عالم الرب هو أكبر بكثير من عوالمنا نحن البشر، وما نظنّه نحن ليس بالضرورة هو ما يفعله الرب. الله يملك الكون وما عليه ونحن لا نعرف من الكون أكثر مما نراه منه، فعلينا بأن نفكّر ونجتهد ولكن لنترك عالم الرب لخالقه ونلتهي نحن بما نعرف وبما نقدر على فعله.
منذ أن خلق الله البشر خلق معهم ملكة التحدّي.... تحدّي الجوع، تحدي العطش، تحدي المرض، تحدّي ما يأتي به الغيب.... وتحدّي المجهول. ذلك هو سر الحياة وتلك هي سنّة الله في خلقه.
لقد خلق الله الحياة كي تسير إلى الأمام، ومن أجل أن تسير هذه الحياة إلى الأمام فلا بد لها من أن تتطوّر، ولكي تتطوّر هذه الحياة فلابدّ لها من يقدر على تطويرها وهذا الذي يقدر هو الإنسان بما حباه الله من عقل وفكر وإرادة وإصرار. من أجل أن يطوّر الإنسان نفسه فلابد له من موخزات... حاثّات... دوافع تحتّم عليه فعل ذلك.
منذ أن خلقت البشريّة وربّنا خلق معها الجوع والعطش والمرض والألم والفقر والعوز... وخلق مع كل ذلك التشبّث بالحياة، الإصرار على الإستمرار، الرغبة في البقاء، وخلق للإنسان عقل وإرادة وتخيّل وتصوّر ومقدرة على رؤية الغد بعيون آملة وبعقول متدبّرة. تلك يقيناً هي من بين أسرار الحياة ومن بين عجائب الخلق وتخطيط الخالق. إنّها من بين أسرار الوجود ومعائن التطوّر وتلك هي في نهاية الأمر من خصائص الخالق الذي لا يمكن لمخلوق أن يحاكيه ولا أن يستوعب قدراته.
نحن نعيش هذه الأيّام أحداث وتطوّرات وباء كورونا، ونلاحظ بكل وضوح عموم الخوف والإرتعاب بين البشر ذلك لأنّهم لا يعرفون ماذا تخفيه لهم الأيّام وماذا عساه أن يكون مآل هذا الوباء المستحدث(الغير متوقّع)؛ مع أنّه من طبيعة البشر التفاؤل بالخير وإنتظار الفرج. الأمل في الغد وأحلام الإنفراج وحب الحياة هي خصائص ولدت مع البشر وسوف تبقى معهم حتى قيام الساعة.
بالنسبة لي أنا، هذا الوباء ليس غريباً ولا يجب بأن يكون مستغرباً خاصّة وأن تاريخ البشرية يحمل بين طيّاته الكثير والكثير جداً من الأوبئة المشابهة وربما الكثير منها كان أشد وقعاً وأثراً على حياة البشر من هذا الوباء لكنّنا كثيراً ما ننسى مصائب الماضي حتى تغيب عن أعيننا ومن ثمّ نرى كل ما يلم بنا على أنّه حدث جديد وفريد ومخيف، وبذا نرتعب من مصابنا ونراه غير مسبوق.
هناك الكثير من الأوبئة التي عصفت بحياة البشر في سابق الأزمان والتي من بينها الطاعون الأنطوني والذي مكث ما يقارب من 15 سنة وحصد حياة ما يزيد عن 5 مليون شخص. كذلك عانت البشرية من قبلنا من الطاعون الدمّلي Bubonic plague وهو أكثر الأوبئة فتكاً بالبشرية على الإطلاق حيث قضى على نصف سكّان المعمورة (200 مليون ضحيّة) وكان ذلك في عام 1347م وكان ذلك الوباء قد إستمرّ لأكثر من 4 سنوات متواصلة. والمثير للإنتباه أن ذلك الطاعون كان قد بدأ في الصين وكان مصدره القوارض وكان من نقله البراغيث، ومن الصين إنتشر ذلك الطاعون إلى بقية بقاع الأرض. بعد ذلك بكل تأكيد نتذكّر وباء الجدري والذي قتل حوالي 8 ملايين شخص في المكسيك وحدها. هناك أيضاً طاعون جستنيان والذي قتل نصف سكّان عاصمة البيزنطيين (القسطنطينيّة) والتي منها إنتشر إلى بقية العالم لينهي حياة ما يقارب من 50 مليون إنسان. كما أننا يجب أن نتذكّر وباء الإنفلونزا الإسبانيّة والذي وصل عدد ضحاياه إلى أكثر من 50 مليون قتيل، وحوالي 500 مليون مصاب... أي ما يقارب من نصف سكّان العالم في تلك الفترة من عام 1918 وحتى عام 1920م.
من هنا نرى بأن وباء كورونا هو بالمقارنة يعتبر حميداً مع أنّنا مازلنا ربّما في بداية المشوار. المهم في الأمر، أن هذا الوباء ليس من علامات قيام الساعة، وهو ليس غضب من الله على الكفّار، وهو ليس عقاباً للصين على "شركها بالله"، وهو بكل تأكيد لا يميّز بين المسلم وغير المسلم.
كذلك، فإن وباء كورونا بيّن لأولئك الواهمين بأنّه لا يوجد مكان على وجه الأرض تحرسه العناية الإلهيّة دون غيره، وبأن مكّة ليست مستثناة من الأوبئة والكوارث الطبيعيّة، وبأن الكعبة غير محميّة ببركات الله مع أنّها بيت الله، وبأن الحرمين غير مصانين بعناية إلهيّة، وبأنّ كل بقاع الأرض هي عند الله سواء؛ أمّا القدسيّة فهي من صنع البشر. كذلك برهن هذا الوباء على أن قراءة القرآن أو التمسّح بالعتبات المقدّسة أو تناول حبّات من تمر العجوة أو شرب من مياه زمزم أو غيرها من طقوس شيوخ الدين لا توقف المرض ولا تمنع إنتشاره بين البشر حتّى ولو كانوا مسلمين، وعلى أن الطب النبوي ليس له وجود في قاموس الله، وبأن الصلاة والتسابيح والإبتهالات وبقيّة الطقوس الدينيّة هي ليست أكثر من طقوس نحن من إخترعها ولم نجرّبها في أي بحث سابق؛ ومن ثمّ فلا قيمة لها في عالم الرب، فهو إنّما أرسل إلينا هذا الوباء لحكمة ولأسباب هو يراها وما كان الله مخطئاً حينما أرسل إلينا هذا الوباء وما كان بمغيّر قضائه الذي أراده بأن يكون كذلك؛ فهو سبحانه وتعالى لا يفعل الأشياء هكذا جزافاً ولا يغيّر مسار هو أراده لمجرّد أنّك تصلّي أو تركع أو تحج أو تعتمر أو حتى تستعين بالرقية ولو فعلت ذلك ملايين المرّات أو أنّك ربّما قمت بزيارة أشهر "راقي" على وجه الأرض.... {{ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}}....
نحن المسلمون حينما نبحث ونحلّل ونجري التجارب... حينها بكل تأكيد نسأل الله ونبتهل إليه بأن يكلّل مساعينا بالنجاح والتوفيق. بكل تأكيد، فإننا حينما نعمل ونكد ونجتهد نبتهل إلى ربّنا بأن يوفّق مساعينا بالنجاح. أمّا أنّك تذهب لتصلّي وبعدها تجلس تدعو الله كي يرفع عنك هذا العناء فعليك أن تكون على بيّنة بأن الله لا يرد شيئاً هو من خطّط له وأراده بأن يكون كذلك حتى نهتدي نحن البشر إلى التعرّف على المصيبة والإستعداد لها. بذلك فإنّنا نطوّر من أنفسنا ونرفع مستويات الإدراك عندنا ونكون جاهزين للطوارئ كما حدث في الآسابيع القليلة الماضية، فمن خبرة التعامل مع نكسات الماضي والتي من بينها الإيدز، وجدنا أنفسنا اليوم نسرع الخطى نحو إكتشاف لقاح جديد في زمن خيالي مقارنة بالماضي. لقد تم تصنيع لقاحات لفيروس كورنا في فترة زمنيّة لم تتجاوز 3 أشهر، في حين أن أي لقاح في الماضي تطلّب من 17 - 20 سنة لإنتاجه والبدء في إحتباره على البشر.... وهذه معلومات من أفواه آساتذة علم الجراثيم والفيروسات في مناطق مختلفة من العالم.
ليلتكم هانئة وسعيدة؛ فلا تهنوا ولا تحزنوا ولا تجزعوا، بل كونوا آملين ومتفائلين والغد سوف يكون أحسن بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك