2025/10/14

 بالتفكير والإحتساب يمكنك كسر دائرة الخوف والإرتعاب(3)

جورجيا هي إحدى مريضاتي الشابّات اللائي يعانين من مرض الشقيقة، وهي تتمتّع الآن بمرحلة مستقرّة بل رائعة كما تقول هي بالنسبة لمرضها الذي كانت تعاني منه منذ صغرها.
جورجيا عمرها الآن 29 سنة، وهي كانت قد تم تحويلها لي منذ أكثر من خمسة سنوات من قبل طبيبها بسبب معاناتها من نوبات الشقيقة المقلقة والمضرّة والمؤثّرة على عملها كسكرتيره في عيادة طبيب العائلة الذي تعتبر هي واحدة من المسجّلين في عيادته.
مثل غيرها مرّت جورجيا بمحاولات أوليّة مدروسة للسيطرة على مرض الشقيقة عندها، وبالنسبة لي يتم التعامل مع مرض الشقيقة من خلال طريقين يتكامل كل منهما مع الآخر:
  1. السيطرة على النوبة حينما تحدث من خلال بعض الأدوية التي تستخدم لتخفيف ألام الرأس وتوابعها من أمثال مجموعة "التريبتان" Triptns من أمثال سوماتريبتان، ريزاتريبتان، سولمي تريبتان، نارا تريبتان وبقيّة المجموعة التي تعطى من خلال حبوب، أو مستحضرات يتم إستنشاقها بالأنف أو حقن تحت الجلد حسب الحاجة وشدّة المرض. كذلك تستخدم مسكّنات الألم الأخرى من أمثال الباراسيتامول، والأيبوبروفين، الكودايين وبقيّة مسكّنات الألم التي نعرفها.
  2. تجنّب حدوث نوبات الشقيقة المؤلمة والمقلقة والمؤثّرة على مجريات الحياة اليوميّة؛ بما في ذلك المتطلّبات البيتية والإجتماعيّة والوظيفيّة والمهنيّة... والنفسيّة بكل تأكيد. الوقاية من حدوث نوبات الشقيقة هي بدورها مهمّة كبيرة، وقد تكون صعبة ومتحدّية حتى عند أفضل معالجي الشقيقة في العالم. في هذا المجال تأتي مضادّات الصرع والألم العصبي في المقدّمة، وهي بدورها في تزايد مستمر عبر الزمان، ويزيد عددها اليوم على 27 مضاداً؛ لعلّ أكثرها إستخداماً في مرض الشقيقة التوبيرامات Topiramate، والأميتريبتالين Amitriptyline، اللاموتريجين Lamotirigine، والبريجابالين Pregabalin... وغيرها كثير من عائلتها. النوع الآخر من العلاجات الوقائيّة يكمن في مجموعة مريحات الأوعية الدموية التي تستخدم في علاج ضغط الدم، ومن بينها بكل تأكيد الكاندي سارتان Candesartan، والبيتابلوكرس Beta Blockers من أمثال بروبرانولول Propranolol وتوابعه. حينما تفشل كل تلك المحاولات للسيطرة على مرض الشقيقة - وكثيراً ما تفشل - يتم الإنتقال إلى المرحلة الموالية وهي إستخدام حقن البوتوكس حول الرأس، ومن بعدها أحدث ما توصّل إليه العلم في هذا المجال وهو إستخدام مضادّات الببتيدات العصبيّة Calcitonin gene-related peptide (CGRP) من أمثال ريميجيبانت Remigepant والأتو جيبانت Atogepant... وأخيراً إستخدام المضادّات الحيويّة وحيدة النحيلة Monoclonal Peptide Antibodies من أمثالErenomab، وغيرها الكثير من سلالتها.
الحكاية هنا تطول وتتوسّع؛ لكنّني لابد لي من الرجوع إلى بداية الحكاية وإلّا فإنّني قد أنتهي إلى عشرات الحلقات بدون أن أحسّ بالتعب أو الملل !!.

المهم... أن جورجيا إنتقلت كغيرها من المريضات عبر الكثير من المحاولات الفاشلة للقضاء على ألام الشقيقة عندها... حتى عرضت عليها حقن البوتوكس... وكان أن فرحت بذلك عساه بأن ينقذها من معاناتها اليوميّة، والتي أثّرت سلباً على حياتها الإجتماعية والمهنيّة بما في ذلك علاقتها بزوجها الشاب.
بدأت جورجيا العلاج بالبوتوكس منذ حوالي أربعة سنوات، وهي اليوم بالفعل تتمتّع بسيطرة كاملة على مرض الشقيقة عندها، وهي بكل تأكيد تعتبر سعيدة وممنونة بكم الإهتمام بها وبمرضها من قبلي أنا كطبيب معالج.
منذ سنتين حدّثت جورجيا أمّها التي هي بدورها تعاني من نفس المرض، وربّما بأكثر حدة منها.
أمّها "كريستينا" كانت تحت عناية زميل لي إستشاري في أمراض المخ والأعصاب، وبتخصّص عالي في أوجاع الرأس والتي منها الشقيقة. كانت كريستينا تحت رعايته لم تستجب للعلاج الذي وصفه لها، ولم تكن سعيدة بمعاناتها فحدّثتها إبنتها جورجيا عنّي أنا، وكيف أنّني أعاملها بكل لطف وعناية فجذبتها لحديثها وطلبت منها أمّها بأن تسألني إن كان برغبتي تحويل علاج أمّها تحت عنايتي. وبالفعل وافقت أنا على ذلك، وتحوّل علاج الأم بالكامل تحت عنايتي مثل إبنتها، ومن خلال تعاملي الحسن مع مرضاي، قرّرت معالجة الإثنتين دوريّاً في نفس اليوم وفي نفس الوقت مع بعضهما حتى أخفّف عنهما مشقة السفر للمستشفى والبحث عن آماكن توقّف في داخل المستشفى، وبقيّة المعاناة التي يشتكي منها مرضانا حينما يأتون إلينا في المستشفى الجامعي للعلاج والمراجعة.
وجدت نفسي مرة أخرى مضطرّاً لترك بقية الحديث للحلقة القادمة، وهي سوف تكون الأخيرة... وهذا وعداً منّي!!. يومكم سعيد ومفرح وممتع ومليئاً بالمفاجآت السارّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك