2018/04/14

تأتي المصائب وتختفي المحن... الناس يذهبون ويبقى الوطن

في كل بلد قد يوجد أبطال، ولكن لا يوجد زعماء مخلّدون ولا قادة أفذاذ. علينا بأن نفكّر من أجل الوطن، فالأفراد يذهبون مهما  تعاظموا في تفكيرنا ومهما تعالوا في تقديرنا، لكن الوطن يبقى مدى الحياة مهما صغر في عيوننا ومهما رخص في حساباتنا. 
كثر الحديث وكثر اللغط خلال اليومين الماضيين عن ما حدث للمشير خليفة حفتر، وهل هو مازال على قيد الحياة أم أنّه لبّى نداء ربّه وإبتعد عن هذه الحياة. وسواء كانت هذه الأخبار صحيحة أو لا فإنّه يبقى في نهاية المطاف أن السيّد خليفة حفتر هو إنسان مثلنا يشمله قضاء الله وقدره، وإذا حانت ساعته فسوف ينتقل إلى عالمه الآخر مثله في ذلك مثل أي فرد منّا نحن البشر.

هناك بعض النقاط وددت أن أتوقّف عندها في هذا السياق:
  1. إن كل من يشاهد قناة النبأ التلفزيونيّة ليحسّ بأن تلك القناة هي بصدق قناة تافهة وسحطيّة إلى درجة الإبتذال. نحن نعرف بأن تلك القناة هي صوت الجماعات الدينيّة المتحالفة والتي يجمع بينها عقم التفكير وغياب البصيرة وسوء التقدير. الجماعات الدينيّة في عالمنا الإسلامي المعروف عنها أنّها لا تؤمن بالتحديث وتقاوم العصرنة... لا تعترف بالتناوب السلمي وتعتمد نظريّة التوريث. هذه الجماعات تتاجر بدين الإسلام وتتستّر بالتقوى ولين الكلام.... يبرع أصحابها في الكذب ويعيشون في عالم الأوهام. 
  2. جماعة الإخوان المسلمون كانت أكثر من إستغل وضع المشير خليفة حفتر وبشكل يبرهن على أن هذه الجماعة تحمل حقداً دفيناً لأي شئ إسمه الجيش. جماعة الإخوان هذه ترتعب من الجيش وتحسّ بأنّ وجودها مهدداً في وجود الجيش. لقد صنعت هذه الجماعة المتلوّنة والمنافقة من المشير خليفة حفتر بعبعاً بشكل مقرف ومقزّز وهي تراه في صورة شيطان أو جنّي أو ربّما غول. إن كراهية الجماعة للمشير حفتر تنبع يقيناً من عمق كرهها للجيش، ومن ثمّ فإنني أجزم يقيناً بأنّه إن ذهب حفتر فسوف تخلق الجماعة بعبعاً جديداً من قائد الجيش الذي سوف يخلفه، وهكذا سوف تفعل مع كل قائد جيش يكون همّه صنع دولة بكل مؤسّساتها الشرعيّة والتي تستمد شرعيّتها مباشرة من الشعب عن طريق صناديق الإقتراع وليس عن طريق الولاء والمبايعة.
  3. هناك مازال بيننا من يصر على عبادة الأشخاص وصناعة الزعيم وربط مصير الوطن بحياته. فبمجرّد ورود الأنباء عن إحتماليّة إصابة المشير خليفة حفتر بجلطة دماغية وبأن حياته في خطر حتى تسابقت تلك الشخوص إلى الإشارة إليه بأنّه البطل الملهم والزعيم النمطي الذي لا يمكن تعويضه وعلى أن الحياة في غيابه سوف تصبح مستحيلة.
  4. الناطق الرسمي بإسم الجيش الليبي مارس التعمية على الأخبار وأصدر بياناً بعيداً عن الواقع، وبدل أن يطمأن الناس ويخفف من روعهم وجدته من خلال بيانه الذي أصدره بالأمس بأنّه زاد الطين بلّه والمشهد أكثر ضبابيّة لأنّه حافظ على موروثات فترة الستّينات بخصوص التعامل مع الأحداث المصيريّة ولعلّ الإعلام العسكري المصري والعربي في حرب يونيو 1967 يعتبر خير مثال لما أقول.
  5. تبيّن لي من خلال هذه الأحداث الطارئة بأن الجيش الليبي يفتقد إلى جهاز التنظيم والإدارة ولا توجد له خطّة تعامل في ظروف صعبة مثل هذه. المشير خليفة حفتر لم يعيّن نائباً له تكون من أول مهامه إستلام كل صلاحيات القائد العام في حالة مرضه أو غيابه أو وفاته. غياب هذا العنصر هو ما أحدث ربكة كبيرة في قيادة الجيش في غياب المشير خليفة حفتر، وتسرّبت إلينا أخبار تشير إلى وجود صراع خفي في المناطق الشرقيّة بين الرتب الكبيرة وبعض أعيان القبائل وربّما رئيس مجلس النوّاب نفسه حول من سوف يخلف المشير في قيادة الجيش.

ومن خلال هذا التفكير رأيت أن أذكّر كل إخوتنا الليبيّين وأخواتنا الليبيّات بأن بلادنا ليست عقيمة ويتواجد من بين أهلها من بمقدوره قيادة الجيش وبأنّ الحياة في ليبيا لا تنتهي بإنتهاء الأشخاص مهما عظّمنا أدوراهم ومهما تضخّموا في نظرتنا إليهم. أريد أن أذكَر كل ليبي وكل ليبيّة بأن الأشخاص يذهبون والذي يبقى هو الوطن، فلنرى أنفسنا من خلال ليبيا بلدنا ولنرى كل شخص مهما تعاظم وكبر وتضخّم بأنَ إستبداله بغيره ليس مستحيلاً، وبأن بلادنا يتواجد بها المئات إن لم أقل الآلاف من بمقدورهم إستلام الراية والمضي بها مرتفعة.... فرجائي التخلّي عن عبادة الأشخاص والمبالغة في تضخيمهم.
هناك نقطة أخرى رأيت التنبيه إليها وهي قضيّة التوريث. أنا أنصح وبكل قوّة في حالة حدوث أي مكروه للمشير خليفة حفتر بألّا يفكّر أحد في الجيش أو مجلس النوّاب نقل مهامه لأحد من أبنائه، ولنتخلّى عن مشاريع التوريث من فضلكم. 
وفي نهاية هذا الإدراج أود أن أذكر وبكل قوة وثقة بأن المشير خليفة حفتر كان بطلاً وشجاعاً وكان وطنيّاً بإمتياز، حيث خرج في ظروف كانت شبه مستحيلة وفي أوضاع أقل ما يقال عنها بأنّها كانت مسمومة وملغّمة لكنّه بكل شجاعة خرج عن صمته وبكل رجولة واجه كل تلك المخاطر والصعاب وتمكّن من تأسيس جيش ليبي محترف برغم شح الإمكانيات وبرغم أنف الجماعات الدينيّة المؤدلجة التي إستماتت ومازالت تستميت من أجل القضاء على أي شئ إسمه الجيش. أنا أرى بأنّه يتوجّب علينا كلّنا - ليبيين وليبيات - بأن نعبّر عن تقديرنا العميق للمشير خليفة حفتر في كل ما قام به من أجل بناء جيش ليبي وتحرير المناطق الشرقيّة من طغيان رجال الدين وسماسرة الثوريّة، وفي ذلك نعتبره بطلاً ليبيّاً بإمتياز وأن نبقي إحترامنا له كما يحترم العالم الآخر أبطاله وقادته الأوفياء.

وختاماً أقول... نحن في بلداننا العربيّة يتشبّث عندنا القادة بالسلطة بشكل غبي ومريض حتى نجدهم في نهاية المطاف يمسحون كل عمل جيد قاموا به خلال فترات حكمهم الطويلة. الحاكم عندنا يصل إلى قمّته وبدل أن يستقيل حينها ويتركها لغيره فيبقى بطلاً؛ نجده بدل ذلك يتشبث بالسلطة ويصر على البقاء رغم أنوف أبناء وبنات وطنه، وبذلك تخلق له الأعداء من بين أهله فيتعامل معهم بالعنف ويظلمهم ويتحوّل إلى طاغية ومتجبّر لا يستمع إلى أحد من ناصحيه المخلصين وبذلك يخطئ ويكرّر الخطأ فيمحو بخطائه الغبيّة كل ما أنجز ويتحوّل من بطل إلى طاغية في عيون مواطنيه. من هذا المنطلق فإنّني أنصح أبناء المشير بألّا يقبلوا بالقيام بمهامه ولو لفترة إنتقالية قصيرة حتى لا يسيئوا إليه ومن أجل أن يبقوا عليه بطلاً في عيون كل الشرفاء من أبناء وبنات ليبيا.... والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك