2020/04/05

المزيد من المرونة في فهم كورونا

 كلّما واجه الإنسان مصاعب كلّما تعلّم منها. تلك هي سنّة الله في خلقه، وذلك هو برنامج الله لعباده في هذه الدنيا كي يفكّروا ويتصوّروا ويتأمّلوا ومن بعدها يبدعوا. بذلك فقط وصلنا إلى ما وصلنا إليه في عالم اليوم، وبذلك فقط سوف تسير البشريّة إلى الأمام.
مع مرور الزمن وتراكم الخبرات الحياتيّة، بدأ الناس يتعلّمون أكثر بخصوص كيفيّة التعامل مع هذا الفيروس وكيفية الوقاية منه.
علينا الرجوع إلى الأسس العلميّة حتى نفهم ماذا يتوجبّ علينا عمله، وكيف نعمل ذلك.
نحن هنا نتعامل مع مخلوق صغير... صغير... وصغير جدّاً وهو فيروس من سلالة RNA وهي سلالة متناهية في الصغر حتى بالنسبة للفيروسات. مجموعة الفيروسات التي تنتمي إلى فصيلة DNA الجينيّة هي فيروسات أكبر بكثير في الحجم من نظيرتها التي تنتمي إلى RNA. حجم فيروس كوفيد-19 أو ما يعرف SARS-CoV-2 هو أكبر قليلاً من ذلك بالنسبة لفيروس الإنفلونزا الذي ينتمي لنفس الفصيلة من الفيروسات. يمكن رؤية الفيروس بمنظار إليكتروني متقدّم جدّاً، لكن الفيروس من الأسهل التعرّف عليه والتنبّه لوجوده من خلال التفاعل البلمري التسلسلي PCR أو وفق الإسم العلمي reverse transcription polymerase chain reaction وهو إختبار للمادّة الجينيّة البروتينيّة لهذا الفيروس والتي تميّزه عن غيره من الفيروسات الشبيهة.
علينا هنا بأن ننتبه إلى شيئين مهمّين: أولّهما أن الفيروس في تركيبته الجينيّة يختلف عن البكتريا، من حيث أن جميع أنواع البكتريا تمتك خليّة متكاملة بوجود الحمض النووي DNA والحمض النووي RNA، وفي هذا الإطار تتشابه البكتريا مع الإنسان في التركيب الأساسي للخليّة، ومن ثمّ فإنّ البكتيريا يمكن زراعتها بسهولة وقتلها بالمضادّات الحيويّة المناسبة. في حين أن الفيروسات تختلف عن ذلك التركيب الجوهري من حيث أنّها تحتوي على حامض نووي واحد فقط (DNA) وهي فيروسات تعتبر أكبر حجماً وربّما أقل تغييراً لتركيبتها الجينيّة من النوع الآخر المعروف ب(RNA) وهذه الفيروسات تعتبر دقيقة في الحجم وتتميّز بمقدرتها الكبيرة على التكيّف وتغيير تركيبتها الجينيّة بما يجعل القضاء عليها صعباً وتخليق لقاحات ضدّها من الأشياء التي تتحدّى عقل الإنسان وإبداعاته الفكريّة.
الفيروس بالنسبة لنا (كضحايا) يعتبر كمولّد (حاثّ) للمضاد Antigen، وهو ما يعني أنّه يعتبر جسماً غريباً بالنسبة لنا ومن ثمّ يقوم جهازنا المناعي بتوليد أجسام مضادّة Antibodies له بهدف تدميره أو القضاء عليه أو على الأقل تحييده.
من هنا فإن حساب كميّة مولّدات المضادّات في النسيج البشري(دم أو مخاط أو مسحة للحلق) ومن ثمّ إختبارها بأليّة التفاعل التسلسلي PCR، تعتبر مرحلة تشخيصيّة لوجود الفيروس من عدمه، في حين أن قياس "الأجسام المضادّة" Anti-bodies للفيروس يوحي بوجود تعرّض سابق وليس بالضروة إصابة حاليّة وبذلك فإن وجود الأجسام المضادّة لفيروس كورونا في دم الإنسان يعكس "المناعة" وليس الإلتهاب.

من ناحية عمليّة بالنسبة لنا كبشر عاديين (من عموم الناس)، علينا معرفة بأن هذا الفيروس يعشق الجهاز التنفّسي والأنسجة المكوّنة للرئتين، وبذلك فإن هدف هذا الفيروس هو المسالك التنفّسيّة وبالتحديد "الجيوب الهوائيّة" في الرئتين حيث يجد الفيروس البيئة التي تمكّنه من الحياة والتكاثر والإستمرار. من هنا فإن أوّل علامة فارطة لهذا الفيروس هي الإلتهاب التنفّسي الحاد(المفرط)، أو ما يعرف ب Acute Respiratory Distress Syndrome وهو ما يرمز إليه ب ARDS ومنها أخذت كلمة سارس SARS وهي تعني Severe Acute Respiratory Syndrome والتي كانت العلامة الفارطة في وباء السارس لعام 2002 والتي هي أيضاً حدثت في الصين، وكان عدد المصابين حينها 8098 وعدد الموتى 774 حالة وفاة في عدد 29 دولة حول العالم. كان ذلك الوباء قد إستمر لمدة سنتين، وكانت نسبة الوفاة 10% من عدد المصابين، وكان القتلى من بين أولئك الذين تجاوزوا ال65 سنة من أعمارهم.
هذا الفيروس يعيش ويتكاثر في الوطاويط وبعض الحيوانات الأخرى، ومعروف عن الصنيين أنّهم يأكلون لحوم الوطاويط والثعابين والقرود وهي حيوانات تحمل ذلك الفيروس كبيئة مفضّلة لفيروس CoV-1 والنسخة الحديثة CoV-2 أو ما تعوّدنا على تسميته COVID-19.
وختاماً في هذه العجالة، وأقول عجالة، فالمعلومات المتوفّرة كثيرة جداً وهي كلّها مفيدة وذات بعد ثقافي رائع؛ لكنّني فضّلت التلخيص والتبسيط بقدر الإمكان بهدف تعميم الفائدة، وحتى نتعرّف على عدوّنا الذي يتربّص بناء في الخفاء وكأنّه من شياطين الجنّ.... هههههه.
ختاماً أقول بأن الفيروس ينتقل من شخص لآخر، ولا يسبح بعيداً في الهواء. الفيروس ينتقل بيننا بالملامسة، وقليلاً جدّاً من خلال الرذاذ المتناثر. الفيروس لا يعيش طويلاً على الأسطح الصلبة والأسطح الجافّة، وبذلك فإن عمليّات الرش التي نراها في الكثير من بلدان العالم الثالث، وخاصّة بلادنا العربية - ولا نراها في بلاد العالم المتقدّمة - ما هي إلّا إنعكاسات على الفشل والعجز عن عمل أيّ شئ ذا قيمة لحماية مواطنينا. ففي العراق مثلا - وفي مصر كذلك - نراهم يرشّون الشوارع والميادين والأرصفة والمباني، وربّما حتى المزارع والأرياف، ويعجزون عن توفير الأكل والآمان للمواطن. رجائي بأن تتوقّفوا عن رش الناس والمباني والشوارع والأرصفة، فكل ذلك هو إنعكاس على فشلكم وعجزكم وعقم تفكيركم.
إن كل ما يحتاجه المواطن العادي هو تجنّب الآشخاص المصابين، تجنّب يعني تجنّب ولا مجاملة في ذلك. على المواطن أن يعرف ويعي ويحسّ بأن الوسيلة الوحيدة لحمايته من الإصابة بهذا الفيروس تكمن في التحوّط. التحوّط من كل ما هو مشبوه فيه. عليك التوقّف كليّة عن التجمّع مع الآخرين ولو كانوا من أقربائك الذين يعيشون خارج بيتك. عليك ترك مسافة لا تقل عن مترين - وفي أيّ مكان - تكون بينك وبين أي شخص آخر ولو كان قريبك أو صديقك أو زميلك في العمل. لا بد من التباعد الإجتماعي في هذه الأسابيع، ولابد من إحداث تغييرات جوهريّة في أنماط حياتنا حتى نخرج من هذه الكارثة، ومن بعدها نعود إلى طبيعتنا كبشر. لا وألف لا للصلاة الجماعية. لا وألف لا للمناسبات الإجتماعية. لا وألف لا للزيارات العائليّة. لا وألف لا للملامسة والإقتراب ودخول أية آماكن مزدحمة بالناس. "لا" للتجمّع تعني "لا" للتجمّع ومهما كانت الأسباب. لا توجد مقدّسات وإنّما توجد أسس وتوجد معرفة وفوق كل شئ.... توجد "حياة" بشر على المحك، وعلينا المحافظة عليها. كل شئ يمكن تأجيله بما في ذلك الصلاة الجماعيّة والحج والعمرة، ولكن لا يمكن تأجيل إنقاذ حياة البشر ومهما كانت المبرّرات. صلّي في بيتك، وحج في العام القادم، وإن مت فتذكّر دائماً بأنّ {{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلً}}... ذلك هو كلام الله.

فبدل علميّات الرش تلك - والتي قد تنفع لمقاومة البعوض والنمل والجراد - علينا بأن نتوجّه إلى مواطنينا نعلّمهم وننصحهم ونراقبهم، وقبل كل شئ نشعرهم بالآمان في بيوتهم مع توفير متطلّباتهم اليومية من أكل وشرب وعلاج.... وفوق ذلك "الآمان" والإطمئنان، والإحساس بأن لهم حكومات تهتم بهم ومؤسّسات تجتهد لحمايتهم وتوفّر كل العون لهم. تذكّروا دوماً بأن الكيميائيّات التي ترشّونها على الناس هي نفسها لها مخاطرها، وقد تكتشفوا في يوم ما بأن نسبة السرطانات كانت قد زادت في بلدانكم عن غيرها من بقية بلاد العالم.... فرجائي بأن تسألوا النصح وتستفيدوا من تجارب من سبقوكم في العلم والمعرفة. يومكم سعيد ومشرق وهانئ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك