2013/08/07

هل نطوّر فهمنا للأشياء فننتقل إلى الأمام ؟


خلق الله لنا الحياة الدنيا لكي نعيش فيها ونتمتّع بخيراتها، وحياتنا كما خلقها الله ديناميّة متحرّكة كل شئ فيها يسير وفق برنامج
 محسوب أبدع الله في حسبانه وتوظيبه ودقّة حركته بأبعاده الثلاثة التي نعرفها ونلمسها ونعايشها مضافاً إليها بعد رابع هو الزمن الذي كثيراً ما نراه منفصلاً عن رؤية الأشياء، مع أن عامل الزمن بالنسبة للحياة هو بمثابة الروح بالنسبة للجسد.... فعندما يتوقّف الزمن تنتهي الحياة.
شرع الله في الأرض أنزله بالنسبة لنا معشر البشر في كتاب شامل وكامل أسماه لنا "القرآن" وأسماه "الفرقان" وأسماه "الهدى"، ومن ضمن أسماء أخرى... أسماه "البيان". فبالإضافة إلى أحكام الله في شئون البشر، إحتوى كتاب الله على قصص الأوّلين بما فيها من عظات وبما فيها من معجزات، وإحتوى كذلك على علوم حيويّة وعلوم كونيّة مازال الإنسان قاصراً حتى يومنا هذا عن معرفتها إو الإلمام بها. تلك هي إرادة الله بأن جعل قرآنه معجزة بالنسبة لنا... معجزة في معانيه التي لا نستطيع تدبّر أغلبها، ومعجزة في كشفه عن أسرار نتكشّف على المزيد منها في كل يوم نعيشه، وكلّما عرفنا جديدأ من عجائب خلق الله نكتشف بأنّنا مازلنا لم نعرف الكثير من عالم الرب الواسع الشاسع ممّا يجعلنا في كل مرّة ننظر فيها في خلق الله نحسّ بالرغبة والتشوّق لمعرفة المزيد. والسؤال المطروح هو: هل يمكننا يوماً ما معرفة كل أسرار الخلق وكل معالم مملكة الرحمن؟.
هناك من يعتقد بأن من علامات قيام الساعة تكشّف الإنسان على كل أسرار الكون، ولكن من يقيني بأنّه ليس لقيام الساعة من علامات فإنّني ربمّا أجزم بأنّنا سوف لن نقدر على الإحاطة بعالم الرب مهما تبحّرنا في العلم ومهما طالت بنا الحياة الدنيا، فعالم الرب لا حدود له إلاّ عنده. قال الله تعالى في كتابه العزيز: {اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.
من هنا ... وحيث أنّنا لا نستطيع الإحاطة بأي شئ من علمه إلاّ بإذنه الذي يعطيه لنا فقط إن نحن حاولنا وإجتهدنا وتعمّقنا في الحياة من حولنا عاملين على كشف المزيد من أسرارها، لكنّنا أبداً سوف لن نحيط بكل شئ؛ فعالم الله رحب وشاسع ومقدرتنا نحن تظل دنيا مهما عظّمنا من أنفسنا ومهما هوّلنا من قدراتنا. الإنسان هو عبارة عن مخلوق صغير وصغير جدّاً في عالم الرب لكنّه لا يرى نفسه كذلك وتلك في حدّ ذاتها صفة حميدة ومأثرة من مآثر الله علينا.... فعلينا أن نعقل ونتدبّر في كنهنا فعسانا نعرف من نحن.
أنا لا أريد أن أحاول التعمّق كثيراً في ملكوت السماوات والأرض، وسوف لن أبعد كثيراً عن عالمنا البشري ومحيطنا الذي نتعايش به ومن خلاله. سوف أتحدّث اليوم في موضوع رؤية هلال العيد، وهل نحن مضطرّون للعيش بمعطيات الماضي حينما كان الإنسان لا يعرف إن كانت الأرض كرويّة أو مسطّحة أو بيضاويّة فكل هذه التعابير وردت في القرآن، لكن فهم الناس حينها لم يكن بقادر على الفصل بينها أو إختيار الأسلم منها.
تطوّر العلم مع تطوّر الإنسان ولا غرابة في ذلك فهي سنّة الله في أرضه، ولم يغفل الله ذلك فقد جعل قرآنه صالحاً لكل زمان ولكل مكان، ذلك لأن هذا القرآن إرسل إلينا من لدنه علّام الغيوب. وبذلك واكب كتاب الله كل عصر وواكب كل أنواع البشر وواكب آماكن تواجدهم، فكان كتاب الله صالحاً لكل البشر ولكل الأزمان ولكل الأمكنة حتى يبقى معجزة العصر الذي يقرأ فيه.
في قديم الزمان إعتمد الإنسان على العين المجرّدة لرؤية الهلال في أوّل كل شهر، وإنسجاماً مع ذلك نزل كلام الله على البشر حينها: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. لاحظوا كلمة "شهد" في القرآن ولم يقل الله نظر أو بصر أو رأى... وفي ذلك يتوجّب التفكير والبحث والدراسة، فكل كلمة ترد في القرآن هي مدروسة ومحسوبة وعلينا أن نبحث في أقرب المعاني لتفسيرها. شهد قد تعني عاصر أو رأى أو أحسّ أو عرف، ولا تعني الرؤية "الحصريّة" المجرّدة كما يصرّ بعض الناس عندنا.

إنّ القمر يدور حول‌ الارض‌ من‌ المغرب‌ إلي‌ المشرق‌ دوراناً كاملاً يساوي‌ 360 درجةً في‌ طول‌ 27 يوماً و8 ساعات‌ تقريباً. وهذه‌ المدّة‌ تسمّي‌ "شهراً نجوميّاً"... وكلّ في فلك يسبحون.
فالقمر يطوي‌ المدار نحو المشرق‌ ليقضي في كلّ درجة‌ منه‌ ما يقارب‌ الساعتين‌.، وبما أنّ الأرض‌ بحركتها الإنتقاليّة‌ أيضاً تسير نحو المشرق‌ دوراناً كاملاً يساوي‌ 360 درجةً في‌ مدى طوله‌ 365 يوماً وربع‌ يوم‌ فتطوي‌ المدار نحو المشرق‌ في كلّ يوم‌ ما يقرب‌ من درجةً، أي 59 دقيقةً و8 ثوان‌ (أقلّ من‌ الدرجة‌ بقليل)‌. فلا بدّ إذاًعند حساب‌ الشهر الهلاليّ الملحوظ‌ فيه‌ الزمان‌ الحاصل‌ بين‌ إقتراني‌ الشمس‌ والقمر المتواليين‌ أن‌ نلاحظ‌ مجموع‌ مقدار حركة‌ القمر وحركة‌ الارض‌ وهذا الزمان‌ يبلغ‌ 29 يوماً و13 ساعةً تقريباً، وهي ما‌ تسمّي‌ "شهراً هلاليّاً". فالقمر في‌ الشهر الهلاليّ يدور في‌ المدار دوراناً أزيد من‌ الدورة‌ الكاملة‌ وهو 389 درجةً تقريباً.
إنّ الشهر القمري‌ّ وهو فصل‌ زمان‌ مقارنتي‌ الشمس‌ والقمر المتواليتين‌ أو مقابلتيهما كذلك‌، أو فصل‌ زمان‌ وقوع‌ الشمس‌ والقمر علي‌ خطّ نصف‌ نهار إلى وقوعهما التالي‌ علي‌ نصف‌ نهار آخر يطول‌ تسعةً وعشرين‌ يوماً واثنتي‌ عشرة‌ ساعةً وأربعاً وأربعين‌ دقيقةً تحديداً.
 فلمّا كان‌ هذا المقدار يتعسّر ضبطه‌ بل‌ ويتعذّر العلم‌ به‌ لعامّة‌ الناس‌ فلايعرفه‌ إلاّ العالم‌ الخبير بالعلوم‌ المستنبطة‌ من‌ الأرصاد الصحيحة‌ الدقيقة‌، وبذلك فقد جعل العلماء شهراً مدّته واحداً ثلاثين‌ يوماً وشهراً آخراً مدّته تسعةً وعشرين‌ يوماً وهكذا إلي‌ آخر السنة‌، فيصير مجموع‌ الايّام‌ على‌ هذا النهج‌ في‌ السنة‌ 354 يوماً. وبناء على‌ المعلومات المذكورة فانّ السنة‌ القمريّة الكاملة تساوي‌ ثلاثمائة‌ وأربعة‌ وخمسين‌ يوماً وثمان‌ ساعات‌ وثمان‌ وأربعين‌ دقيقةً.
وحيث أن هذا المقدار يعتبرأزيد من‌ 354 يوماً بثمان‌ ساعات‌ وثمان‌ وأربعين‌ دقيقةً، فقد جعلت للسنوات‌ القمريّة‌ كبائس‌ وخصّص لكلّ ثلاث‌ سنوات‌ تقريباً سنةً كبيسةً واحدة، ولكلّ ثلاثين‌ سنةً إحدي‌ عشرة‌ سنةً كبيسةً بناء على ذلك؛ وجعلت في السنة‌ القمريّة الشهورالتامّة‌ سبعةً أشهر والشهور الناقصة‌ خمسةً أشهر فيصير بذلك المجموع‌ 355 يوماً.
  
ومن ثمّ فإنّ الفرق بين السنة القمريّة والسنة الشمسيّة يكون ما بين 10 11 يوماً في كل سنة، بمعنى أن رمضان يأتينا في نفس الفصل وفي نفس اليوم كل 33 سنة. أي أن أغلب الناس يصومون مرّتين طيلة أعمارهم في نفس الفصل من السنة، وتلك تعتبر من إحدى حكم الله في الأرض.

وكما نعرف فإنّ الغرض الأساسي من الصيام بالإضافة إلى العبادة هو الشعور بالجوع والعطش حتى يحسّ الصائم بعذابات ومآسي الفقراء والمساكين والمعوزين الذي يجوعون على مدى السنة. وحيث أن معاناة الصيف ليست هي كمعاناة الشتاء وهكذا بالنسبة لبقية فصول السنة، فإنّ تداول الأيّام على مدار السنة بهذا الشكل يدلّ على حكمة ربّانية مفادها أنّنا نجرّب الجوع والعطش في كل فصول السنة فيكون إحساسنا بحاجة الآخرين أكثر واقعيّاً وأكثر إنعكاساً لواقع الحال.

رؤية الهلال... هل نحتاج إلى "هيئة للتقصّي" ؟
في الزمن القديم حين كان الناس يعتمدون على العين المجرّة لرؤية الهلال لم يكن يتوفّر لديهم العلم الكافي لمعرفة بداية الشهر بغير هذه الطريقة. ومع تطوّر الزمن بدأ العالم يتكشّف عن الكثير من علوم الكون ولم يأتي ذلك فجأة ولم يكن مصادفة، بل كان كل ذلك نتيجة لأبحاث ودراسات تخلّلتها نجاحات وإخفاقات لكنّها في النهاية مثل غيرها من العلوم الأخرى أثمرت لنا علماً فلكيّاً شاملاً بوسعه أن يعلمنا بالدقيقة والثانية موعد ولود كل شهر من كل سنة ولمدى الحياة، فعلينا أن نستفيد من هذا العلم وعلينا أن نتفاعل مع عصرنا الذي نعيش فيه.
يقال بأن دار الإفتاء في ليبيا أنفقت مئات الألاف من الدولارات لإستيراد مناظير ليليّة بإمكانها أن ترصد الهلال حتى في أصغر حجم له، وقامت دار الإفتاء الليبيّة بإرسال عدد من شيوخ الدين لحضور دورة تدريبيّة في السعوديّة لهذا الغرض.

المعروف أن الهلال من الممكن معرفة لحظة مولده بالثانية ومعرفة الزمن الذي يمكثه الهلال في السماء، وإحتمال رؤيته بالعين المجرّدة من عدمه بدون الحاجة لإنفاق ولا درهم واحد حيث تتوفّر هذه المعلومات مجاناً على الإنترنت.
نستطيع أيضاً معرفة بداية الشهر على مدى السنة وبذلك يستطيع الناس في عالم اليوم برمجة عطلاتهم وحجز مستلزمات الإقامة والتنقّل في مدد كافية بما لا يتعارض مع أعمالهم. كذلك فإنّنا بالعلم نستطيع أن نحدّث الأسس التي نعتمد عليها في ممارسة شعائر ديننا بدون أن نبدو للآخرين وكأنّنا بدو ما زلنا نعيش في الخيام ونقضي حوائجنا على "بركة الله" أي حسب سوانح الفرص.

السعوديّة تستطلع هلال العيد مساء 28 رمضان !  
نظراً لإعتماد السعوديّة في بداية كل شهر على الرؤية العينيّة (بالمجرّد أو بالمناظير) فإنّه لسبب ما أيقن السعوديّون بعد مرور 28 يوماً على الصيام بأنّ إعتماد شهر رمضان كان ربّما خطأ، وبأن الصيام في السعوديّة كان يوماً بعد رؤية الهلال، ولا أدري من أين لهم بتلك المعلومات وماذا كانت مصادرهم ولماذا تأخّروا كل هذا الوقت ليعلموا الناس اّنهم ربّما أفطروا يوماً في بداية رمضان وعليهم إعادة صيام ذلك اليوم في حالة رؤية الهلال مساء الثلاثاء 28 رمضان، ولكن رحم الله الناس ولم يتمكّن "علماء" السعوديّة من رؤية الهلال مع العلم بأن معلومات الإنترنت تفيد بأنّه لا يمكن رؤية الهلال بأي طريقة وبأي وسيلة يوم الثلاثاء المذكور، وما كان يتوجّب إحداث كل تلك الضجة بين الناس، وما كان يتوجّب تضييع الوقت والمال في مهمّة منجزة بالكمال والتمام عن طريق الإنترنت.
هذا هو الخبر كما نشرته وسائل الإعلام:
 دعت المحكمة العليا في السعودية إلي تحرّي رؤية هلال شهر شوال لهذا العام ابتداء من مساء اليوم الثلاثاء مما يشير إلي إحتماليّة إعلان يوم الأربعاء كأول أيام عيد الفطر.
 طلبت المحكمة العليا ممن يرى هلال شوال بالعين المجردة أو بواسطة المناظيرإبلاغ أقرب محكمة إليه وتسجيل شهادته لديها، أو بواسطة الإتصال بأقرب مركز للشرطة لمساعدته في الوصول إلى أقرب محكمة لإبلاغها برؤيته للهلال.

هلال عيد الفطر المبارك عن طريق الإنترنت
في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان قمت بالإطّلاع على المعلومات المتوفّرة في الإنترنت وخرجت بهذه المعلومة التي نشرتها في نفس اليوم على صفحات الفيسبوك:
سوف يظهر هلال شوّال في سماء ليبيا يوم الثلاثاء 06 أغسطس 2013 عند الساعة 05:58 صباحاً ويغرب عند الساعة 19:31. وحيث أن غروب الشمس يوم الثلاثاء في طرابلس سوف يكون عند الساعة 20:01، لذلك فلا يمكن رؤية الهلال لهذا اليوم !.

بالنسبة ليوم الإربعاء القادم 07 أغسطس 2013 سوف يظهر الهلال عند الساعة 06:52 صباحاً ويغرب عند الساعة 20:06. سوف يكون غروب الشمس في طرابلس ليوم الإربعاء عند الساعة 19:59 بمعنى أنّه يمكن رؤية هلال شوّال يوم الإربعاء القادم في فترة زمنيّة مقدارها 7 دقائق بعد غروب الشمس. من هنا فإنّ أوّل أيّام عيد الفطر المبارك سوف يكون يوم الخميس القادم..... وكل العام وأنتم بخير.


من كلّ هذا وغيره، يتضح جليّاً بأنّني لم أحتج إلى مناظير ولا حاجة لتضييع وقتي في محاولات رؤية هلال عيد الفطر المبارك، وإنّما إحتجت إلى 3 دقائق فقط وبدون دفع ولا درهماً واحداً من أجل معرفة متى يمكن رؤية الهلال.
لماذا لا نتسلّح بالعلم ونستفيد من التقنية لترشيد مصروفاتنا وللإستفادة من وقت كل منّا كما يجب بدل العيش بمعطيات الماضي حيث لم تكن هناك شبكات إنترنت ولم تكن هناك علوماً فلكيّة تفي بالغرض فكان الناس حينها ملزمين لترصّد الهلال بالعين المجرّدة، وكان هناك الكثير من الكذب والإدّعاءات الباطلة، وكانت هناك أيضاً الكثير من الأخطاء كما حدث في العام 2013 في المملكة السعوديّة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك