2018/10/13

لن نتنازل عن 110 مليار دولار من أجل صحفي منهار

إذا رغبت في أن تشهر أي شئ فحاربه وقم بمنعه. إن الغبي وقصير النظر هو فقط من يحارب الفكر ويحجّر على وجهات النظر. إن الذي يخاف من النقد هو الجبان الذي يعرف بأنّه يفعل الخطأ لكنّه لا يمتلك الشجاعة لمواجهة نفسه والإعتراف بمثالبه.  
كل العالم يتابع الآن قضيّة الصحفي السعودي جمال خاشوقجي صاحب عمود مهجور في صحيفة نيويورك تايمز والذي غاب عن الأنظار منذ يوم 2 أكتوبر 2018 وهو بداخل سفارة بلاده في تركيا.
ولد جمال خاشوقجي عام 1959 في المدينة المنوّرة لعائلة خاشوقجي ذات الجذور التركية والتي إستوطنت الحجاز قبل 500 سنة، فكان منها وزراء ومؤذّنون في المسجد النبوي أبرزهم عبد الرحمن خاشوقجي وأطباء مثل محمد خاشوقجي والد الملياردير عدنان خاشوقجي سمسار الأسلحة المعروف بتلك الصفقات المليونيّة المشبوهة . جمال خاشوقجي هو متعهّد زواج، إذ يحكى عنه بأنّه متزوّج ومطلّق لعدد من المرّات كان ربّما آخرها زواجه من الدكتورة آلاء محمود نصيف في عام 2010، وتداولت الأنباء إسم خديجة جنكيز الباحثة في الشأن العُماني وهي تركيّة الأصل كخطيبة مفترضة له خلال أزمة إختفائه الحاليّة.
جمال خاشوقجي هو ربّما أكبر ما يقال عنه بأنّه صحافي موهوب كان قد مرّ بالكثير من التجارب الصحفيّة والإذاعيّة الفاشلة، وكانت آخر أنشطته الصحافيّة ككاتب لعمود صحفي في جريدة الواشنطن بوسط والتي قد تكون أكبر موقع صحافي وصله حتى الآن.
كان جمال الخاشوقجي ينتمي إلى جوقة الممجّدين للعائلة الحاكمة في السعوديّة وعمل منذ العام 2004 كمستشار إعلامي للأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز(السفير السعودي في لندن) وحتى إنضمامه إلى صحيفة الواشنطن بوسط التي مازال بها حتى يوم إختفائه عن الأنظار.
من هنا نرى بكل جلاء بأن السيّد جمال خاشوقجي لم يكن شخصيّة إعتباريّة ولم يكن صحفي من النوع الكبير أو المرموق لكن إختفائه في سفارة بلاده في تركيا إستغلّته قناة الجزيرة ومن ورائها كل الإخوانيين كبطل معارض للحكم السعودي مع أنّه لم ينتقد الأسرة الحاكمة في السعوديّة على الإطلاق بل كان من بين الأبواق التي تسبّح بمجد آل سعود. يعتقد بأن جمال الخاشوقجي كان قد إنتقد مرّة أو إثنتين المذاهب السلفيّة التي ينتمي إليها المذهب الوهابي وربّما كان ذلك الإنتقاد المحتشم يصب في خانة مؤازرة أسرة آل سعود التي يربطها بالسلفية الوهابيّة عقد زواج غير شرعي منذ عام 1744م حيث قامت الدولة السعودية الأولى حينما تم الإتفاق بين أمير الدرعية حينها محمد بن سعود والشيخ الحنفي تابع إبن تيميّة محمد بن عبد الوهاب على القبول بمحمّد بن عبد الوهّاب كصاحب مذهب سلفي متشدّد والقبول بمنهجه كمذهب رسمي ووحيد في المملكة التي نشأت عن ذلك وهو ما نعرفه اليوم بالمذهب الوهابي وأن يكون الأمير محمد بن سعود إماما للمسلمين وذريته من بعده ، و هو ما عرف باتفاق الدرعية، وكان من شروط ذلك الإتفاق أن يلتزم الشيخ محمد بن عبد الوهاب بمبايعة محمّد بن سعود على أن يكون ملكاً للسعوديّة التي أعلنت وقتها وبقى ذلك الإتفاق الملزم للطرفين إلى يومنا هذا لكنّه الآن ربّما يشهد آخر أيّامه بعد عمليّات السجن والتغييب لأتباع محمّد بن عبد الوهّاب والمحاولات الجادة التي يقودها محمّد بن سلمان لتحرير حكم آل سعود من سيطرة أتباع المذهب الوهابي المتشدّدين بعد ثبوت تورّط أتباع ذلك المذهب المتشدّد في تكوين الجماعات الجهاديّة والتي منها بكل تأكيد الطالبان والقاعدة وداعش وجبهة النصرة وأنصار الشريعة وبوكو حرام والشباب الصومالي وبقيّة الجماعات المتشدّدة التي كانت مسئولة عن كل عمليات التفجير والترويع التي شهدتها أوروبا وشمال أمريكا، والتي ربّما كانت قد بدأت بتفحيرات نيويورك في عام 2011. 
المهم في الأمر وبسبب ذلك الخصام الكبير بين إمارة قطر وبقيّة دويلات الخليج، تحوّلت عملية تغييب جمال خاشوقجي إلى قضيّة عالميّة لها علاقة وطيدة بحق العمل الصحفي وإضطهاد الصحفيين ومازالت الطبخة تجهّز على نار ساخنة تزوّدها قناة الجزيرة بما يلزم من فحم وحطب وبنزين حتى تبقى تغلي إلى أن يتم ربّما تفتيت مملكة أل سعود أو تشتيت أتباعها وتمزيق ممتلكاتها.
حينما سوئل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إمكانيّة معاقبة السعوديّة إن ثبت تورّطها في إغتيال الخاشوقجي قال ترامب بلهجته الساخرة والمتعجرفة: لست بالغبي الذي قد يفسخ صفقة بمئة وعشرة مليارات من الدولارات من أجل بعض المهاترات التي ليس لأمريكا علاقة بها ولا تهم الأمن القومي الأمريكي في شئ.
السؤال الأوّل الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا تقوم السعوديّة بإختطاف صحفي متواضع وربّما نقول عنه بأنّه صحفي مجتهد (إن كانت بالفعل قد فعلت) وتقوم بقتله بطريقة بشعة جدّاً بداخل قنصليّتها في بلد أجنبي يحكمه الإخوان المسلمون بدون أن تفكّر في العواقب وبدون أن تنتبه إلى خبث تنظيم الإخوان المسلمون ومكرهم وتعاملهم مع أكبر أنظمة التجسّس في العالم والتي منها السي أي إيه والموساد وربّما الكي جي بي أيضاً؟. لماذا لم ينتبه أغبياء السعودية إلى خطورة مثل هكذا عمل على مملكة هي الآن تعاني من مشاكل لا حصر لها وقد أصبحت اليوم عرضة لأعمال عدائيّة قد تطالها من أي إتجاه ومن أي ركن وخاصّة بالطبع إيران؟. هل فكّر النظام السعودي في معطيات وأبجديات العصر الرقمي(عصر المعلومات الذكيّة) الذي نعيش فيه الآن وكيف بإمكان هذا النظام الرقمي الذكي أن يخلق من الحبّة قبّة وأن يخرج كل المتخفّي الذي كان قبل عقد من الزمان يعبر ويمر بدون أن يعلم به أحد؟. أنا أراها شرخة حضاريّة كبيرة تفرّق بين العقلية السعوديّة الحاليّة وعقليّة عالم اليوم الذي تجاوز الذهنية السعودية بعقود من الزمان إن لم أقل بقرون منه. ماذا الذي قد تجنيه السعودية من قتل أحد مواطنيها بمثل هكذا بربريّة وعنجهيّة وغباء لا مثيل لها في عالم السياسة والديبلوماسيّة، وماذا قد يفعل صحفي مغمور لا يعلم عنه أحد ولا صيت له ضد كيان دولة بكل ترساناته الأمنية والبوليسية ووسائله التعسّفيّة؟. ماذا لو أن السعوديّة تجاهلت ذلك الصحفي من أبنائها وغضّت عنه الطرف.... هل كان سيحصل على هذه الشهرة التي يحظى بها الآن؟. 
هل تذكّرت السعوديّة تلك الهالة الكبيرة التي خلقها نظام الخميني على الكاتب المغمور والذي كان لا يعرفه أحد المدعو سلمان رشدي والذي حوّله الغباء الخميني إلى كاتب كبير وروائي عالمي كنتيجة لتلك الفتوى الغبيّة التي كانت هي بدورها تعكس غباء التفكير عندنا نحن العرب والمسلمون نتيجة لأنّنا لا نحسب ولا نعتبر ... وفوق كل ذلك لا نعترف بأخطائنا ومن ثمّ فنحن لا نتعلّم منها فنكرّرها؟!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك