2020/06/13

كان حلماً فإنزوى بين حبّات الثرى

 من حق كل إنسان أن يحلم، والعاقل هو من يحلم من خلال واقعه وليس من وحي أوهامه. شخصيّتك هي صورتك التي تقدّمها لغيرك، ووطنك لابد وأن يكون مطبوعاً في داخل ملامحك. (كتبت هذا المقال على الفيسبوك بتاريخ 5 يونيو 2020).
كنت دوماً كليبي يحب بلده أحلم بيوم أرى فيه ليبيا وقد خرجت من دوّامة الجهل والتخلّف وشرعت في الإنطلاق إلى الأمام آخذة طريق من سبقوها ولكن على دربهم وربّما بسرعة أكبر من سرعتهم وبخبرة مستفادة من خبرتهم.
كنت دوماً أحلم بليبيا متقدّمة ومزدهرة وعصريّة ومتمدّنة ومتحضّرة يحكمها أهلها من خلال حريّة الإختيار وتحكم بينهم قوانيناً هم من يصوغها وهم من يصر على تطبيقها.... ولكن على الكل بدون إستثناء وبدون محاباة.
كنت أحلم في عهد الطاغية القذّافي بيوم نتخلّص منه فيه، وما إن نخرج عن سيطرته حتى نلتهي بأنفسنا ولكن بكل مسئوليّة وبكل واقعيّة وبكل إصرار على اللحاق بالبشريّة... بالأمم التي سبقتنا.
كانت بدايتنا رائعة مع أنّنا تعلّمنا من تونس لكنّنا مالبثنا أن إختلفنا عن تونس. تونس نجحت وبأسرع ما يمكن في تحويل ثورتها إلى مشروع تغيير حقيقي يتكامل مع مشروع بناء، والسبب أن تونس كانت تمتلك جيشاً وطنيّاً ومحترفاً ولا يتبع الحكّام. نحن في ليبيا عملنا ما عمله إخوتنا في غربنا، وبالفعل تمكّنا من تغيير النظام عندنا ولكن... سرعان أيضاً ما وجدنا أنفسنا وقد إستبدلنا نظاماً عسكريّاً بنظام كهنوتي لايرى المنتمين إليه أبعد من أطراف أصابع أقدامهم، بل إنّهم كانوا يبدعون في النظر إلى الوراء والتشبّث بمعطيات الزمن الغابر لأنّهم لا يقدرون على رؤية المستقبل دعكم من المساهمة في بنائه أو حتى تحديد معالمه.
تونس جارتنا الغربية تمكّنت من العبور إلى الأمام ونحن جيرانها من الشرق وجدنا أنفسنا عاجزين عن الإبتعاد عن الماضي، بل أصبحنا أكثر مسكاً به وكأني بنا كنّا غارقين في الوحل ووجدنا ماضينا بمثابة تلك القشّة التي كنّا نرى بأنّها وحدها من سوف يخرجنا من اليم.
تغوّل علينا "حماة" ديننا بحجّة أنّهم إنّما هم يطبّقون "شرع" الله فينا. قالوا لنا بأنّنا كنّا ضائعين وتائهين في هذه الدنيا الفانية، وبأنّنا لا نعرف معالم طريقنا بعد أن ضاعت معالمها من أمام أعيننا، وبأنّنا فقدنا "البوصلة" التي هي وحدها من سوف يرسم لنا معام طريقنا من جديد. أوحوا لنا بأنّهم هم من سوف يقودنا إلى عالم "السعادة" الأبدية، وعلى أنّهم هم "رسل" الله إلينا لتعليمنا "أصول" ديننا التي كنّا قد نسيناها وإبتعدنا عنها. خدّرونا بالقول على أنّنا أصبحنا الآن نعيش في عصر "الصحوة الإسلاميّة" وأقنعونا بأن هذا العصر الجديد هو من سوف يعيد لنا تلك "الأمجاد" العظيمة التي أضاعها من خرجوا على طريق الله من قبلنا حتى أوصلونا إلى ما نحن فيه من "كفر" و "إلحاد" لأن من حكمنا لم يكن يخاف من الله.
قالوا لنا لابد من الإبتعاد عن "الكفّار" فهم لا يعرفون طريق الصواب، وعلى أن حضارة الغرب ما هي إلّا أضغاث أحلام، ولا وجود لها على أرض الواقع. إنّها حضارة "زائفة" لأنّها كانت قد بنيت على غير طريق الله. قالوا لنا بأن الديموقراطيّة "كفر" وبأنّ الحريّة مخالفة لشرع الله وبأنّ التفكير في الدنيا هو ليس لنا، فنحن سعادتنا هي في "آخرتنا".
حاول الكثير منّا تجاهلهم أو على الأقل تركهم لوحدهم وتمكّنا بما أوتينا من "إرادة" من المضي في طريقنا بدون أن نتصادم معهم أو حتّى نحاول إقناعهم بأن العالم من حولنا كان بالفعل قد تغيّر. مضوا هم في طريقهم يعملون على "تغيير" المجتمع من مجتمع "فاضح" إلى مجتمع "محافظ" ومطبّق للسنّة وبما كانت تقوله "الجماعة". ذهبوا هم إلى فضاءاتهم فرحين بأنّه لا أحد منّا حاول منعهم أو مناقشتهم، وذهبنا نحن إلى حيث رأينا غدنا ومستقبلنا ولم نأبه بهم حينها لآنّنا بصراحة لم نكن قادرين على رؤية الأبعاد الحقيقيّة للبيئة التي وجدنا فيها أنفسنا بعد ثورتنا.
ذهبنا وإنتخبنا وفرحنا بما أنجزنا، وشعرنا حينها بأنّنا بالفعل كنّا قد بدأنا في تعبيد طريق المستقبل. إكتشفنا فيما بعد بأن الطريق التي بنيناها كان غيرنا قد مشى عليها وهي مازالت طريّة فصدّع أركانها وأفسد تماسكها وما هي إلّا أشهر حتى إكتشفنا بأن تلك الطريق التي بنيناها بأيدينا أسرع غيرنا لإفسادها علينا، ولم يمض الكثير من الوقت حتى عرفنا بأن تلك الطريق لم تعد صاحلة للعبور. أصبحت طريقاً مليئة بالمطبّات ومحفوفة بالمخاطر ومزروعة بالأشواك حتى أنّنا أنفسنا تركناها ولم نعد نحاول العبور فوقها أو المشي عليها.
ذلك هو في واقع الأمر ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، وذلك هو تحديداً ما سوف يعزلنا عن عالمنا المحيط بنا؛ وربّما أرى الآن - وبالكثير من الوضوح - بأنّ توهنا هذه المرّة سوف يكون كبيراً وضياعنا سوف يكون إصلاحه عسيراً.... يومكم سعيد.
وتعليقاً على بعض القرّاء ردّيت بالآتي:
تلك أنا أراها ليست أكثر من "تكهّنات" ولا أسس واقعيّة لها. السيّد خليفة حفتر لم يتحدّث إطلاقاً عن رغبته في السلطة، بل على العكس هو تحدّث عن مشروع ديموقراطي يحميه الجيش. علينا بأن لا نحوّل التكهّنات على حقائق، فهي تبقى في نهاية الأمر "تكهّات" حتى نكون منصفين. علينا كمثقفين وواعيين ومتعلّمين بأن ننظر إلى الأمور بالعقل وليس بالعواطف. لا يمكن إطلاقاً بأن يحكم خليفة حفتر أو أي من أولاده ليبيا من خلال التسلّط العسكري أو الإضطهادي. إن رغب أيّ منهم في ذلك فعليهم فعل ذلك من خلال المسالك الطبيعيّة وهي "صناديق الإقتراع" ولو كنت أنا محل المشير خليفة حفتر، فإنّني إطلاقاً سوف لن أترشّح ولن أسمح لأيّ من أبنائي بأن يترشّح لأية إنتخابات من باب الإحتفاظ بالكرامة وعزّة النفس.
لا أدري كيف أنّنا ما زلنا نتكلّم عن "الربيع العربي" ونحن نرى نتائجه واضحة للعيان في سوريا وفي ليبيا وفي اليمن. أي ربيع أنتم مازلتم تتحدّثون عنه؟. ثمّ، حينما نتكلّم عن "الإختطاف" وما إليه، علينا بأن نكون منصفين. أنا ضد أي نوع من أنواع الإضطهاد البشري مهما كانت أنواعه لو كانت صغيرة. علينا بأن نتذكر عبد المعز بانون، وعلينا بأن نتذكّر وصال عبد الحفيظ وغيرها كثيرون ممّا تم إختطافهم لمجرّد أنهم عبروا عن أرائهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك