2016/03/25

عيد الفصح Easter or Pasch or Passover

عيد الفصح عند المسيحيين واليهود هو الإحتفال بقتل النبي عيسى (الجمعة الرائعة) وعودته للحياة (الأحد) وصعوده للسماء(الإثنين)، وبذلك تحتفل الكثير من البلاد الأوروبية بما فيها بريطانيا بعطلة الجمعة والإثنين مع عطلة نهاية الأسبوع.... وبذلك فنحن الآن ننعم بعطلة متواصلة مدّتها أربعة أيّام...ههههههه.
المهم في الأمر، أنّه في صباح هذا اليوم (حوالي العاشرة صباحاً) رن جرس الباب فقمت بإستطلاع عمّن كان يقف خلفه. فتحت الباب فوجدت إمرأتين في بداية الستّينات من أعمارهما، فحييتهما بكل أدب وبإبتسامة وفعلتا نفس الشئ.
قدّمت لي إحداهما كتيّباً صغيراً وقالت لي يمكنك الإطّلاع عليه لتعرف "لماذا ضحّى عيسى من أجل ذنوبنا". هنا إبتسمت وردّيت عليها سريعاً: عيسى لم يمت من أجل ذنوبنا، ولا يمكن لأيّ كان أن يموت من أجل ذنوب شخص آخر.
إستغربت المرأة من إجابتي وسحبت كتابها إليها قائلة: عيسى ضحّى بحياته من أجل غسل ذنوبنا وهذا إعتقاد نؤمن به .
قلت لها: إطلاقاً، لايمكن لأي كان أن يضحّي بحياته من أجل ذنوبي أو ذنوبك.
إستغربت من إجابتي وقالت لي بكل تأدّب: هل لي أن أسأل بماذا تدين... ما هو دينك؟. قلت لها: بكل هدوء وبإبتسامة: أنا مسلم.
هنا تبيّن لي أن المرأتين اللتان كانتا مستعجلتين في البدء قرّرتا المكوث أكثر فقد أعجبهما النقاش الذي لم تتوقّعانه أبداً. قالت إحداهما - وأومأت الأخرى بالموافقة بحماسة - آه، كم كان مخجلاً ما حدث بالأمس في بلجيكا من قبل إرهابيين مسلمين؟.
لم أتحفّز ولم أتضايق ولم أجزع، بل إحتفظت بهدوئي وأبقيت الإبتسامة على فمي بدون أي إحساس بالحرج... ردّيت عليهما بكل هدوء: أنا ضد هذه الممارسات وأعتبرها قمة في الإرهاب وضد الإنسانيّة. 
كانتا شغوفتين بما أقول.. وواصلت: هم لا يمثّلوا الإسلام في شئ، وممارساتهم التي شاهدناها بالأمس كانت خارجة عن الإطار الإنساني وهؤلاء البشر هم من الإرهابيين. وأضفت: الإرهاب هو تصرف فردي ولا يعبّر عن المجموعة، ولا يقتصر وجود الإرهابيين على دين الإسلام. اليهودية يوجد من بين أتباعها من المتشدّدين والإرهابيين، والمسيحيّة يوجد من بين أتباعها من المتشدّدين والإرهابيين والمثال الناصع هو تصرّفات الصليبيّين في الماضي وكيف أنّهم قتلوا غيرهم من البشر بشكل أكثر إرهاباً ممّا حدث في بروكسل. كذلك يوجد إرهابيين في الهندوسية وفي البوذية، ويوجد إرهابيين آخرين من أمثال الباسك وال أي أر إيه، وبادر ماينهوف، والمافيا، والهاجاناه، والشتيرن، وغيرها كثير. الإرهاب ولد مع الإنسان، لأن في كل إنسان يوجد عامل الخير ويوجد عامل الشر.
هنا: وافقتا المرأتين على كلامي، وقالتا: تلك هي أفعال الشيطان، وكان عيسى يقف ضد أفعال الشيطان.
قلت على الفور: هي ليست أفعال الشيطان، بل هي أفعال البشر. كل إنسان يولد بجانب خير وجانب شر، ومن يتجاوز عنده عنصر الخير يكون طيّباً، ومن يتجاوز عنده عنصر الشر يكون شرّيراً، ومن يتساوى عنده الخير والشر يكون متعادلاً أو سلبيّاً.
لم يعجبهما مثل هذا الكلام، وردّتا قائلتين: ذلك هو الشيطان الذي يسيّر الإنسان ويدفعه إلى فعل الشر.
قلت: لا... لا علاقة للشيطان بهذا. كل إنسان يولد بإرادة في داخله، وبوسعه أن يشحذ إرادته الكامنه في كيانه ليقف أمام هواجس نفسه الشرّيرة.
ضحكتا معاً وقالت إحداهما: تلك النفس الشريرة هي الشيطان. الشيطان كان خصيم الرب وقال للرب إنّني سوف أعاند رغبتك وسوف أدفع الناس لفعل الرذيلة.
هنا قلت لهما: الشيطان ليس خصيم الرب، والشيطان هو مخلوق صغير وضعيف أمام عظمة الرب التي تسيطر على كل الكون الشاسع والمترامي الأطراف. الشيطان هو عبارة عن قطرة في محيط، ومهما كان لونها فإنّها لن تؤثّر في لون المحيط. الرب أقوى منّا جميعاً ولا يمكن للشيطان أن يعاكس قدرات الرب أو يغيّرها أو يعاندها.
هنا تداركتا الوضع وأحسستا بالضعف في هذه النقطة. قالت إحداهن ووافقتها الأخرى على الفور: نعم، كلامك هو صحيحاً، فالشيطان لا يعكس أمر الرب ولا يستطيع أن يعانده، وإنّما الشيطان يغوي الإنسان ويفسد أعماله.
قلت لهما: لا.. إطلاقاً. أنا أخصائي أعصاب وأعرف عن وظائف المخ وكيف ينحرف الإنسان عن فعل الخير نتيجة لإختلال وظيفي في طرف من أطراف الدماغ.
سألتني أحداهما وهي قد تحوّلت إلى أكثر إرتياح وطمأنينة، هل أنت تشتغل في المستشفى الجامعي؟. قلت لها نعم.
هنا بدأتا تستمعان إلي بشكل أكثر إهتماماً وأكثر تركيزاً.
قلت لهما: في مقدّمة المخ يوجد فص مهمّته تشكيل شخصية الإنسان وتكوين قدرته على فعل الأشياء بما يعرف ب"الإقدام"، وإذا حدث أي خلل في هذا الفص يتغيّر تصرّف الإنسان بشكل كبير جدّاً، وقد يصبح الإنسان منقاداً بشكل آلي، ومن ثمّ يتبع شهواته ويمارس الخطأ ونقول حينها بأنّه أتبّع نهج الشيطان. ذلك لا يعني بأن الشيطان كان قد مسكه من يده ودفعه لفعل الرذيلة، وإنّما يعني أن ذلك الإنسان نتيجة لخلل في فصّ مخّه الأمامي تحوّل من إنسان متّزن إلى إنسان تابع لنزواته الخبيثة (جانبه الردئ). لنقل عنه بأنّه يتبع الشيطان إن شئنا، لكنّني أنا كطبيب أؤمن بالقدرة... الإرادة... القوى الكامنة في داخلنا. كل إنسان له قدرات مختلفة عن الثاني في إمكانية شحذ الإرادات الكامنة وتفعيلها، ومن ثم تكون إرادة كل شخص مختلفة عن إرادة الثاني. من هنا يمكنني القول بأنّني أنا لا يمكن لأي مخلوق بأن يجرّني لفعل أي شئ أنا لست راضياً على فعله، ولا يمكن لأي شيطان مهما كان أن يغريني ويجرّني إلى فعل الرذيلة لأنّني أمتلك القدرة لمناهضته وعدم الإهتمام بوساوسه ومن ثم قهره.
كانتا تستمعان إليّ بشكل عميق وبإهتمام كبير جداً. قالت إحداهما: لكن الشيطان هو الذي يدفعنا إلى إرتكاب الخبائث، وهو من يجرّنا إلى القتل والترهيب وفعل الأثام، وبذلك فإنّ عيسى كان قد مات من أجلنا ومن أجل غسل ذنوبنا.
قلت: لا... لايمكن لأي مخلوق بأن يموت من أجلك، ومن أجل أن يمسح ذنوبك. ذنوبك التي تقترفينها سوف تنالين عقابك عنها يوم القيامة بعد أن تخضعي لحساب عادل يقوم به الرب.
وأردفت قائلاً: أنا لا تضايقني هذه الممارسات من قبل من يقولون بأنّهم من المسلمين وما هم كذلك. هم بشر يدينون بالإسلام، ولكنهم إطلاقاً لا يمثّلون الإسلام في شئ. لو جمعت جميع المتشدّدين في العالم الإسلامي فإنّك سوف لن تجمعي أكثر من 100,000 متشدّد ومجرم بإسم الإسلام في أحسن الأحوال. هل تعلمين كم يبلغ عدد المسلمين في العالم؟. عدد المسلمين في العالم اليوم وصل إلى 1700 مليون مسلم، فماذا تعني 100,000 متشدّد بالنسبة ل1700 مليون؟.
قالتا معاً: لا شئ... نسبة ضئيلة جداً، ونحن نعرف بأنّه لا ذنب للمسلمين فيما يقوم به بعض المجرمين بإسم الإسلام.
هنا وجدت فرصتي لآثبّت الفكرة.. قلت: الدين - وأي دين - بما في ذلك الأديان الغير إلهيّة (نحن المسلمون نؤمن بأن اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام هي ديانات سماوية، وعلينا كمسلمين أن نعترف بموسى وعيسى كأنبياء قبل أن نكون مسلمين).
قالتا: نعم، ونحن نعرف ذلك عن المسلمين.
واصلت قائلاً: أنا لا أتضايق من أفعال هؤلاء المشعوذين، فهي بالنسبة لنا عبارة عن كبوة وسوف تزول. إنّها حكمة الله أن يبتلينا من حين لآخر ببلوة نتعلّم منها كيف نستعد لحياتنا.
هنا تدخّلتا بكل قوّة: الله لايمكن إطلاقاً أن يسبّب أذى للإنسان. إن ذلك هو فعل الشيطان، فالله لا يمكن أن يؤذي الإنسان... الله هو رحيم ولا يفعل غير الخير للبشر.
قلت: لا... الجوع والعطش، المرض والصحّة، الحرب والسلام، الكوارث الطبيعية والزلازل.. هذه كلّها إبتلاءات من الله بدونها لا يمكننا إطلاقاً تعلّم كيف نسيطر على حياتنا. لولا المرض لما إستطعنا أن نكتشف الأدوية والعلاج، ولولا العطش لما أحسسنا بقيمة الماء، ولولا الإرهاب لما شعرنا بقيمة السلام والمعاملة الحسنة بين البشر. إن الزلازل هي من قرّب بين أمريكا وخصيمتها اللدودة إيران منذ بضعة سنوات حينما حدث في إيران زلزال مدمّر. تلك هي أفعال الله وهي محسوبة ومدبّرة ومعتبرة لأهداف يعرفها الله أكثر منّا كبشر.
قالتا: لا... كل الشرور هي من صنع الشيطان، والله لا يمكنه أن يؤذي البشر.
قالت إحداهنً: أنا أعاني من إكتئاب ثنائي القطب Bipolar Depression وأسيطر على حالتي بقهري للشيطان بأن أكون قويّة وبأن لا أترك هذا المرض يسيطر عليّ.
قلت: نعم، وأنا كثيراً ما أعالج الكآبة بالكلام ونادراً ما أستخدم العقاقير لعلاج هذه الحالة. العلاج المثالي للإكتئاب بكل أنواعه هو بإعادة الثقة بالنفس للمصاب وفتح الأبواب أمامه كي يرى العالم من حوله أوسع وأكبر ويجد لنفسه مكاناً فيه.
أعجبهما هذا الكلام كثيراً، وشكرتاني على الوقت الذي حضيتهما به كما قالتا، وأضافت إحداهنّ: اتمنّى بأن أزورك في المستشفى، فأنت ربما أحسن من يساعدني في السيطرة على حالة الإكتئاب التي أعاني منها لعدد كبير من السنين.
قلت لها: تفضّلي، وفي أي وقت، وسوف أكون معيناً لك بما أقدر.
شكرتاني وإعتذرتا للإنصراف، مع أن النقاش كان ممتعاً جدّاً كما قالتا..... 
تمنّيت لهما "فصحاً" مباركاً ويوما ربيعياً سعيداً... وإنصرفتا لتخدير عقول بعض الجيران ربّما !.

بكل تأكيد، لم يصلب عيسى ولم يقتل ولم يعود إلى الحياة من جديد، ولم يضحّي بحياته من أجل ذنوبنا، ولم يكن عيسى "المنقذ" The Savior بسبب أنّه مات من أجلنا، وإنّما قد يكون عيسى منقذاً، وقد يكون محمد منقذاً بما أتوا به للبشر من تعاليم ونواهي تهدف إلى حياة أكثر أمناً وسلاماً وآخرة أقل ضرراً. قال الله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}.
من هنا، يمكن القول بأن عيد الفصح ما هو إلّا كذبة وبدعة وإعتقاد خاطئ نتيجة لفهم خاطئ، ولكن أنّى لهم أن يفقهوا.
* * *
وإلحاقاً على تعليقات القرّاء والقارئات على هذا الموضوع من خلال الفيسبوك، وددت أن أضيف المزيد من الخلفيّات التي كنت إكستبتها عبر السنين من خلال مناقشاتي مع المسحيين وأصحاب الديانات الأخرى مبرهناً بذلك على أن الهروب من هؤلاء الناس لا يجدي ومواجهتهم هي أيضاً لاتجدي. الطريق الوحيد للتعامل معهم كما أرى هو من خلال الإستماع إليهم ومناقشتهم في كل ما يقولون بشرط أن تكون لك خلفيّة معتبرة عن طريقة تفكيرهم وإعتقاداتهم حتّى تستطيع إقناعهم بوجهة نظرك، أو على الأقل تحظى بإستماعهم إليك..... وتلك في حد ذاتها تعتبر - من وجهة نظري - خطوة في الإتّجاه الصحيح. 
أنا بصدق أحبّهم جداً (رجال الكنيسة) ودائماً أتمنّى مرورهم ببيتنا !. 
أنا أجدهم في الغالب ضعفاء ويحملون فكراً مستهلكاً هم أنفسهم لايفقهون فيه كثيراً. أنا أجدهم مطيّة سهلة، ودائماً أتركهم يذهبون ربما متحسّرين مقابلتي لأنّني أشعرهم بالخجل لضعف فهمهم لما يدعون إليه. أتذكّر أنّني في أوّل مرّة دحلت فيها بريطانيا حينما كنت طالباً في السنة الثالثة في كليّة الطب حيث أرسلونا كلّنا كدفعة كاملة لبريطانيا لمدّة شهر من أجل حضور بعض النشاطات العلمية في جامعة لندن...
أتذكّر أنني في إحدى الأمسيات كنت جالساً في ميدان ليستر في وسط لندن وفجأة جاءتني عجوزة مؤدّبة وهادئة وإقتربت منّي بكل لطافة (تتخرمد !) وسألتني إن كنت أتكلّم الإنجليزيّة. قلت لها.. نعم. قالت لي لحظة... وإنصرفت مسرعة ولم أدري حينها لماذا فعلت ذلك. بعد خمسة دقائق عادت ومعها شابّة من أتباع الكنيسة وتركتها معي.
بدأت الفتاة تحدّثني عن عيسى المنقذ، وكيف أنّه مات من أجل ذنوبنا، وكيف يتوجّب علينا الإعتقاد بالمسلّمات الخمسة Dogmas وإسترسلت في الحديث عن عيسى إبن الله وعن الثلاثية الدينيّة عندهم (الله وعيسى والروح المقدّسة) مستغلّة صمتي وإهتمامي بما تقول. وبعد أن أعطيتها حوالي 10 دقائق وأنا أستمع إليها بكل شغف وإهتمام نسجت خلالها في عقلي خطّة هجوم مضادّة محبوكة ومدروسة جيّداً، وما لبثت أن إبتديت الهجوم القوي، فلم تتمكّن تلك الشابّة من الرد على الكثير من أسئلتي وهي تصب في جوهرها في الإعتقاد المسيحي، وبالفعل لم تجد ما تجيبني به على الكثير من الأسئلة التي طرحتها عليها وخاصّة تلك التي تتعلّق ببنويّة عيىسى للرب والإيمان بالمسلّمات بدون نقاش والكثير من الأشياء المحيّرة في كلامها والتي إكتشفت وقتها بأنّها لم تكن تتوقّع أسئلة عنها بذلك الشكل؛ فغيري ربما لا يستمع أو يستمع ويقتنع ولا يقدم على المواجهة. حسّت تلك الشابة بضحالة فهمها للدين، وأبانت لي ضعفها وسطحية ثقافتها وقالت لي بالحرف الواحد: أنا الآن أحس بالخجل لأنّني لم أتمكّن من الإجابة على الكثير من أسئلتك. بعد ذلك إعتذرت منّي وإنصرفت لحالها ولم تترك وراءها عندي غير المزيد من الثقة بالنفس والإعتداد بما أؤمن به، وهو أن الإنسان الواثق لا يخاف من الغير حتى وإن إختلفوا معه في الإعتقاد. علينا بألّا نهرب منهم وألّا نتحسّس منهم أو نتجنّبهم إن هم أرادوا الحديث معنا، فهم أسهل بكثير ممّا نظنّهم عليه. أنا أتعامل معهم بكل لطافة وإحترام وهذا يعطيهم الشعور بأنّ المسلم هو إنسان يستمع ويناقش ويتبادل الاراء ولا يتحسّس من وجهة النظر المخالفة. 
تلك كانت أوّل قصّة لي معهم جماعة التبشير، وكانت لي خلفيّة محترمة في ليبيا عن المسيحيّة، فقد كان لي صديقاً بولنديّاً وهو أستاذ عمارة في كليّة الهندسة كنت أعرفه وأعرف زوجته المثقّفة جداً وهي أمينة مكتبات وخلفيتها الثقافية رائعة وعميقة بشكل موسّع. كنت كثيراً ما أذهب إلى بيتهم (يعزموني بالطبع !) وهناك نبدأ في نقاشات فلسفية عن الدين والسياسة وفي الكثير من الأمور الحياتيّة الأخرى، وكان هو (الدكتور) فكره إلى حد ما منغلقاً على الكاثوليكيّة (شبيهة إلى حد كبير بالإسلام) وعلومه عن الدين كانت أفكاره في هذا الإطار إلى حد ما كهنوتية- كنسية متشدّدة ومنغلقة مثل شيوخ الدين عندنا، فكان يبدأ نقاشاً وسرعان ما أردّه عليه بالحجة والدليل وأجد زوجته سرعان ما تقف إلى جانبي وتدعم فكرتي، فكان هو يحسّ بالضعف أمامنا وكنت أنا في ذلك العمر أحسّ بالإنتصار على أستاذ جامعة... ههههه.
كنّا أصدقاء مقرّبين جداً لآنهما بصدق كانا من خيرة الناس أدباً وخلقاً وثقافة وإنفتاحاً، وهما كانا من فتح لي الطريق نحو "كراكوف" التي زرتها ثلاثة مرّات ومكثت فيها عدّة أشهر، وأعطني زودة صديقي رسالة إلى أمّها لتقيمني في بيتها في وسط كراكوف وبالفعل زرت أمّها في بيتها وكانت إمرأة مسنّة لكنّها مرفّهة ومتحضّرة وعصريّة في تصميم بيتها في مقتنياتها النفيسة بداخله. أصرّت على أنّني أبقى في بيتها طيلة إقامتي في كراكوف ولم تقبل منّي أي مال، فأحسست ببعض التضيّق والخجل من الإقامة في بيتها "عالة" عليها. أقمت في بيتها أسبوعاً واحداً إخترعت خلاله بعض الأعذار المقنعة مما دفعها للسماح لي بالإقامة في مكان آخر على شرط أن أزورها وأحضر غذاء معها من حين لآخر... وفعلت وفاء بعهدي لها !.....
تلك كانت ذكريات رائعة وأيّاماً سعيدة في حياتي. المهم أنّني تعلّمت من صديقي البولندي وزوجته الكثير جداً عن المسيحية والكاثوليكية بما رغّبني في التعرّف على المزيد والإطّلاع، وبذلك فأنا أحب الإختلاط بهؤلاء ومناقشتهم لأنّني بسرعة أكتشف نقاط ضعفهم وغبائهم في أمور كثيرة تخص دينهم لأنّهم يلقّنون هكذا بدون نقاش كما يفعل كهنة الدين عندنا.
عندما ذهبت إلى لندن بعد ذلك للدراسات العليا والتدريب في لندن صحبة صديق الشباب والكهولة الدكتورعبد الحكيم قطنّش، كنا نقيم في منطقة "كرويدون" في بيت لوحدنا، وكان كل جيراننا من الإنجليز وكثيراً ما كان يأتينا جماعة الكنيسة يدقّون على الباب، وكنت أنا من يخرج إليهم ويتناقش معهم أحياناً بالساعة وأكثر.
تلك الأيّام هي ما ولّد لديّ الرغبة في النقاش والحوار والمجادلة ومنها تعلّمت كيف يكون "راسي كاسح" و"عنايدي" كما يقول الصديق الأبدي د. عبد الحكيم قطنّش الذي يختصرني دائماً بجملة "عنزة ولو طارت".... هههههههههه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك