2013/01/05

إحذروا الخطر القادم


يوجد بيننا من الليبيّين من يتستّر وراء لحاف الإيمان ويتحدّث بلغة القرآن ويبدأ كلامه دائماً بالصلاة على رسول الله ثم "لزاماً" يختمها بمن "والاه". أظنّ بأن أغلب هؤلاء - وحتى لا نعمّم - يعتبرون في واقع الأمرأكثر إيلاماً وقهراً وديكتاتوريّة من الطاغية القذّافي نفسه.
من أجل الإنتقال إلى الأمام، ليبيا لا بدّ وأن تتحوّل إلى دولة مدنيّة عصريّة ومتحضّرة بعيداً عن الإيديولوجيّات التي برهنت على فشلها وعقمها بدءاً من النظام الشيوعي وإنتهاء بنظام الطاغية المقبور معمر القذّافي. ليبيا سوف تكون دولة لكلّ الليبيّين والليبيّات بدون إستثناء وبدون إقصاء وبدون عزل سياسي. الشعب الليبي كلّه مسلم، وإسلامنا في ليبيا هو إسلام وسطي لا تشدّد ولا مغالاة فيه.
ديننا يدعو إلى الحكمة والتريّث والتفكير والتدبّر، كما أنّه يدعونا دوماً بأن نحترم حق غيرنا في الإعتقاد والإختياروالتصرّف طالما أن غيرنا لا يمسّنا بأذى ولا يحاول محاربة معتقدنا. وفق هذه الأسس فإنّني أستطيع القول - وبكل قوّة - بأنّ ليبيا سوف لن تكون دولة دينيّة (ثيولوجيّة) وسوف لن تكون دولة قهريّة (ديكتاتوريّة)، وتلك الميليشيات المسلّحة التي وللأسف تصرّعلى فرض أجنداتها وطرية تفكيرها علينا يجب على منتسبيها أن يعرفوا بأن من حق كل إنسان أن يفكّر ويبدع ويحلّل... ومن حقّه بأن يختار.
توجد في ليبيا اليوم مجموعات كثيرة ومتنوّعة من المسلّحين يتراوح عدد أفرادها بين 50,000 – 100,000، وهؤلاء أغلبهم يتبع كتائب وميليشيات يعلم الله من هم قادتها، ويعلم الله مدى إمتثال منتسبيها لأوامر قادتهم. كذلك نحن كليبيّين لا نعرف كنه إنتماء هؤلاء الحقيقي ومن أين تأتيهم الآوامر العليا. هؤلاء المسلّحون يعتبرون بكل المعايير والمقاييس بمثابة قنبلة موقوته قد تنفجر في أية لحظة وبأي سبب.
هؤلاء المسلّحون كما يعرف أغلب الليبيّن والليبيّات يصرّون على فرض أجندتهم وسوف يفرضون علينا إبتياع بضاعتهم، وإن لم نقبلها فسوف يستخدمون التهديد والعنف وقد يستخدمون السلاح لفرضها علينا كواقع لا هروب منه مثل ما كان يفعل الطاغية المقبور معمر القذّافي. هؤلاء سوف يفرضون علينا الإمتثال الأعمي لما يأمروننا به، وسوف يكفّروننا إن نحن إختلفنا معهم أو حاولنا مناقشتهم فيما يدعون إليه.
الذي يجري في ليبيا – وفي بنغازي بالخصوص – في الوقت الحاضر هو على مقولة عادل إمام "حاميها حراميها"... وأسأل عن أعضاء "اللجنة الأمنيّة العليا" من هم، ولمن ينتمون، وأين يتّجه ولاءهم؟.
هؤلاء الناس هم غلاظ قاسية قلوبهم، ولا يحملون إنسانيّة في أحاسيسهم. فعندما تتبلّد آحاسيس الإنسان يتحوّل إلى حيوان كاسر لا يهمّه إلاّ الصيد الثمين، ولا يحفل بما يحدث بعد ذلك. الذي يحدث في بنغازي يمكن معرفته بكل سهولة لو كان هناك من يبحث عن الحقيقة وبجدّية..... فدعونا نحاول تشخيص الحالة:
الأعراض: عمليات إغتيال وإختطاف وتفجيرات كلّها متشابهة وربّما تترك وراءها نفس البصمات.
المسبّبات: بعد أن عرفنا ما يحدث (الأعراض)، دعونا نحاول الوصول إلى الأسباب... وفي هذا الإطار ربّما تتواجد لدينا ثلاثة إحتمالات لا رابع لها:
1- أن يكونوا من أزلام الطاغية القذّافي.
2- أن يكونوا من المجرمين الذين أخرجهم الطاغية من السجن قبل التحرير.
3- أن يكونوا من المتشدّدين الإسلاميّين.
دعونا الآن ننظر إلى هذه المجموعات الثلاثة كلّ على حده:
أوّلاً- أزلام القذافي: هؤلاءبكل تأكيد يحتاجون إلى دعم قوي وقاعدة شعبيّة للقيام بمثل هذه المهام.. وهذه من المؤكّد بأنّهم يفتقدونها. أزلام القذّافي يعتبر همّهم الأوّل الآن - وقد قتل زعيم عصابتهم - أن ينجوا برقابهم، والحذّاق منهم أن يهرّبوا معهم أموالهم كذلك، ثم يبدأون بعد ذلك في البحث عن مكان آمن يعيشون فيه خارج البلاد..... فما حاجة هؤلاء لهذه الإختطافات والتفجيرات والإغتيالات؟.
ثانياً- عصابة المجرمين: هؤلاء الناس هم مجرمون إجتماعيّون ( لا سياسيّون) وهمهم الوحيد هو العودة إلى مهنتهم بعد أن "تحرّروا" من السجن. المجرم الإجتماعي لا يتعلّم ولا يتوب مثله في ذلك مثل شارب الخمر أو المدخّن (مع إحترامي للمدخّنين). الهم الوحيد للمجرم الإجتماعي هو النصب والإحتيال والبحث عن غنيمة كبيرة تستحق التضحية في سبيلها. الآماكن المفضّلة لهؤلاء هي الموانئ والبوّابات والمتاجر الكبيرة والمؤسّسات الماليّة. هؤلاء الناس لا يذهبون إلى بيوت الغير ولا يحتاجون لإغتيال أي شخص، وهم في العادة لا يلجأون إلى القتل أوإستخدام العنف إلاّ حين يضبطون متورّطين في جريمة سرقة أو إحتيال.
ثالثاً- الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة: هؤلاء الناس لهم أحلام سياسيّة، ولهم قاعدة شعبيّة في بنغازي ودرنة ومعظم مدن الجبل لأخضر لأسباب تاريخيّة.... أي أن لهم من يحميهم ويأويهم ويتستّر عليهم. هؤلاء الناس أعلنوها صراحة بأنّهم ضد الدولة، وضد الإنتخابات، وضد الديموقراطيّة على إعتبار أنّها بدعة. هؤلاء الناس كانوا أكثر من تأذّى من قوّات الأمن والشرطة والمحقّقين في عهد الطاغية القذّافي، بمعنى أنّهم كان قد تكوّن لديهم إحساساً بالإرتياب والإرتعاب من كل شئ إسمه أمن أو شرطة أو محقّقين. هؤلاء الناس معروفين بإنتهاج العنف كوسيلة لبلوغ أهدافهم ولا يحفلون مطلقاً بالنتائج لأنّهم لا يحسبون. هؤلاء الناس يرون الوضع الحالي في ليبيا قضيّة حياة أو موت بالنسبة لهم نظراً لأن المجتمع الليبي في العموم ينبذهم وسوف لن يرضى بهم يحكمون ليبيا، وبذلك فإنّ العنف والترهيب بالنسبة لهم يعتبر سلاحاً قويّاً وربّما وحيداً. وختاماً ربما يتذكّر الكثيرون منكم ذلك العرض العسكري "المتبجّح" الذي أقامته جماعة "أنصار الشريعة" في بنغازي في بداية العام الماضي والذي إستعرضت فيه قوّتها بكل تحدّ.
إذاً..... من كل ما سبق، فإنّني أرى بأن الجماعات الجهاديّة ( وأنصار الشريعة على وجه الخصوص) هم من يرجّح بأنّه قام بكل تلك الأعمال المتشابهة التي حدثت في بنغازي.... ومن يبحث عن الحقيقة فعليه أن يتتبّع أولئك فقد يصل إلى تفسير كل ما حدث ويحدث في بنغازي.
حين عرضت قناة "ليبيا الأحرار" الفضائيّة تحقيقاً مصوّراً عن مستشفى الجلاء ببنغازي بعد أحداث إعتداء على أطباء مناوبين بداخله، كان يتواجد هناك الكثير من الملتحين بلباس عسكري قالوا بأنّهم من "اللجنة الأمنيّة العليا" وبأنّهم هم من يحمي المستشفى. كان أحد الأطباء يتحدّث مع ملتح ويناديه يا"شيخ"، وحين تحدّث مع مقدّمة البرنامج المبدعة "راوند العبيدي" كان يقول لها: وحين جاء "الشيخ" آمر الكتبية... الشيخ آمر الكتيبة.... تصوّروا إلى أي قدر من التردّي وصلته الأمور في بلادنا !.
يقال بأن بنغازي حين إستلمها الجيش بالتعاون مع الشرطة بعد جمعة "إنقاذ بنغازي" بدأ المتشدّدون يرسلون "مخرّبين" بهدف واحد وأوحد فقط.... وهو "التخريب"، وبذلك كانوا يبعثون برسالة واضحة مفادها: أنتم عزلتمونا وولّيتم الجيش والشرطة... أنظروا ماذا ألمّ بكم الآن في غياب "الكتائب الأمنيّة" التي كانت تحميكم.
كانوا يرسلون المفسدين، ويعمدون إلى الإكثار من الجرائم حتى يستنجد بهم الناس ويطالبوا بعودتهم.... والنتيجة كانت تحديداُ ما حدث في مستشفى الجلاء وفي آماكن أخرى ببنغازي. إنسحب الجيش وإنسحب أفراد الشرطة خوفاً على حيواتهم التي أصبحت في خطر من جراء عمايات الإغتيال المقصود بها "حصريّاً" عناصر الجيش والشرطة وخاصّة أصحاب الرتب الكبيرة بما يعني ذلك من حرمان الدولة من خبرات هي في أمسّ الحاجة إليها ومن ثمّ تأخير تكوين الدولة من حيث الأساس، وهذه تحديداً ما تطمح إلى تحقيقه كل التنظيمات الإسلاميّة المتشدّدة. وكما نعرف فإنّ كلّ عمليّات الإغتيال والخطف والهجوم على مواقع مقصودة بعينها مثل مقابر قتلى الحرب العالمية الثانية من الحلفاء، والهلال الأحمر، والقنصليّتين الإنجليزيّة والأمريكية... كل تلك الأحداث كانت تسجّل ضد "مجهولين"... وما هم في حقيقة الأمر "بمجهولين"، لكن من يقوم بالتحقيق في حدث ما هو نفسه من يقوم بإحداثه !.

كيف يمكننا التعامل مع هذا الوضع الحسّاس ؟
أعتقد أنّه يتوجّب علينا بأن نكون واقعيّين، وعلينا أن نكون أذكياء فالوضعيّة تعتبرحسّاسة جدّاً وقد تصبح خطيرة في أية لحظة. مواجهة هؤلاء المتشدّدين سوف لن تخدم أي طرف غيرهم، ومهما كانت جديّة فإنّها سوف لن تكون بقادرة على تغيير طريقة تفكيرهم أو مخطّطاتهم.
أغلب هؤلاء الناس هم من لا يفهمون ولا يحسبون ولا يفقهون في علم المنطق والحسابات. أصابعهم هي دائماً كابسة على الزناد ولديهم إيعاز من عقولهم بالضغط على الزناد بدون أيّ تردّد. نتائج كل أعمالهم نحن نحسبها ونقدّر مئثّراتها، أما هم فليس الحساب وقراءة النتائج من ثقافتهم وهم لا يحفلون بردود الأفعال أو بتلك الأرواح التي تذهب ضحيّة لأيّ من أعمالهم... والأمثلة متوفّرة في كل مكان بدءاً من تفجيرات نيويورك ولندن ومدريد وإسطنبول وبغداد... وغيرها كثير ومحيّر لكل ذي عقل يتدبّر.
علينا بأن نكون أذكياء في التعامل معهم، وأعتقد بأن كل من رئيس الوزراء الأستاذ علي زيدان ووزير الداخليّة العميد عاشور شوايل يعتبرمن الأذكياء وكل منهما يمكنك الوثوق في براغماتيّته لدرجة أنّك تحترمه وتقدّره. في بعض الأحيان تضطرّ لأن تتعايش مع من لا تحب من أجل أن تتجنّب مشكلة أو ربّما بأمل التوصّل إلى حل..... وهذا ربّما ما تفكّر بخصوصه الجهات المعنيّة التي أخذت على عاتقها مسئوليّة تكوين الدولة العصريّة التي لا يمكنها قبول أية ميليشيات مسلّحة خارجة عن أجهزة الدولة المعلنة والمنضبطة.
أعود وأقول إن هذه الجماعات التي أبتلينا بها وللأسف سوف تستمر في تسويق بضاعتها وسوف تحاول فرض إقتناءها على من يرفضها، لكنّ الليبيّين في واقع الأمريعتبرون أذكياء ـ لكي يفهم السيّد البركي ( أحد الأعضاء البارزين بلجنة طرابلس الأمنيّة التي يسيطر عليها المتشدّدون الإسلاميّون) والذي قال بأن الليبيّين منهم 50% أغبياء لا يفهمون أي شئ، و50% غير مبالين - وهم من إستطاع في صمت إفشال مؤتمرات الطاغية القذّافي الشعبيّة، وإفشال نظريّته وكتابه الأخضر.
الليبيّون والليبيّات ليسوا ضعافاً بل هم الأقوى، فهم من القادرين على النقاش والحوار... وهم من لديه القدرة على طرح وجهة النظر والعمل على البرهنة عليها بالمنطق وبالدليل العملي. سوف يتعلّم الليبيّون كيف يتحاورون وكيف يتقبّلون إختلاف وجهات النظر فيما بينهم.
ليكن معلوماً لدى أولئك الظلاميّون الذين يظنّون بأنّه بوسعهم الضحك على الليبيّين وتخويفهم بسلاح الترهيب والإختطاف والإغتيالات، وعلى أنّهم في نهاية المطاف سوف يكونون بقادرين على فرض أنفسهم علينا... فنقول لهم وبكل قوّة بأنّ ذلك سوف يبقى جزءاً من عالمهم الإفتراضي الذي يتنعّمون بالعيش فيه، وعلى أنّه توجد بيننا وبينهم فروقاً كثيرة وكبيرة. فنحن نستخدم عقولنا وهم يستخدمون أيديهم ومخالبهم.... وفي نهاية الأمر فإن العقل هو من سوف يسود.
وهمسة في آذان هؤلاء "الظلاميّين"، إن رجال الدين في العموم لا يفقهون كثيراً في شئون الحكم وتكوين الدول، وهم من سبق وأن دخل في أيّ فأفسده وجعل أعزّة أهله أذلّاء. خذ الصومال وأفغانستان والعراق مثلاً، وإنتبه إلى باكستان التي سوف تلحق بالركب قريباً جدا´حكماً بنفوذ القوى الإسلاميّة المتشدّدة المتمدّد في أجهزة الدولة الحسّاسة. ماذا عن الجزائر التي كادوا أن يضعوا مخالبهم عليها في عام 1992 لولا حكمة رجالها الذين تفطّنوا لما كان يحاك ببلدهم فأوقفوهم رغم المحاذير ونجت بحمد الله دولة الجزائر من الدمار والإنفجارات التي يعاني منها العراق منذ عام 2003 وحتّى اليوم.
أعتقد بأن مكان رجال الدين هو الجوامع والمناسبات الإجتماعيّة ليقوموا بإرشاد الناس وتنويرهم بآوامر ونواهي دينهم بعيداً عن التشدّد والتعصّب والمغالاة. ألا يوجد في بلادنا متكالبون على الإستحواذ والتملّك والتعدّي على حقوق الغير متناسين آوامر ربّهم التي تحثُهم على القناعة وإحترام حقوق وممتلكات الغير؟.
أليس الأجدر برجال الدين من أجل بناء الدولة السويّة أن ينزلوا إلى الشوارع ليتحدّثوا إلى الناس بلغة يفهمونها ينفّرونهم من فعل الرذائل ويدعونهم للإمتثال لأوامر الله والإنتهاء عن نواهيه؟.
وفي الختام.... نريد أن نقول ـ كليبيّين وليبيّات، وبكل ثقة بأنفسنا وبقدراتنا الذهنيّة والعلميّة - بأنّنا لسنا ضعفاء؛ بل نحن هم الأقوى لأنّنا قادرون على النقاش والحوار وتبادل الأفكار والإستفادة والإفادة من بعضنا البعض. نحن نستخدم عقولنا وهم يستخدمون أيديهم ومخالبهم، وفي نهاية الأمر فإن العقل هو من سوف يسود بكلّ تأكيد.
ونريد كذلك أن نذكّرهؤلاء المنغلقين على أنفسهم بما يعرفونه، وهو أن الماء برغم سلاسته ورقّته فإنّه يذوّب الصخر.... ولكن بماذا؟. بالصبر والإصرار والتفكير والتدبّر حساب الأرباح والخسائر بقدر إستطاعة كلّ منّا. نحن نمتلك العلم والعقل ونحتكم إلى المنطق، وهذه الملكات الحضاريّة سوف لن تقهرها المدافع وسوف لن تهزمها اللحي الشاعثة والسراويل المشمّرة واللطع الحمراء على جبهات الرؤوس.
نعم... فبالكلمة الرقيقة الهادفة والملتزمة نستطيع أن نغيّر العقول، وبالرأي الصادق المخلص - في وجود ممارسات ديموقراطيّة حقيقيّة - قد نساهم في تأسيس قرار تصدره جهات الإختصاص التي تحكم بالشعب وتحكم لصالح الشعب.
فلنحاول... ونحاول ... ونحاول... حتى نتمكّن من بلوغ غاياتنا، وسوف نبلغها بإذن الله.

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف15/1/13

    blease read something i foundd online:

    الخلافة الإخوانية الجديدة
    Posted on December 28, 2012

    نبيل فياض

    الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، خاصة مع الأفلام القادمة من الجماعات الإرهابية الإسلامية في سوريا – آخرها الفيلم الفاجعة الذي يصور طفلاً يقطع رأس ضابط علوي من قرفيص – هي أن الحراك الشعبوي المسمى خطأ، أخلاقياً وإنسانياً وحتى زمنياً، بالربيع العربي، ليس أقل من ارتكاسة رجعية بدوية تريد إعادة المنطقة كلها من زمن المدنية إلى زمن ما قبل البداوة.

    وحدها الأنظمة تتحمل المسئولية. وإلا فكيف نفسّر هذا الطوفان من قطعان الوهابية التي تملأ شوارع سوريا، التي طالما كذبوا علينا بأن لا مكان فيها لغير التقدّم والاشتراكية؟ كانوا يكذبون على القيادة. والأجهزة الأمنية هي المسئولة الأولى والأخيرة عن هذا السقوط في براثن الوهابية. كل شيء تحت السيطرة: كانوا يقولون! واكتشفنا أن سيطرتهم كانت فقط على العلمانيين والليبرالين وكل من هو إنساني في بلد زنوبيا ولونجينوس الحمصي!

    الإسلام والديمقراطية خطّان متوازيان لا يلتقيان أبداً! وكما كان زعماء جبهة الإنقاذ في الجزائر يحذّرون من أن الديمقراطية، كحكم للشعب، هي النقيض لمفهوم الحكم في الإسلام، الذي هو حكم الله؛ فإن أية حالة ديمقراطية قد تتواجد اليوم في تونس أو مصر لا يمكن لها الاستمرار! ستستخدم الديمقراطية، كحمار أجرب، من أجل إيصال جماعة البدوية الجديدة إلى سدة السلطة، ومن ثم يقتلونه حال وصولهم.

    لا أسهل من الحصول على الغالبية. ففي هذه المنطقة حيث يسيطر الفقر والجهل والإسلام على عقول الناس، لا يمكن لغير الحالمين بحوريات الجنة، بعد أن فشلوا في الوصول إلى حورية واحدة في الدنيا، أن يصوتوا لغير بائعي الحوريات. هذه الغالبية، رعاع الإله الغبي، لا يمكن أن يُسمح لهم، عبر دساتير أخوانية، بتغيير الرأي إن هم أرادوا بعد أن يُخذلوا في الدنيا والآخرة.

    هذه الكوكبة من حمير السلفية والوهابية لن تجد أفضل من الأخوان يركبونها إلى السلطة. الأخوان أكثر تناسباً مع العصر. وهم يتلونون كالحرباء العجوز وفق الحاجة. الأخوان يدفعون بهؤلاء الصرعى إلى الواجهة؛ والصرعى، كالسرطانات التي لا تمتلك بوصلة ولا بصيرة، يتخبطون في مواجهة واقع عالي العصرنة بعقلية ممتلكة للحظة ميتة من الزمان؛ لذلك فهم لا يفيدون إلا في المزيد من إشعار العالم كله بالقرف – يأتي هنا الأخوان، قوة منظمة، ذات ” مظهر ” حضاري، تريد تخليص الإسلام من أسر هؤلاء الصرعى، وتطبيق شرع الله بطريقة عصرية: يعني بدل قطع الرأس على طريقة الطفل الحمصي، يصبح القتل عبر القناص المدرب للغاية.

    نحن ننتقل اليوم من استبداد الفرد إلى استبداد المؤسسة – وتلك هي الكارثة الحقيقية! في مصر، على سبيل المثال، كان ثمة نصف مستبد اسمه حسني مبارك؛ وزال هذا النصف-استبداد مع زوال حسني من مركز القيادة! اليوم، محمد مرسي الشخص لا يحكم واقعياً، بل من يحكم هو جماعة الأخوان المسلمين! والأخوان المسلمون جماعة مافيوزية كوزموبوليتانية، يهمها السيطرة على السلطة في المناطق ذات الغالبية السنية تحت اسم الدين. لعبتها التجهيل والتلحف بعباءة الدين الفضفاضة: أفضل الطرق لسوق الرعاع من أنوفهم. لذلك فقطع ذراع الأخطبوط لا يعني موته. قطع ذراع الأخطبوط المسمى محمد مرسي، لا يعني موت الأخطبوط المسمى بالأخوان. لذلك فإن كل من يحلم بإنهاء الاستبداد الديني في مصر عبر الإنهاء السياسي لمحمد مرسي ليس أقل من واهم: الأخطبوط يمسك بضحيته، مصر، ولن يتركها إلا بقتلها. تونس تختلف عن مصر كمياً لا نوعياً.

    لقد انتهى العالم الناطق بالعربية: العراق؟ تعيش إنت! مصر؟ تعيش إسرائيل! سوريا؟ تعيش جبهة النصرة. لذلك لا بد من البحث عن مقر للخلافة الأخوانية في بلاد الترك. وهل ثمة مدينة أفضل من أنقرة؟ لقد حكمنا العثمانيون، كما تحكم الأبقار المريضة، أربعة قرون بسيوف القزل باش وأقدام الإنكشارية؛ اليوم، مع انتقال الثقل الأخواني إلى بلاد آل عثمان، ووصول الرعاعة المصري ونصف اللص التونسي إلى سدة الحكم في البلدين، سوف نجد أنفسنا وقد عدنا إلى زمن الباب العالي، وسيذهب تجار الحروب إلى الأستانة كي يشتروا رتب البكوية والباشوية!

    غداً؛ مع دخول الناطقين بالعربية عهداً جديداً من التخلّف المتجدد، سيكون لدينا في سوريا محمد جورج صبرا باشا؛ معاذ الخطيب آغا؛ رياض الترك بيك؛ وسهير الأتاسي أفندية!

    رحم بعل زمن القدماء من أغوات وبكوات وباشاوات وأفندية: أقله كانوا شبعانين، أخلاقاً ومالاً ونساء ورقياً…

    حقاً إنه زمن العرعور…!!
    Print Friendly

    ردحذف

الرجاء وضع تعليقك