2025/10/14

 بالتفكير والإحتساب يمكنك كسر دائرة الخوف والإرتعاب(2)

كان من المفترض بأنّني في هذه الحقلة أنقل لكم قصّة "كريستينا وإبنتها جورجيا" وأنهي التحدّث في موضوع "التفكير والإحتساب" ؛ لكنّني وأنا أستعد لكتابة هذه الحلقة عادت لذاكرتي قصّة رائعة في مجال "معالجة مرض الشقيقة بالبوتوكس"، وكانت "دونّا" بالفعل هي بطلة تلك القصّة فقرّرت العبور من هناك لأسمح لنفسي لتمديد الحديث في هذا الشأن لثلاثة حلقات بدل الإثنتين، وأقولها بصدق حينما بدأت كنابة هذا الموضوع كان في مخّي كتابة حلقة واحدة ومن بعدها كتابة موضوع آخر قد يأتي إلى مخّي وتفكيري من خلال السباحة في عالم الرب الذي بالفعل لا حدود له !.
في حلقة اليوم تعود بي ذاكرتي لقصّة تلك "المتزحلقة الجليديّة" الرائعة "دونّا" Donna؛ وهي شابة إنجليزيّة ذكيّة ونبهة في عمر 21 سنة. كنت أعرف "دونّا" لأكثر من سنتين وهي تعاني من مرض الشقيقة المزمن، وحاولت معها بكل السبل، وجرّبت عليها الكثير من "الواقيات" Migraine Prophylaxis من هذا المرض المقزّز لكنّها لم تستجب لكل الواقيات التي جرّبتها عليها.
مشكلة "دونّا" أنّها كانت تشتغل كمدرّبة في نادي للتزحلق على الجليد Ice-skating Trainer، وحدث أنّ مديرها الذي تشتغل معه قال لها وفي أكثر من مرّة بأن أدائها لم يكن مشجّعاً طيلة السنتين الماضيتين، وبأنّه قد يضطر لتغييرها بغيرها مما بكل تأكيد سوف يؤدّي إلى فقدانها لوظيفتها التي تعشقها بشكل جنوني وتبدع فيها بشكل كبير.
كان مرض الشقيقة عند "دونّا" وإلى حد كبير تحت السيطرة؛ لكن المضاعفات الجانبية للأدوية التي تتجرّعها كانت تؤثّر على تفكيرها، وعلى تركيزها، والأهم على ثباتها في "حلبة التزلّج الجليديّة" حينما تقوم بتدريب أعضاء وعضوات النادي الجدد. حدّثتني عن قلقها وغضبها وعصبيّتها من رداءة أدائها على حلبة التزحلق، وكانت بالفعل تخشى من فقدانها لوظيفتها المحترمة والتي كانت تدرّ عليها أموالاً كثيرة تساعدها على بناء حياتها كشابّة مازالت في بداية حياتها الإجتماعيّة.
كنت أعصر مخّي أبحث لها عن أسلم الأدوية الوقائية لمرض الشقيقة حتى كانت فرصة العمر ل"دونّا" حينما ذهبت أنا للندن وحضرت ذلك المؤتمر الذي تحدثت عنه في الحلقة الماضية. بعد قيامي بذلك التدريب الميداني، وحقني لثلاثة مرضى تحت المراقبة طرحت على "دونّا" فكرة أن تكون هي أوّل مريضة لي لحقنها بالبوتوكس. ذكرت لها بأنّني مازلت مبتدءاً، وعلى أن هذا العلاج مازال في أيّامه الأولى، وعلى أنّها قد تكون "ضفدعة تجارب" بالنسبة لي.
فكّرت في الموضوع، وعادت إليّ بعد أسبوعين فقط لتقول لي بأنّها مستعدّة بالكامل لخوض التجربة. قمت بحقنها بكل عناية بالبوتوكس حسب البروتوكول العالمي الذي تدرّبت عليه؛ وكانت مفاجأتي ومفاجأة "دونّا" أنّها إتصلت بي بعد أسبوعين لتقول لي بأن مرض الشقيقة عندها لم يكن كما كان، وعلى أن نوبات المرض كانت بالفعل قد قلّت عدداً وأصبحت أقل حدّة بكثير. فرحت لها بشكل كبير، وطمأنتها، وطلبت منها الإنتظار حتى نهاية الثلاثة أشهر بعد حقن رأسها ب 31 حقنة.
دخلت "دونّا" إلى العيادة بعد ثلاثة أشهر، وكانت فرحة وسعيدة وبالفعل مبتهجة بشكل فاق توقّعاتي. قالت لي بأن عدد النوبات إستمر في التقليل، وبأن حدّة كل نوبة وعدد أيّامها كانتا بالفعل قد تقلّصتا بشكل هي نفسها لم تتوقّعه. إستلمت علاجها الثاني، وتمكّنت من المحافظة على وظيفتها المفضّلة، وكانت بالفعل حريصة على إستمرار العلاج بإنتظام حسب نصيحتي. إستلمت "دونّا" 6 علاجات متواصلة لمدة عام ونصف تم خلالها تقليص الأدوية الواقائيّة للصفر، وأصبحت بالفعل "دونّا" تستجيب لعلاج وحيد بدون أية إضافات داعمة أخرى، وعاد إليها تركيزها وإتّزانها، وبالفعل عادت إليها رشاقتها، وبدأت تفتخر بنفسها من جديد.
في آخر عيادة قالت لي "دونّا" بأنّها لم تعد في حاجة إلى الحقن، وعلى أن مرضها لم يعد يؤذيها أو يقلقها من جديد. قالت لي بأنها بالفعل أصبحت تحسّ بأنّها إنسانة من جديد، وبكل تأكيد آكالت عليّ من عبارات الشكر والإمتنان بشكل أخجلني بأن لم أجد ما أردّه عليها من كثرة شكرها ومدحها لي كطبيب.. أو كما قالت "كأفضل أخصائي عرفته في حياتها".
كانت بداية الحقن بالنسبة لها في آواخر عام 2011م، وفي عام 2013م أرسلت لي "دونّا" رسالة تقول لي فيها بأنّها الآن في "إسرائيل" تؤدّي عروضاً راقصة على الجليد في مدن مختلفة منها تل أبيب، وعلى أنّها بعد "إسرائيل" سوف تذهب إلى جنوب شرق أسيا لتقوم بالكثير من العروض الموسيقية الراقصة على حلبات الجليد في ثلاثة أو أربعة من الدول التي دعتها رسميّاً لتقيم عروضها في نواديها الثلجيّة.
فرحت لها بشكل كبير، وكانت بالفعل "دونّا" أوّل مريضة لي أحقنها بالبوتوكس لعلاج الشقيقة، وكانت أوّل حالة نجاح مؤكّدة في هذا المجال.
بكل تأكيد بعد تلك الحالة كانت لي عشرات الحالات التي بصدق كانت كلّها ناجحة وموفّقة؛ ومازلت حتى اليوم أقوم بحقن البوتوكس في حالات الشقيقة المزمنة والتي لم تستجب للعلاجات الدوائيّة الأخرى، وكانت "جورجيا" Georgia هي بطلة الحلقة القادمة والأخيرة في هذا السياق.... يومكم سعيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك