الحياة خلقها الله وفق حساباته وتقديراته ولا دخل لنا في مجرياتها الكونيّة. نحن فقط نستطيع تسيير أمورنا الخاصّة بنا، وتلك أعطانا الله فيها الصلاحيّة بعد أن كان قد زوّدنا بكتاب فيه الكثير من الإرشادات التي لو أنّنا تتبّعناها وتفاهمنا حولها لكانت قد فتحت أمامنا سبلاً نحن في أمسّ الحاجة إليها.
أحكي لكم هنا حكايتين حقيقيتين وقعتا حديثاً وفيهما الدليل الأكيد بأنّه وكما قال ربّنا: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *-* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. نعم... علينا بألّا نيأس وألّا نحسّ بأننا وحدنا في هذا لكون إن أصابتنا مصيبة فلا حامي ولا صائن لنا. لقد خلقنا الله وخلق لنا رزقنا، فعلينا البحث عنه وإيجاده ونحن على ثقة بأن الله سوف لن يتركنا بدون عناية.
نعم... هناك الكثير من البشر من يذهبون نتيجة لأخطاء غيرهم ولا ذنب لهم فيما حصل لهم، ونعم هناك الكثير ممّن يعبدون الله ويخلصون له ومع ذلك نجدهم يقعون ضحّيّة لأخطاء غيرهم. وفي المقابل نجد من لا يؤمن بوجود الله من حيث الأساس، ونجد من يعربد ويسرق ويغش ويقتل النفس البريئة بدون حق ومع ذلك ينعم بالسعادة والمال الوفير.
تلك هي سنّة الله في خلقة، وكل ما يحدث لنا لم يكن مصادفة وإنّما كان بحسابات وتقديرات وموازنات يعملها الله للحفاظ على هذا الكون كما يريده هو لا كما نريده نحن. نحن لانرى من عالم الله إلّا ما تقع عليه عيوننا، وربنا يرى كل خلقه الذي لايمكننا حصره أو أحصائه... فما بالك بنا نبصره أو نحس به.
هناك بديهية أخرى على كل مسلم منّا أن يعرفها وهي أن الله لا يعذّب الناس في الدنيا إطلاقاً، وبأن كل ما يصيبنا في دنيانا إنّما هو نتيجة لأخطاء إرتكبناها أو حسابات لم نفلح في القيام بها. إن عذاب الله لا يحدث في الدنيا إطلاقاً بعد أن أكمل الله الدين للبشر وتركهم يعيشون حيواتهم كما يحلوا لهم على أمل الإلتقاء بهم يوم الحساب حيث يحاسب كل مخلوق على ما فعل، وبعد الحساب يومئذ ينال كل إنسان جزاء ما فعل في دنياه إن كان خيراً أو كان شرّاً.
من هنا أقول لأولئك الذين يضيّعون أوقاتهم في الدعاء لله بأن ينصر الإسلام والمسلمين أو أن يحرّر لهم فلسطين، أو أن يرزقهم من حيث لا يشعرون... أقول لكل هؤلاء وفّروا عليكم وقتكم وجهودكم وبديل ذلك أخرجوا إلى العمل، وفكّروا في سبل تغيير أنماط حيواتكم فبتلك فقط تستطيعون أن تحسّنوا حظوظكم في هذه الدنيا.
من يريد أن يدعو الله في شئ فليدعوه بأن يغفر له وأن يفتح له أبواب الجنّة، وبأن يخفّف عليه يوم القيامة من ذنوبه... تلك قد يقبلها الله إن هي خرجت من إيمان صادق ومن دعوة نصوحة ومخلصة.
وعودة إلى القصّتين....
الأولى، سمعتها بالأمس من زميل أخصائي في جراحة الأعصاب. هو يعرف طبيباً من بلده جاء إلى بريطانيا ليعمل إمتحان معادلة حتى يمكنه إيجاد عمل في بريطانيا وبكل تأكيد الهجرة من بلده المسلم إلى هذا البلد "الكافر".
هذا الطبيب من جمهورية باكستان الإسلامية، وله معارف في بريطانيا. توجد لدى المعارف شابّة في عمر الزواج. الزواج في باكستان يتم بالمراسلة(مبرمج) والتواصل بين العائلات. الشاب والشابّة لا يحق لهما التدخّل في هذا الإختيار بأي شكل من الأشكال إلّا ما ندر في بعض الأسر المتحضّرة.
تم التنسيق بين عائلة الشاب وعائلة الفتاة بأن يتزّوج هذا الشاب منها. وبالفعل جاء إلى بريطانيا وتم الزواج المبرمج بدون مشاكل. زواج الطبيب الشاب من الفتاة الباكستانية-الإنجليزيّة أعطاه شرعيّة الإقامة في بريطانيا وبذلك سد هذا الجانب نافذة أمامه كان من الممكن أن تخلق له مشاكل... نافذة الإقامة وتوابعها.
حاول الشاب النجاح في إمتحان المعادلة PLAB ولكن بدون جدوى. فشل في المحاولات الأربعة المتاحة، ولم يعد بإمكانه المزيد من المحاولات. الطبيب الشاب لم يتمكّن من الحصول على إجازة للعمل في بريطانيا، ولكن نتيجة لزواجه من الشابّة المقيمة في بريطانيا والتي تنعم بإقامة دائمة وجنسيّة وجواز سفر بريطاني ظنّ بأنّه في آمان تام.
الحياة لم تكن مزهرة بالنسبة للشاب، وما كان يحلم به كلّه ذهب مع الرياح. فبعد فشله في الإمتحان، وبعد أن فقد آخر فرصة في إمكانيته للحصول على إجازة للعمل في بريطانيا... بعد هذا المصير المتأزّم أضافت له الحياة مشكلة أخرى. قرّرت زوجته الجديدة الإنفصال عنه بأمر من والديها، فالزواج كان ربما من أساسه زواج مصالح !. طلّق والدي الفتاة إبنتهم من الطبيب الشاب، ولم يبق أمامه غير العودة إلى باكستان بعد أن أنهيت إقامته لغياب ما كان يبررها.
وهو في المطار ينتظر طائرة الخطوط الباكستانية للعودة إلى بلده، كان في جيبه "جنيه واحد" إنجليزي بالطبع. ذهب إلى الماكينة وإشترى بطاقة يانصيب بالجنيه. فعل ذلك فقط لأن الجنيه سوف لن ينفعه في باكستان(للتخلّص منه !)، وعندما قام بكشط البطاقة وجد بداخلها فوزاً ب 250,000 جنيهاً
إسترلينيّاً.
تخلّف عن الرحلة، وقرّر عدم العودة إلى باكستان وهو يعرف يقيناً بأن إقامته أصبحت الآن مضمونة، وبأن حياته أصبحت هي أيضاً مضمونة بذلك الكم الهائل من الأموال. هذه القصّة حقيقيّة، ولا علاقة لها إطلاقاً بما نقرأه من حين لآخر على صفحات الفيسبوك من متناقلات لا نعرف مصدرها.
أحكي لكم هنا حكايتين حقيقيتين وقعتا حديثاً وفيهما الدليل الأكيد بأنّه وكما قال ربّنا: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *-* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. نعم... علينا بألّا نيأس وألّا نحسّ بأننا وحدنا في هذا لكون إن أصابتنا مصيبة فلا حامي ولا صائن لنا. لقد خلقنا الله وخلق لنا رزقنا، فعلينا البحث عنه وإيجاده ونحن على ثقة بأن الله سوف لن يتركنا بدون عناية.
نعم... هناك الكثير من البشر من يذهبون نتيجة لأخطاء غيرهم ولا ذنب لهم فيما حصل لهم، ونعم هناك الكثير ممّن يعبدون الله ويخلصون له ومع ذلك نجدهم يقعون ضحّيّة لأخطاء غيرهم. وفي المقابل نجد من لا يؤمن بوجود الله من حيث الأساس، ونجد من يعربد ويسرق ويغش ويقتل النفس البريئة بدون حق ومع ذلك ينعم بالسعادة والمال الوفير.
تلك هي سنّة الله في خلقة، وكل ما يحدث لنا لم يكن مصادفة وإنّما كان بحسابات وتقديرات وموازنات يعملها الله للحفاظ على هذا الكون كما يريده هو لا كما نريده نحن. نحن لانرى من عالم الله إلّا ما تقع عليه عيوننا، وربنا يرى كل خلقه الذي لايمكننا حصره أو أحصائه... فما بالك بنا نبصره أو نحس به.
هناك بديهية أخرى على كل مسلم منّا أن يعرفها وهي أن الله لا يعذّب الناس في الدنيا إطلاقاً، وبأن كل ما يصيبنا في دنيانا إنّما هو نتيجة لأخطاء إرتكبناها أو حسابات لم نفلح في القيام بها. إن عذاب الله لا يحدث في الدنيا إطلاقاً بعد أن أكمل الله الدين للبشر وتركهم يعيشون حيواتهم كما يحلوا لهم على أمل الإلتقاء بهم يوم الحساب حيث يحاسب كل مخلوق على ما فعل، وبعد الحساب يومئذ ينال كل إنسان جزاء ما فعل في دنياه إن كان خيراً أو كان شرّاً.
من هنا أقول لأولئك الذين يضيّعون أوقاتهم في الدعاء لله بأن ينصر الإسلام والمسلمين أو أن يحرّر لهم فلسطين، أو أن يرزقهم من حيث لا يشعرون... أقول لكل هؤلاء وفّروا عليكم وقتكم وجهودكم وبديل ذلك أخرجوا إلى العمل، وفكّروا في سبل تغيير أنماط حيواتكم فبتلك فقط تستطيعون أن تحسّنوا حظوظكم في هذه الدنيا.
من يريد أن يدعو الله في شئ فليدعوه بأن يغفر له وأن يفتح له أبواب الجنّة، وبأن يخفّف عليه يوم القيامة من ذنوبه... تلك قد يقبلها الله إن هي خرجت من إيمان صادق ومن دعوة نصوحة ومخلصة.
وعودة إلى القصّتين....
الأولى، سمعتها بالأمس من زميل أخصائي في جراحة الأعصاب. هو يعرف طبيباً من بلده جاء إلى بريطانيا ليعمل إمتحان معادلة حتى يمكنه إيجاد عمل في بريطانيا وبكل تأكيد الهجرة من بلده المسلم إلى هذا البلد "الكافر".
هذا الطبيب من جمهورية باكستان الإسلامية، وله معارف في بريطانيا. توجد لدى المعارف شابّة في عمر الزواج. الزواج في باكستان يتم بالمراسلة(مبرمج) والتواصل بين العائلات. الشاب والشابّة لا يحق لهما التدخّل في هذا الإختيار بأي شكل من الأشكال إلّا ما ندر في بعض الأسر المتحضّرة.
تم التنسيق بين عائلة الشاب وعائلة الفتاة بأن يتزّوج هذا الشاب منها. وبالفعل جاء إلى بريطانيا وتم الزواج المبرمج بدون مشاكل. زواج الطبيب الشاب من الفتاة الباكستانية-الإنجليزيّة أعطاه شرعيّة الإقامة في بريطانيا وبذلك سد هذا الجانب نافذة أمامه كان من الممكن أن تخلق له مشاكل... نافذة الإقامة وتوابعها.
حاول الشاب النجاح في إمتحان المعادلة PLAB ولكن بدون جدوى. فشل في المحاولات الأربعة المتاحة، ولم يعد بإمكانه المزيد من المحاولات. الطبيب الشاب لم يتمكّن من الحصول على إجازة للعمل في بريطانيا، ولكن نتيجة لزواجه من الشابّة المقيمة في بريطانيا والتي تنعم بإقامة دائمة وجنسيّة وجواز سفر بريطاني ظنّ بأنّه في آمان تام.
الحياة لم تكن مزهرة بالنسبة للشاب، وما كان يحلم به كلّه ذهب مع الرياح. فبعد فشله في الإمتحان، وبعد أن فقد آخر فرصة في إمكانيته للحصول على إجازة للعمل في بريطانيا... بعد هذا المصير المتأزّم أضافت له الحياة مشكلة أخرى. قرّرت زوجته الجديدة الإنفصال عنه بأمر من والديها، فالزواج كان ربما من أساسه زواج مصالح !. طلّق والدي الفتاة إبنتهم من الطبيب الشاب، ولم يبق أمامه غير العودة إلى باكستان بعد أن أنهيت إقامته لغياب ما كان يبررها.
وهو في المطار ينتظر طائرة الخطوط الباكستانية للعودة إلى بلده، كان في جيبه "جنيه واحد" إنجليزي بالطبع. ذهب إلى الماكينة وإشترى بطاقة يانصيب بالجنيه. فعل ذلك فقط لأن الجنيه سوف لن ينفعه في باكستان(للتخلّص منه !)، وعندما قام بكشط البطاقة وجد بداخلها فوزاً ب 250,000 جنيهاً
إسترلينيّاً.
تخلّف عن الرحلة، وقرّر عدم العودة إلى باكستان وهو يعرف يقيناً بأن إقامته أصبحت الآن مضمونة، وبأن حياته أصبحت هي أيضاً مضمونة بذلك الكم الهائل من الأموال. هذه القصّة حقيقيّة، ولا علاقة لها إطلاقاً بما نقرأه من حين لآخر على صفحات الفيسبوك من متناقلات لا نعرف مصدرها.
القصّة الثانية ربّما قرأ عنها البعض منكم، وهي كانت قد حدثت أوّل أمس فقط. شاب سنغالي عمره 35 سنة قرّر هو وزوجته الفرار من السنغال والهجرة إلى جزر الكناري في إسبانيا في عام 2007. كان نغاغن وزوجته من بين 65 مهاجراً أفريقيّاً على ظهر قارب مطّاطي من قوارب الموت التي نسمع عنها. كان الشاب وزوجته وبقية المهاجرين قد ركبوا القارب من المغرب والذي غرق في منتصف الرحلة، فقام رجال خفر السواحل الأسبان بإنقاذهم وتركوهم ليقيموا في جزر الكناري، وأقام نغاغن وزوجته من حينها في جزيرة تناريف.
كان تغانغ يقوم ببعض الأعمال الخشنة والتي نادراً ما يحصل عليها لسداد رمقه ورمق زوجته. قال تغاغن بأنّه من النادر بأن يكون في جيبه 5 يورو في أي يوم منذ عام 2007.
تغاغن قرّر يوم قبل الأمس شراء بطاقة يانصيب في اليانصيب الأسباني بمناسبة الكريسماس بالخمسة يورو التي كانت في جيبه. وشاء الحظ الذي لم يكن يحلم به مرّة واحدة في حياته بأنّه كان من بين الفائزين باليانصيب، وكان نصيبه فقط 400,000 يورو.
تلك هي الحياة... من الممكن أن تنفتح أبوابها ولا تميّز بين مسلم أو غير مسلم حينما تفعل ذلك. الحياة تتعامل مع البشر ككل ومع الكائنات الحيّة بعيداً عن اللغة والأصل والدين والإعتقاد. إن الله يتعامل مع خلقه ولا ينظر إلى تديّنهم من عدمه في الدنيا، فتلك كان الله قد تركها للآخرة حيث الحساب وفق مبادئ عدل الخالق مع خلقه.
هل نتعامل مع بعض كبشر ونترك التديّن والعبادة كعلاقة بيننا وبين الخالق؟. هل يذهب كل منّا إلى عمله ويحاول أن يحسّن من وضعه، ويجتهد من أجل التخفيف من أعباء الحياة عليه وعلى أسرته ويترك العبادة كعلاقة بينه وبين الرب؟. إنّنا يا إخوة ويا أخوات لو فكّرنا هكذا لما كنّا قد إختلفنا، ولما كنّا قد تقاتلنا، ولما كانت بلادنا قد دمّر كل شئ فيها.
هل نتوقّف قليلاً لنفكّر ونتدبّر وننظر حولنا بنظرات مختلفة وبعقليات مختلفة وبمعتقدات مختلفة تضع في الحسبان ملكة التفكير والتقدير والتدبّر، وهل نوطّد العلاقة بيننا وبين بعضنا على أساس القيم الإنسانية النبيلة التي خلقنا بها وجبلنا عليها حتى نقدر على تغليب الجوانب الحسنة بداخلنا على جوانبنا الناتجة عن أنفسنا الأمّارة بالسوء والتي هي جزء من تركيبتنا وأساساً لحياتنا وكينونتنا لأنّها هي من مشيئة الله في خلقه؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك