2020/04/13

خسارة صبراته وصرمان هو خطأ تكتيكي في الميدان

أنا بصدق أؤمن بالوضوح والشفافيّة، وأعترف بعجزي حينما لا أكون قادراً. لماذا؟. لأنّني لا يمكنني إطلاقاً إعتبار نفسي "عبقريّاً" وفريداً من نوعي حتّى وإن كنت بصدق مثل ذلك. إن الإنسان القادر هو ذلك الشخص المتواضع حتى وإن كان يعرف يقيناً بأنّه أفضل من غيره.
أنا لست عسكريّاً ولا أفهم أيّ شئ في العسكريّة، لكنّني أجزم بأن خسارة صبراته وصرمان كانت بسبب غباء عسكري وخطأ تكتيكي فادح في الميدان.
بغض النظر عمّا تقوله قناة الحدث، وبغض النظر عمّا يقوله رئيس الجهاز الإعلامي بالجيش الوطني، وبعيداً عن الصورة الرومانسيّة التي يرسمها لنا الناطق العسكري بإسم الجيش الوطني الليبي، فإنّ خطأ خسارة غريان لم يتم الإنتباه إليه، وبسبب تجاهله وغياب البحث الجدّي فيه تكرّر ذلك الخطأ ولكن هذه المرّة بخسارة أفدح وشرخ أعمق ووفرصة لتحرير العاصمة أضحت تكاد تكون منعدمة.
أنا من جانبي كمدني وغير خبير في الشئون العسكريّة أقولها وبكل جلاء بأن التكتيك العسكري كان ناقصاً وبرنامج تحرير العاصمة متناقضاً. فكيف يمكن القبول بجيوب "محرّرة" يحيط بها الطرف المضاد من كل مكان وفوق كل ذلك يبقى الوضع على ما هو عليه لما يقارب من سنة كاملة؟. هناك خطأ تكتيكي وتخطيط عسكري غير سليم، وذلك هو تحديداً ما أوقع الجيش في مطب القوّات التابعة لحكومة السرّاج.
فلنترك الحديث عن المرتزقة السوريين، ولنتجاهل إلى حين تلك الأسراب من الطائرات التركيّة المسيّرة، ولنغض الطرف عن تلك "البارجات" التركيّة التي كانت تقصف مدينة صبراته من البحر؛ فكل تلك الأخبار هي نتاج قناة "الحدث" ومراسلها الكذّاب منذر عبد الناصر الذي قال لنا في الصيف الماضي بأن الجيش سوف يدخل ميدان الشهداء قبل الفجر... أي أننا سوف نصبح يوم الغد - حينها - لنرى طلائع الجيش في وسط ميدان الشهداء !!.
لنعود إلى رداءة التخطيط العسكري لمعركة تحرير العاصمة... كيف بالله عليكم يمكن التصديق بأن الجيش على مشارف تحرير العاصمة ومدنه التي حرّرها في الغرب الليبي كلّها محاصرة من قوّات الطرف الآخر؟. 
كان الجيش يسيطر على صبراته وصرمان بينما العجيلات وزوارة من الجهة الغربيّة والزاوية من الجهة الشرقيّة مازالت تابعة لقوّات السرّاج. كان الجيش يسيطر على قاعدة الوطية، وزوارة ورأس إجدير والزنتان وأغلب مدن باطن الجبل وما وراء الجبل تسيطر عليها قوّات فائز السرّاج. كان الجيش يحارب في جنوب طرابلس وحول مطار العاصمة المدمّر بينما قوّات السرّاج تحتل مدينة غريان بالكامل. تمكّن الجيش أخيراً من السيطرة على الجميل ورقدالين وزلطن بينما بقيت زوارة ورأس إجدير والعسّة تحت سيطرة قوّات السرّاج. دخل الجيش مدينة سرت، وأخذ يحارب في وادي الربيع وربّما القره بوللي بينما قوّات السرّاج تسيطر على مدينة مصراته وبقوة قتالية كبيرة جداً. كل تلك المعطيات تبرهن يقيناً على أن التخطيط العسكري لتحرير العاصمة لم يكن موفّقاً على الإطلاق، وكانت تشوبه الكثير من الضبابيّة وغياب التفكير السليم.
وأقولها لقيادة الجيش الوطني... أنا لست عسكريّاً ولا أفهم في التكتيك العسكري، لكنّني لو كنت قائداً للجيش لكنت أنهيت كل تلك الجيوب الخطيرة قبل الإقتراب من العاصمة. حينما تم تحرير سرت كانت مصراته هي الوجهة الموالية، لكن قيادة الجيش لم تفعل ذلك ولم تفصح لنا عن الأسباب. كان يجب سيطرة الجيش على كل مصراته وبكل صرامة قبل التقدّم نحو العاصمة.
حينما تم تحرير الجنوب الغربي كان يستلزم تحرير غريان بالكامل مهما كان الثمن، ثم تطهير الزنتان من قوّات السرّاج، وسيطرة الجيش بالكامل على كل مناطق باطن وخلف الجبل. وكان يتطلّب سيطرة الجيش بالكامل على مدينة غدامس ونالوت وما وقع في جوارها.
حينما تمكّن الجيش من السيطرة على الجميل ورقدالين وزلطن، كان يتوجّب وعلى الفور دخول رأس إجدير والعسّة ، ومن بعدها إصدار أمر للقوّة المرابطة في مدينة زوارة إمّا التسليم أو إعلان الحرب عليها من قبل الجيش الوطني وأن تعطى زوارة مهلة أسبوع واحد غير قابلة للتجديد.
حينما إستولى الجيش على صرمان وصبراته في العام الماضي، كان على قيادة الجيش إصدار الأمر للقوّات المرابطة في مدينة الزاوية بالإستسلام أو قبول الحرب المدمّرة مع الجيش وكان يجب إعطاء مهلة مدّتها أسبوعين فقط لتنفيذ ذلك الأمر.
هناك الكثير من الأخطاء التكتيكية الأخرى منها على سبيل المثال ترك منطقة السواني بدون سيطرة فعلية للجيش. ترك مدينة الخمس بدون سيطرة فعلية للجيش. ترك مدينة بني وليد نصف نصف، بعضها هنا وبعضها الآخر هناك. ترك مدينة زليطن نصف نصف هي أيضاً... كل تلك الأخطاء الإستراتيجيّة كانت واضحة لكل مراقب، وبدل أن نرى تحسّن في الأداء كنّا فقط نسمع من الناطق العسكري للجيش الوطني وهو يؤكّد لنا سيطرة الجيش على 95% من التراب الليبي، دعكم من السيطرة المطلقة على المجال الجوّي من بوقرين وحتى رأس إجدير؛ في حين كانت طائرات السرّاج المسيّرة والمطيّرة تحوم في الأجواء كما تشاء وتضرب في الجفرة والوطية متى رأت ذلك.
أود في الختام أن أكون صادقاً وصريحاً بأن الجيش الوطني لو إستمر بهذه الأخطاء فإنّه قطعاً سوف لن يقدر على تحرير العاصمة، بل إنّه سوف يخسر ما يسيطر عليه تدريجيّاً إلى ذلك اليوم حينما تجد قيادة الجيش نفسها غير قادرة على تسيير المعركة وتعلن الإنسحاب الكامل نحو بنغازي... أو ربّما ترضى بالتفاوض مع حكومة السرّاج على إقتسام السلطة؛ لكن حكومة السرّاج حينها سوف لن تتفاوض وسوف لن حتى تستمع أو تنتبه. أنا فقط وددت أن أنبّه وأحذّر بأنّ هناك أخطاء جسيمة يجب الإنتباه إليها والعمل على إصلاحها اليوم وقبل غد وإلّا فإن جماعة الإخوان سوف تسيطر على كل ليبيا ونصبح نحن من بعدها تبّع لإمارة قطر وسلطانيّة تركيا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك