2014/10/05

الـرســالــــــــــة


شاهدت مقاطع من فلم "الرسالة" هذا المساء وشدّتني أحداث ومشاهد كثيرة منه فبدأت وكأنّني أشاهده للمرّة الآولى، مع أنّني ربما شاهدته بعدد سنوات عمري أو أكثر.
في كل مرّة أشاهد فلم "الرسالة" أكتشف عبر جديدة وأتعرّف على أوجه جديدة من ديننا، وأحسّ بأن هذا الدين هو بالفعل يتعرّض الآن لإساءات غير مسبوقة وهي بكل الحسابات والمقاييس تعتبر مختلفة عن كل ما سبق وان تعرّض له هذا الدين عبر العصور السابقة.
لقد حاربت الناس نبي الله ومن بينهم أهله وأبناء عشيرته وبعض من أعمامه، وحاربه كذلك الذين يؤمنون بمعتقدات أخرى ومنهم اليهود، وحارب المتشدّدون من النصارى الإسلام منذ أن جاء به رسول السلام المحبّة وإلى يومنا هذا، لكن ربّما يمكننا إعتبار الحروب الصليبيّة هي من أكبر ماتعرّض له الإسلام بأيدي غير المسلمين في الزمن الماضي.
كنت أفكّر في كل ذلك وأنا أشاهد سيّدنا محمّد وأتباعه وهم يدخلون مكّة مسالمين ومغنّيين وفرحين ولم يؤذوا أحدا في طريقهم. كنت أراقب قريش ومن بينهم أبو سفيان وزوجته هند وهم يرقبون جموع المسلمين وهي قادمة رويداً رويداً نحوهم وكانوا يتوجسّون شرّاً وبكل تأكيد كانوا يخافون على أنفسهم إنتقام أتباع محمد منهم، لكنّ المسلمون دخلوا بكل هدوء وبكل تحضّر ولم يتعرّضوا باذى لأي شخص. لم يغتصبوا ولم يدمّروا ولم يقتحموا بيوت سادة قريش ولم يستولوا على ممتلكاتهم أو مزارعهم أو حيواناتهم، ولم يسبوا نسائهم أو يحتسبونهن من الجواري. 
قال رسول الله لأتباعه بكل هدوء: "من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن"... وسمع أبو سفيان وبجانبه زوجته هند ذلك فلم يصدّقا إذ لم يخطر ببالهما حينها بأن النبي محمّد سوف لن ينتقم منهما، فهند تتذكّر يقيناً بأنّها هي من قتل عمّه حمزة وهي لامحالة تتذكّر تلك الطريقة البشعة التي إنتقمت بها منه حيّاً وميّتاً، وهي تعرف بأنّ إبن أخيه محمّد كان يرى كل ذلك بأم عينيه. قال رسول الله لأتباعه: "من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن"، ولم يسمح لأي منهم بأن ينتقم من هند أو من زوجها أو من إخوتها الذين شاركوا معها وساعدوها في القضاء على حمزة رضي الله عنه.
بكل تأكيد مرت من أمامي في تلك الآونة صور إقتحام مليشيات "فجر ليبيا" وهي تدخل طرابلس وكيف أن تلك المليشيات الحاقدة عبثت بكل شئ بدءاً من حرق ما تبقّى من المطار ومروراً بإشعال النار في ما تبقّى من خزّانات النفط وما حدث بعد ذلك من إقتحامهم لحي الأكواخ وكيف أنّهم إنتقموا شر إنتقام ممن تبقى في الحي من العجزة وكبار السن الذين لم يتمكّنوا من الفرار، وكيف أنّهم سرقوا كل ما وقعت عليه أيديهم، ثم إذا بهم يتجهون إلى غوط الشعال وقرجي ووادي الربيع وحي الأندلس فإعتدوا على أسر وأطفال من كانت أصوله زنتانيّة أو ورشفانيّة، ثم إنتقموا من كل من كان يؤيّد عملية الكرامة أو يساند مجلس النوّاب، وإنتقموا من السيّد عبد الله الثني بأن دمّروا بيته بعد أن سرقوا محتوياته. 
مرّت من أمام ناظريّ أيضاً مشاهد الذعر والخوف تلك في شوارع العاصمة والمناطق المحيطة بها، وكيف أن مليشيات "فجر ليبيا" بدأت تطارد أصحاب الرأي فإنتقمت منهم أو من أهاليهم، وكيف أنّها هاجمت وزارات الحكومة وكذلك بعض السفارات الأجنبية وكيف أنّهم رحّلوا في شاحنات كل ما وقعت عليه أيديهم بإعتبار أن ذلك كان يحتسب عندهم من الغنائم. 
حاولت حينها ربط المشهدين ببعض (دخول المسلمين لمكّة ودخول مليشيات القسورة لطرابلس) فتبيّنت علي الفروق الجوهرية بين الفريقين مع أن كل منهما كان يقول بأنّه مسلم وبأنّه إنّما أراد نصرة دين الله.
بكل تأكيد مقارنتي تلك لم تتوقّف عند مليشيات وأتباع القسورة ومن يقودهم وإنّما تمدّد خيالي إلى شرق ليبيا حيث "أنصار الشريعة" وهم يتصيّدون كل عسكري في شرق البلاد بهدف إغتياله والتخلّص منه فإستغربت حيث في نهاية فلم "الرسالة" كانت هناك بطاقة شكر وتقدير للجيس الليبي على تقديمه كل المساعدات للممثلّين والطواقم الفنية والإداريّة بما في ذلك التكفّل بحمايتهم والسهر على راحة كل منهم... قلت حينها: وحسرتاه على جيش بلادي وهو يقتل أفراده بكل حقد وبكل عنف وبكل همجيّة والفاعلون هم من يقولون بأنّهم من "أنصار الشريعة" ونحن هنا نتحدّث ليس عن شريعة الغاب بل "الشريعة الإسلاميّة".
تشعّب بي خيالي بعيد ذلك إلى خارج حدود ليبيا فمرّت من أمام ناظريّ مشاهد الذبح وقطع الرؤوس من قبل من يقولون بأنّهم من "حماة الدين" إنتقاماً من مسلمين أمثالهم. حينها بالفعل أحسست بمرارة من نوع خاص، وقلت في نفسي: إن أقسى هجوم على دين الله هو ما كان من المسلمين أنفسهم. إذا أردت أن تمحو أي عقيدة فعليك أن تحاربها من الداخل وبأيدي أتباعها.
لقد بدأ الإسلام بشخص واحد ثم كبر وترعرع حتى آمن به ما يزيد عن ملياري شخص في العالم، وحورب الإسلام عبر العصور من أشد أعدائه - أو كما تصوّرنا - لكنّ دين الله وجد طريقه إلى قلوب الناس بدون عناء رغم كل المكائد؛ أمّا ما يتعرّض له الإسلام اليوم فهو من طينة مختلفة. ما يتعرّض له الإسلام اليوم فهو حرباً قاسية ومدمّرة وخطورتها أنّها تأتيه من قبل أهله المنتمين إليه والمؤمنين به. 
الحرب على الإسلام يا سادتي يقوم بها من يقولون بأنّهم من المسلمين ومن ثمّ فإنّ هذه الحرب هي خطيرة ومدمّرة وقد تكون من نوع مختلف ونتائجها حتماً سوف تكون أكثر إساءة لدين الإسلام منذ أوّل نزوله على الناس وحتى يومنا هذا.

كتب السيّد فتحي بن عيسى في صفحته على الفيسبوك تعليقاً على فيلم الرسالة: ((بت على يقين أن مشهد فتح مكة في شريط الرسالة مفبرك بالكامل ... لا عزل .. لا انتقام .. لا حرق بيوت .. لا اعتقالات .. بكل بساطة (اذهبوا فأنتم الطلقاء) !! عليك تدليس على الرسول .. معقولة الرسول يسامح من شق بطن عمه حمزة وأكل كبده .. معقولة يسامح من كسر سنه .. كيف يغفر لمن أخرجه من مكة وجعله مهاجرا يعيش في يثرب .. كيف ينسى 3 سنوات حصار في شعب مكة ياكلوا في العشب !!.عيب على مصطفى العقاد والسحار أكيد توا في النار لكذبهم على الرسول المختارخلاص فهمنا)).
وكتبت أنا رادّا على ما كتبه السيّد فتحي بن عيسى: من حق السيّد فتحي بن عيسى أن يصدّق ما يريد، لكنني فقط أذكّره وأذكّر غيره بأنّه لو أن محمداّ لم يكن كذلك لما كان إختير من عند الله ليكون نبيّاً ورسولاً. العفو عن المقدرة ... تلك هي شيم الإسلام الحقيقيّة، وبالفعل إنتشر الإسلام على تلك الخلفيّة وبشهادة الغرب الذين أرّخوا بإنصاف للإمبراطورية العربية التي إمتدّت لإسبانيا غرباً والهند والسند شرقاً، ولعمق القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينيّة جنوباً وهنغاريا ورومانيا شمالاً. إن الذي حكّم الوندال وأعطاهم القوّة هو الإسلام حيث مكّنهم العرب من حكم البلاد التي تواجدوا فيها، وتلك كانت من خصائص الدعوة الإسلامية الحقّة. أتمنّى من السيّد فتحي بن عيسى أن يعود إلى التاريخ ويقرأ تاريخ العرب في أوائل الإسلام بدون حقد وبدون ضغينة وبدون إنحياز لعرقه ونكران لغيره من تلك النافذة وحينها سوف يعرف بأن الرسول بالفعل كان قد صفح لأبي سفيان وصفح عن زوجته هند وكان في ذلك بعد نظر لا يحتسبه إلاّ عاقل وحكيم ومؤمن بأمر الله. ألم تدخل قريش كلّها في الإسلام بعد تلك المواقف النبيلة للمسلمين بعدما فتحوا مكّة؟. ألم يدخل الكثير من اليهود في الإسلام نتيجة لقول الرسول لهم: إذهبوا فأنتم الطلقاء؟. تلك كانت هي المفاهيم الحقيقيّة للإسلام، وتلك كانت تصرّفات المسلمين الذين لم يكن لهم من هدف غير خدمة دينهم بعيداً عن المغانم والمصالح، وهذا هو ما أفسد الدين وأهان المسلمين في عالم اليوم حتى أصبحنا وللأسف يضحك علينا حتى من يعيش على هوامش التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك