2014/04/18

عن أية شريعة يتحدّثون ؟

 الإنسان العاجز كثيراً ما يبحث عن الذرائع ليغطّي بها عن عجزه، والفاشل يكثر من التشبّث بما لا يستطيبه قومه حتى يبقى غريباً بينهم.

كثر أخيراً الحديث عن"الشريعة"، وخرج علينا كل من هبّ ودب وهو يطالب بتطبيق الشريعة في ليبيا. الكل يتحدّث عن ليبيا وكأنّها تايلنده أو هون كونج أو إمارة موناكو، أو أنّها إحدى دويلات العالم التي مازال أهلها يعبدون الظواهر الطبيعيّة أو الأصنام.
أليست ليبيا هي دولة إسلاميّة، وأليس كل الليبيّين بدون إستثناء هم من المسلمين؟. ألم تقولوا لنا بأن ليبيا هي بلد المليون حافظ للقرآن؟. هل إسلام الليبيّين والليبيّات هو إسلام خارج نطاق "الشريعة" أو لا يلتزم بحدود الله أو أن الليبيّين لا سامح الله هم من يعبد البقر؟.

ثمّ... وعودة لهذه الشريعة التي يلوّحون بتطبيقها علينا في ليبيا... هل يقول لنا هؤلاء المتشدّقون بتطبيق الشريعة في ليبيا عن أية شريعة هم يتحدّثون؟. هل قدّموا لنا تعريفاً للشريعة ومعالم ومحدّدات لهذه الشريعة التي يريدون تطبيقها؟.
هل بربّكم... الشريعة في مصر هي نفسها الشريعة في تونس، وهل الشريعة في السعوديّة هي نفسها الشريعة في الأردن أو سوريا، وهل الشريعة في أفغانستان هي نفسها الشريعة في المغرب، وهل الشريعة في الصومال هي نفسها الشريعة في اليمن؟. وماذا عن الشريعة في إيران والشريعة في تركيا والشريعة في إقليم البنغال والشريعة في نيجيريا... عن أية شريعة أنتم تتحدّثون يا دعاة تطبيق الشريعة في ليبيا؟.
دعوني أسألكم سؤالاً آخر حتى نكون أكثر واقعيّة.... هل الشريعة في جنوب العراق هي نفسها الشريعة في شماله، وهل الشريعة 
في شمال الصومال هي نفسها التي تطبّق في جنوبه؟.

عن أية شريعة يتحدّثون ؟


هل تعرضون علينا تطبيق شريعة الله أم شريعة الإجتهاد والغلو والتشدّد عن جهل بكل شئ في هذه الحياة.... عن أية شريعة أنتم 
تتحدّثون؟.

ماذا تقولون في قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}... يقول الله تعالى هنا: من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.... أي أنّ ربّنا يترك للناس حريّة الإختيار، ولم يخصّص الله المسلمين أو المشركين بهذا النداء، ومن ثمّ فإنّ الحريّة تفتح أبوابها لكل الناس في أن يختاروا لأنفسهم ما يريدون..... فما هو تشريعكم في هذا الحكم الإلهي يا شيوخ الدين؟.

كان ذلك بخصوص الإيمان من عدمه وحريّة الإختيار، فما هو رأي شيوخ الدين في ذلك الذي يكفر بالله بعد إسلامه؟.
يقول بعض شيوخ الدين أنه لا يوجد حد ولا يوجد حكم بالنسبة للمرتد، إذ أن المصطفى عليه الصلاة والسلام لم يُقم الحد على مرتد، ولا يحتج هؤلاء الشيوخ بالحديث الشريف: "من بدل دينه فاقتلوه"، بل يذهبون إلى أن ذلك قد يعني أن المرتد عن النصرانية واليهودية إلى الإسلام يقتل إعمالاً لنص الحديث، كما يكون المرتد الذي يُقتل فقط هو المحارب للمسلمين على أساس أنه مفسد في الأرض.
بينما يقول شيوخ دين آخرون ( وهم كثر وكثر جدّاً): الذي يقول أنه لا يوجد حد الردة في الإسلام لا ينبغي وصفه ب"العالم" (أي الشيخ أو الفقيه)، لأن هذا الأمر من المعلوم من الدين بالضرورة، وإنكار هذا الأمر قد يكون كفراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"، وكذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "لا يحل دم إمرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة".
أما كون أن النبي لم يقتل مرتداً، فهذا كان لمصلحة شرعية، فإن هناك من إستحق أن يقتل في عهد النبي صلوات الله وسلامه عليه كمن قال: "أعدل يا محمّد والله هذه قسمة ما أريد بها وجه الله"، لكن النبي إمتنع عن قتله حتى لا يقال أن محمّداً يقتل أصحابه، ثم إن هذا الإنسان كان جاهلاً لا يدري ما يقول، ولذلك قال له النبي: "ويلك ومَن يعدل إذا لم أعدل؟" ثم لما قيل له نقتله قال: "دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".

إذا... يا من تطالبون بتطبيق الشريعة، بماذا سوف تحكمون على المرتد عن الإسلام وهم كثر هذه الأيّام؟. سوف تقيمون عليهم الحد ( وأي حد ؟!) وتقومون بقتلهم شر قتلة.... بأي حق تقتلون المرتد؟.

ولنأحذ مثالاً: مسلم في بريطانيا أو حتى في تركيا قرر ترك الإسلام وإتّباع ملّة أخرى إختارها لنفسه. هذا المسلم المرتد عن دينه سوف لن يقدم أحد على قتله خوفاً من القانون. في المقابل: مسلم ليبي جاهر بترك الإسلام وإعتناقه للمسيحيّة.. ماذا سوف تعملون به؟. إنّكم سوف تقيمون له "محاكمة شرعيّة" (ميدانيّة) لا تختلف عن محاكم الطاغية القذّافي الميدانيّة، والمحكمة سوف تجتمع والحكم سوف يكون جاهزاً حتى قبل الإستماع إلى المرتد... الحكم سوف يكون "بقتله" لا محالة.
المتهم سوف لن يكون له محام يدافع عنه، وسوف لن يحق له الإستئناف، لأنّ مبدأ الإستئناف غير وارد أصلاً في محاكم الشريعة التي تعزمون تأسيسها وتفعيلها والحكم من خلالها في ليبيا بعد فرضكم قرار "تطبيق الشريعة"... أين هو العدل، وأين هي أحكام الله من قرارات محاكمكم الشرعيّة؟.
هل توجد آية واحدة في القرآن تقول بقتل المرتد؟. أنا أتحدّاكم أن تأتوني بآية واحدة في كل القرآن تدعو إلى قتل المرتد أو حتى تغصيبه بأية وسيلة للعودة عن قراره بالإرتداد.
 وفي المقابل، أنا آتيكم بأية في القرآن تقول للنبي وبكل وضوح: {وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.. إنّهم "لم يضرّوا الله شيئاً..."، أي أتركهم يا محمّد لحالهم ولا ترغمهم على إتبّاع الإسلام بالقوة أو التهديد.

بأية شريعة سوف تحكمون؟

لنأخذ مثالاً آخر... شارب الخمر. لو وصلت شيوخ الدين "إشاعة" بأن فلان يشرب الخمر، فسوف يقيموا له محكمة شرعيّة (صوريّة) تحكم عليه غيابيّاً بالجلد قبل وقوفه أمام شيوخ المحكمة الشرعيّّة الذين سوف لن يستمعوا إليه ولن يسمحوا له بإحضار محام ليدافع عنه، وبكل تأكيد سوف لن يسمح له بالإستئناف لأن ذلك ليس من أساسيّات "المحاكم الشرعيّة". سوف يحكم عليه بالجلد 80 جلده، وسوف يتم تنفيذها أمام الناس... فأين هو العدل؟.
هل حرّم الله شرب الخمر؟. لنعود إلى كلام الله نبحث فيه عن حكم شارب الخمر في القرآن: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}.. هنا يذكر الله أن للخمر منافع وأضرار، وبأنّ أضراره أكثر من منافعه، ولا خلاف على هذا.
يقول الله تعالى في شأن الخمر أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ .
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. هنا لا نجد تحريماً، ولا نجد حكماً، ولا نجد أية إشارة إلى العقاب. قال الله لنا بأن نجتنبه ليس إلاّ.
يقول الله أيضاً في الخمر: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}.. لم يذكر الله تحريم الخمر، ولم يصدر حكماً في شارب الخمر.  
عندما أراد الله أن يحرّم شيئاً ما ذكر تحريمه بكل وضوح ولم يترك للتفسيرات والإجتهادات أي مكان: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}.. هنا الحرام ظهر واضحاً وصريحاً.
وكذلك حرّم الله الربا بكل وضوح: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }، بل إنّه أبان الجزاء بكل وضوح أيضاً: {فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. 


هناك تحريماً آخر وهو واضح أيضاً: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}، وتحريماً آخر لا غموض فيه: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}، وتحريماً آخر لمن يريد أن يتأكّد:{ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَ‌ٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.
هناك أيضاً آيات كثيرة في باب التحريم بخصوص فرائض الإسلام الخمسة، وذكر الله فيها العقاب أيضاً في حالة مخالفة أمر الله فيها.
الشيوخ يحكمون على شارب الخمر ب80 جلده.... من أين آتوا بها؟. سوف يأتونكم بحديث ينسبوه للرسول، يقال بأنّه في حالة واحدة فقط أمر بجلد شارب خمر بـ 80 جلده.. تلك هي حجّتهم الوحيدة والتي بكل تأكيد سوف يختلفون عليها ما إختلفت إنتماءاتهم الفقهيّة. لماذا لم يذكر الله أي شئ عن عقاب شارب الخمر؟. لأن الله لم يذكر تحريماً واحداً لشارب الخمر، وأنا أتحدّى جميع شيوخ الدين بأن يأتوني بآية واحدة تحرّم شرب الخمر. لا تبحثوا عن تفسير فلان أو فولان، ولا تجتهدوا في هذه فإن الله حينما أراد تحريم رذيلة كان قد حرّمها صراحة وذكر بكل وضوح عقابها العدلي أيضاً:{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}. هنا نرى بأن الله حرّم الزنا ووضع له حدّاً وذكر بكل وضوح نوعية العقاب والطريقة التي يجب تنفيذه بها. الله أيضاً ذكر عقاباً لظاهرة أخرى بكل وضوح: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}.

بأي شريعة سوف تحكمون؟


الذين يدعون إلى تطبيق "الشريعة" يقولون بأن ذلك يعني بالنسبة لهم تطبيق الأحكام "الشرعيّة" وهي بالنسبة لهم تعنى "تطبيق الحدود" من الجلد وقطع الأعضاء والقتل.
أنا لا أعترض على أحكام الله، لكنّني بكل تأكيد أخاف من الظلم وأخاف من إحداث الإعاقة لأبرياء ذنبهم الوحيد هو أن أحداً أتهمهم وأحداً آخر حكم عليهم وأحداً ثالثاً طبّق الحكم بدون أن يكون للمواطن حق التظلّم أو الإستئناف، بل ولا يحق للمتهم أمام ما يسمّى ب"المحاكم الشرعيّة" حتّى تعيين محام ليدافع عنه.
المتّهم هنا سوف تتم محاكمته من قبل محاكم صوريّة لا تختلف عن محاكم التفتيش في القرون الوسطى، وهذه المحاكم تعتبر بؤرة قويّة للظلم المقنّع والذي لا يمكن كشفه لانّه لايجوز الكشف عنه. هذه المحاكم سوف لن تكون خاضعة للنقاش أو المراجعات وسوف لن تكون شفّافة.

من أجل التعرّف على عمق المشاكل المتوقّعة لمثل هذا النوع من المحاكمات الصوريّة (الميدانيّة) علينا بأن نأخذ أمثلة من دول
 متقدّمة في العالم مثل بريطانيا والولايات المتحدة حيث المحاكم في هاتين الدولتين تتميّز بقدر كبير جدّاً من المصداقيّة والعدل، وحيث حقوق الإنسان تراقب في مثل هذه البلاد بشكل كبير ودقيق، وحيث يشترط في هذه المحاكم (وخاصّة بريطانيا) وجود محلفين في مقابل محامي الإدعاء ومحامي الدفاع والقاضي الخبير والمجرّب، وفوق كل هذا يحق للمتهم بأن يستأنف الحكم أمام محاكم أكثر تخصّصاً ويسمح له كذلك بالإستئناف على الإستئناف. ومع كل هذه الإستعدادات الضخمة والتي تهدف إلى تحقيق العدالة فقد وقع الظلم في هذه البلاد المتقدّمة جداً في كل مجالات الحياة، وحدث أن أعدم أناساً لثبات التهمة عليهم حينها وبعد عشرات السنين يثبت الحامض النووي بأن الجريمة لم يرتكبها ذلك المتهم الذي طبّق في حقّه حكم الإعدام، ولكن يكون الوقت قد مضى والظلم قد وقع.
فمنذ عام 1992 تم تحرير 15 محكوماً بالإعدام في الولايات المتحدة حين برهن الحامض النووي على براءتهم لاحقاً، وبلغ عدد الحالات التي تم تنفيذ حكم الإعدام بحقّها وذلك بإستخدام الكرسي الكهربائي بالعشرات ثم أثبت الحامض النووي لكل منهم كامل البراءة ولكن بعد فوات الآوان.
في بريطانيا ما بين عام 1950 وحتى عام 1965 (حيث تم إلغاء حكم الإعدام في بريطانيا) بلغ عدد الحالات التي أعدمت بنتيجة حكم قضائي خاطئ 6 حالات عوّضت بريطانيا حالة منها لعائلة المقتول محمود حسين متّان والذي نفذ فيه حكم الإعدام كنتيجة لحكم قضائي برهن الحامض النووي بعد 46 سنة على أنّه كان خاطئاً، وكان التعويض الذي دفعته الحكومة البريطانية لعائلته قد 
بلغ 725 ألف جنيهاً إسترلينيّاً.

إذاً... إذا كان الخطأ في الحكم قد حدث في تلك البلاد المتقدّمة جدّاً والتي تعتبر بالمعايير الدوليّة من أكثر دول العالم عدلاً فكيف
 سوف يكون الحال عليه في بلادنا حيث تنعدم الخبرة وتنعدم المتطلّبات الضرورية لمحاكمة عادلة؟. 
سوف تقطّع أيادي ورقاب أناس وهم أبرياء، وسوف يجلد المئات من البشر نتيجة لحكم إرتجالي يشرف عليه شيخ شرعي يفتقر إلى أبسط قواعد الحكم العدلي. الذي يخيفني أكثر هو أن الشخص الذي يجلد ويعزّر أمام أهله وأقربائه وأصدقائه سوف يصاب بعقد نفسيّة تبقى معه طيلة حياته حتى وإن برهنت الدلائل مؤخّراً على أنه كان بريئاً.
النواحي الإنسانية والنفسية لا يفكر فيها رجال الدين عندنا لجهلهم بها وعدم مقدرتهم على حتى مجرّد التفكير فيها أو الإعتراف بها من حيث الأساس. هؤلاء الناس غالباً ما يحكمون بعواطفهم إنطلاقاً من حقدهم وكراهيّتهم للمتهم خاصة إذا كانت التهمة خمراً أو زناء أو إغتصاباً.

وختاماً...


هذا الموضوع من السهل بأن يطول ويطول لو تمادى الإنسان في طرح كل جوانبه وأعتقد بأنّه يستحق منّا كل عناية وإهتمام نظراً لأهميّته، حيث أن مثل هذا الأمر سوف يمس كل مواطن ومواطنة، لكنّني إرتأيت بأن أتوقّف عند هذا الحد حتى لا أثقل على القارئ العزيز. 
قبل التوقّف رغبت في أن أغمز من زاوية العدل والمساواة حينما يطالب أولئك الشيوخ المتشدّدين بتطبيق الشريعة. أود أن أسألهم سؤالاً بسيطاً مفاده: كيف يمكن تطبيق الشريعة في وجود الحاكم الظالم الذي لا يراقب العدل في نفسه وفي كل أفراد أسرته؟. لنأخذ السعوديّة على سبيل المثال بإعتبارها موطن مكّة والأرض الحاضنة للحرمين الشريفين وهي بكل تأكيد مهد الإسلام منذ لحظته الأولى.
في السعوديّة يبلغ عدد أفراد العائلة المالكة بعائلاتهم 15 ألف شخصاً ينفقون مبالغ مالية من ميزانية الدولة تصل إلى 10 مليارات من الدولارات سنويّاً.
وكالة رويترز للأنباء ذكرت في تقرير نشرته بناء على إطّلاعها على مجموعة من وثائق "ويكيليكس" أن هناك مشروعين لا يخضعان للرقابة أو لإشراف وزارة المالية السعودية وهما مشروع المسجد الحرام ومشروع الخزن الاستراتيجي الذي يتبع وزارة الدفاع، وأنه يعتقد بأن هذين المشروعين يمثّلان مصدراً لعائدات كبيرة لعدد من الأمراء في السعوديّة.

وذكر التقرير كذلك نقلا عن الوثائق إن أميرا سعودياً أفصح للسفارة الأمريكية عن مليون برميل من النفط تباع يوميا لصالح خمسة أو ستة أمراء. كما تحدثت الوثائق عن أن الأمراء السعوديين يتقاضون مخصصات مالية منذ ولادتهم وأن هذه المخصصات المالية يعتقد بأنها كلفت الخزانة الوطنية قرابة ملياري دولار في عام 1996 حينما كانت ميزانية الدولة لا تتجاوز 40 مليار دولار.  

الوثائق التي حصلت عليها ويكيليكس وأطّلعت عليها رويترز تقدم نظرة ملحوظة لمدى سعة برنامج الرعاية الملكية التي تكلّف البلاد ليس فقط ماليا، ولكن من حيث تقويضها للتماسك الإجتماعي.

وإضافة إلى الرواتب الشهرية الضخمة التي يحصل عليها كل فرد من العائلة المالكة، تحدّثت الوثائق عن خطط لكسب المال يقودها بعض أفراد العائلة المالكة لتمويل أنماط حياتهم الفخمة، بينها سحب المال من خارج الميزانية التي يسيطر عليها كبار الأمراء، وكفالة الأجانب الذين يدفعون رسوماً شهرية، والاقتراض من البنوك من دون تسديد.

ولاحظ مسؤولون أميركيون، منذ عام 1996، أن السلوك المتفلّت يمكن أن يثير ردّ فعل عنيف ضد النخبة السعودية. وفي برقية صدرت في العام نفسه، قال المسؤولون إن «من القضايا ذات الأولوية التي يواجهها البلد هي السيطرة على تجاوزات العائلة المالكة»، فيما أظهرت برقية صدرت عام 2007 أن الملك عبد الله أحدث تغييرات منذ تولّيه العرش، لكن الاضطرابات الأخيرة في الشرق الأوسط تؤكد وجود إستياء بسبب الفوارق الاقتصادية والفساد في المنطقة.

الوثيقة الصادرة في نوفمبر  1996 بعنوان «ثروة العائلة المالكة السعودية: من أين لهم كل هذه الأموال؟»، تقدم صورة تفصيلية عن كيفية عمل نظام المحاباة الملكي السعودي. تبدأ الوثيقة بجملة قد تكون روائية: «الأمراء والأميرات السعوديون، الذين يقدّر عددهم بالآلاف، يُعرفون بثرواتهم الضخمة والميل إلى تبديدها».

الآلية الأكثر شيوعاً لتوزيع الثروة في السعودية على الأسرة الحاكمة هي تلك الرسمية، استناداً إلى الميزانية التي تقرر رواتب شهرية لأفراد أسرة آل سعود. وبحسب وزارة المالية، أو "مكتب القرارات والقواعد" الذي يعمل بمثابة مكتب الرفاهية لأفراد الأسرة الحاكمة، يتراوح الراتب الشهري بين 800 دولار شهرياً لأصغر عضو في أبعد فرع من العائلة، و200,000 إلى 270,000 دولاراً شهرياً لأحد أحفاد أبناء عبد العزيز بن سعود. أما أبناء الأحفاد، فيحصلون على نحو 13,000 دولاراً شهرياً.

وحيث أن نظام الرواتب لم يكن كافياً للعديد من أفراد العائلة المالكة، فإنّهم لجأوا إلى وسائل أخرى لكسب المال، «هذا عدا عن 
الأنشطة التجارية». وبحسب الوثيقة، ينفق بعض الأمراء أكثر من 10 مليارات سنوياً من خارج الميزانية.  

هنا هو مربط الفرس يا من تدعون إلى تطبيق الشريعة. هل بوسعكم تطبيق الشريعة على الحاكم الذي تتوجّب طاعته وتنتفي محاسبته حسب شريعتكم التي تريدون تطبيقها في ليبيا.
ألستم أنتم من يقول بأن الحاكم منزّه وبأنّه يحكم بالتفويض الإلهي.. أي أنّه لا يحاسب فهو "الأمين" على أموال الرعيّة، وهو من 
يحاسبه ضميره فقط ولا يحق لأي من أفراد الرعيّة محاسبته أو محاكمته أو الخروج عليه وتغييره.

كيف يمكنكم تطبيق الشريعة على الحاكم وأفراد أسرته وحاشيته وحرسه ومعاونيه والمقربون منه؟.
هل شاهدتم أحداً من أفراد العائلة الحاكمة وقد قطعت يداه من خلاف، أو تم رجمه لضلوعه في عملية زناء، أو تم قتله لضلوعه في عملية قتل؟. هل تتوقّعون بأن مثل ذلك قد يحدث في السعودية أو الكويت أو البحرين أو عمان أو قطر أو الأردن أو المغرب؟.
كم أنفق ملك المغرب السابق من مال على زفاف إبنته؟. يقال بأنّه كان قد أنفق 18 مليون دولار على حفلة زفاف باذخة أحضر طعامها ومرطباتها مع الشمبانيا من باريس. هل يمكنكم تطبيق "الشريعة" عليهم؟.

بأي شريعة سوف تحكمون ؟

العدل يبدأ منكم... من داخل أنفسكم. أنا أقسم بالله بأنّكم سوف لن تعدلوا في داخل بيوتكم، فكيف يمكن لرجل منكم له أربع من النساء كبراهن في الخمسينات وأصغرهن ربّما مازالت في الرابعة عشرة من عمرها. كيف يمكن لرجل منكم أن يعدل بينهنّ وقد إختلفن في كل شئ؟.
بكل تأكيد سوف تتفق كل شرائعكم التي تريدون تطبيقها علينا على مبدأ الزواج بأربعة، لكن بعض شرائعكم سوف تسمح بالإضافة عليهنّ بما ملكت أيمانكم، والأيامى، والإماء، وما وراء ذلكم. وكذلك فإن بعض شرائعكم التي تريدون تطبيقها علينا سوف تسمح لكم بالزواج أو إمتلاك أو مناكحة من بلغها المحيض حتى ولو كانت إبنة الثامنة... ألا خزي الله عليكم يا من تسيطر عليكم غرائزكم وتتحكّم أصلابكم في تصرّفاتكم وأنتم تتشدّقون بتطبيق الشريعة الإسلاميّة والتي هي منكم براء. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك