2025/10/14

 بالتفكير والإحتساب يمكنك كسر دائرة الخوف والإرتعاب(1)

كانت مريضتي بعيادة الأمس تعاني من مرض "الشقيقة" Migraine، وكانت من بين أولئك الذين يتعالجون بحقن "البوتوكس"، ويحصلون على نتائج بالفعل باهرة في هذا المجال.
البروتوكول العالمي لحقن مرضى الشقيقة يرجع إلى نتيجة بحثيّة في عام 2010م؛ حيث تمكّن الباحثون وقتها من رسم خريطة علاجيّة تتركّز على حقن 31 منطقة حول الرأس والرقبة من جانب الكتفين، وكانت نتائج عملهم البحثي رائعة(كما يقول ترامب !!)، ومن حينها تم إعتماد تلك الخريطة الحقنيّة عالميّاً، وأصبحت اليوم تتبع في أغلب مراكز علاج مرض الشقيقة في العالم.
المهم أنّني أنا كنت قد تحصّلت على أرفع وسام في بريطانيا لعلاج أوجاع الرأس، والشقيقة على وجه الخصوص في عام 2009م حينما كان "البوتوكس" وقتها لم يستخدم بعد في علاج هذه الآفة التي تصيب أعداداً هائلة من البشر في كل أنحاء العالم، وأغلبهم من الشابّات من النساء في عمر 15-40 سنة؛ ويرجّح بأنّها بسبب فوران هرمون "الإستروجين" في تلك الحقبة الزمنية من عمر المرأة.
في عام 2011م حضرت مؤتمراً عالميّاً في لندن كان مخصّصاً لإستخدام "البوتوكس" في علاج "الشقيقة" بناء على خلاصة النتائج البحثيّة المشار إليها أعلاه. حضر ذلك المؤتمر أفضل معالج لهذا المرض بالإعتراف العالمي؛ وهو أستاذ إستشاري في مرض الأعصاب من أستراليا، وكان كل من حضر يعتبر من أفضل الخامات الطبيّة في هذا المجال، وكان جلّهم من مستشاري مرض الأعصاب.
المهم أنّه في صباح ذلك اليوم؛ كان كل المتحدّثين من كبار الإستشاريين - وهم بالطبع يجلسون في المقدّمة، بينما كنت أنا من بين أولئك "دوب الحال" الذين يجلسون في الصفوف الخلفيّة.... تلك هي سنّة الحياة !! - كان كل المتحدّثين في الفترة الصباحيّة الأولى(09:30 - 11:00) يتكلّمون عن الطبيب الأخصائي، وعن الممارس العام، وعن الصيدلاني كأطراف مهمّة في علاج "الشقيقة"، وكان كل متحدّث يركّز على تنمية علاقات جيّدة، ومتعاونة، ومتكاملة بين تلك الأطراف الثلاثة للحصول على أفضل علاج لمرض الشقيقة.
عند تلك الأثناء، وفي تمام الساعة الحادية عشرة... أي قبيل فترة الإستراحة لتناول بعض المرطّبات؛ شعرت أنا بالفعل بالضيق والإكتئاب. رفعت يدي لطرح سؤال، وأعطيت لي الفرصة؛ فقلت لهم جميعاً، وكنت بالفعل غاضباً: منذ التاسعة والنصف وحتى الآن وأنا أستمع إلى كل متحدّث وهو يذكر الإخصائي المستشار، والممارس العام، والصيدلاني؛ لكنّني لم أسمع ولو لمرّة واحدة ذكر "المريض"؛ وهو العامل الأهم لكل هذه المعاملات. وهنا وأقولها بكل صدق... نظر إليّ كل المستشارين العالميين من الصفوف الأماميّة بتلك النظرة "المخيفة" وكأنّي بهم يقولون لي.. ومن أنت حتى تقول لنا مثل هذا الكلام !!. لم أحفل بنظراتهم، ولم تخيفني؛ فأنا أعرف عمّاذا أتحدّث هنا. قلت لهم... نحن كلّنا نلتقي هنا ونجتمع ونتناقش ونتحاور من أجل "المريض"... ذلك المصاب بمرض الشقيقة المقرف، ونحن هنا نجتمع فقط من أجل رفع المعاناة عن ذلك الذي يعاني ليلاً ونهاراً. كان الجميع ينصت لي بإهتمام، وكانوا بالفعل ينتظرون ماذا كنت سأقول بعدها. قلت... في كل كلامكم هذا الصباح، ولما يقارب ساعتين لم يذكر أي منكم "المريض" في حلقة العلاج التي وصفت لنا. نحن هنا نجتمع من أجل المريض، ولابد من أن يكون المريض هو "بؤرة التركيز" في مؤتمرنا. لابد من تركيز كل تفكيرنا على المريض كإنسان وليس على الشقيقة كمرض.
هناك وبالفعل خرجت من صدورهم، وخاصّة أولئك الذين يجلسون في الصفوف الأمامية - خرجت من صدورهم نبرة "آه... آه... آه"... وشعرت حينها بأن رسالتي كانت قد وصلت. وأقولها مرة أخرى هنا بأن كل متحدّث بعد تلك المداخلة "الغريبة" بالنسبة لهم... أخذ كل متحدّث منذ تلك اللحظة وحتى إنتهاء المؤتمر في الرابعة مساء يركّز على ذكر المريض كجوهر وأساس في كل العلاجات المعطاة.
كان تفكيري حين الشروع في كتابة هذا المقال بأن يكون مقالاً واحداً يتناول قصّة تلك المريضة معي بيوم الأمس؛ لكنّني وجدت نفسي هكذا إنساق وراء الكلمات والتعابير، فتهت في عالم الذكريات، ووجدت نفسي الآن ورحمة بكم مضطرّاً للتوقّف هنا على أن أترك جوهر الموضوع للحلقة القادمة، والتي سأحاول بأن أجعلها النهائيّة. يومكم سعيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك