نسمة).
ثانيا: تقسّم كل محافظة إلى عدد 4 بلديات يكون عدد سكان كل بلدية 100 ألف نسمة ( 75 – 125 ألف نسمة).
ثالثا: تقسّم كل بلدية إلى عدد 10 محلاّت يكون عدد سكان كل محلة 10 آلاف نسمة ( 7.5 – 12.5 ألف نسمة).
رابعا: يتشكّل في كل بلدية مجلس محلّي يتكون من 10 أعضاء يهتم كل واحد منهم بشئون 1000 مواطن؛ ويتم إنتخاب هؤلاء الأعضاء بنظام الإنتخاب الحر المباشرعبر صناديق الإقتراع في كل بلدية.
خامسا: يتكون مجلس كل محافظة في ليبيا من 4 أعضاء يمثّل كل واحد منهم بلدية وهم جميعا يتم تعيينهم من بين الفائزين في إنتخابات البلدية المذكورة أعلاه.
سادسا:يتكون البرلمان من 600 عضو هم أنفسهم كل أعضاء مجالس المحافظات الخمسة عشر، ويتم من بين هؤلاء تشكيل الحكومة بحيث يقترع ال 600 عضو في البرلمان إنتخاب رئيس الحكومة من بينهم.
وختاما..... فإنني أود القول بأن ليبيا تحتاج أيها الساده إلى الآتي كأساس لمستقبل زاهر:
1- نظام حكم ديموقراطي عصري تتساوى فيه الفرص أمام كل الليبيين بجميع خلفياتهم العرقيه، والثقافيه، والإجتماعيه بدون إستثناء أو تمييز.
2- دستور وطني يضعه خيار البلد من علماء، ومثقفين، ومن أهل الفضيله والنبل في هذا البلد المعطاء.
3- جهاز قضاء عادل يتساوى أمامه كل الليبيين من الحاكم الى أصغر محكوم.
4- جهاز شرطه متحضّر يسهرعلى راحة المواطن، وأمنه في بيته، وأمنه في خصوصياته (شرفه وكرامته)، وأمنه في ممتلكاته .
5- صحافة حرة تكون بمثابة عيون الشعب على الحكومه، ونافذة الحكومه على الشعب.
6- تنظيمات مجتمع مدني يشكلها أفراد الشعب الليبي بإرادتهم الحرة بعيدا عن نفوذ الحكومة أو تدخّلها.
لو توفرت كل هذه الأساسيات تصبح عمليات الإنتقال الى الأمام بعدها من أيسر الأشياء؛ ومن ثم تبدأ عمليات البناء، والترميم، والصيانه لكل شئ في حياتنا.... ومن خلالها ينعم المواطن في بلادنا بخيرات ترابه في سكنه، وفي مأكله، وفي صحته وعلاجه، وفي رفاهيته أيضا.
من سوف يراقب ويقوّم ؟
أولا- في الفترة المؤقتة:
تتحوّل الميادين الرئيسية في كل مدينة في ليبيا إلى ساحات تعج بجموع المواطنين من كل الفئات تلتقي مرة واحدة في كل إسبوع ( ليكن بعد صلاة الجمعة) تتشكل خلاله منابر سياسية، فكرية، ثقافيه، وفنية أيضا يكون همّها الرئيسي هو مراقبة سير الأنشطة الحكومية، والتنبيه إلى كل ممارسة تحدث خارج نطاق القانون، والبحث عن كل تأخر في ممارسة المجلس الإنتقالي والحكومة لمهامها. تظل هذه الساحات زاخرة بنبض الشارع إلى أن تتم الإنتخابات وتشكيل نظام الحكم المتكامل.
ثانيا- على المدى الطويل:
 تتشكل ملتقيات لكل المثقفين الليبيين الذي لايرغبون في الإنخراط في التنظيمات الحزبية، والذين لايبحثون عن وظائف سياسية في الدولة تكون مهمة هذه الفعاليات الوطنية مراقبة أجهزة الدولة والبحث عن كل تأخير أو مظالم تحدث من أية جهة مع الدفع بعرض كل قضايا الفساد على أجهزة القضاء والإنضباط. كما يناط بهذه الفعاليات الوطنية إستخدام شبكات الإنترنت للتواصل مع المواطنين من خلال المعلومات التثقيفية والتعليمية والتوجيهية حتى نتمكن من خلق المواطن الواعي الذي لن يرضى في المستقبل بالقبول بحكم طاغية مهما كانت الأسباب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك