2013/10/31

الزواج بأكثر من واحدة هل هو ترف أم ضرورة ؟

 حين نستخدم عقولنا ونفكّر، نكتشف أشياء في حياتنا تحتاج إلى مراجعة وإعادة إعتبار..... وبذلك فقط نستطيع الإنتقال إلى الأمام.

من بين سمات الدين الإسلامي المرونة والتيسير والواقعيّة البعيدة عن التشدّد والمغالاة، ونجد هذا في أمثلة كثيرة في حياتنا اليوميّة منها الصلاة حيث تعفى المرأة أثناء عادتها الشهريّة وأثناء الوضع من الصلاة ولا جناح عليها في ذلك ( ولا يمكن أن يجعل منها هذا الإستثناء ناقصة دين كما يتوهّم البعض الذين يحقدون على المرأة ويعتبرونها مثاراً للفتنة ومدعاة لإغواء "الغافلين" من الرجال)، كما يعفى المريض والمسافر والمرأة الحامل التي تخاف على حملها والإنسان المريض من الصوم، ويعفى الفقير والعاجز والخائف من الحج إلى أن تتيسّر أموره. فالله سبحانه وتعالى يريد اليسر بعباده ولا يريد بهم العسر: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. كذلك فإنّ دين الله أجاز للمسلم المحرّمات في حالة الضرورة القصوى ولكن بشرط القسط في التعامل مع المجاز. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. ذلك هو دين الله الذي فيه رحمة للناس ولم يدع هذا الدين إلى مشقّة أو مغالاة أو تشدّد إلّا أن يتشدّد البعض من أتباع هذا الدين فيه بغية خلق الفتنة وتنفير الناس من هذا الدين السمح. قال الله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}... تفرّقوا "بغياً بينهم. قال الله تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}... أن أقيموا الدين "ولا تتفرّقوا فيه"... تلك هي سنّة الله لعباده، أمّا أولئك الذين ينصّبون من أنفسهم أوصياء على دين الله فيبدأون في التشدّد فيه ويفسّرونه حسب سعة مداركهم فهم يسيئون إلى دين الله ويسيئون إلى أنفسهم بدون أن يعلموا.
ودعوني أعود إلى موضوع "التيسير" في الإسلام..... المسيحيّون (الكاثوليك) يمنعون الطلاق منعاً باتّاً بل إنّهم يرفعونه إلى مرتبة "التحريم"، ويمنع اليهود على المطلّقة بأن تتزوّج مرّة أخرى بإعتبارها تتحوّل إلى نجسة بعد تطليقها. الإسلام أحلّ الطلاق لكنّ الله جعله من أبغض أنواع الحلال، أي أن ألله أتاح للمسلين الطلاق ولكن بشروط قاسية وضوابط محكمة. المسيحيّون يحرّمون الزواج بأكثر من واحدة..  ((ومن أغراض الزواج السابقة، تبرز لنا مميزاته الجوهرية التى هي الوحدة، وعدم القابلية للإنحلال. وتكتسب هاتان الخاصّيتان ثبوتاً خصوصيّا في الزواج المسيحي لكونه سرا (المادة 2/3 من الإرادة الرسولية - المادة 1013 من القانون الكنسي الغربي).
 فالوحدة في الزواج تعتبر من المبادىء التي تمسّكت بها المسيحيّة من أوّل عهدها. إذ لا يجوز للمسيحي أن يتخذ أكثر من زوجة واحدة في وقت واحد. كما أنه ليس للمرأة الواحدة التزوّج بأكثر من رجل واحد في الوقت نفسه.
 فزواج الرجل الواحد بعدة نساء لا يحقق أغراض الزواج، إذ لا يجد هذا العدد من النساء لدى الرجل الواحد المساعدة التى تعتبر حقّاً لهنّ، إلا بصعوبة. كما أن في زواج المرأة الواحدة بعدة رجال يتعارض هو الآخر مع الهدف الأول من الزواج...
 وقاعدة الوحدة في الزواج المسيحي لا تحتمل أي استثناء.
 وقد جاء في رسالة الرسول بولس الأولى إلى أهل كورنثوس "ليكن لكل واحد امرأته، وليكن لكل واحدة بعلها" (1كو 7: 2). كما جاء في الإنجيل "إن الذى خلق من البدء، خلقهما ذكراً وأنثى.. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته، ويكون الإثنان جسداً واحداً. إذن ليسا بعد اثنين، بل جسد واحد" (متّى 19: 4..).

الإسلام بمرونته وعمليّته وواقعيّته فتح طاقة صغيرة للمسلم يستطيع من خلالها الزواج بأكثر من واحدة ولكن بشرط "العدل" بينهنّ، فإن إنتفى العدل زال الإستثناء. قال الله تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } ... فإن خفتم ألّا تعدلوا "فواحدة". هنا نرى شرطين مهمّين تصاحبان هذا الإستثناء: الضرورة، والعدل. فلابدّ وأن تكون هناك ضرورة للزواج بأكثر من واحدة والضرورات تحدّث عنها الكثير من رجال الدين منها اليتم والحروب وعجز المرأة عن إعالة نفسها أو وليّ أمرها عن إعالتها، فبدل الإنحراف يجوز لها الزواج من رجل متزوّج بشرط رضى زوجته التي عقد عليها قبلها. العدل يعتبر قضيّة جوهريّة والسؤال البسيط هو: هل من الممكن بأن يعدل الرجل بين إمرأتين كلّ منهما تعتبر زوجته؟. العدل هو صفة إلهيّة ولا يمكن مطلقاً لأي إنسان أن يعدل ذلك العدل الإلهي (المطلق) لأنّنا بشر والرجل لا بدّ وأن يميل إلى إحدى زوجاته أكثر من الأخرى ومن ثمّ ينتفي عنصر "العدل".
أنا أتحدّى بأن يأتيني إنسان برجل واحد تزوّج بأكثر من واحدة ولم يميل لواحدة أكثر من الأخرى، بل نحن نعرف في ليبيا بأنّ الأولاد من إمرأتين لنفس الأب لا يمكنهم مطلقاً الحصول على نفس الإهتمام من الأب لأنّ الأب لا بد وأن يميل إلى أم بعضهم على حساب أم البقيّة. العدل ليس بصفة إنسانيّة، ومن ثمّ فهو مستحيل التحقيق بالنسبة للإنسان، وتحدّثنا الكتب عن أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يحب خديجة أكثر من أي زوجة أخرى من زوجاته وبأنّه حزن كثيراً على فقدانها، وبأنّه لم يتزوّج عليها حتّى ماتت. كذلك تحدّثنا الكتب عن أنّ رسول الله تزوّج عائشة بكراً (البكر الوحيدة) وكانت صغيرة وجميلة فأحبّها رسول الله وإستمال قلبه إليها أكثر من حبّه (العاطفي) لنسائه الأخريات ( وهذا أمراً طبيعيّاً وصفة إنسانيّة لاغبار عليها) فقد قال الله تعالى: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} بمعنى أنّ الرجل لا يمكنه أن يحب إثنتين بنفس القدر، فمكان القلب يتسع لحب واحدة وواحدة فقط إن كان ذلك الحب حقيقيّاً وصادقاً، أمّا الحب الظاهري فإنّه من الممكن توزيعه بين النساء وبدون حساب... فمعاشر النساء يعشق كل إمراءة يلتقي بها لكن ذلك العشق هو "المتعة" لمن تريد أن تفهم ولا تخادع نفسها. 
  

ولنعد إلى ليبيا... حسب إحصائيّات عام 2012 بلغ عدد سكّان ليبيا 6,154,623 منهم 3,098,913 من الذكور و 3,055,710 من الإناث أي بفارق 43,203 ذكراً. في مراجعة لسكّان ليبيا خلال العشر سنوات الماضية كان عدد الذكور في كل سنة يزيد عن عدد الإناث بدون إستثناء سنة واحدة، وكان أصغر الفوارق هو 43,203 في عام 2012 وأكبر الفوارق هو 128,056 في عام 2003 وكل تلك الفوارق كانت لصالح الذكور.


كان عدد الذكور دائماً أكبر من عدد الإناث بما يسمح بالحفاظ على زيادة ذكوريّة في أي وقت وحتّى أيّام الحروب والكوارث الطبيعيّة ولعل خسائر حرب ثورة 17 فبراير 2011 تعتبر أصدق مثالاً على ذلك حيث كانت الزيادة في عدد الذكور في عام 2010 تبلغ 90،428 وفي عام 2012 بلغت 43,203 رغم الخسائر البشريّة من الرجال والتي كانت بكل تأكيد تزيد عن 99% من كل الوفيّات. 

من هنا نرى جليّاً بأن دعاوي شيوخ الدين للزواج بثلاث ورباع من أجل منع العنوسة وجنوح الغير متزوّجات لممارسة رذائل منها البغاء هي دعاوي باطلة وغير صحيحة، وإنّما أستخدمت فقط للتأكيد على شغف شيوخ الدين والمتشدّدين فيه بالزواج المتعدّد والهدف هنا يبدو جليّاً للمراقب بأنّه من أجل المتعة ومن أجل البرهنة على "الفحولة" ولا علاقة له بالدين مطلقاً. 
هناك أيضاً النظرة الدونيّة للمرأة وإعتبارها خلقت لتستجيب لرغبات الرجل على أساس أنّه القوّام عليها بما يتيح له فرض إرادته عليها بذلك القدر الذي يجرّدها من إرادتها. 


وختاماً... أنا والله أستغرب من إمراءة ترضى برجل يشرك إمراءة أخرى في حبّه لها، وينام معها فإن لم تشبع غروره يتركها لحالها ويذهب ليقضي بقيّة الليلة من زوجته الثانية التي سوف تعمل كل ما بوسعها لإسعاده وإشباع غروره حتّى يحبّها أكثر من "ضرّتها". أنا أستغرب من إمراءة تنام مع رجل وتشاركه كل أسرارها وهي تعرف بأنّه سوف يبيح أسرارها الشخصيّة لضرّتها..... والعكس صحيح أحياناً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك