2016/02/28

أساس كل المشاكل في ليبيا

 الفرق بين التيّار الوطني والتيّار الديني هو أن الأوّل يلتزم بالصدق ويبحث عن الحلول، بينما الثاني يكذب ويراوغ ويستغل الدين لتمرير كل خزعبلاته وهو يقيناً لا يبحث عن الحلول وإنّما يخلق الأزمات لتوفير البيئة اللازمة لإستمرار وجوده على الساحة.
  


بكل تأكيد أنّنا كلّنا شاهدنا أحداث بنغازي منذ نهاية يوليو 2011 (إغتيال اللواء الشهيد عبد الفتّاح يونس يوم 28 يوليو 2011) وحتّى هذا اليوم 27 فبراير 2016، ويعرف الكثير منّا بأنّ أحداث بنغازي لم تكن عفويّة ولم تكن إعتباطيّة ولم تكن مصادفة. إن عمليات إصطياد الجيش الليبي وأفراد الأمن والمخابرات وبعض المهندسين المهنيين التابعين للجيش الليبي كانت كلّها مبرمجة ومخطّطاً لها عن سبق الإصرار والترصّد من قبل الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة، وهذه الجماعات بعضها عاد من الخارج(أفغانستان، السعوديّة، العراق، والكثير من دول أوروبا الغربية وبريطانيا على وجه الخصوص وكذلك الولايات المتحدة الأمريكيّة وربما حتى كندا شمالاً)، وبعضها الآخر هم من هربوا من السجون في ليبيا وخاصّة سجن أبوسليم وسجن الجديدة، وكل هؤلاء وأولئك ينتمون إلى الجماعات المتشدّدة التي لا تؤمن بالدولة القطريّة ولا تعترف بالديموقراطيّة أو الدولة الحديثة وفق المعايير المتعارف عليها في زماننا وإنّما يؤمنون بما يسمّى ب"دولة الخلافة" أو "الدولة الإسلاميّة" وهم من ظنّ بأنّ الثورة على نظام القذّافي كانت من صنع أيديهم وبأنّهم هم من ناضل ضد الطغيان وبأنّهم هم من حارب القذّافي الذي كانوا ينعتونه بالكافر والملحد وما إليها من الألقاب التي تتفنّن هذه الجماعات في إطلاقها على كل من لا يفكّر بطريقتهم أو لا يؤمن بفكرهم.

كان الجيش هو المستهدف الأوّل من قبل كل الجماعات الدينيّة المتشدّدة وكان يأتي بعد الجيش أجهزة الشرطة وجهاز القضاء ثم يليه كل من ينتمي إلى الخدمة المدنيّة في الدولة على إعتبار أنّهم كلّهم من "العلمانيين" وهي تعني عندهم بكل جلاء "الكفرة"، وبذلك كان المستهدف في واقع الأمر كل المتعلّمين والمثقّفين في الدولة الليبيّة، وكانت المرأة المتعلّمة هي المستهدفة مباشرة بعد أفراد الجيش وأجهزة الأمن (إغتيال الشهيدة سلوى بوقعيقيص يوم 27 يونيو 2014 مثالاً)، وكان مخطّط الجماعات الإسلاميّة القضاء على كل ما هو مدني ومتحضّر في ليبيا (إغتيال الصحفي والمثقّف عبد السلام المسماري يوم 26 يوليو 2013) حتى يخلو لهم المجال لتأسيس دولتهم المنشودة بدون معارضة من أحد.

تلك كانت من وجهة نظري هي كل أسباب المعاناة التي مرّت بها بلادنا منذ يونيو 2011 ومروراً بخطاب التحرير يوم 23 أكتوبر 2011، ثمّ إنعطافاً على مسلسل الإغتيالات الذي شهدته الكثير من المدن الليبية.... وبنغازي كانت المثال الأكثر يقيناً من بينها كلّها. هذا - والكثير غيره - يبيّن لنا جميعاً بأنّ المعركة في ليبيا هي بين التيّار الديني المتشدّد بدءاً بالمفتي وإنتهاء بمجاميع المغفّلين الذين صدّقوا ما سمعوا وظنّوا بأنّ ما حدث في ليبيا كان ثورة "إسلاميّة" ولم يكن ثورة "وطنيّة"، وبأنّهم شهدوا فجر الإسلام وهو يبزغ من جديد منذ إنبلاج ثورة 17 فبراير 2011 والتي أسرعوا لتسميتها ب"ثورة التكبير" وهي تسمية إخوانيّة بإمتياز سرعان ما تبنّتها كل الجماعات والتنظيمات الإسلاميّة حتّى أنّها أصبحت تنافس عبارة "ثورة الفاتح العظيم" التي كان يردّدها كل ليبي تنبال ومداهن وطمّاع ومتسلّق ومنافق في عهد الطاغية القذّافي.

بمجرّد أن عرفت التنظيمات الإسلاميّة بأن البساط أصبح يسحب من تحتها بعد إعلان نتائج إنتخابات يوليو 2012 والتي كانت بصدق أجمل شعلة مضيئة في تاريخ ليبيا كلّه منذ تأسيسها كدولة وحتى يومنا هذا حتى بدأت هذه المجموعات تحسّ بأن قبضتها بدأت تضعف وبأن الشعب الليبي قرّر إختيار طريقاً أخرى غير تلك التي رسمتها هذه الجماعات في خيال قادتها الذين كانوا يظنّون - أو على الأقل يمنّون أنفسهم - بأن الشعب الليبي بعد القضاء على نظام القذّافي سوف يحتضنهم بالأعماق وسوف يسير خلفهم ويبارك دولة دينيّة مثل تلك التي في إيران بعد ثورة الإمام الخميني أو على الأقل مثل تلك التي في السعوديّة أو العراق بعد الثورة على صدّام حسين. 
أصيبت الجماعات الدينية بخيبة أمل كبيرة ومرعبة بالنسبة لهم، وكان أوّل من دق نواقيس الخطر هو الدكتور علي الصلّابي كما نعرف حينما خرج جهارة ليصب حمم غضبه وبرك حقده على الدكتور محمود جبريل في 12 سبتمبر 2011 ومن حينها بدأ الشرخ يتّسع بين الجماعات الدينيّة والتيّار الوطني الذي بكل وضوح كان ينتمي إليه كل الوطنيين الليبيين والوطنيّات الليبيّات وهم من صوّت ضد الإخوان والتيّارت الدينيّة في إنتخابات يوليو 2012.
من هنا يمكن القول وبدون تعدّ على أحد أو إنحياز لأية جهة بأن الصراع في ليبيا من حينها وحتى يومنا هذا هو بين التيّار الديني والتيّار الوطني، ولا أقبل أنا شخصيّاً أي صراع حقيقي في ليبيا غير هذا. إنّنا لو إتفقنا على هذا التوصيف للصراع في ليبيا فسوف يكون بوسع كل منّا تحديد موقفه منه وإعلان إنحيازه للجهة التي يراها تخدم مصالحه وتحقّق غاياته. فمن يرى مصالحه تتحقّق من خلال تأسيس دولة عصريّة ومدنيّة ومتطوّرة ومتحضّرة فإنّه بكل ثقة سوف ينضم إلى التيّار الوطني، ومن يرى مصالحه تتحقّق من خلال إعادة الماضي فسوف ينحاز إلى التيّارات الدينيّة التي تحارب الدولة وتقف ضد تشكيل مؤسّساتها العصريّة.

تحرير بنغازي سوف يرسم الخريطة المستقبلية لكلّ ليبيا

أنا أرى بأن تحرير بنغازي هو أكبر بكثير من مجرّد تحرير ثاني مدينة في ليبيا، وهو أكبر بكثير من تحرير "مدينة الثورة" أو مدينة "الشرارة الأولى" أو "ربّاية الذايح". إن تحرر بنغازي هو في واقع الأمر سوف يرسم معالم كل مستقبل ليبيا من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها.
إن تحرير كامل بنغازي - وهو وشيك - سوف ربّما يكون الطريق الأكيد لتحرير كل ليبيا ومن ثمّ بناء دولة عصريّة بكل مؤسّساتها المدنية والحديثة، أو أنّه ربّما يكون بداية لتقسيم ليبيا وتفكيكها كدولة. إن الذي سوف يختار الوجهة هو "الشعب الليبي" وليس أحد غيره. الشعب الليبي هو من سوف يختار النقلة الموالية لتحرير بنغازي و"كش مات" لكل الجماعات الدينيّة (التيّار الديني).
في حالة إحتضان جموع الشعب الليبي في غرب ليبيا وفي جنوبها رياح التحرّر وإستنشاقها فإن ثورة عارمة سوف تحدث في ليبيا وسوف يكون التيّار الديني هو ضحّيتها بكل تأكيد، وهذه الثورة العارمة سوف تصحّح كل مآلات ثورة 17 فبراير 2011 التي تم العبث بها وتغيير وجهاتها.

في المقابل، في حالة تعّنت التيّار الديني في غرب البلاد وتشبّثه بإنتهاج كل آساليب العنف والخداع والتآمر والإرتهان في أحضان من هم خارج ليبيا ولا ينتمون إليها بما فيهم بكل تأكيد القوى الغربيّة التي لا يسعدها تكوين دولة عصريّة في ليبيا... في مثل هذه الحالات فإن التقسيم هو المصير المحتوم للدولة الليبيّة ومن هناك - لمن قد لا يدرك عمق المأساة أو المأسي - تنتهي الدولة الليبية كدولة، وينتهي الشعب الليبي كشعب؛ بل ليس ذلك فقط، وإنّما تحويل هذه المنطقة إلى صراعات دائمة ومستديمة يكون مخرجها الوحيد هو "العدم".


من هنا فإنّني أهيب بكل ليبي وبكل ليبيّة أن يفكّروا ويتدبّروا ويحسبوا ويقدّروا ويتريّثوا قبل التفكير في النقلة القادمة... الإختيار القاسي.
أنا شخصيّاً أرى الإختيار سهل ومتيسّر وهو في متناول إيدينا وعلينا تلقّفه قبل فوات الآوان. الحل يكمن في مباركة الإنتصارات في بنغازي والوقوف وراء الجيش الليبي بكل قوّة وبدون أي تردّد، وعلينا بألّا نشغل أنفسنا بالأشخاص مهما كانوا ومهما كانت مواقعهم. إن تلخيص الجيش الليبي في شخص الفريق خليفة حفتر هو إتجاه إخواني وتفكير إخواني ومنهج إخواني بإمتياز، والإخوان ليس غريباً عليهم مثل هكذا مواقف من الجيش الوطني لأنّ وجودهم يتعارض بالكامل مع وجود الجيش الوطني في أية دولة يتواجدوا فيها.
أنا أرى بأن الوقوف وراء الجيش ككيان وليس كفرد أو كرمز هو في حقيقته يعتبر وقوفاً في وجه كل مخطّطات التيّار الديني التي تؤمن بأفكار وآساليب ليس بالضرورة أنّها تخدم الشعب الليبي، بل هي لا تخدم أحداً غير هذه الجماعات المتطرّفة والتي قطعاً سوف تتقاتل مع بعضها وسوف تتناحر وسوف تتنازع على المقسّم من الوطن لتفتيته إلى قطع أصغر حتى ينتهي كل شئ في ليبيا كما إنتهت دولة الخلافة الإسلاميّة في الأندلس ودولة الخلافة العثمانيّة من بعدها. 

أنا أرى بأن الغد والمستقبل هو في تأسيس دولة عصريّة بكل مؤسّساتها الواضحة والمتفق عليها بالكامل وبكل إلتزام. دولة لا تكون فيها أية سلطات غير البرلمان والحكومة والقضاء والجيش والشرطة. هذه الخماسيّة هي بكل يقين الخماسية السحرية التي تصنع الدولة العصريّة ولا يمكن القبول بأي ضلع سادس لهذا المخمّس إلّا وأن يكون في داخله ومن توابعه وملحقاته. علينا بأن نكون واضحين وعارفين في هذا المضمار حتى لا نجد أنفسنا نعاني كما تعاني العراق وكما تعاني إيران وكما تعاني السعوديّة. علينا بألّا نتقبّل أية سلطة أخرى مهما كانت تسميتها ومهما كان مبرّر وجودها، ويجب بالّا تسيطر علينا عواطفنا فتدفعنا لقبول قوى تتبع المفتي وقوى تتبع الإمام الأكبر وقوى تتبع الفقيه وما إليها من المسمّيات التي لا هدف لها غير القبول برجال الدين ليحكموا الدولة العصرية وفتح الباب للتناقض الكبير بين الماضي والحاضر والذي سوف يكون المستقبل هو ضحيّته الكبرى.... وأنا هنا أعني "أجيالنا القادمة" لمن يهمّه الأمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك