2013/11/16

وهكذا كشّر الطغاة الجدد عن أنيابهم

من ظنناه بالأمس حملاً وديعاً وجدناه اليوم ذئباً شنيعاً، ومن كان بالأمس قد تلحّف بعباءة الإيمان إكتشفنا اليوم بأنّه أصبح من حلفاء الشيطان  .

كنت بالأمس منهمكاً في حضور مؤتمراً طبيّاً قي نيوكاسل فلم تصلني أخبار ما حدث في طرابلس الحبيبة إلّا ضحى هذا اليوم... وأقولها بصدق، لقد صعقت من هول ما سمعت وبالفعل أحسست بغضب شديد وبحسرة كبيرة وبأسف لا حدود له حين علمت بأن شباباً وشابّات كانوا في عمر الزهور وقد إنتزعت حياتهم قسراً منهم من قبل من لايخاف الله ولا يعمّر حب الوطن في قلبه.

مجزرة شنيعة ذهب ضحيّتها أكثر من 40 قتيلاً كانوا قبلها أحياء معافين ويتنعّمون بفضائل الله عليهم، ونتجت هذه المجزرة أيضاً عن عطب وإصابة أكثر من 200 شابّاً وفتاة كان من بينهم أطفالاً.... وما من ذنب إقترفه هؤلاء أو أولئك الضحايا إلّا أنّهم خرجوا من أجل أمن وسلامة عاصمتهم الجميلة طرابلس التي نعتوها بعروس البحر وهي كذلك حتى حين لم تتزيّن وحتى حين لم ترتد ثياب الفرح من فرط حزنها على ما ألمّ بها.
فقد أولئك أرواحهم وخسر هؤلاء بعض من أطرافهم وأحسّ البقيّة بالأرض والسماء تتفجّر من حولهم وكان على الجانب الآخر من المشهد المروّع أفراد في عصابات أقلّ ما يقال عنها بأنّها عصابات النهب والسلب والنشار والدمار.... عصابات القتل والسحل لعنة الله عليهم إلى يوم يبعثون هم ومن كان يقف وراءهم ويبارك صنيعهم النتن.
ذهب أولئك الأبرياء لملاقاة ربّهم وتحمّل هؤلاء وزر ما ألمّ بهم وكان يتفرّج على مآسيهم عن بعد وبتشفٍّ لا مثيل له أولئك القتلة والمجرمين الذين كانوا ومازالوا يرتهنون أمن وسلامة البلاد والعباد في ليبيانا الحبيبة بهدف إشباع نهمهم في السيطرة والتملّك والتحكّم في آمال وأحلام الغير في التحرّر والإنعتاق من ربق التسلّط والعبوديّة الذي عانوا منه لأكثر من أربعة عقود من الزمان على أيدي جلّاد ظنوا بأنّه زال وإنتهى فإذا ببعضهم يكتشف بأنّه ربّما كان قد ذهب لكنّه ترك وراءه مئات من الجلّادين، وإذا ببعضهم الآخر لم تسعفه لحظة العمر حتى يكتشف سر من قتلوه أو من غدروا به.
لقد بدأ واضحاً الآن بأنّنا في ليبيا كنّا قد تحرّرنا من طاغية حتى وجدنا أنفسنا في أحضان طغاة جدد كان ذلك الطاغية رغم جبروته وطغيانه أرحم بكثير منهم. كان هو واضحاً وصادقاً وصريحاً حين قال لكل الليبيّين: أنا إستوليت على مقاليد الحكم في ليبيا بسلاحي، فمن منكم يستطيع أن يأخذها منّي فليواجهني في الميدان. هم... الطغاة الجدد من فيض خوفهم وغياب الرجولة لديهم تحوّلوا إلى ممتهنين للكذب ومتاجرين بكل عبارات النفاق ومتخفّين وراء ضحكات صفراء وأجندات حمراء ورقطاء.
لقد بدأ الآن واضحاً أمام أعيننا في ليبيا وأمام أعين العالم من حولنا بأنّ من كانوا بالأمس يسمّون أنفسهم بالثوّار هم في واقع الأمر عبارة عن لصوص وقطّاع طرق لا يحملون في جعبهم لليبيا ولليبيّين غير الحقد والكراهيّة وتمنّيات الشر.

لقد بدأ واضحاً أمامنا الآن بأن سماسرة وتجّار الدين الذين يفرطون في التظاهر بالعفّة والوقار ما هم في واقع الأمر إلّا دجّالين ومنافقين وتجّار تعاويذ وأفّاقين.

لقد فضحت أحداث "غرغور" بالأمس الثاني عشر من شهر محرّم (الحــــــــرام) لعام 1435هـ والموافق للخامس عشر من نوفمبر لعام 2013مـ ما كانوا يخفون، وكشفت عوراتهم وما كانوا بتلابيب الورع والتقى يتستّرون.
تبيّن الآن وأمام كل الليبيّين والليبيّات ما كان يتخفّى وراء الأكمة، وما كان يتستّر تحت العمائم والجلابيب، وربّما بدأنا الآن نتعرّف رويداً رويداً عن أولئك الذين يضعون المطبّات على سكك التغيير حتى يعرقلوا قطارات البناء في ليبيانا الحبيبة.
بقينا في آماكننا نراوح لأكثر من سنتين ونحن في كل يوم نترقّب قطار البناء كي يبدأ في التحرّك إلى الأمام، لكنّنا سئمنا الإنتظار بعد أن طال بنا حبل الرجاء. كنّا نثق في ربّنا ونؤمن بقوله تعالى بأن "مع العسر يسر"، وكنّا نتعشّم في أهلنا خيراً فلم يدر بخلد أحدنا في يوم من الأيّام أنّه يوجد بيننا من يحيك بنا الدسائس ومن هو مستعد لبيعنا لغيرنا وبأبخس الأثمان. كنّا نخسر اليوم فنترقّب غدٍ، وحينما نخسر غدٍ ننظر بتفائل إلى اليوم الذي يليه. لم نفعل ذلك عن جهالة ولم نرضى بمصيرنا عن غباء، وإنّما كان هاجسنا الوحيد هو إيماننا بربّنا ورضانا بقدرنا وثقتنا بأنفسنا. 
وبعد ما حدث بالأمس من فضائع وبعد ما لحق بالأبرياء من أهلنا وأحبابنا من ظلم وجور، بدأنا الآن نبحث عن مخرج من هذه الكوابيس التي ألمّت بنا منذ إنتصار ثورة 17 فبارير 2011 وحين جدّ بنا البحث وحين غمّت علينا معالم الطريق تكشّفت لنا حقائق جديدة عرفنا من خلالها بأنّ من يحيك بنا هم في واقع الأمر "إخوة لنا" أو كما توهّمنا. نعم.... فمن يغدر بخيرة رجالاتنا في كل يوم في بنغازي هم من بيننا ومن أهلنا الذين إستأنسنا بوجودهم بيننا وبإحاطتهم بنا وبوضع أيديهم حولنا كنّا نظنّها من أجل حمايتنا وتأميننا فإذا بنا نكتشف بالأمس بأنّنا كنّا واهمين... أو كنّا ساذجين... أوربّما كنّا مغفّلين. 
ربّما آن لنا الآن أن نعرف بأن من أفسد وخرّب وغدر وقتل وفجّر وعربد وسرق وخرمد هو نفسه من فتح فوهات المدافع بالأمس على شباب بلادنا الواعد فنزعوا أرواح البعض وإستلّوا آمال البعض الآخر وحاولوا إستلاب طموحات الآخرين.
عرفنا الآن وبعد مذبحة "غرغور" المتعمّدة بالأمس بأن بلادنا بالفعل هي مغتصبة وهي مرتهنة وهي قابعة في سجن كبير جدرانه مبنيّة بطوب التخلّف وأبوابه مصنوعة من ألواح الخيانة وحيطانه مطليّة بدهانات التملّق والنفاق. عرفنا الآن وبعد مذبحة "غرغور" الشنيعة بأن بلادنا كانت بالفعل قد أغتصبت منّا في غفلة من الزمن ومن إغتصبها لم يكن الطاغية الذي أنهيناه ولم تكن زبانيّته التي شرّدناها في كل حدب وصوب، وإنّما من إغتصب بلادنا منّا فحقّرها وقزّمها وأهانها من أمام نواظرنا ونحن قابعون في آماكننا نتفرّج هم أولئك الذين إستشعروا بطيبتنا فظنّوا بأنّنا سذّج. إستلطفوا طيبتنا فبكوا وذرفوا الدموع في أحضاننا حتّى صدّقناهم، وشكوا لنا مثالبهم ومآسيهم وما كانوا يعانون في عهد الطاغية فتعاطفنا معهم وآويناهم، وشكوا لنا ضعفهم فوقفنا خلفهم نعاضدهم شعوراً منّا بأنّنا إنّما كنّا نفعل كل ذلك من باب وطنيّتنا ومن نافذة حبّنا لبلدنا. قلنا في قرارة أنفسنا بأنّهم كانوا قد ضحّوا بكل ما يملكون من أجل خوض معركة تحرير ليبيا فسمّيناهم من الثوّار وقرّرنا تكريمهم ورضينا بتعظيمهم وأثرنا على أنفسنا من أجلهم.
خرج علينا قادتهم وكل من حافظ "ببلاء" على بقائهم وساند تسلّطهم وأوهمنا بأنّه إنّما كان يحمي لنا ديننا ويعيد لنا كرامتنا ويسعى من أجل إحقاق الحق في بلادنا.

بعد كل الذي حدث بالأمس في "غرغور"... إكتشفنا بأنّنا كنّا واهمين وبأنّنا ربّما كنّا من المغفّلين... أو من السذّج والمساكين.
لقد كشّرت الذئآب عن أنيابها فمزّقت أنيابها المكشّرة نسيج الوطن، وغرزت مخالبها المتسمّرة في أجساد أبناء وبنات هذا البلد. لقد عرفنا الآن بأن الذئاب قرّرت أخيراً الخروج من أخبيتها لتبحث عن كل ما هو وطني وشريف كي تتصيّده وتقتات على جسده بعد أن تهدر دمه... والعاقل الفاهم لا يلوم الوحوش الكاسرة على أفعال كانت قد إقترفتها أو مثالب لازالت تمارسها وتتلذّ بها؟.

رحم الله كل من وهب نفسه بالأمس صادقاً من أجلك يا ليبيا، ويتوجّب علينا كليبيّين وليبيّات أن نتوسّل إلى الله بأن يقبلهم شهداء عنده.... فهم بكل صدق وإخلاص كانوا من بالفعل وهب حياته من أجلك يا ليبيا ولم يكن لهم من مطلب غير حريّتك أو فدائك ففشلوا في الأولى ووفقوا في الثانية فنسأل الله لهم خيار الشهادة ونعم بالله.
أعان الله بعنايته وشملهم برعايته أولئك الذين أصيبوا وكتبت لهم الحياة رغم رغباتهم في الشهادة في سبيل حريّة الوطن، وأعتقد بأنّه يتوجّب علينا كليبيّين وليبيّات بأن نكون كرماء معهم في علاجهم وفي تأهيلهم وفي تخفيف المعاناة عن أسرهم وأحبابهم وذويهم.
أمّا أولئك القتلة فحسبهم أنّهم يحتسبون من المجرمين في حق الوطن، ومجرمين في حق أهل هذا الوطن، وسوف تنالهم لعنات الله في دنياهم وفي أخراهم... أمّا نحن فقد عرفنا الآن من هو ذلك الذي يسعى لبناء ليبيا ومن هم أولئك الذين يسعون لخرابها... وسوف يخسئون كما خسئ الطغاة من قبلهم.  
          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك