2014/04/09

مسّ من الجنّ - الفصل الثاني: وفي أنفسكم أفلا تبصرون(7)

 كلّما عاد الإنسان إلى نفسه يبحث فيها عن وجود الله فإنّه سوف يجده في كلّ خليّة وفي كل نسيج وفي كل عظمة وفي كلّ
عضلة وفي كل حركة وفي كل تفكير. قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، وقال أيضاً: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}. 
ولنعود إلى جهاز الإنسان العصبي بما يشمله من مخ ومخيخ ونخاع شوكي وأعصاب طرفيّة، يضاف إليها جهاز ألي يتكوّن من جهاز عصبي ودّي وجهاز عصبي نظير الودّي وكل هذه الأجهزة المتطوّرة جدّاً تشتغل بإنسياب وتناغم وتكامل لا مثيل له.
بكل تأكيد فإنّ الأساس في جهاز الإنسان العصبي يعتمد على شبكة عصبيّة حسيّة متطوّرة جدّاً وهي غاية في الروعة والدقّة من حيث التركيب والوظيفة والتكامل، وهذه الشبكة الحسيّة تأتي بالمعلومات اللازمة والمهمّة لجهاز تشريعي ضخم يمكنه التعامل مع أبسط المعلومات الحسيّة (الإستخباراتيّة) ويحوّلها مباشرة بما يلزم من تشريعات إلى جهاز حركي هو بدوره يعتبر متكاملاً ومتناغماً ومتطوّراً جدّاً. هذا الجهاز الحركي هو بمثابة جهاز تنفيذي لا يحق له إصدار قرارات بل يتوجّب عليه وبكل طاعة تنفيذ كل ما يصدر إليه من الجهاز التشريعي.
الجهاز الحسّي والجهاز الحركي بوسعهما العمل مع بعض بتكامل كبير ومتواصل، لكن الجهاز الحركي يحتاج إلى المزيد من الضوابط والتحكّمات المدروسة بكل دقة وعناية حتى يكون المخرج (الناتج) كافياً ووافياً وفاعلاً ويؤدّي الغرض كما تم التخطيط له.
لو ترك الجهاز الحسّي لوحده مع الجهاز الحركي لعملا معاً، لكن ناتج ذلك العمل سوف يكون أقلّ دقّة وأقلّ إبداع؛ ومن هنا فقد خلق لهما الخالق أجهزة أخرى منظّمة ومدقّقة ومعيّرة بشكل أنيق يصل إلى واحد في التريليون من حيث الحساسيّة والتدقيق وتقليل الخطأ بشكل يصعب على الإنسان حساب قيمته لصغره.
الجهاز الحسّي من أجل أن يصدر أوامره للجهاز الحركي عليه بأن يفعل ذلك من خلال أجهزة أخرى توظّب العمل وتدققه بهدف إبعاد الخطأ وليس تقليله فقط. أغلب الإشارات الحسيّة تمر عبر جهاز التدقيق والمعايرة والتقويم من خلال أربعة أبعاد (الطول والعرض والإرتفاع في وجود البعد الرابع وهو بعد الزمن) وجهاز التدقيق هذا يعرف بالمنسّق أو المخيخ، وهو بمثابة "المايسترو" في الجوقة الموسيقيّة التي يتوجّب عليها عزف سيفونيّة رائعة تمتّع السامعين وتطربهم وتحرّك المشاعر العميقة في داخلهم فيسعدون.

سوف أتحدّث مسقبلاً وبالكثير من التفاصيل عن هذا الجهاز المبدع بحق رغم صغر حجمه مقارنة بالمخ نفسه. المخيخ يمكن إعتباره الأخ الأكبر للمخ رغم أنه يصغره حجماً ويقل عنه تعقيداً في التركيب. المخيخ هو الحاكم المطلق (الديكتاتور) الذي يصدر أوامره بكل إستقلاليّة ولا يخضع لأوامر من الإنسان نفسه... إنّه يشتغل من وراء الكواليس وبحريّة كاملة لا تتحكّم فيها إرادة الإنسان.
    
في هذه الحلقة أنا لن أتحدّث عن المخيخ وإنّما عن جهاز منظّم آخر كثيراً ما يتجاوزه الإنسان حينما يعد لحركة أو عمل أو نقلة من 
أي نوع. الجهاز هو الخامس في الأهميّة بعد الجهاز الحسّي والحركي والألي والتنسيقي، وهذا الجهاز يسمّى "نظام خارج الهرمي" 
وهذا الجهاز هو بدوره غاية في الإبداع من حيث التركيب والوظيفة والأليّة التي بها يؤدّي عمله.

                                                                العقد العصبيّة القاعديّة كما تبدو في شريحة من الدماغ

جهز خارج الهرمي يقوم بمهمّة غاية في الأهميّة والتعقيد، وكثيراً لا نحسّ بأهميّتها إلاّ حينما نفتقدها. وظيفة الجهاز خارج الهرمي قد ـاتي الرابعة بعد الحسّي والحركي والتنسيقي لكن كل تلك الأجهزة الثلاث لا تستطيع تقيم خدماتها بدون الإستعانة بهذا الجهاز الصغير حدّاً والمهم جدّاً.

بعض العقد العصبيّة القاعديّة وهي تظهر مستحثّة لشخص يعاني من مرض جنون البقر

دعوني من أجل توضيح المهمّة أكبر أعرض عليكم مثالاً متداولاً في حياتنا اليوميّة ولا يكاد يخلو بيتاً منه... مشاهدة الأقمار الفضائيّة من خلال جهاز التلفزيون.

      
في هذه الصورة نرى نظام إرسال وإستقبال فضائي يشبه في تركيبته إلى حد كبير أساس تركيبة الجهاز العصبي عند الإنسان مع الإختلاف بالطبع في الدقة والإبداع التركيبي والوظائف العملاقة لجهاز الإنسان العصبي.
يتم الإرسال من الأرض لمادة معدّة للمشاهدة أو معلومة معدّة للتواصل، فتصل المادة المرسلة إلى قمر صناعي يسبح في الهواء الشاسع في مدار معلوم.
سوف أعود إلى هذا المثال مستقبلاً وبالكثير من التفصيل والمشابهة بهدف توصيل المعلومة بوضوح بما يسهّل فهمها وإستيعابها والأهم تصوّرها والتفاعل معها.

 موضوع اليوم هو "جهاز خارج الهرمي" Extra-pyramidal system     

هذا الجهاز يتكوّن من العقد العصبيّة القاعديّة  Basal Ganglia والتي تتكوّن من الكثير من العقد العصبيّة مع خلفيّة منتشرة من الخلايا العصبيّة المتواصلة مع بعض بشكل عجيب وبالفعل إعجازي بالنسبة لعقولنا ومقدرة مداركنا.

                                                                              العقد العصبيّة القاعديّة 

مكوّنات العقد العصبيّة القاعدية
 1-الكرة الشاحبة Globus Pallidus
2-البطامة Putamen
3-النواة الذنبيّة Caudate Nucleus
4-المادّة السوداء Substantia Nigra
5-النواة تحت المهاد Hypothalamic Nucleus
6-النواة الزيتونيّة Olivary Nucleus
7-التشكّل الشبكي لجذع المخ Brain Stem Reticular Formation

هذه العقد العصبيّة القاعديّة هي المسئولة عن وظائف كثيرة يمكن تلخيصها في مهمّة وضع اللمسات الأخيرة لعمليّات الحركة بجميع أنواعها علّ أهمها المشي والدوران وإستخدام الحواس في المستعملات اليوميّة مثل اليدين في الأكل والكتابة والممارسات الحركيّة الرفيعة والدقيقة مثل الكتابة والرسم والتأزير وغيرها.
كما نعرف فإنّ كل حركة في الجهاز العصبي تتم عن طريق الشحنات الكهربائيّة والتي تنتج من تنقّلات كيميائيّة وغيرها من المؤثّرات الأخرى، ومن هنا فإنّه يتوجّب القول من باب الإنصاف ونقل المعلومة الصحيحة فإنّ المادّة الكيميائيّة المهمّة لتي تفرزها خلايا العقد القاعديّة هي "الدوبامين".
عندما يحدث الحث بأية طريقة من بينها الرغبة في تكوين حركة ما، فإن مادة الدوبامين تبدأ في الإفراز من تلك الخلايا وحين تقع مادة الدوبامين على مستقبلاتها المسمّاة "مستقبلات الدوبامين" Dopamine Receptors فيحدث تفاعل بينها وبين تلك المستقبلات مما يولّد تياراً كهربائيّا ينتشر إلى الأعصاب الحركيّة فيوظّب الحركة المراد القيام بها ويسهّل أداءها كما يرغب الشخص الذي يزمع القيام بهذه الحركة أو الحركات.
ذلك ما يحدث في الظروف العاديّة (الصحيّة) ولكن هناك الكثير من الأعطاب التي تصيب خلايا العقد العصبيّة القاعديّة وأغلبها تعتبر "أعطاب تنكّسيّة" Degenerative Disorders وهي تنتج عن موت الخلايا لأسباب غير معروفة، وهذا بكل تأكيد يؤدّي إلى نقص شديد في إفراز مادة الدوبامين الكيميائية المهمة جدّا والتي تعرف ب"الممرّر الكيميائي العصبي" Chemical neurotransmitter  قد يصل إلى 80%... بمعنى أن نسبة الدوبامين التي تفرز نتيجة لمثل هذه الحالات قد لا تزيد عن 20% فقط
وهذا يؤدّى إلى نقص شديد في المادة الكهربائيّة المتولّدة ممّا يعطّل أو يعكّر إنسجاميّة الحركة أو إنسيابيّتها.
الممرّر الكيميائي العصبي الشهير المسمّى دوبامين

من الحالات المعروفة لتي تنتج عن نقص إفراز مادة الدوبامين مرض "الشلل الرعاشي" Paralysis Agitans أو ما يعرف بمرض باركنسون Parkinson's Disease. 
بكل تأكيد هناك حالات مرضيّة أخرى أكبر خطورة من مرض باركنسون، وهي تنتج عن خلل في العقد العصبيّة القاعديّة في آماكن قد تكون مختلفة عن تلك الخلايا التي تصاب في حالة مرض باركنسون نفسه.

مرض باركنسون   Parkinson's Disease
 حالة مرضيّة متطوّرة ناتجة عن نقص شديد في مادّة الدوبامين نتيجة لقتل في الخلايا العصبيّة الفارزة لها بسبب غير معروف حتّى الآن.
يتميّز مرض باركنسون بأعراض سريريّة يمكن تقسيمها إلى "آساسيّة" و"إضافيّة" أو مكمّلة.

الأعراض الأساسيّة:
  1. الرعاش: وهو عادة ما يصيب اليد ويصيب يد واحدة أو حينما تصاب اليدين تكون واحدة أكثر إصابة بكثير من الثانية. أغلب الرعيش يحدث في حالة عدم القيام بأي شئ (رعاش السكون).
  2. البطء في الحركة: وهذه تشمل الحركات الصغيرة كالكتابة والممارسات اليدويّة الدقيقة، والحركات الكبيرة كالمشي والدوران. المصاب بمرض باركنسون عادة ما يمشّط الأرض بنعليه وكثيراً ما يواجه صعوبات كثيرة في بدء الحركة مثل النهوض من الجلوس والمشي والدوران حول مركز ضيّق. هذه بكل تأكيد تؤدّي إلى حدوث بطء شديد في أفعال المصاب الحركيّة اليوميّة ويدفعه إلى الإستعانة بالغير لمساعدته على المشي. قد يفقد المصاب توازنه نتيجة لهذا التباطؤ وقد يسقط أحياناً ويصاب ببعض الرضوض أو الكسور، أو ربّما أحياناً قد يصاب المريض بمرض شديد بسقوط على الرأس مما يؤدي إلى حدوث نزيف تحت غشاء "الأم الجافية" Subdural Haematoma وهذه قد تكون له مضاعفاتها أيضاً.
  3. التصلّب حول المفاصل، وخاصّة مفاصل اليدين (الرسغ والمرفق على وجه الخصوص)، وكذلك مفاصل الورك والركبة. أي مفصل في الجسم هو معرّض للتصلّب وهذا بكل تأكيد يؤدّي إلى صعوبة الحركة وتوابع الحركة الأخرى أيضاً. هذا التصلّب قد يؤدّي إحياناً إلى الجمود في مكان واحد لعدّة دقائق Freezing قد تصل إلى 20 دقيقة ثم تتبعها فترة من التحرّر يستطيع خلالها المصاب من المشي إلى أن يصاب بتجمّد آخر وهكذا. 

الأعراض المكمّلة (الإضافيّة):
من بين الأعراض الإضافيّة لمرض باركنسون والتي تساعد على التوصّل إلى التشخيص لهذا المرض حينما تكون الأعراض الأساسيّة غير مكتملة... من بينها الأعراض التالية:
  1. سمات الوجه (ملامحه) Facial Expressions: هذه السمات تصبح غير معبّرة عن الحالة التي يعيشها المريض في داخله من فرح أو حزن أو ضجر. عضلات الوجه التي تعبّر عن سماته تصاب بالتصلّب وبذلك فهي تفقد مرونتها وتعجز عن عكس مشاعر الإنسان الداخليّة، وكثيراً ما تعطي الإنطباع على أن المصاب بمرض باركنسون يظهر حزيناً مكتئباً Hypomymia وقد تكون علامات الوجه بتلك الشدّة حتى أنها تظهر ملامح الشخص المصاب كالمجرم أحياناً أو كذلك الذي يحتقرك وربما لا يفهمك، وهذه بكل تأكيد لا تعكس حقيقة المشاعر الداخليّة وقد تؤدّي بصاحبها أحياناً إلى إلى متاهات هو برئ منها. من بين سمات الوجه التي يمكن ذكرها هنا: نقص أو إنعدام ترميش العيون، تجعّد في جبهة الرأس، بروز كبير في وجنتي الوجه،  الإبقاء على الفم شبه مفتوح مع إنسكاب اللعاب من أحد ركني الفم.
  2. الأعمال اليدويّة الرفيعة Dexterity: تصاب بالتبلّد في معضمها، ولعل أهم ضحية لهذا التبلّد العضلي هي الكتابة والرسم والضرب على الأوتار والمفاتيح الموسيقيّة.
  3. المشي: المصاب بمرض باركنسون تتغيّر طريقة مشيه بشكل كبير وملحوظ من الجميع. يحتاج المصاب إلى زمن طويل ليبدأ أي نوع من الحركات ومنها الشروع في مد الخطى حيث يتردّد المصاب كثيراً قبل أن يتمكّن من المشي. كذلك فإن المصاب لا يتمكّن من ثني مفاصل رجليه وخاصة مفصل الركبة وهذا ينعكس على عدم تمكّنه من رفع الرجل عالياً أثناء المشي مما يرغم المصاب على كشط الأرض برجليه Shuffling. كذلك فإن المصاب يواجه صعوبات كثير أثناء تغيير الإتجاه أو الدوران مما يفعه أحياناً إلى التجمّد في مكانه مما يتطلّب منه زمناً طويلاً للقيام بدورة صغيرة حول عين المكان. كذلك فإن وضع الجسم أثناء المشي يظهر مائلاً إلى الأمام (تقوقس) Stooping بحيث ينظر المصاب إلى مركز الجاذبيّة بالنسبة له وهو نقطة واحدة في خط سيره لا يستطيع أن يبرحها بنظره مما يزيد من تردّده وخوفه من السقوط. كذلك فإن المصاب قد لا يستطيع أن يمرجح ذراعه عند المشي Swing، فيضظر إلى إبقائه مثنيّاً مع تحوّل رعيش اليد إلى ما يشبه التسبيح بإستخدام السبحة عند الصلاة Pill Rolling. 

الظواهر الغير حركيّة:
من بين الظواهر (الأعراض) الغير حركيّة الأتي:
  1. فقدان خاصيّة الشم والذوق، وهذه قد تسبق جميع الأعراض الأخرى بعدد من السنين قد تصل إلى 5 – 6 سنوات.
  2. إضطراب النوم والأحلام المزعجة والمخيفة أحياناً.
  3. إضطراب الآحاسيس والمشاعر بما فيها الإضطراب النفسي والقلق الزائد عن الحاجة.
  4. كثرة التشنّجات النفسيّة وكثرة الإنزعاجات وغياب روح المداعبة والمرح.
  5. الكآبة وكثرة الحزن.
  6. التشبّث بتكرار بعض الممارسات الغير مهمّة والإكثار من ممارسة بعض الطقوس الغير شائعة.
  7. الوهن العميق والذي لا يعرف له سبب آخر. 

تشخيص مرض باركنسون
تشخيص مرض باركنسون هو تشخيص سريري ولا يحتاج إلى آية تحاليل في معظم الحالات، وإذا أضطر الأخصائي إلى إجراء أية تحاليل فهو إمّا أنه قليل الخبرة في هذا المجال أو أنّه يتعامل مع حالات غير نموذجيّة تتطلّب تحاليل خصوصيّة لإبعاد المشابهات وليس لتشخيص المرض.
التحليل الوحيد الذي ما زال يعد التحليل التشخيصي لمرض باركنسون وهو ما يعرف ب DaT Scan ، وهذا التحليل يعتمد على أخذ صور نووية بمصوّرة جاما Gamma Camera بعد شراب المريض لليود المشع 23 أو 25 والمدمج مع ناقل الدوبامين Dopamine Transfer Factor من مكان التصنيع إلى مكان التفعيل وإعتماد نظام Positron Emission Tomography 
للتصوير.
آلة تصوير جاما


صورة بالنظائر المشعّة (DaT Scan) تبيّن العقد العصبيّة القاعديّة وهي في حالة طبيعيّة


هـذه صورة بالـنـظـائـر المشعّة (DaT Scan) لمصاب بمرض باركنسون، وتبدو نفـس العقد العصبيّة القاعـديّة في الصورة العلويّة لكنّها هنا
 تظهرناقصةنتيجة لقلّة إنتاج مادّة الدوبامين. الذروة أيضاً (للمدقّق) تظهر النواة الذنبيّة غير متساوية في الجانبين وهذا يدعم مرض باركنسون.

يمكن إستخدام مادة التكنيسيوم-99 م المدمجة بنفس العامل (ناقل الدوبامين) ولكن بإعتماد نظام تصوير إشعاعي مختلف يسمى   .Single Photon Emission Computerised Tomography

العلاج
قاعدة العلاج لمرض باركنسون تعتمد على فكرة "أن الكأس الفارغة يجب ملأها بالمادة التي أفرغت منها". المادة التي أفرغت من الكأس هي الدوبامين التي يشح إنتاجها من الخلايا المصنّعة لها بنسبة أكثر من 80% كما ذكر أعلاه.
توجد مراتب (مستويات) للعلاج في حالة مرض باركنسون تتمحور في هذه المجموعات الستّة:
  1. مادة الدوبامين نفسها: هذه المادة يمكن تصنيعها مخبريّاً ويمكن الإستفادة منها في علاج مرض باركنسون، وهي مصنّعة ومتداولة لكنّها حاليّاً تستخدم في نواحي مرضيّة أخرى من بينها الهبوط الحاد في الدورة الدموية نتيجة لعجز في عضلة القلب. المشكلة الكامنة وراء عدم إستخدام هذه المادة المتوفّرة مباشرة في علاج مرض باركنسون تتمثّل في عدم مقدرة الدوبامين المصنّع من العبور خلال الحاجز الفاصل بين الدماغ والأوعية الدموية الناقلة Blood Brain Barrier ومن هنا فلو تم حقن مادة الدوبامين في وريد المريض فإنّها لن تبرح الدم إلى المخ، وبذا فإنّها سوف لن تكون ذات فائدة في علاج مرض باركنسون. تم الإتّعاض عن مادة الدوبامين بمادة أخرى مكوّنة لها تسمّى ليفودوبا Levodopa والتي تتحوّل إلى دوبامين في وجود إنزيم يسمى Aromatic L-amino acid decarboxylaseِ. مادّة ليفودوبا يدخل منها أقل من 10% إلى الدماغ وبقية ال90% تذهب إلى القلب والأوعية الدموية والعضلات والرئة والكبد وتحدث هناك مضاعفات جانبية خطيرة خاصّة إذا إستخدمنا كميّات كبيرة منها لعلاج مرض باركنسون. فكّر العلماء الحذّاق بعقليّة غاية في الذكاء بحيث إخترعوا مضاد لإنزيم دوبامين كاربوكسيسيكلين Carboxylase Enzyme Inhibitor لا يستطيع عبور الحاجز بين الدماغ والأوعية الدموية ومن ثم فلا يستطيع إيقاف عملية إنتاج الدوبامين من الليفودوبا في داخل الدماغ لكنّه يمنع ذلك خارج الدماغ ممّا يحمي الأعضاء الأخرى التي ذكرت أعلاه من إنتاج مادة الدوبامين وبذا يحميها من أثر الدوبامين الضار جداً عليها.
  2. معضّدات الدوبامي Dopamine Agonists توجد في الوقت الحاضر أربعة معضّدات هي: إبومورفين، روبيرينول، براميبيكسول، روتيجوتين. هذه المعضّدات الحديثة نسبيّاً تعتبر مطوّرة عن المعضّدات القديمة والتي تحمل مادّة الإيرجوتآمين ُErgotamine في تركيبتها وهي مادّة مضرّة تسبّب الكثير من الأضرار الجانبيّة وخاصّة على القلب والأوعية الدموية. المعضّدات القديمة هي: كابرجولين، بيرجولايد، بروموكريبتين. هذه المعضّدات تم إيقاف إستخدامها في علاج مرض باركينسون منذ حوالي  5-7 سنوات لمضاعفاتها الجانبيّة لتحل محلّها المعضّدات الحديثة المذكورة أعلاه.
  3. كوابح كومت COMT Inhibitors يوجد مستحضرين من هذه المجموعة أحدهما يسمّى إنتاكابون Entacabone والثاني يسمّى تولكابون Tolcapone، وهذه الكوابح تعتبر ذات فاعليّة لها قيمة علاجية لا يستهان بها، ولا تشتغل هذه الكوابح إلاّ في وجود الدوبامين وبذلك فهي تعطى مع الدوبامين منفردة أو متحدة. خليط كابح كومت (إنتاكابون) مع الدوبامين يسمّى ستاليفو Stalevo.
  4. كوابح ماو MAO Inhibitors ومنها سيليجلين، Selegeline والمطوّر عنه راساجلين Rasageline وهو بنفس الفعالية ولكن بمضاعفات جانبية أقل بكثير من نظيره القديم.
  5. الأمانتادين Amantadine: وهو مضاد للفيروسات ويعتبر من معضّدات الدوبامين الضعيفة، لكنّه يستخدم في علاج مرض باركنسون منفرداً أو مختلطاً، وهذا العقار ينفع في حالات الرعيش الكثيرة أو كثرة الحركات العنفوانيّة في الأطراف أو الجسم Dyskinesia. كما ييستخدم هذا العلاج للتخفيف من الوهن الذي كثيراً ما يصاحب مرض باركنسون.
  6.  مضادّات منشّطات الكولين ِAnti-cholinergic Drugs ومنها على سبيل المثال بروسيكليدين،Procyclidine بنزتروبين Benztropine، بنزهيكسول Benzhexol وغيرها. 

هذه العلاجات الكيميائيّة تعتبركلّها متوفّرة وهي ذات فعاليات مختلفة. أهم ما يميّز هذه المستحضرات أنّها تشتغل مع بعض بطريقة تعاضديّة (أي أن كل واحدة ترفع من فعالية الأخرى بشكل كبير) ومن ثمّ ظهرت حديثاً (منذ 7 سنوات فقط) نظريّة دمج العلاج بدل العلاج المنفرد في حالة مرض باركنسون على عكس الصرع الذي يفضّل فيه إستخدام العلاج المنفرد كلّما أمكن الأمر.
علاج مرض باركنسون يحتاج إلى خبرة وذكاء وحذق في إختيار العلاج المناسب للشخص المناسب. علاج مرض باركنسون يجب أن يعد بشكل فردي لكل مريض حسب عمره ونشاطاته الحيويّة ومرحلة المرض ووجود أمراض أخرى مصاحبة، فلكل مريض علاجه الخاص الذي يجب أن يعد له بشكل فردي وخصوصي حتى يكون العلاج ناجعاً وفعّالاً وبأقل ما يمكن من المضاعفات الجانبيّة.

هناك تطوّرات علاجيّة أخرى منها:
  1. حقن إيبومورفينApomorphine: وي تعطى تحت الجلد أو في العضل أو في الوريد حسب الحاجة.
  2. ديودوبا Duodopa: وهو إعطاء الدوبامين من خلال الإثنى عشر أو الصائمي عن طريق أنبوب يوصل الأمعاء الرقيقة بالخارج. 

العلاج الجراحي:   
في حالات تعذّر العلاج الكيميائي بأي من الطرق السابقة، فإنّه قد يتم اللجوء إلى العلاج الجراحي. العلاجات الجراحيّة المتوفّرة 
حاليّاً:

  1. الحث الكهربائي العميق Deep Brain Stimulation.
  2. الباليدوتومي Pallidotomy.
  3. الثالوتومي Thallamotomy.
  4. زرع الخلايا الجذعيّة Stem Cell Transplant.

 يجب التنبيه إلى أن علاج مرض باركنسون يجب ألاّ يفتصر على إستخدام العقاقير فقط، بل يجب توفير الدعم اللازم من علاج طبيعي وعلاج وظيفي وعلاج مهني وعلاج نفساني وعلاج إجتماعي من حيث توفير اللوازم الحركيّة (عربات وسيّارات وكراسي ودعائم المشي وغيرها). علاج مرض باركنسون يجب ألاّ يقوم به شخص لوحده مهما كان خبيراً ومتبحّراً في هذا المجال. العلاج الناجع يجب أن يعتمد على ما يسمّى ب"فريق التخصّصات المتعدّدة" Multidisciplinary Team لكي jكون له مردودات فاعلة. الفريق المتعدّد يجب أن يتكوّن من أخصائي أعصاب، أخصائي نفساني، طبيب عمومي، صيدلاني، أخصائي علاج طبيعي، أخصائي علاج مهني ووظيفي، أخصائي نطق ولغة، ممرّضة متخصّصة، وأخصائي إجتماعي.

أتمنّى بأن يكون هذا العرض مفيداً لكم جميعاً. حاولت قدر الجهد أن أنقل باللغة العربيّة بعض ما أعرفة باللغة الإنجليزيّة عن هذا المرض بهدف إفادة أهلنا في ليبيا وخاصّة منهم أولئك الذين يوجد لديهم قارب يعانون من نفس المرض.
هناك بعض الأمور تعمّدت تركها في الوقت الحالي مثل مضاعفات المرض ومضاعفات العلاج وكيف يمكن التغلّب على مضاعفات المرض والعلاج وذلك لأن الموضوع سوف يصبح طويلاً جدّاً وقد يتحوّل إلى مقلق وممل.

إن كان هناك من يرغب في معرفة المزيد فلا مانع لديّ من تقديم ذلك حسب الطلب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك