2021/03/22

السحر وتأثيره على العقل (الحلقة الخامسة عشر)

 كلّما غاص الإنسان عميقاً في عوالم الخلق، وكلّما تجّول بناظريه حوله فسوف يرى عوالم أخرى تثير فضوله وتجلعله يتساءل. وكلّما فكّر أي منّا بأن يتساءل، كلّما وجد نفسه ملزماً بالبحث عن إجابة، وكلّما عثر على إجابة، تنقله تلك الإجابة إلى عوالم أخرى.. وبهكذا يجد نفسه يسبح في أعماق المجاهيل باحثاً عن غرائب وعجائب يثيره كثيراً مجرّد التعرف عليها... أو حين عثوره عليها والمسك بها بين يديه.

كنت أعتقد بأن هذا العدد من الحلقات المتسلسلة كان ربّما يكفي للحديث عن السحر وملحقاته؛ لكنّني وجدت بأنّني مازلت ربّما أجدّف في أعماق المحيط، ولم أتمكّن من رؤية أية ملامح أو علامات تشعرني بقرب إقترابي من الشاطئ.
المهم أن الغوص في أعماق المحيط أنا أراه ممتعاً ومثيراً لظاهرة "الفضول" التي أعاني منها، وأعتقد بأن الكثيرين منكم هم أيضاً من بين ضحاياها !!. فكلّما غصت عميقاً، وكلّما تجّولت بناظريك فسوف ترى عوالم أخرى تثير فضولك وتجلعلك تتساءل. وكلّما أنّك أنت بدأت تتساءل، كلّما وجدت نفسك ملزماً بالبحث عن إجابة، وكلّما عثرت على إجابة تنقلك إلى عوالم أخرى.. وبهكذا تجد نفسك تسبح في أعماق المجاهيل باحثاً عن غرائب وعجائب يثيرك كثيراً مجرّد التعرف عليها أو على الأقل إيجادها.
وحتى لا أسبح بعيداً في ذلك العالم - وهي علّة قبيحة أخرى أعاني منها - دعوني أستدرك حيث أنا وأعود إلى إدراكي المعهود... بمعنى أعود إلى الأرض التي كنت أجلس على رحابها الصغير، ودعوني أركّز قليلاً... ماذا يوجد بجعبتي لهذا اليوم؟.
مؤثّرات(محفّزات) السحر
هناك الكثير من المحفّزات أو "المحرّكات" لماكينات السحر حولنا؛ بعضها في دواخلنا، وبعضها الآخر في الرحاب المحيطة بنا. هناك دوافع للسحر، أو محفّزات له أو قد نسمّيها "مصانع" أو ربّما "مولّدات" بعضها في داخلنا وبعضها الآخر يحيط بنا، وقد يخلط بعضنا بين الإثنتين.

المحفّزات الداخلية
  1. مكوّنات الشخصية.
  2. التعليم.
  3. الثقافة.
  4. الإعتقاد.
  5. الحالة النفسية.
  6. الحالة الإجتماعية.
  7. الحالة المعيشية.
  8. الحالة الصحية: أمراض نفسية أو عضوية.
المحفّزات الخارجية
  1. الأفراد: الأقارب ، الأصدقاء، الزملاء، والرموز.
  2. الأسرة: الصغيرة منها، والكبيرة.
  3. المجتمع: الناس المحيطون، أبناء الزنقة أو الشارع، الجامع، المدرسة، الجامعة، أو الملتقيات الإجتماعية من مقاه ومطاعم ومسارح وصالات سينما.
  4. الثقافة السائدة: المعاصر والقديم منها. الثقافة المدوّرة Recyclable، أو الثقافة المتجددة (المطوّرة) Re-newable.
  5. الديانة: الإعتقاد الداخلي(اليقين)، والإعتقاد الخارجي(التديّن).
  6. الدولة: المتزمّته(القهرية)، الكلاسيكية(الجامدة)، أو العصريّة(المتطوّرة).
  7. المحيط: عالمك القريب، وعوالمك البعيدة.
  8. الجغرافيا: مكان إقامتك(بدو أو حضر)، المكان الجغرافي(دولتك)، القارّة.
  9. مستوى التحضّر: قبلي، مديني، متفتح، منغلق، سلفي، تقدّمي.
  10. مستوى التفاعل مع الآخرين: منغلق، إنفتاحي، إحتوائي، شمولي.
وحيث أن كل فقرة في تلك القائمة هي عالم بنفسها، ويمكن الولوج فيها بذلك العمق أو بتلك الأعماق؛ فإنّني والحالة هذه لا يمكنني الإبحار في كل إتجاه ولا التجديف في كل وادٍ. أرى بأنّه يتحتّم عليّ تركيز مادة الحديث في حلقة اليوم على فقرة منها وهي "البيئة المحيطة". فتلك من وجهة نظري هي "المغذّي" المتصل بنا مباشرة، ومن معينه نحن نتلقّى ما نرسله إلى عقولنا، وما ننتج من محتواه بطرق تفكيرنا ومنهاج تصرّفاتنا.
بالنسبة للعوامل الداخلية، أنا تحدّثت عنها بإيجاز في الحلقات السابقة، أما العالم المحيط بنا ومقدار تأثيره في طرق تفكيرنا وإعتقاداتنا، ومن ثم تفاعلاتنا وتصرّفاتنا وتفاعلاتنا مع بعض فأعتبره هو موضوع النقاش لحلقة اليوم، وحلقة الغد بإذن الله. اليوم سوف أتحدّث عن العالم المحيط، وغداً عن الساحر والشيخ.
للحديث عن البيئة المؤثّرة أنا ربما فقط سأعطيكم أمثلة من تجاربي أنا الشخصيّة عندما كنت صغيراً. ربما هي ليست بذلك القدر "المخيف" أو "المؤثّر نفسيّاً، لكنّها حسبها أنّها أمثلة من الحياة وأنّها حقيقية.
هنا أنا أطرح عليكم بعض من تجاربي أنا شخصيّاً في هذا الإطار، وقد تجدون فيها بعض الرسائل التي سوف لن أذكرها. أترككم لتستخلصوا منها ما وددت أنا أن أنقله إليكم، وما فعلت ذلك إلّا لغاية في نفسي !!.
1- عندما كنت صغيراً.. في عمر - ربّما - 4 سنوات، كنّا كأسرة، أو كأسر نخرج في فصل الحصاد (الربيع - بداية الصيف) إلى الجفارة، وهناك نقيم في خيام كبيوت إقامة فصليّة أو مؤقّته. ربما يمكنكم تسميته ب"النجع" لكنّني لم أره كذلك. فكان ليس أكثر من بعض الخيم المتوزّعة هنا أو هناك، وكان الترابط بين ساكنيها ليس بذلك القوي حتى نطلق عليها "نجعاً". المهم، أنني وفي ذلك العمر كنت أستمع إلى المراهقين والشباب وهم يتحدّثون عن الغولة، والأشباح، وبقية الأهوال المخيفة. كنت ربّما لا أقدر أن أرى الصورة المخيفة كما كانوا يرونها هم أو من كان يعولنا من الكبار.؛ لكنّني أتذكّر الآن تلك الواقعة وكأنّها حدثت بالأمس.
أتذكّر قصّة تلك "الأرنب" بكل حذافيرها الآن. في ليلة ربيعية مقمرة، خرج مجموعة من الشباب (16 -22 سنة) للبراري بهدف التفسّح وبكل تأكيد التحدّث في أمور غير مباحة للأطفال !!. خرج جمعهم الصغير متمشيّاً بكل إنشراح وإرتياح وسعادة وتبصّر. كانوا يتحادثون بكل تأكيد عن "الصبايا" والمدرسة والشغل والملابس وما إليها. لم تكن حينها تتواجد كاميرات ولا هواتف نقّالة ولا فيسبوك ولا سفريات ولا نجوم سينما بذلك الزخم الذي من الممكن أن يصبح من بين مشاغلهم. المهم، وهم يتمشّون في تلك البراري الهادئة ظهرت أمامهم أرنب... نعم، أرنب بكل تفاصيلها وبكل ألوانها وبكل نطّاتها وحركاتها. شدّ ظهروها أمامهم وفجأة الكثير من إهتماماتهم، فقرروا تتبّعها بهدف إصطيادها !. ساروا ورائها وهي تسير مبتعدة عنهم ولكن بكل هدوء وبكل ثقة بنفسها حتى أنّها لم ترتعب منهم. سارت بهم بين الأشجار الصغيرة والشجيرات(شديدة، قندول، شعال، وذّينة، رتم)، وشعر بعضهم بأنهم بدأوا يبتعدون عن بيوتهم خلفها. خاف البعض وبدأ يشك في أمرها فقرروا "التولّي"، بينما إختار إثنين منهم - وكانا الأكبر سنّاً والأكثر نضوجاً - الصمود... الإستمرار... التتبّع... إشباع الفضول !!. لحقا بالأرنب بهدوء وبدون إحداث أية إزعاجات لها. الأرنب هي بدورها شعرت بملاحقتهما لها، لكنا لم تظهر بأنها كانت خائفة أو مرتعبة. أخذت تمخر عميقاً بين الروابي، وشرعا هما يلحقان بها، وطالت بهما الملاحقة التي بدأت متشوّقة وإذا بها الآن تصبح متحدّية أو ربما مرعبة بعض الشئ. عبرت الأرنب أمامهما بين الخنادق المهجورة والحفر القديمة، ودخلت بهما إلى تشعّبات ووديان متباعدة فإرتعبا منها وبدأ الخوف يحوم حولهما. ظنّا حينها بأنّهما إنّما كانا يلحقان "غولة" وليست أرنباً. إرتعبا بشكل كبير، وبدأت تتناهى إلى أسماعهما أصواتاً خافته ما لبثت أن تعاظمت فأصبحت بمثابة "الضجيج". إزداد إرتعابهما بشكل مخيف، فقررا الهروب... الإنسحاب من ميدان المعركة... العودة "المهزومة" إلى "الثكنات". حكيا أمامنا قصتهما في اليوم التالي، وزرعا في تفكيرنا ثقافة "الغولة" بذلك الشكل المؤثّر ... والتلبّسي.
2- كنت أنا في الخامسة من عمري. وضعوني - مثل غيري في ذلك الزمان - في "زاوية" لتعليم القرآن في جامع عتيق كان لم يكن بعيداً عن سكنانا. أتذكّر أنّه وفي كل رابع جمعة من كل شهر تأتينا مجموعة من "الغجر" أو "المرابطية" أو "البهاليل" أو "الصيعان" كما كنّا نسمّيهم... يأتوا إلى الجامع في ملابس بدويّة يغلب عليها ربما السورية الطويلة "المهروعة" والواسعة الأكمام. لم تكن تلك الرساميل جديدة ولا نظيفة، بل ملابس كانوا يرتدونها لتستر عوراتهم مع أنّهم لم يكونوا يرتدوا سراويل.. لاتحدثونني عن "الملابس الداخلية" فتلك لم تكن ثقافة ذلك الزمان!!. المهم أنم كانوا يأتون على حمير - أكرمكم الله - وبعضهم على خيول، والكثير منهم ماشياً على الأرجل. كانوا يدخلون الجامع ليصلّوا الجمعة معنا، وبعد الصلاة مباشرة يصطفّوا خارج الجامع ويشرعوا في أداء أهازيج دينية وإبتهالات من بينها "يا صلاّح"، ويا "شيوخ"، ويا "أولياء الله"، و "يا سيادي". كانوا يدعون المصلين للإنضمام إليهم، فيتفاعل الناس معهم بشكل عفوي. يتقدّمون المسيرة الكبرى ناحية المقبرة التي كانت لا تبعد كثيراً عن الجامع. تمشي المسيرة "الصوتية" والمزعجة أحياناً رويداً رويداً نحو المقبرة القديمة(تاريخية). وترتفع الأصوات وتختلج الأهازيج عميقاً في الصدور كلما إقترب الجمع الحاشد من المقبرة. يصلوا إلى أسوار المقبرة فيطلبوا منا - يأمروننا - نحن الأطفال بالبقاء خارج المقبرة وعدم الدخول إليها. نبقى نحن في الخارج نترقّب وبكل شعف... بكل شغف.
يخرجوا هم من المقبرة وكلّهم "مشحونين" بالعواطف الجيّاشة وكأني بهم كانوا يبكون. يشرعون في أداء المواويل والأهازيج الدينية من جديد، وتتعاظم بذلك المشاعر العميقة في دواخلهم فيسمحوا لها بالخروج قوية ومعبّرة ومحفّزة بشكل يفوق التصوّر. يتحوّل الجميع بسرعة إلى كيانات متشنّجة بأحاسيس دينية قوية ومتحمّسة بشكل يوحي إليك بأنّهم ربما كانوا يسعون لفرض أمر ما في ذلك المكان. تبدأ الذبائح، وتكثر رائحة الشواء، وتتم مناولة القطع الكبيرة من اللحم بعظامها. يأكل الموجودون اللحم ويتركوا العظام وهم في أوج "هياجاناتهم" أو فرحهم و مشاعرهم تلك التي لم أكن حينا أعرف مغازيها ولا دوافعها ولا مآلاتها أو أغراضها وأهدافها. في تلك الأجواء المشحونة بعبق "التديّن"، يرتفع صوت الضرب على الدفوف "الحضاري" وترتفع مع ذلك أصوات الحناجر، ويبدأ التراكض والترنّح. تزيد الإحتقانات، ويبدأ البعض في ذلك الخضم بقذف "العظام" على الآخرين، والآخرين يفلعون نفس الشئ، وتبدأ المطاردات ويحدث الشجار ويهرب الكل من ميدان :المعركة" باحثاً عن الآمان، وينتهي اليوم بتلك الطقوس المؤلمة والتي كثيراً ما تكون دامية.
3- كنت في السادسة من عمري.. كنت بطبعي عنيداً "عنايدي"، ولم أكن من بين أولئك الذين يخضعون بسهولة، أو ربما يصدّقون ما يسمعون. كان ذلك يعرّضني للكثير من إنتقاد ممّن هم حولي، لكنني لم أكن أكترث. كان ذلك يعطيني ربما قوّة إضافية، والكثير من الإحساس الداخلي بالقوة ربما أو ربّما ب"الإعتداد بالنفس". كنت أعشق "التحدّي"، وكنت لا أرضى بما يقوله الغير لي بدون أن أنظر فيه بنفسي.
المهم؛ أنّه ومن خلال ذلك، قرر أخي الأكبر في يوم من أيّام الشتاء في تلك السنة أن يتحدّى "شجاعتي" أو "العنايدية متاعي" أو "ثقتي بنفسي". كان الناس يتحدّثون عن "الغولة" و"الأشباح" وتلك الأشياء التي تخرج لك في منتصف الطريق لتمسك بك... وكانت "التخيّلات" هي الثقافة المتداولة حينها. أنا كنت لا أؤمن بئ إسمه "الغولة" ولا أعترف ب"الشبح". تحدّوني (الأسرة) في تلك الأمسية المظلمة والمعتمة والممطرة بأن طلبوا منّي الإتيان بغصن من الشجرة التي كانت تبتعد عن البيت بمسافة حوالي 500 متر، وكانت تلك الشجرة تقع في مزرعة منزوية خالية ومخيفة، كان مالكيها لا يقيمون فيها، ولم تكن بها أية بيوت أو بشر أكثر من تلك الحيوانات التي تخرج في ظلمات الليل مثل الذئاب والكلاب المنفلتة وربما بعض الثعالب. يقولون عنها بأنّها موطن "الغولة" ومكمن الأشباح. كان يفصلنا عنها طريقاً رملية تؤدّي إلى البحر، وبكل تأكيد لم يستخدم تلك الطريق أي عابر سبيل في ذلك الوقت من الليل، والكثير يتجنبونها لوجود "الأشباح" فيها!!.
المهم... كان التحدّي 5 قروش لو أنني تمكّنت من إحضار غصن من تلك الشجرة. الخمسة قروش كانت ورقة حمراء اللون لمن يعرف العملة الورقية في عهد الملك، وكانت تشتري لك نصف خبزة(ساندويتش) بالتن، ومشروب سينالكوكولا أو ميراندا أو بيبسي كولا. كما أنّها تشتري لك قلماً وكرّاسة وربما معها مسطرة. الخمسة قروش كانت بالفعل عرضاً مغرياً ليس من السهل التغاضي عنه أو التضحية به.
أنا بالنسبة لي كانت الخمسة قروش مغرية، لكنني بصدق كنت أنظر إليها أكثر من كون أنّها كانت "تحّدياً" وعليّ قبوله. قبلت التحدّي وخرجت لوحدي في ذلك الظلام قاصداً تلك الشجرة التي كانت وحيدة في مكانها. كان عليّ تجاوز الطريق الرمليّة، وأقولها بصدق... كنت "خائفاً" وكنت أنظر حولي من كل مكان؛ لكن "الإصرار" والقبول ب"التحدّي" وتلك "الإرادة" القوية بداخلي.. كل تلك الأشياء كانت هي دافعي الحقيقي لقبول التحدّي. وبالفعل، خرجت ووصلت إلى الشجرة، وقطعت منها غصناً، وعدت به إلى البيت، وتحصّلت على الجائزة !!.
5- القصّة الأخيرة... فشّوكة ومرشان:
كنت في التاسعة من عمري، وشاء القدر أنّه كانت تسكن بجنبنا إمرأة سمراء من الجنوب: كانت في بدايات الأربعينات من عمرها، وكانت "عانس". تلك السيّدة كانت بالفعل مثالاً للمراة المعتدة بنفسها والتي بالفعل تمتلك من القدرات الجسدية والنفسية ما يجعلها مثالاً يحتذى - ليس للنساء فقط - وإنما بصراحة للرجال كذلك. فشّوكة كانت تدخّن(تسبّس) مثل الرجال، وكانت لها لحية خفيفة وشنيبات مما يخيف الرجال منها.
بسبب قوّتها الشخصية وغرابة تصرّفاتها أحياناً، كنّا وقتها نسمّيها "فشّوكة". أتذكّر بأن "فشّوكة" خرجت علينا في ذات صباح وهي غاضبة، وكانت تتحدّث عن أشياء كانت تدخل عليها من النافذة في ظلمات الليل وتتحدّث إليها. كانت تتحدّث عن كتاكيت تسمعها أثناء نومها في الليل. كانت تقول لنا بأنّها رغم كل تلك "الأشباح" فهي سوف لن تسمح لأحد بأن يحد من حرّيتها، ولا من قدراتها، ولا من ثقتها بنفسها.
"فشّوكة" تذهب لسوق "بوسليم" المفتوح(بين الأشجار) في الهواء الطلق لتبيع الجاوي والفاصوخ والعرضاوي، والكثير من العطور الطبيعية؛ وكان لها الكثير من الزبائن. كانت تتحصّل على ما يسد حاجتها من المال نظير ذلك. كان يتواجد كذلك في سوق بوسليم حينها رجل مسن يبيع "الأحصان" و"حجر البركة"، والكثير من الأشياء التي تجلب لك الحظ وتبعد الجن والشيطان والأشباح. تلك الأشياء لم تكن من المسموح ببيعها من قبل الحكومة وقتها، ولكن لم يكن هناك ذلك التشدد الكبير في منعها. المهم أنّ ذلك الشيباني كان يفرش طرحة كبيرة على الأرض ويضع بها كل تلك الأشياء، وكان له بعض الزبائن كذلك. أعتقد أنّه في يوم واحد من الإسبوع (أظنّه الإربعاء) حيث يأتي بوليس البلديّة لوحده بزيّه المميّز، ويحوم حول السوق فيقذف كل ما يجده غير مسموح ببيعه. كان الرجل شديداً لأبعد الحدود، وكان لا يستمع لأي كان ومهما كان. كان مخلصاً في عمله، وكان بالفعل إنساناً وطنيّاً بإمتياز . من شدتّه وصرامته وتخوّف الناس منه كانوا يطلقون عليه "مرشان"، وهم على حسب علمي كانوا يعنون "مارشال" !!. وكان بالفعل هو "مارشالاً" بكل معاني الكلمة.
وختاماً لهذا اليوم، وكعادتي أجدني وقد أطلت عليكم. أعدكم بأنّني لن أزيد في هذا اليوم، وغد هو بكل تأكيد يوم آخر !!. أمسيتكم سعيدة وواعدة ومفيدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك