2016/03/22

أضواء توعويّة على فكر السلفيّة

إن الذي يصنع الحياة ويطوّرها وينمّيها ويرفع من قيمها ومعانيها هو العلم والمنطق وإستخدام ملكات العقل. الإنسان الذي يفكّر هو ذلك الذي يحسب، ومن يحسب نادراً ما يقع في الخطأ. حينما يقع الحاسب في الخطأ يتعلّم منه، ومن ثمّ فهو لا يكرّر أخطائه؛ وتلك هي في حد ذاتها تعتبر تقدّماً وإنتقالاً من هنا إلى هناك.


لو عدنا إلى أوّل تأسيس للسلفية على يد أحمد بن حنبل في القرن الرابع للهجرة.. أي ما يزيد عن 400 سنة بعد وفاة الرسول، نجد أن فكر إبن حنبل يعتمد أساساً وربما حصريّاً على الدعوة للعودة إلى كل أقوال الرسول (المنسوبة إليه) وأفعاله (المرويّة عنه) من قبل أناس عاشوا في فترة زمنية تتجاوز المائتين سنة (قرنين من الزمان) حدثت خلالها حروباً مدمّرة قضت على الأخضر واليابس كان من بينها بالطبع ما نعرفه ب"الفتنة الكبرى" التي هجّرت كل من بقى من المسلمين في مكّة والمدينة إلى بلاد الحبشة وفارس واليمن والعراق وسوريا ولم يحملوا معهم أي تراث مكتوب على الإطلاق. 
أحمد إبن حنبل - مؤسّس السلفيّة
وقف إبن حنبل ضد أي تجديد أو تغيير أو بحث أو تفكير إستحداثي ومن ضمن ما وقف ضدّه أبو حنبل هو العلوم المترجمة عن الإغريق وأفكار وعلماء المسلمين التجيديّة والبحثيّة والتدبّرية في الكون وفي الخلق وفي علوم الحياة على إعتبار أن ذلك سوف يقود إلى الشك والشك يدفع إلى الردّة وإنكار وجود الله.
تلك كانت خلاصة الفكر السلفي على يد أحمد بن حنبل، وتعريف السلفية في اللغة العربية هو: السَّلَف - بفتح السين واللام - يكشف عنها في مادة (س ل ف) وهو ((((ما مضى وانقضى))))؛ ويكفيني ذلك التعريف للحكم على الفكر السلفي الرجعي والإنعزالي. حارب كل المبدعين المسلمين فكر أبو حنبل حتى تمكّنوا من القضاء عليه وإبعاده بإعتباره يقف ضد التجديد والبحث والتطوّر.
بقى الفكر السلفي مهجوراً ومنسيّاً ومبعداً إلى العام 656هـ، أي بعد أكثر من قرنين من الزمان، حينما ظهر "إين تيميّة" (رب الفكر الوهابي) بدعوته لإحياء الفكر السلفي. وحارب المجدّدون الإسلاميّون فكر إبن تيميّة وتمكّنوا من إبعاده وحذفه من جديد وفق نفس المعايير والمحاذير السابقة، وبقى الفكر السلفي طي النسيان وبعيداً عن الأنظار إلّا ما كان في الخفاء (الكهوف والحفر ) إلى أن عاود الفكر السلفي إلى الظهور من جديد في القرن الثامن عشر الميلادي على يد محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية، وكانت دعوته في هذه المرّة قد واكبت عصر إنحطاط وأفول نجم الدولة العثمانية وصعود الإستعمار الغربي.

كان لهذه الدعوة الكثير من المتعاطفين نتيجة للظروف الصعبة التي كانت تمر بها بلاد المسلمين ونتيجة لخوف المسلمين على إنحسار الإسلام ولجوء الكثير من المسلمين إلى التنكّر لدين الله(الكفر أو الردّة)، وكان الخوف الأكبر بكل تأكيد على بلاد الحجاز من أن تلتهمها القوى الإستعماريّة وتستولي على الآماكن المقدّسة (الكعبة والحرمين) فكانت هذه المخاوف والعواطف الجيّاشة والخوف على الإسلام والأكثر من ذلك الخوف على وقوع الآماكن المقدّسة تحت الهيمنة المسيحيّة ما قد يفتح الطريق لعودة الغزوات الصليبيّة من جديد ...
كانت كل تلك الظروف مشجّعة جدّاً لنمو الفكر السلفي خاصّة وأن الإسلام كان قد شهد تفسّخاً وإنحلالاً كبيرين على يد سلاطين العثمانيين وخاصّة في العهد العثماني الثاني حيث بلغ الفساد أوجه وإنتشر في كل أرجاء الإمبراطورية العجوز التي كانت تحتضر حتى قبل إندحارها في الحرب العالمية الأولى وحتى عام 1918.
 
تلك كانت الخلفيّة التاريحيّة للفكر السلفي والتي تبيّن كيف كان منبوذاً هذا الفكر منذ أوّل نشأته، والملفت في الأمر أن هذا الفكر الغريب كان منبوذاً من المسلمين أنفسهم لأنّه كان يقف حائلاً أمام التطوّر والحداثة ومانعاً لهما بكل قوّة وعنف أحياناً. 

أمّا بخصوص تشعّبات الفكر السلفي، فإن جميع من يؤمن بهذا الفكر هو في واقع الأمر يؤمن بنفس المفاهيم والمعايير والحيثيات التي ترتبط به، ولا فرق هنا إطلاقاً بين سلفي وآخر إلّا في كم التشدّد وسرعة اللجوء إلى ردّة الفعل مع الطرف الآخر والتي تبدأ بالتكفير وتنتهي بالقتل والسلح والذبح والتمثيل بالجثث على آساس أن أصحابها من الكفّار. أي أن الفكر السلفي هو فكر تكفيري إقصائي بإميتاز ولا يقبل إطلاقاً الطرف الآخر ولا يقبل النقاش أو الحوار على أساس أن كل سلفي يجب أن يتبع ولا يناقش (مسلّمات). 

وخلاصة القول: إن جميع التشكيلات والتنظيمات والأجسام السلفية هي من صلب واحد وتؤمن بفكر واحد ولا تختلف إلّا في القبول بدرجة العنف وكم ونوع ردّات الفعل على كل من يخالفهم الرأي. إن جميع ما ظهر في العالم العربي والإسلامي من تنظيمات إرهابيّة (تتجاوز المائة تنظيم) من أمثال أنصار الشريعة، جبهة النصرة، الطالبان، القاعدة، بوكو حرام، الشباب الصومالي، داعش... وغيرها كثير هي وجوه مختلفة لعملة واحدة وهي السلفيّة الرجعية المتشدّدة والتكفيريّة، وكل هذه التنظيمات هي مدعومة من السعوديّة وبأموال الحج والعمرة التي يتجاوز ريعها في السنة ال 22 مليار دولار تدخل كلّها في خزينة آل سعود ويستفيد منها الوهابيّون الذين يجمعهم مع آل سعود حلف وجودي مرتبط ببعضه ويعود بفوائده عليهما وحدهما ولو على حساب بقية البشر. وصدق من قال: إن السعودية تفرّخ الإرهاب، وهي برهنت على أنّها كذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك