2020/06/13

كورونا الجوعان يجوّع الجرذان



 الحياة خلقها الله متكاملة ومتناغمة ومتواصلة، وخلقنا فيها لنتعامل مع بعض ونتكامل مع محيطنا. كل المخلوقات الحيّة تتعايش مع غيرها، وبقائها بكل تأكيد يرتبط بذلك التعايش. (كتب هذا المقال في الفيسبوك يوم 28 مايو 2020)
Image may contain: outdoor
أنا هنا بكل تأكيد لا أتحدّث عن جرذان البشر. أنا أتحدّث عن جرذان البراري الذين لم يجدوا ما يأكلونه بسبب إختلاء الناس مرغمين في بيوتهم، ومن ثمّ قلّت كميّة الفضلات الغذائيّة في الشوارع والأزقّة فلم تجد الجرذان ما تقتات منه أو به.
الأمر بكل تأكيد يمسّ الكثير من الحيوانات البريّة والتي من بينها الطيور وخاصّة البط والإوز حول البرك وفي الحدائق العامّة، وكذلك طيور الحمام التي تعتمد كثيراً على الإنسان وليس كغيرها من الطيور الأخرى التي تمتاز بخفّة الحركة وبذكاء يفوق كثيراً ذلك الذي تمتلكه طيور الحمام.
بالمناسبة، أنا أعرف الحمام منذ أن كنت طفلاً صغيراً. كان في مزرعتنا الكثير من أشجار النخليل والأشجار الأخرى والتي من بينها شجرة الرمّان والتين والعنب. كان النخيل يحيط بنا من كل مكان، وكانت طيور الحمام تنتقل بين النخلات وتبدأ في الهديل"النحيب" بينما العصافير الجميلة الأخرى كانت تتطاير بين الأشجار بخفّة ورشاقة وكانت تغنّي وترقص وتتشاجر مع بعض بسعادة كبيرة.
كانت طيور الحمام تبدو حزينة كل الوقت، وهي بطيئة الحركة وتعتبر غبيّة بشكل كبير. المهم أن تلك الحمامات التي كنت أعرفها حينها أراها في ليبيا هي نفسها طيور الحمام هنا في بريطانيا في كل شئ بما في ذلك الغباء. كانت طيور الحمام تغنّي بنفس النبرة وبنفس اللحن وبنفس التواتر ولم يؤثّر فيها الزمن لأنّها تحافظ على البقاء "الجامد" ويبدو أنها تقاوم التغيير مثل شيوخ ديننا.
المهم، أن كورونا كان قد أحدث مجاعة كبيرة في االكثير من الحيوانات البريّة التي كانت تقتات على بقايا طعام الإنسان الكثيرة والتي تجدها في كل مكان. هناك الكثير من العوامل التي أدّت إلى التقليل (الشحّ) الكبير في بقايا الطعام المستغنى عنها، ولعل أهمّها البقاء في البيت وبعض من "الشحّ" كان قد تعلّمه الإنسان بسبب حصار كورونا وتنامي الشعور بالخوف منها ومن المستقبل.
أمّا بالنسبة لجرذان البشر، والذين إستثنيتهم في بداية حديثي لهذا اليوم، فهم ليسوا كجرذان البراري. جرذان البشر هم من لا يمكن أن يشحّ عندهم الطعام ولا يفتقرون إلى وفرة المال. جرذان البشر هم "الجرذان الحقيقيّون"، وهم من يختفي في الجحور ليخرجوا حينما ترفع عنهم أعين البشر؛ وحينما يخرجون فإنّهم مثل الجراد يسلبون ما يجدون ويستحوذون على ما تعثر عليه أيديهم.
يومكم سعيد ومفرح وواعد، وثقوا بأن ما تعاني منه بلادنا الآن سوف ينتهي وسوف يبدّله الله لنا بنظيره من الفرح وبمثله من السعادة وبمثله من تنامي الأمل في المستقبل. ليبيا سوف تخرج من محنتها بكل تأكيد، وكما سوف تنتهي جائحة كورونا؛ فسوف تصبح كل هذه المعاناة آحاديثاً نتبادلها وذكريات نمزح حولها.... فأبقوا على الأمل ولا تسمحوا لليأس بأن يتسرّب بينكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك