2014/10/25

ماذا بعد تحرير بنغازي؟

الإنسان العاقل والواثق هو من يغلب عليه الحلم والعطف حينما ينتصر بدل أن تدفعه نشوة الإنتصار إلى الإنتقام من عدوّه والذي هو في هذه المرّة إبن بلده وليس بغريب عنه. علينا بألاّ نسمع للإنسان بأن يموت في داخلنا إن كنّا بالفعل نسعى إلى الوقوف في صف الدول المتحضّرة. 

أعتقد بأن ساعة الزمن مازالت تسير إلى الأمام وكما نعرفها، وأعتقد بأن تقدّم الجيش نحو بنغازي أصبح الآن حقيقة مثله مثل ساعة الزمن. الجيش الليبي سوف يحرّر بنغازي بالكامل، وأولئك الذين عاثوا في الأرض فساداً أراهم الآن مثل الجرذان بالفعل يبحثون عن حفر يلتجأون إليها ... ولكن إلى متى؟.
إنّنا والحالة هذه، وبينما يترقّب أهل بنغازي على وجه الخصوص وأهل ليبيا على وجه العموم إعلان الجيش الليبي لتحرير بنغازي فإنّني أود في هذه الرحبة من الزمن وبينما نحن مازلنا نستطيع أن نفكّر قبل أن تجرفنا العواطف ويعمينا الإنتصار ربما عن رؤية الواقع... أريد أن أطرح هذه النقاط الآن حتى لا نكرّر أخطاء الماضي والتي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن من مآسي وفوضى وغياب لأي تفكير سليم.

أوّلاً- الجيش:
الجيش الليبي أبهرنا خلال الأيّام القليلة الماضيّة بمقدرته الكبيرة على ضبط النفس والتحرّك بخطى كلّها محسوبة ومدروسة وثابتة وواثقة. أنا لا أجد في هذه اللحظات بجعبتي أي شئ أقوله لجيشنا البطل غير: بارك الله فيكم وسدّد خطاكم فقد تحمّلتم الكثير من أجل ليبيا، ولكن تعبكم لم يضع سدى. نصيحة واحدة لجيشنا البطل بأن يكون "حذراً" وحذراً جدّاً فالطغاة هم مازالوا في كل مكان وهم مازالوا يحقدون على على كل شئ قد يساهم في الإسراع في بناء الدولة. أريدكم أن تتعلّموا ممّا حدث يوم الجمعة الماضية للجيش المصري في سيناء حيث قتل المتشدّدون 31 عسكريّاً وجرحوا 30. عليكم يا إخوتي يا جنود وضبّاط ليبيا أن تتعلّموا من أخطاء غيركم فلا تعيدوها. الذين يحاربونكم يتصيّدون الفرص فلإنقضاض عليكم فلا تمكّنوهم من ذلك. عليك بأن تكونوا يقظين، ولا تعطوا غيركم نصراً عليكم هو لا يستحقّه. أنتم أدرى بما يتوجّب عليكم عمله، لكنّني فقط أنصح بعدم التجمّع في مكان واحد، وبأن تكون لكم أجهزة مخابرات قويّة، وبأن لا تتساهلوا في موضوع سلامتكم وبألاّ تثقوا فيمن قد يبتسم إليك. عليكم بأن تكونوا عسكريّون وأعتقد أن تلك الكلمة لوحدها كافية لتقول لكم ماذا يتوجّب عليكم عمله.

ثانياً- الناس (سكّان بنغازي):
رجائي بأن لا يغرّكم النصر وبأن لا تدفعكم زهوة الإنتصار إلى الإعتداء أو الفتك بغيركم. الذين يقفون أمامكم ويحاربونكم هم وللأسف أبناء بلدكم وهم لا يوجد لديهم مكان آخر يهربون إليه. عليكم العفو عن المقدرة، وأرجوا منكم جميعاً تذكّر قولة الرسول عليه السلام حينما فتح مكّة منتصراً "أذهبوا فأنتم الطلقاء". إن إستسلم لكم أي نفر من أنصار الشريعة أو من أولئك الذين يتبعون الدروع وأشباه الثوّار فلا تستغلّوا ضعفهم ولا يحملكم الغرور عليهم. عليكم الرفق بهم وتسليمهم للجيش بعد أن يسلّموا سلاحهم ويعلنوا بأنّهم أخطأوا في حق ليبيا.... فلا للإنتقام من أي ليبي أو ليبيّة مهما فعلوا.

ثالثاً- مجلس النوّاب:
الإخوة في مجلس النوّاب إنّكم برهنتم على مصداقياتكم وقدراتكم الرائعة على تسيير أمور البلاد في ظروف هي غاية في الصعوبة والتعقيدات. رجائي أن تنتبهوا للجانب الإنساني وأن تضعوا عيونكم على أولئك المهزومين فلا تتركوا الطرف المنتصر لينتقم منهم أو يؤذيهم. كما أنّني أنصحكم بالإسراع في توفير الخدمات لسكّان بنغازي فهم ضحّوا بكل شئ من أجل تحرير بنغازي. رجائي بأن لا تسرعوا بالإنتقال إلى بنغازي قبل تأكيد الأمن وضمن سلامتكم بالعلم والعقل وكل مستلزمات الحماية قبل إنتقالكم إلى بنغازي. 

رابعاً- الحكومة: 
الحكومة برهنت على مصداقيّتها ومقدرتها على الحسم وفي الوقت المناسب. الحكومة بيّنت على أنّها إستباقيّة ورائدة في الكثير من المواضيع وهذا كان عونا للجيش وعونا لمجلس النوّاب ومصلحة لليبيا ككل. على الحكومة أن تسرع في إتخاذ بعض القرارات الهامة مثل إقالة المفتي وتعيين البديل المناسب مكانه، وإعادة النظر في سفراء ليبيا في الخارج بما يغربل السفراء الموجودين حاليّاً كل حسب صدق إنتمائه لليبيا وحرصه على العمل من خلال مؤسّسات الدولة المعترف بها.

خامساً- بقية الشعب الليبي:
أنا أرى بأن الشعب مازال الكثير منه على الحياد، والكثير منه تم الضحك عليه من قبل إعلام "فجر ليبيا" وما يسمّى بالثوّار، وكذلك تجّار الدين. على الشعب الليبي أن يكون يقظاً وذكيّاً ومتابعاً لما يجري في بلاده. على الشعب أن ينحاز بكل صراحة ووضوح للوطن، وأن يكون مناصراً للجيش والحكومة ومجلس النوّاب. أنا أنتظر المزيد من جموع الشعب الليبي في كل أنحاء ليبيا، وما أشاهده الآن من وجهة نظري لا يرتقي إلى ما مستوى ما هو متوقّع.

سادساً- الإخوة الآمازيغ:
موقف الكثير من إخوتنا الآمازيغ لا يعجبني ولا يبشّر بخير، فالكثيرون منهم يقفون مع "فجر ليبيا" وما يسمّى بالثوّار دعما للسيّد نوري أبوسهمين وهو دعم عاطفي وعنصري بكل تأكيد، وهناك وللأسف من يظن بأنّه بمثل تلك المواقف إنّما هو يعمل على تحقيق مصالح آنيّة للأمازيغ يعتقد بأنّه في حالة إنتصار "فجر ليبيا" سوف يحقّقها لأبناء جلدته من الأمازيغ ولو كان ذلك على حساب ليبيا كبلد والليبيّين كشعب. أنا أطلب من العقلاء من إخوتنا الآمازيع بأن يفكّروا وبجديّة في مواقفهم وبأن يتذكّروا بأنّهم جزء من هذا البلد وجزء من هذا الشعب، وبأنّ مصيرهم هو مصير بقية إخوتهم من العرب، فكلّنا نركب نفس القارب وعلينا بأن نساند بعضنا البعض وإلاّ فوالله سوف لن يكون خاسراً في المستقبل غير الإخو الآمازيغ نظراً للفرق العددي بينهم وبين العرب. علينا بأن نعمل معاً كشعب موحّد وكإخوة نعيش تحت سقف واحد، وسوف يناصر بعضنا البعض من أجل وحدة بلادنا ونبذ العنصريّة البغيضة التي سوف يكون الأمازيغ أوّل ضحاياها.... فعليهم الإنتباه وهذه نصيحة من شخص لا يفرّق بين عربي وأمازيغي على الإطلاق. 
ربّنا ينصر ليبيا ويضئ الطريق أمام العقلاء من أهلها حتى يروا معالمها بوضوح فلا يقعوا في الحفر والمطبّات من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك