2020/06/13

الإنتصارات التركية سوف تقسّم الدولة الليبيّة

 العاقل هو من يرى الأشياء بعقله وليس بعواطفه. هناك أمور تحدث على واقع الحياة علينا أن نراها كذلك وأن نتعامل معها كذلك. فكلّما تعاملنا مع الواقع كلّما كان تفاعلنا معه عمليّاً وآثاره علينا أقلً تفاجؤاً. (كتب المقال على الفيسبوك بتاريخ 4 يونيو 2020).
No photo description available.
يبدو أن تركيا قرّرت حسم المعركة في ليبيا لصالحها، وأصبح الآن من شبه المؤكّد أن الجيش الوطني الليبي لم يعد قادراً على مقاومة دولة كبرى وعضو في حلف الناتو وهي تركيا.
من ناحيتي، أنا لا أرى ولا أعتبر الهزيمة أمام جيش كبير ويفوقك عدة وعتاداً تعتبر منقصة، وإنّما تلك هي سنّة الحياة. فالتاريخ يخبرنا بجيوش إنهزمت وجيوش إنتصرت على حسابها ومن ثمّ كان العالم قد تشكّل حسب الخريطة التي نراها الآن. العالم سوف يستمر في الصراع وإعادة التشكّل إلى يوم قيام الساعة، وتلك هي سنّة الحياة. فالحياة هي حركيّة(ديناميكيّة) ولا يمكن إيقاف تشكّلها أو تغييراتها أو إعادة التموضع فيها.
أنا أعرف بأن هناك الكثير من الليبيين والليبيّات بمختلف تشعّبات حياتهم وبإختلاف مستوياتهم التعليمية هم من يهلّل اليوم للإنتصارات التركيّة ويبتهج بها ربّما على الأكثر "نكاية" في الجيش الوطني وليس بالضرورة تشمّتاً في قائده مع أن الظاهر يقول ذلك. إن المهلّل لإنتصارات تأتيه من خارج حدوده هو ربّما من لا يقدر على تصوّر الوضع بعد هذاالنفوذ التركي في بلادنا والذي سوف يتغلغل في كل ركن وفي كل زاوية من أطراف بلادنا الحبيبة. نحن نعرف بأن تركيا تحكم الآن بسلطة تنظيم الإخوان المسلمون، والذين يؤيدونهم في ليبيا هم أتباع الإخوان أو من المتعاطفين معهم أو أولئك الذين لا يهمّهم غير ملء بطونهم وملء جيوبهم ولا يهمّهم من أين يتحصّلون على ذلك.
في هذا الخضم أريد أن أنظر قليلاً إلى الأمام وأن أكون مجتهداً بقدر ما إستطعت. في مناطق ليبيا الغربيّة الناس لا يحفلون كثيراً بمن يحكمهم أو بمن يتحكّم فيهم؛ فحينما كان "القائد العظيم" يصول ويجول كان أغلب مناصريه ومؤيّديه هم من المناطق الغربيّة. حينما قامت الثورة على الطاغية القذّافي كان سكّان المناطق الشرقية هم من أشعل نار الثورة وهم من نجح في تحقيقها على أرضية الواقع، وربما يعرف الكثيرون منكم بأن طرابلس كانت من بين آخر المناطق التي خرجت على نظام الطاغية القذّافي، وكانت مصراته هي ربما آخر من تحرر من ربقته.
تلك المعادلة يجب أخذها في الإعتبار حينما نفكّر فيما بعد إنتصار الأتراك وفرض هيمنتهم على ليبيا من خلال "تنظيم الإخوان المسلمون" ومن يقف خلفهم من تجّار الدين الذين سوف يرون في "أردوغان" الخليفة المنتظر، والذي سوف يكون عندهم بمثابة "ولي الأمر" ومن ثمّ تصبح طاعته "واجبة" على كل مسلم في ليبيا.
سكّان المناطق الشرقيّة معروفين بحبّهم للحريّة وعدائهم للطغيان وفرض الجبروت. سكّان المناطق الشرقية أيضاً كانوا قد تنعّموا بالحرية والإنعتاق بعد تحرير الجيش الوطني لهم ولمناطقهم؛ ومن ثمّ فهم سوف لن يرضوا بالعودة إلى الإستكانة من جديد.... سوف لن يرضوا إطلاقاً بسيطرة الأتراك عليهم وفرض حكم الإخوان على مناطقهم.
سكّان المناطق الشرقية سوف يقيناً يكونوا من "المعترضين" وبكل قوّة على تسلّط الأتراك عليهم ومن هنا فسوف يتشكّل مستقبل ليبيا. بوسعك أن تحقق إنتصاراً عسكريّاً في ميدان المعركة بما توفّر لك من عدة وعتاد، لكنّك حينما تحاول تحويل النصر العسكري إلى واقع معاش... حينها فسوف تكون المقاومة مختلفة، وسوف لن تكون أرضيتها ميادين القتال التقليدية.
سوف ينسحب الجيش الوطني إلى حدود سرت الشرقيّة وعلى سفوح الموانئ النفطية الغربيّة، ومن هناك فسوف يتشبّث الجيش بالأرض وسوف لن يتركها نهباً للأتراك لأنّه من هناك فسوف يحظى بدعم شعبي كبير ومتحمّس لدرجة "الفداء" بالروح وبالمال وبكل شئ.
No photo description available.
حينما ينسحب الجيش الوطني إلى تلك الأماكن تدخل حينها خططاً أخرى لميدان المعركة وسوف لن تكون عتاداً أو خططاً عسكرية.... سوف تكون "إعلان الإنقسام" في ليبيا. سوف حينها يتم إعلان "مملكة برقة" وسوف تسرع الكثير من الدول للإعتراف بها وبكل تأكيد سوف تكون مصر من بينها. مصر يقيناً لا تحبّذ إنفصال ليبيا أو تشرذمها كما حدث في السودان جنوبها، لكن مصر سوف تنظر إلى أمنها القومي قبل كل شئ، وذلك هو ما سوف يكون الحافز القوي وراء إعتراف مصر بمملكة برقة. بقية الدول سوف ترى مصالحها الخاصة قبل أية مصلحة أخرى وسوف تتشكّل التحالفات الجغرافيّة بناء على ذلك.
لا أدري ماذا سوف يحدث في الجنوب، غير أنّني قد أفكّر في سيناريو مشابه، لكن النزعة الإنفاصالية في الجنوب سوف لن تكون مشابهة لتلك في المناطق الشرقية، وقد يخضع الجنوب للقوة المسيطرة عليه وينفّذ أجنداتها. هذه كانت مجرّد تخمينات، وهي بالتأكيد تعبّر عن رأيي أنا الشخصي ولا تمثّل أيّ كان.... يومكم سعيد ومفرح برغم كل شئ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك