2020/02/17

عندما تذهب حكومة النفاق ومعها كل السرّاق.. سوف نحتفل من الأعماق

 حينما نرى الأشياء من زاوية نحب أن نراها من خلالها أو بسبب تغافل منّا فإنّنا قد لا نرى الحقيقة كما هي؛ فالأجدر بنا أ، نضع كل الصورة أمام أعيننا ومن بعدها نتفحّصها عن عمق وبذا يمكننا الحكم عليها. علينا بأن نكون صادقين مع أنفسنا ومع ضمائرنا حتى تكون أحكامنا عادلة وتكون النتائج فاضلة.
هذا اليوم يمثّل الذكرى التاسعة لثورة 17 فبراير، ولكن هل هناك ما قد نحتفل به في هذا اليوم؟. هل يوجد لدينا ما يدعونا للإحتفال أو الإبتهاج أو الغناء أو الإسترسال؟.
فبراير كانت ثورة وطنيّة بإمتياز، وكان كل من قام بها لم يكن يطمح حينها في أكثر من التحرّر من سلطة الطاغية والإنطلاق إلى الأمام في وجود الحريّة وفي وجود حكم وسيطرة العقول الوطنيّة بدون إقصاء وبدون تحيّز وبدون محسوبيّة وبدون إستثناء. ذلك هو كل ما كنّا نحلم به حينها، وذلك كان ما رمينا إليه وقتها.
ولكن.... ماذا حدث بعد 17 فبراير 2011؟. علينا أن نجيب بكل تجرّد وبكل صدق وبكل مسئوليّة على هذا السؤال. ماذا حدث بعيد - وليس بعد - 17 فبراير 2011؟.
أنا لا أريد أن ألوم المجلس الإنتقالي في أيّ شئ؛ فإخوتنا في المجلس الإنتقالي كانوا قد قاموا بما يجب وبأكثر مما يجب. علينا بأن نكون منصفين معهم، فهم من تقدّم الركب، وهم من تحمّل الصعاب، وهم بصدق من وقف أمام فوّهات البنادق. علينا أن نتذكّر تشابك الأحداث حينها وكيف أنّه لم تكن هناك قيادة للإنتفاضة ولم تكن لها برامج ولم يفكّر الثائرون بأكثر من القضاء على نظام الطاغية القذّافي... ليس أكثر من "إسقاط النظام".
تصوّروا أن أولئك الذين تواصلوا وتعاونوا وخرجوا للعيان من أجل تكوين جسماً وطنيّاً يقدر على تسيير الأمور إلى حين إعادة بناء الدولة بعد ذلك الإنهيار الكبير لنظام الطاغية القذّافي وما كان قد تركه من فراغ في السلطة خاصّة وأنّه كان قد حكمها بسلطة "القائد الأوحد" مما حرم البلاد من تكوين كوادر سياسية وطنيّة يمكنها ملء الفراغ في حالة حدوث الفراغ. تصّوروا أن أولئك الذين ضحّوا بأنفسهم وأعلنوا عن تأسيس المجلس الإنتقالي أنّهم لم يفعلوا ذلك... فقط أنظروا إليها من تلك النافذة، وحينها فسوف تعرفون أهمية كل عضو في المجلس الإنتقالي... فرجائي بألّا نحكم عليهم بإسقاطات رجعيّة، وألّا نظلمهم بأحكام إرتجاليّة.

المهم، فلنترك المجلس الإنتقالي لحاله، ولنتحدّث عن ليبيا بعيد إنتصار ثورة 17 فبراير في عام 2011.
الكثير من الليبيين والليبيّات يعرفون يقيناً بأن كل أولئك الخانعين الذين كانوا إمّا هاربين خارج الوطن أو يحاربون في أفغانستان أو أنّهم كانوا متعاونين مع نظام الطاغية القذّافي مباركين له في كل شئ... الليبيّون والليبيات يعرفون يقيناً بأن أولئك "الجبناء" هم من قفز للساحة حينما كانت الساحة شاغرة وأولئك هم من حلّ مكان نظام الطاغية القذّافي ليسيطروا على كل شبر في بلادنا حينما كانت كل الشوارع والميادين والمدن والقرى تعيش في فراغ. إن كل المتشددين الإسلاميين، والجهاديين، والإرهابيين، والطّامعين هم من ملأ ذلك الفراغ في السلطة وبذلك فقد سيطروا على الدولة الليبية بمجرّد إنقشاع غبار المعركة... بمجرّد عودة الثوّار الحقيقيون إلى مواقعهم قبل الإنتفاضة العظيمة. نعم وبكل صدق فقد قام الشرفاء بالثورة ليستولي عليها الحقراء، وتلك كانت مخارج الثورة وأوّل "منجزاتها".
ومع كل ذلك، فقد واصل الشعب الليبي توقه نحو التحرّر وبالفعل خرج الليبيّون في أوّل إنتخابات حرّة في بلادهم منذ تأسيس الدولة الليبية، وكانت إنتخابات يوليو عام 2012. برهن الشعب الليبي على أنّه - برغم عقود الطغيان - قادر على التصرّف كما تتصرّف شعوب البلاد المتعمّقة في الديموقراطيّة، وكانت الإنتخابات الليبية مثالاً لكل من يبحث عن الحريّة والنزاهة والشفافية.
ماذا حدث بعد تلك الإنتخابات الديموقراطيّة؟. علينا بأن نرى الأشياء على طبيعتها وألا نغمض أعيننا عمّا حدث بعد إنتخابات يوليو عام 2012. فقد أسفرت نتائج إنتخابات المؤتمر الوطني العام في 7 يوليو 2012، عن فوز تيّار تحالف القوى الوطنية بقيادة السيّد محمود جبريل بـ39 مقعداً من أصل 80 مقعداً بالنسبة للقوائم الانتخابية، في حين حصل حزب العدالة والبناء - الإخوان المسلمون - على 17 مقعداً فقط. ألم تخسر كل القوى الدينيّة وشيوخ التعاسة ما كانت تحلم به في السيطرة على مقاعد البرلمان؟. هم أنفسهم عرفوا ذلك، لكنّهم لم يرضوا به. لم يرضوا به فقط لأنّهم يريدون أن يحكموا ليبيا وفق أجنداتهم المتخلّفة وأفكارهم الغبيّة. ألم يعملوا التحالفات، والتكتّلات، وكل الخزعبلات من أجل تسيير جلسات المؤتمر الوطني وفق أهوائهم ورغباتهم ومخططاتهم بهدف فرض أنفسهم وفرض أجنداتهم؟. أليسوا هم من خلال تكتّلاتهم من أصدر القرار رقم 7 بالهجوم على بني وليد وقرار "العزل السياسي" الذي به وعن طريقه عملوا على عزل كل وطني وشريف؟. أليسوا هم من تعمّد منع تكوين أيّ جيش وطني من منطلق عقدة الخوف من الجيش التي تعيش في أذهان وعقول وبواطن الإخوان المسلمون الذين كانوا يسيطرون على الأوضاع في ليبيا؟. أليسوا هم من عمل جاهداً على خلق أجسام بديلة عن الجيش من أمثال: كتائب ثوار مصراتة (درع الوسطى)، غرفة عمليات ثوار ليبيا، درع الغربيّة، الحرس الوطني، مجلس شورى ثوار بنغازي، ثوار جبل نفوسة... وغيرها كثير؟. لا تسألوني هنا عن قادتها ومن ذلك الذي كان وراءها ويدعمها بالمال.
حدث كل ذلك بعيد ثورة فبراير 2011 والذي لم يذكر كان أعظم، فأين كان اللواء خليفة حفتر حينها، وهل كان هناك أي شئ إسمه الجيش الوطني الليبي؟. هل كان للسيّد خليفة حفتر أي وجود حينها وبينما كانت ليبيا تسرق في كل ما كان موجوداً بها. أموال ليبيا، بنية ليبيا التحتية، مصانع ليبيا، مزارع ليبيا، مدخّرات ليبيا، الخزانة الليبية... كل ذلك كان يسرق وفي وضح النهار.... لم يكن خليفة حفتر حينها موجوداً، ولم يكن هناك أيّ وجود للجيش الوطني حينها.
ماذا عن كل تلك عمليات الإغتيال والإختطاف، والإغتصاب، والفديات الخياليّة التي كان الغلابة من أبناء وبنات الشعب الليبي يضطرّون لدفعها من أجل إستعادة المخطوفين من ذويهم والأحبّاء على قلوبهم؟.
ماذا حدث بعد إنتخابات عام 2014 البرلمانيّة؟. ألم يخسر الإخوان ومعهم الجماعات الدينية المتطرّفة مرّة أخرى في هذه الإنتخابات وبشكل أكبر وأعمق؟. ماذا فعلت الجماعات الدينية بمعاونة مسلّحيها في البرلمان الجديد؟. ألم يجبروا كل أعضائه على الرحيل للبقعة الوحيدة المتحرّرة في ليبيا من سيطرتهم حينها وهي طبرق؟. ألم يفرضوا بقاء المؤتمر الوطني برغم الإنتخابات الجديدة، ولماذا فعلوا كل ذلك؟. هل كان السيّد خليفة حفتر موجوداً حينها، وهل كان هناك أيّ شئ إسمه الجيش الوطني الليبي وقتها؟. لماذا تكذبوا على أنفسكم وتكذبوا على الشعب الليبي يا من تناصرون حكومة الصخيرات المفروضة علينا من غيرنا وتقفون مع تجّار الدين وسماسرة الثوريّة في عاصمةالوطن؟. ألم تؤنّبكم ظمائركم وأنتم تقفون مع الظالم وأنتم تعرفون يقيناً بأنّه بالفعل ظالماً وطاغياً ومتشبّثاً بالسلطة حتى النخاع؟.
دعوني أذكّركم يا من تحتفلون اليوم بكل تبجّح في العاصمة بثورة فبراير... من هو ذلك الذي هجم على مطار العاصمة ودمّره عن بكرة أبيه في يوليو عام 2014، أي بعيد إنتخابات البرلمان الثانية وخروج نتائجها التي كانت مفاجئة للتيّار الإسلامي؟. من هي الجهات التي سرقت كل محتويات المطار بعد تدميره ثم إذا بها تتوجّه ناحية العاصمة التي لم يكن لها من يحميها حينها فإستولت عليها بدون مقاومة على الإطلاق؟. هل كان هناك أي وجود للسيّد خليفة حفتر حينها أو للجيش الوطني حتى تلومونه على تلك الجرائم التي أعقبت ثورة 17 فبراير؟. أتمنّى أنّكم في هذا اليوم تقفون لحظة تدبّر وتفكير ومكاشفة مع النفس أمام الله وتروا الأشياء على حقيقتها حتى تعرفوا كم أنتم مخطئون، وكم أنتم ظالمون يا أيّها البشر.
أنا سوف لن أحتفل معكم في هذا اليوم وسوف لن أحتفل إلى أن تعود ليبيا إلى أهلها، وإلى أن ينال كل ظالم جزاء ظلمه، وإلى أن تعود أموال وخيرات ليبيا إلى أهلها... تمتّعوا بإنجازاتكم العظيمة إلى أن تفتحوا عيونكم فتجدوا أنفسكم على حافة الهاوية، وحينها قد لا ينفع الندم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك