2022/02/07

الصيرفة الإسلاميّة والمتاهات المصرفيّة (الحلقة الثانية)

معظم الإقتصاديّون المرموقين في العالم يعتقدون بأن الصيرفة هي إيطالية المنشأ وإيطالية المولد، كما أن كلمة "بنك" هي مأخوذة من كلمة Banco الإيطالية والتي تعني طاولة أو مقعدً كان الصيارفة الإيطاليّون يعرضون عليها عملاتهم المختلفة، وعليها يجرون عمليات البيع والتبادل والمضاربات الماليّة.
أنا ذكرت في الحلقة السابقة بأن أوّل مصرف في العالم كان في سيينا في إيطاليا تحت إسم "بنك مونتي دي باتشي دي سيينا" وكان ذلك في عام 1472م. كان ذلك المصرف صغيراً جداً ومعاملاته تقتصر على حفظ أموال من يملكون المال والقيام بحمايتها لهم نظير مقابل بسيط يدفعه صاحب المال"المدّخر" حتى الحاجة إلى ماله.
بعد ذلك تطوّر الأمر بعض الشئ، ففي عام 1587 تم إفتتاح مصرفاً بمهام أوسع في مدينة البندقيّة بإسم "بانكو ديليا بيازا دي ريالتا" وكان هذا المصرف بالإضافة إلى مهمة الإيداع بثمن؛ قام بتطوير خدماته إلى إقراض الفقراء والمحتاجين نظير فائدة رمزية صغيرة يدفعها المقترض للمصرف طيلة مدة الإقتراض. وحيث أن هذا المصرف طوّر خدماته بحيث أنّه يقوم بإقراض بعض من مال المودعين للفقراء والمساكين؛ فقد قرر المصرف إعفاء المودعين من دفع أجور للمصرف تمكّنه من توفير حماية لتلك الأموال المودعة بداخله. المصرف إستفاد من إضافة مهمة الإقراض لخدماته بأن فرض أجرة على المقترضين سمّيت بفائدة، وكانت تلك العوائد من الفائدة كافية لتغطّي مصاريف المصرف من حماية وإدارة وخدمات يوميّة تتطلبها المهمات المصرفية المحدودة حينها.


بعد ذلك توسّعت الأعمال المصرفية بإفتتاح مصرف جديد في هولندا عام 1609 بإسم "بنك أمستردام" الذي أضاف إلى مهمة الإيداع والإقراض إجراء التحويلات المالية من حساب لآخر، وكذلك التداول بعملات مختلفة. ومن أجل تشجيع أصحاب رؤوس الأموال على الإدّخار؛ قام مصرف أمستردام بإعطاء فوائد للمودعين على كمية الأموال التي يقوموا بإيداعها بشرط تركها في المصرف لمدة زمنيّة متعارف عليها حتى يتسنّى للمصرف القيام بالمزيد من عمليات الإقراض وجني بعض الأرباح من فوائد الإقراض لتغطية مصروفات المصرف وتحقيق بعض الأرباح البسيطة التي حوّلت المصرف إلى كيان تجاري يبيع ويشتري مثله في ذلك مثل الدكاكين التجارية المعروفة.
تقوم مصارف اليوم بالعديد من الخدمات المتنوّعة والتي يمكن أيجازها في الآتي:
  1. خدمات المصارف المُختلفة.
  2. خدمات التأمين.
  3. خدمات التمويل.
  4. خدمات إدارة النُقود.
  5. خدمات الرواتب.
  6. خدمات الحماية من الاحتيال.
وكل واحدة من تلك الأقسام تقوم بمهام عديدة في مجال تخصّصها حتى ننتهي بذلك الكم الهائل من الخدمات المصرفيّة التي تشمل كل نواحي الحياة. وبكل تأكيد فإن كل تلك المهام تحتاج إلى مصاريف تمكّنها من القيام بأعمالها، وتلك المصاريف هي ما تعمل كل المصارف الناجحة على توفيرها من خلال مقابل صغير عن كل خدمة تقوم بها لأن من يقوم بتلك الخدمات موظّفون يعولون أسراً تحتاج إلى متطلبات معيشية تساعدهم على البقاء والإستمرار.



كانت المصارف في البداية تخضع لسيطرة وحماية الحاكم بأمره، لكنّها مع تطور أنظمة الحكم وبداية عصر الديموقراطية تمكّنت من التحرر من سيطرة الحاكم أو الطاغية أن شيخ الدين(الكنيسة)؛ وبالفعل أخذت مع الزمن تطوّر من كينونتها حتى أصبحت كيانات مستقلّة لا تتبع الحكومات ولا تحتكرها الشركات الغنيّة.

إن تحرّر المصارف من سيطرة الدولة هو ما دفع بالدولة إلى سن قوانين صارمة تنظّم عمل المصارف، وتركّز قوانين الدولة في البلاد الديموقراطية على الشفافية والمحاسبة والإنضباط والخضوع لقوانين الدولة من حيث مقدار الفائدة، وطريقة التسليف، وأسعار العملات، ونظير كل الخدمات المصرقية بحيث تحافظ كل دولة على مصالح مواطنيها بدون سيطرة رجال الأعمال على خدمات المصارف.
في الحلقة القادمة سوف أتحدّث عن شبيه النظام المصرفي في العالم الإسلامي منذ أيام ما قبل الوحي وحتى يومنا هذا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك