2022/02/07

الصيرفة الإسلاميّة والمتاهات المصرفيّة (الحلقة الأولى)


السيّد المحترم والإقتصادي النبه سليمان الشحومي؛ مؤسّس سوق المال الليبي ، والأستاذ الجامعي قالها وبكل صراحة ووضوح بأنّه ((لابدّ من إعادة التعامل بالفائدة في كل المصارف الليبيّة كي تنتعش من جديد، وتقدر على تقديم خدمات معتبرة للمواطنين، والأهم "كي تقدر على المنافسة العالميّة" في مجالاتها)).
الغريب والمريب بالفعل هو تدخّل رجال الدين في أشياء لا يفقهونها ولا حتى يفهمونها. فقد تم إنشاء ما يسمّى ب"الهيئة المركزية للرقابة الشرعية"، والتي رئيسها وأغلب أعضائها هم من الإخوان المسلمين؛ ومن بينهم بكل تأكيد حمزة أبوفارس وفتحي عقوب وسالم الشيخي وأسامة الصلابي. وبكل تأكيد فإنّ كل القرارات التي سوف تصدر عن تلك الهيئة ستخدم فكر الجماعة وتوجّهاتها وخاصّة حينما يتعلّق الأمر بأكبر مؤسّسة ماليّة في ليبيا.
يقال بان " فتحي عقوب " يشغل حاليّاً 5 مناصب حسّاسة من بينها الإستشارة في مصرف ليبيا المركزي وبمرتّب يصل الى 10,000 دينار ليبي؛ وهو الرجل الثاني في حزب العدالة والبناء ، ويشغل الان بالمصرف أمين سر مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي ومستشار 
المحافظ السيّد الصديق الكبير.

السيّد حمزة أبوفارس هو مدرّس لغة عربيّة في الأساس، وكان أن إلتحق بمعاهد دينية وتحصّل على دورات في الدين من قبل شيوخ الدين وتحصّل على الدكتوراة من جامع الزيتونة في تونس... ماذا يفهم هذا الرجل بربكم في المصارف وفي المعاملات المصرفيّة؟.
الغريب في الأمر أنّهم لا يستطيعون الخروج عن معارف إبن تيمية والباز والألباني ومحمد عبد الوهّاب ومن كان في سلّتهم. هؤلاء البشر لا يفقهون في العلم ولا يعرفون شيئاً عن الإقتصاد. فتعاليمهم وثقافتهم ترجع إلى تلك الأزمنة الغابرة وهم لا يقدرون الخروج عنها أو حتى إنتقادها؛ وحينها بكل تأكيد لم تكن هناك أية مصارف أو تعاملات مصرفيّة، ولم تكن هناك نقوداً ذات معنى أكثر من بعض المصكوكات المعدنيّة كان أغلب الناس في تلك الآونة لا يمتلكونها ولا يعرفون عنها أيّ شئ. كانت كل المعاملات التجارية في تلك الآونة تتم بالمقايضة والمبادلات السلعية من حبوب وحيوانات وأراض وما كان في إطارها.
كان أول بنك في العالم هو ذلك الذي تم تأسيسه داخل مدينة سيينا في إيطاليا؛ وكان بإسم بنك مونتي دي باتشي دي سيينا Monte di Baci di Siena MBS، وكان ذلك في عام 1472م بهدف توفير قروضاً للفقراء مقابل فوائد رخيصة. تلك الفكرة ساعدت المئات من الفقراء على إمتلاك مساكن لهم ولأسرهم حمتهم من البرد، وكذلك حمتهم من السرقة والإغتصاب.
ففي تلك الأثناء كان الصرّافون قد إحتفظوا بأموال التجّار ورجال الأعمال والمؤثرين كودائع لمنعها من السرقة أو الضياع مقابل إيصال، وقام الصرافون بعد ذلك بنقل الودائع من حساب الودائع إلى آخر، مما أحدث الكثير من الإرتباك وضياع الأموال ففكّر الناس حينها في وسيلة تحافظ على أموال الأغنياء وتجّار الذهب وتمكين أصحابها من سحب ما يحتاجون إليه مقابل بعض العمولات البسيطة، وكان أوّل بنك بالمفهوم المصرفي الحديث قد نشأ في مدينة البندقيّة بإيطاليا بإسم "“بانكو ديليا بيازا دي ريالتا” في عام 1587.
فرح الناس حينها بوجود ذلك البنك، وسعى الكثير من الأغنياء للحفاظ على أموالهم في داخل البنك مقابل أجرة صغيرة يدفعها المستثمر لصاحب البنك. بعد ذلك كثرت مخزونات البنك من أموال الأغنياء بسبب إقدامهم على الإحتفاظ بالزائد من عوائدهم بداخل البنك، فقرّر البنك تقديم سلفاً مصرفيّة لمن يحتاج إليها مقابل أجرة صغيرة يدفعها المستلف حتى إعادة السلفة؛ وتلك الأجرة الصغيرة التي أقرّها البنك رفعت أجرة الإيداع عن كاهل المودعين مما شجّعهم على إيداع المزيد... بذلك نشأت الفائدة التي نعرفها اليوم. تلك الأجرة الصغيرة التي كان يفرضها البنك لتقديم قروضاً للمحتاجين مكّنت البنك من القيام بأعماله المصرفية من ناحية، وتوفير الحماية الأمنيّة للمال المخزون من ناحية أخرى... وبذلك تمكّن البنك الأوّل في العالم من البقاء والإستمرار، وبدأت الأموال تتدفّق على البنك من التجّار والمزارعين وأصحاب الحرف اليديوية والتي منها السباكة.
من بعد ذلك بدأ التفكير المصرفي ينتشر بين الناس خاصّة بعد ذلك النجاح الكبير الذي حققه "بانكو ديليا بيازا دي ريالتا"؛ ففي عام 1609م تم إنشاء بنك أمستردام في هولندا بهدف الاحتفاظ بالودائع تحت الطلب وإجراء التحويلات من حساب إيداع إلى آخر والتداول بعملات مختلفة مع التطور الاقتصادي في تلك الأثناء.
بعد ذلك بدأ تجّار الذهب وأصحاب الأموال المستثمرة يحسّون بالأمان على أموالهم، ومن ثمّ شرعوا في التفكير في عملية الاستثمار الجزئي مقابل فوائد نقدية تقديرية تعطيها لهم المصارف، وبدأت الخدمات المصرفية تتطور تدريجياً إبتداء من القرن الثامن عشر الميلادي وحتى يومنا هذا.... ملتقاكم في الحلقة القادمة من هذه السلسلة بإذن الله.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك