2017/03/26

رسالة مفتوحة إلى المشير خليفة حفتر - القائد العام للجيش الليبي

السيّد المحترم خليفة أبو القاسم حفتر - بعد التحية والإحترام والتقدير:
يتابع الشعب الليبي بكل إعجاب وترقّب إنتصارات الجيش الليبي بقيادتكم الحكيمة والمهنية الراقية، وتلك الإنتصارات بكل تأكيد أعادت إلى هذا الشعب الأمل الذي طالما حلم بتحقيقه منذ أن ثار على نظام الطاغية معمّر القذّافي والذي يتمثّل في إقامة دولة عصريّة ومدنيّة ومتحضّرة على كل ربوع ليبيا بهدف اللحاق بمن سبقونا ومن أجل إعادة الكرامة لبلدنا ولأنفسنا.
إن ما تحقّق أخيراً في منطقة الهلال النفطي من إنتصارات باهرة في ظروف نعرف بأنّها كانت صعبة وشبه مستحيلة، لكن قيادتكم الحكيمة ومهنيّتكم العالية في الميدان ذلّلت الكثير من تلك الصعوبات وحقّقت الإنتصارات التي شاهدنها بأعيننا وشعرنا بوقعها الإيجابي في أنفسنا. . . فتحية حب وتقدير لكم ولكل المنتسبين للجيش الليبي الذي نرى على يديه تحقيق أحلامنا وطموحاتنا بإذن الله.
أودّ في هذا الإطار أن أنقل لكم ما أحسّه وأشعر به من أن أكثر من 900% من أبناء وبنات الشعب الليبي وفي كل ربوع ليبيا إنّما هم معكم ومع جيشهم الذي لا يرون أية بدائل له، وهذا التأييد الشعبي الكبير سوف يتحوّل إلى واقع ملموس قد يفاجئ أولئك الذين يعيشون في عالمهم الخيالي وقصورهم العاجية حيث وجودهم هناك وبأحلامهم تلك نعرف بأنّهم بعيدون كل البعد عن الواقع، ومن ثمّ فسوف تكون مفاجآتهم أبعد من توقّعاتهم وإحباطاتهم أكبر بكثير من حساباتهم.
أود سيادة المشير في البداية أن أطرح بعض الأفكار العامة والتي أراها ربّما ضروريّة من أجل رسم الصورة التي أود نقلها إليكم من دافع الحرص على أمن وسلامة بلادنا من ناحية وبرغبة كسر الجمود والإنتقال إلى الأمام حتى ربّما نتمكّن معاً من نفض غبار السنوات الست الماضية لنتحسّس معاً معالم طريقنا التي أضعناها ووجدنا أنفسنا تائهين لا نعرف إلى أية وجهة نسير.


إنّه ليس المكان ولا الزمان، وإنّما هي الإرادة في داخل الإنسان
كثيراً ما تجد البشر يبحثون عن السعادة في كل مكان وينتظرون حدوثها مع كل قابل من الزمان وهم قد لا يعرفون بأن السعادة إنّما هي تصنع وتتعاظم في داخلهم. إن من يبحث عن المجد في محيطه سوف لن يعثر عليه ولن يبلغه، فالمجد هو ما تفكّر فيه أنت وما تستطيع أن تفعله أنت. إرادة الإنسان وقدراته والآليّة التي بها وعن طريقها يستطيع أي منّا أن يستحثّها من أجل صنع الغد، وهو من قد يقولبها ويشكّلها ويوظّبها بما يستجيب لرغباته ومطالبه وطموحاته.
نحن كثيراً ما نحلم بليبيا دولة مدنية وعصريّة ومتقدّمة، لكنّنا نبقي تلك الرغبة في ملف الأمنيات ولا نجهد أنفسنا في البحث عن الإمكانية... الآليّة... الطريقة التي يتوجّب علينا إنتهاجها لبلوغ تلك الغاية. إنّنا نحن من يصنع التغيير ولا يحق لنا إنتظار الغير ليصنعه لنا إن كنّا بالفعل نبحث عن غد واعد وحياة أكثر أمناً وآماناً.
بكل تأكيد يأتي السؤال بعد كل ذلك: وكيف بوسعنا أن نفعل إن كان غيرنا يعرقل؟.
هذا أيضاً يعتبر سؤالاً وجيهاً ويحتاج إلى إجابة شافية، لكن تلك الإجابة سوف لن تسقط علينا من السماء.... علينا بأن نبحث عنها ونجدها في داخلنا أن في محيطنا ثم بعد ذلك نمنهجها ثم نفرضها.
الذي يحدث في ليبيا الآن من فوضى وهمجية قد يعتبره البعض سابقة فريدة من نوعها وقد يظنّه آخرون بأنّه غير مسبوق. إن من يظن ذلك هو الغير مطلّع والغير عارف بمجريات الحياة وأحداث الزمن. فقد خلق الله الإنسان بميزات وعيوب وأعطاه عقل كي يستخدمه ليفعّل بعض من خواصه حسب الطلب وحسب مقتضيات الحال. البشر بكل تأكيد هم خطّاوون قبل أن يكونوا من المصلحين، ومن السهل على أي منّا بأن يهدم بناء مهما تعاظم من أن يبني مثله... تلك هي أيضاً سنّة الحياة التي علينا التعرّف عليها والإقتناع بها والتعامل وفق مقتضياتها.
في داخل كل إنسان منّا توجد إرادة وقدرات قد تكون متناهية لكنّها بكل تأكيد متعاظمة ومن السهل إستثمارها وتنميتها ثم تطويعها وتفعيلها والإنطلاق بها نحو الغد. الحياة لا يمكنها إلّا وأن تسير إلى الأمام، وعلينا بأن ننظر أمامنا إن كنا بالفعل نرغب في التحرّك من هنا إلى هناك.
من وجهة نظري فإن التفكير السليم والتمازج الأفقي ربما يمكن إعتبارهما من أهم قواعد البناء السليم لأي كيان... وكيان الدولة ليس بإستثناء. التفكير السليم هو في داخلنا، والتمازج الأفقي هو بمقدرونا... ولكن علينا البحث عن وفي الآليّة.
الآليّة أيضاً يمكن خلقها من خلال التواصل والتحادث في وجود ملكة "الإستماع". علينا بأن نكون جاهزين للإستماع إلى غيرنا والتناغم معهم بدون إستثناء إن كنا بالفعل نسعى لبناء دولتنا.
أنا شخصيّاً أرى بأنّه في غياب القوة الحاسمة لا يمكنك أن تنفّذ ما تفكّر فيه وما تسعى لتنفيذه. علينا بأن نتفق على تلك "القوة" قبل أن نفكّر في إختيار من يديرها. الجيش والشرطة أنا أرى بأن كل الليبيّين والليبيّات - مع بعض الإستثناءات التي لا تهمّتا كثيراُ - يتفقون عليهما. كيف يمكننا خلقهما، وكيف يمكن تقويتهما، وكيف يمكن بعث الإنسجام بين من ينتمي إليهما؟. تلك أسئلة تحتاج إلى تفكير وبرمجة وتخطيط في وجود رغبة "التواصل" وليس بالضرورة إليّاتها التي يمكن خلقها طالما تواجدت الرغبة.
البداية من وجهة نظري يجب بأن تكون مبادرة أكيدة من حضرتكم سيّد المشير بإعتباركم القائد العام للجيش الليبي الذي نعرفه ونرى بأنّه موجود على أرضيّة الواقع. أنا أرى حضرة المشيرخليفة حفتر بأنّه توجد بين يديك مفاتيح الحل في ليبيا وأنّه بوسعك إستخدامها من أجل تحقيق ذلك الهدف.
أنا شخصيّاً أرى بأنّك سيّد المشير قد يكون منعزلاً أو ربّما نائياً بنفسك بعض الشئ عن الواقع السياسي والإجتماعي وقد تكون لك معاذيرك بإعتبارك قائداً ميدانيّاً وتحمل في عقلك الكثير من المشاغل والهموم، لكنّك مع كل ذلك من وجهة نظري تحتاج إلى القيام بالآتي وعلى وجه السرعة:
  1. تغيير الإسم الرسمي للقوّات التي تقودها من القوّات المسلّحة العربية الليبيّة إلى القوات المسلّحة الليبيّة. هذا التغيير أنا أراه جذريّاً ومهمّا بقدر أهمية الإنتصار في المعارك الميدانيّة.
  2. الخروج على وسائل الإعلام - وأنت الآن في موقع القوّة - لتمد يد المصافحة لكل من يرغب في التصالح من بقيّة فعاليات الجيش المبعثرة في آماكن مختلفة من ليبيا بهدف توحيد الجيش الليبي وإعادة الكرامة لكل ليبيا.
  3. أتمنّى منكم سيّد المشير خليفة حفتر بأن تقولها بكل صراحة وبكل جلاء وبكل وضوح بأنّك لا تطمح إلى حكم ليبيا إلّا من خلال صناديق الإقتراع "كمدني" وبلباس مدني وليس كعسكري ولو كنت مدعوماً بالنصر المبين.
  4. أتمنّى منكم سيّد المشير خليفة حفتر بأن تخرج على وسائل الإعلام وتقولها بكل وضوح لا يقبل الشك بأنّك مع الديموقراطيّة ومع الإختيار الشعبي الحر، ومن ثم فإنّك سوف لن تتدخّل في شئون الحكم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وبأنّ دوركم سوف لن يتعدّى قيادة الجيش وتنفيذ آوامر السلطة المنتخبة من قبل الشعب الليبي لحماية الدولة الليبية من العابثين وحماية سلطاتها المنتخبة من طمع الطامعين.
  5. بأنّك سيد المشير خليفة حفتر سوف تتعهّد وأمام كل الليبيين والليبيّات بأنّك سوف تشرف على بناء جيشاً ليبيّاً مهنيّاً لا يبحث عن السلطة وإنّما يمتهن في حماية الدولة الليبي وصون حدودها من الإختراق من أية قوة في العالم. وبأنّك كذلك بمجرّد الإطمئنان على إكتمال الهيكلة التراكبيّة للجيش الليبي وبمجرّد وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وبمجرّد إستقرار البلاد فإنّك سوف تتقاعد وتترك مكانك لمن قدر على ملئه مثلك من الدماء الليبيّة الشابّة والقادرة حتى تستريح أنت وتلتهي بأمورك الخاصة معوّضاً نفسك وأسرتك عن تلك السنوات العديدة التي أمضيتها مهنيّاً بارعاً في جيش ليبيا الذي بكل تأكيد تفتخر به أنت وسوف نفتخر به نحن ونختضنه ونعتز به بإعتباره الحصن الذي يحمي بلادنا ويصون كرامتنا.
  6. مدينة طرابلس سيّد المشير لها خصوصيّة خاصّة عند كل الليبيّين والليبيّات بإعتبارها عاصمة البلاد، ولها إهتمامات دوليّة كذلك. من هنا - وأنت أعرف - يتوجّب التعامل مع العاصمة بطريقة ذكيّة وتكتيكيّة بحيث يتم التخطيط الدقيق لإنتفاض العاصمة من الداخل في وجود دعم عسكري متكامل ومبرمج بحيث يتم تحرير العاصمة بأقل خسائر بشريّة وبنويّة ممكنة حتى يعطي جيشنا الوطني إنطباعاً رائعاً لكل من سوف يراقبه عن كثب وبكل إهتمام.
  7. أولئك "السلفيّون" هم لا يختلفون إطلاقاً عن الوهابيّين، والطالبان، والدواعش، والإخوان، والليبيّة المقاتلة، وأنصار الشريعة. إنّهم كلّهم من طينة واحدة وينتمون جميعهم إلى عقليّة تفكير واحدة، وهم أخطر على ليبيا من رياح القبلي. هؤلاء البشر لا يؤمنون بشئ إسمه "الجيش" ولا يعترفون بالدولة العصريّة، ولا يستطيعون العيش بمعطيات الحاضر.. إنّهم يعيشون عوالمهم الخاصّة بهم. فرجائي... رجائي سيّد المشير إنأى بنفسك وجيشك عنهم أو أبعدهم عن الجيش الوطني إن كنت بالفعل تتوق إلى التسرّب إلى عقول وقلوب مثقّفي ليبيا وشبابها الواعد.
تلك هي النقاط التي رأيتها جوهريّة وآساسيّة إن كنا بالفعل نبحث عن مخرج لأزمة بلادنا الخانقة والمتراكبة والعصيّة على الحل بحسب المعطيات الموجودة الآن على أرض الواقع.

أنا بكل صدق أنتظر منك سيّد المشيرخليفة حفتر بأن تكون مفتاحاً للحل في ليبيا وبأن تحتفظ بمكانتك الكبيرة التي حققتها من خلال التضحية والمثابرة والشجاعة التي علينا جميعاً بأن نعترف لك بها ونقدّرك أيّما تقدير عنها.
نعم... بإمكانك سيّد المشير خليفة حفتر بأن تكون مفتاح الحل في ليبيا وأنت بكل تأكيد تقدر على ذلك، ولكن عليك من وجهة نظري - بأن تكون قنوعاً وعاقلاً ومتفتّحاً حتى تحتفظ بهذه المكانة مدى حياتك وتترك أثارها الجيّدة من بعدك - بعد عمر طويل - لأفراد أسرتك المحترمين. أنا شخصيّاً أتمنّى منك سيّد المشير خليفة حفتر بأن ترى نفسك ضابطاً وطنيّاً في الجيش الليبي وتلك هي مهنتك التي إخترتها وتلك هي المهنة الشريفة والوطنيّة التي عن جدارة وإقتدار تجيدها، وأتمنّى عليك سيّد المشير بألّا توغل في الطموح إلى أكثر من ذلك كأن ربما تحلم بحكم ليبيا لأن ذلك الحلم قد يفقدك كل ما حقّقته من مكانة وإحترام وتقدير من خلال قيادتك لحرب تحريرها والتي سوف لا محالة تكون أنت والشعب الليبي الفائزين فيها.

وختاماً إسمح لي سعادة المشير بأن أعود إلى الكلام العام لأقول لك ولي ولكل أهلنا في ليبيا بأنّه حينما يفكّر أحدنا ويتدبّر يرى الأمور بشكل أوضح، وحينها فقط لا يلغي إنتصاراته بغلطة الوقوع في شراك السلطة والطموح الغير واقعيّة. إن الإحتفاظ بقدر من البطولة قد يكون أنفع وأفيد وأجدى من الحلم بكل البطولة، إذ يمكن الإحتفاظ بالأولى بكل سهولة ولكن من الصعب بلوغ الثانية بدون إحتمالية تدمير الأولى وذلك يعني في واقع الأمر "التدمير الذاتي" الذي كثيراً ما يقع فيه قادة الجيش والحكّام العرب، ولنا في التاريخ الكثير من الأمثلة والتي من بينها بكل تأكيد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والراحل صدّام حسين، والراحل معمّر القذّافي، والراحل حافظ الأسد، والرئيس اليمني المخلوع على عبد الله صالح والأمثلة كثيرة... وكثيرة جدّاً. أنا أخشى بأن يصبح المشير عبد الفتّاح السيسي هو بدوره ضحيّة لأحلام الزعامة والتفرّد بالسلطة، وسبق لي أن نصحته بألّا ينغمس بنفسه في أوحال السلطة لكنّه فضّل بأن يمضي في الطريق حتى نهايته وقد يفقد بذلك كل تلك الإعتبارات والتقديرات التي تالها حينما أخرج مصر من مخالب الإخوان القذرة والشرسة وبذلك فقد أنقذ مصر بالفعل من شرورهم لكنّ الطريق في مصر مازالت طويلة وشائكة وقد يصبح المشير السيسي من بين المتضرّرين منها على حساب التنعمّ بأنوار السلطة وبهارج السلطان.

إن معرفة الواقع وتدبّره تمكّننا من التعرّف على أخطائه وتسهّل علينا تداركها.... فهل نفكّر ونعتبر ونقبل بالقناعة والرضا من أجل الإحتفاظ بالكرامة والتمتّع بالغد؟.

لك فائق إحترامي وتقديري سيّد المشير خليفة حفتر، وربّنا ينصركم على طغاة ليبيا الجدد الذين فاجأونا بنهمهم القوي وحبّهم الشديد للسلطة ولو كان ذلك على حساب عذابات الغلابة من أبناء وبنات هذا الشعب الذي يستحق منّا جميعاً الرأفة والرحمة والإحترام والتقدير والمعونة والمساعدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك