2012/09/30

عالم الدين وعالم الحياة

 عالم الدين هو من يمضي كل عمره للبرهنة على أنّه على حق، وعالم الحياة هو من يمضي كل عمره للبرهنة على أنّه على خطأ.

أودّ في البداية أن أؤكّد على أنّني أؤمن بدين الله وألتزم بسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام فالدين عند الله بالنسبة لي هو الإسلام، وحيث أن الإسلام عندي هو الدين الذي جاءنا به نبيّنا محمداً ولم يكن حينها لا سنيّاً ولا شيعياً ولا زيديّاً ولا إسماعيليّاً ولا مالكيّاً ولا وهابيّاً ولا حنفيّاً ولا حنبليّاً ولا شافعيّاّ، ولا غيرها من المذاهب الأخرى، فإنّني أقول بأنني مسلم وكفى.... وحسبي أنّني كذلك. الإسلام وصلنا عن طريق خاتم الأنبياء فنحن بطبيعة الحال تابعين لسنّته وهي في واقع الأمر سيرته التي سار عليها منذ هبوط الوحي عليه.
هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى فإنّني كنت تشبّعت من علوم الدين وأنا تلميذاً في الإبتدائيّة حيث كان والدي رحمه الله فقيهاً معتبراً له من الإطّلاع ما يمكّنه من التحدّث عن الإسلام بكل ثقة وبكل إقتدار. كنت مداوماً على قراءة الكتب التي كان يحتفظ بها في مكتبة وهي دينية وثقافيّة محترمة، وكان يختارني من بين إخوتي لأقرأ له فيقوم هو بتفسير ما يصعب عليّ فهمه.
أذكر حادثة ممتعة بالنسبة عندما كنت في الخامسة من التعليم الإبتدائي حيث قرأنا في مادة "النصوص"  طرفة من طرفات الجاحظ حين روي عنه ما يلي:

راى الجاحظ رجلاً كبيراً في السن فقال للرجل لقد قلت فيك شعرا؛ فردّ عليه الرجل: قل . فقال له الجاحظ مداعباً: 
كأنك صعوة من أصل حش * * * *  أصاب الحش منها بعد رشّ
فقال له الرجل الغريب رادّاً عليه:
كأنـك جندب فـي ذيـل كبش * * * *  تتدلدل هكذا والكبش يمشي.
فقال الجاحظ ما غلبني قط الا هذا الرجل.
قال أستاذي في اللغة العربيّة حينها بعد تدارس مع زملائه الآخرين: ما عرفنا قط ما معنى "الجندب" !.
أتذكّر أنّني عدت مساء قائلاً لأبي مازحاً: لم يستطع أساتذتي تفسير كلمة "جندب"، فضحك والدي لكنّه لم يقل شيئاً.
في صباح اليوم التالي سلّمني قصاصة صغيرة مطويّة طلب منّي تسليمها للمدرّس!.
سلّمت الورقة لمدرّسي فقرأها على الفور وخرج مسرعاً. عاد ومعه مدرّس "التهذيب" وسألاني ماذا يفعل أبي فقلت لهم إنّه شيخ دين، ويقرأ كثيراً. فطلبا منّي التسليم عليه وشكره.
أرسل لهما والدي معنى الجندب بعد أن بحث في كتبه قائلاً: إن الجندب هو تلك العقد الكثيرة المتراكمة على جانبي ليّة(ذيل)  الكبش وهي تمثّل تجمّعاً لكل القاذورات وإفرازات الكبش العرقيّة والصمغ، وهي تستخدم بعد غليها في الماء كصمغ يستخدم للكتابة !.

دعوني أعود إلى صلب الموضوع: عندما تستمع إلى شيخ (عالم) الدين في عالمنا الإسلامي والعربي وهو يحدّثك عن الدين فإنّ أغلب حديثه سوف يرتكز على الماضي، وكيف كان أجددنا يفعلون... ويفعلون.... ويفعلون، وكأنّنا نحن في عالم اليوم لا نستطيع أن نفعل مثلهم أو نتشابه معهم في الأفعال.
يسوق إليك رجل الدين عندنا الأحداث وكأنّها مسلّمات يتوجّب عليك تصديقها، بل الأكثر من ذلك لا يتركك محّدثك لكي تسأل أو تستفسر عن صحّة ما يقوله لك. لا يحق لك أن تشك، ولا يحق لك أن تستدل، ولا يحق لك أن تطلب وجهة نظر مختلفة من مصدر ثان.
يوحي إليك الشيخ بأنّ بطله الذي يتحدّث عنه كان صادقاً، مخلصاّ، نقيّا، ملائكيّا، وفي كثير من الأحيان "منزّهاً"، ولا توجد به شائبة. يتجنّب الشيخ أيّ جانب آخر من شخصيّة بطله حتى يرفع شأنه عندك، ولا يتحدّث مطلقاً عن عيوبه وكانّها غير موجودة على الإطلاق.... يصوّر لك بطله على أنّه ملاك على الأرض.
رجال الدين في العموم لا يقومون بأبحاث عمليّة، ولا يحاولون البرهنة على ما يقولون من خلال التمحيص، والتدقيق، والتأكيد، والمناقشة. المناقشة تكاد تكون مغيّبة في كل كتب ومؤلّفات شيوخ الدين الذين يطلقون على أنفسهم "علماء" وهم ليسوا بمستوى العلماء. العالم هو من يضع الفرضيّة ويعمل على فكرة أنّها تخضع للصواب أو الخطأ فيتوصّل بأبحاثه لدلائل حسيّة وعمليّة توصله إلى إستنتاج معيّن قد يكون داعماً أو ربّما يكون نافياً.
يقول الكثير من شيوخ (علماء) الدين بنظريّة "الحجّة على من إدّعي، والبرهان على من قال"، وفي هذا ربّما هم يستندون إلى كلام الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، وقوله تعالى: {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } وعليهم أن يفعلوا تحديداً ما ينادون به.
من شروط البحث العلمي أن يستند على ركائز ثلاثة:
1- الفرضيّة.
2- البرهنة.
3- الإستنتاج.


عندما تطلب من شيوخ الدين أن يبيّنوا لك عمليّاً كل الظواهر التي تبرهن على صحّة ما يقولون؛ فإنّ أوّل رد فعل يواجهونك به هو "الإمتعاض"، ثم يتلوه "الشك" في نواياك أو ربّما إيمانك، ثم يلي ذلك "تكفيرك" في بعض الأحيان. حين تطلب أدلّة ماديّة ملموسة لتبرهن على صحة ما يقولون يسرعوا إلى نعتك ب"العلماني" أو "الوجودي" و "المادّي" وهم يعرفون في قرارة أنفسهم صعوبة المهمّة بالنسبة لهم لأنّهم يتحدّثون عن "غيبيّات"، وعن سير سابقة، وعن أقوال لأناس لم يعودوا موجودين بيننا. يحاول شيوخ الدين تجنّب البرهنة ب"المدروكات" أو "الحسيّات" ويكتفوا بأشياء منقولة يعتبرونها براهين وثوابت لما يقولون.

سيّدنا إبراهيم عليه السلام يعتبر جد الأنبياء وأعظمهم مكانة عند الله. إيمان سيدنا إبراهيم لا يمكن التشكيك فيه، ويمكن من الوهلة الأولى تسميته "إيماناً يقينيّاً" ؛ لكن سيّدنا إبراهيم برغم تلك المكانه سأل ربّه في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ }... سأل سيّدنا إبراهيم ربّه على دليل حسّي، وبرهان ملموس أو مدروك. لم يغضب الله من سيّدنا إبراهيم، ولم ينهره بل سأله بنيّة الإستدراك: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن }، ولم يرتعب سيّدنا إبراهيم، ولم يفقد إتّزانه من الخوف من ذلك "الإستفسار" من رب العالمين، بل إنّه واصل مستجيباً لربّه: {قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }. أليس هناك أكثر من هذا الشك من نبي لربّه وهو يجادله بهدف العثور على دليل مادّي وحسّي يثبت لسيّدنا إبراهيم بأن الله يحيي الموتى؟. لم يغضب الله من نبيّه، ولم يعتب عليه، ولم يشكّكه في إيمانه؛ بل إن الله إستجاب لنبيّه بأن برهن له عمليّاً على أنّه (صاحب الجلالة) بالفعل قادر على إحياء الموتى فرد الله على إبراهيم: {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
هكذا نرى بأن سيدنا إبراهيم كان قد طلب دليلاً ماديّاً من ربّه ليقنعه بأنّه قادر على إحياء الموتى، وهكذا إستجاب الله لإبراهيم ومكّنه بأن يلمس ويرى كيف يحيي الله الموتى. هل بعد هذا يوجد دليلاً أعمق؟.

دعوني هنا أتناول بعض المواضيع الشائكة والصعوبات التي يواجهها من يسمّون أنفسهم "علماء الدين" في البرهنة عليها أو إثباتها بأي دليل قاطع:

الآحاديث النبويّة 
لم يكن بمقدور أي عالم دين أن يقول لنا كم عدد آحاديث الرسول عليه السلام، فما بالك بمقدرته على إثبات صحّتها أو إقناعنا بذلك اللهم إلا أن يكون ذلك من باب "فرض الأمر الواقع" بسلاح الترهيب والتكفير والتشكيك.
أضع بين يدي القارئ بعض الأمثلة البسيطة، وأترك للقارئ العزيز أن يقرّر بنفسه (سوف أفرد مقالات متخصّصة عن الآحاديث النبويّة مستقبلاً أن شاء الله):
أ. قال إبن الجوزي في "صيد الخواطر": أجمع المسانيد الطاهرة مسند أحمد بن حنبل؛ فقد طاف الدنيا مرتين حتى جمع 40,000 حديثاً، منها 10,000 حديث مكرّرة. قال الإمام أحمد بن حنبل إنّه جمع تلك الآحاديث من كل ما سمعه والذي بلغ 750,000 رواية الكثير منها متكرّر.. أي أنّه لو كان عاش 75 سنة فإنّه كان يسمع 10,000 حديثاً في كل يوم، أي ما يعادل 7 آحاديث في كل دقيقة على مدى 24 ساعة في كل يوم، 7 أيّام في الإسبوع، 365 يوماً في السنة بأيّامها ولياليها بدون نوم ولا أكل ولا قضاء حاجيات !.
ب. الإمام أحمد (الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني ولد في بغداد في عام 164هـ / 780م) قيل عنه في مصدر آخر أنّه قال بأنّه جمع 700,000 حديثاً، وهناك من قال مليوناً من الآحاديث فقام بتنقيحها وإبعاد الردئ منها (كيف عرف بأنّه ردئ، وما هي التجارب التي أجراها للبرهنة على ذلك؟).
ج. قال الإمام البخاري (محمد بن إسماعيل البخاري، ولد عام 194 هـ ) أنّه كان يحفظ 100,000 حديثاً صحيحاً ، ومعها 200,000 حديثاً غير صحيح (وهناك من قال 600,000 في مجملها) !. لاحظ أن الإمام البخاري كان قد ولد بعد 183 سنة من وفاة رسول الله، وقد يكون بدأ في جمع الآحاديث في العاشرة من عمره كما تقول الروايات، ويقال بأنّه دوّنها في كتاب وعمره 16 سنة.. أي أن البخاري جمع الآحاديث من أفواه الناس بعد 200 سنة من وفاة قائلها؛ ولكم الحكم.
قال ابن عدي حدثني محمد بن أحمد القومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح.
يقال بأن البخاري كان يحفظ 70,000 حديثاً وهو صبي في العاشرة، وكان يغتسل ويصلّي ركعتين كلّما وضع حديثاً صحيحاً في كتابه الذي يقال بأنّه ألّفه وكان إبن ال16 ربيعاً !. يقول الإمام البخاري في بعض الروايات: أخرجت هذا الكتاب من زهاء 600,000 حديث سمعته.  
د. يقول الإمام النووي إن الأحاديث الصحيحة قريب من 10,000 حديثاً، منها 4400 في صحيح البخاري ومسلم والترمذي وأبي داوود والنسابي (غير مكرّرة).
هـ. يقول الشيخ الألباني إن عدد الأحاديث النبويّة بلغ 8000 حديثاً، منها في صحيح البخاري ومسلم وبعد حذف المكرّر منها بلغت 2980 حديثاً.
من أين تأخذوا مصادركم يا شيوخ ديننا، وما هي وسائلكم العلميّة للتمييز بين هذه الروايات البعيدة عن بعض كل البعد؟، وإذا كانت أوّل محاولة جدّية لتجميع الحديث (البخاري ومسلم) قد حدثت بعد حوالي 200 سنة من وفاة الرسول، فكيف بكم تتأكدّون من "أصليّة" تلك الآحاديث وصحة إنتسابها للنبي عليه السلام؟. ما هي الأسس العلميّة التي بنى عليها رواة الحديث حتى تمكّنوا من إنتقاء بضعة ألاف من مئات الألاف؟. كم من تلك الآحاديث كان قد أجازها البخاري أو مسلم بواقع "الحكم الشخصي"، وكم منها راجعه عليهما غيرهما من المسلمين في ذلك الزمان أو فيما أتى بعده وإلى يومنا هذا؟. كيف تحوّلت الآحاديث التي جمّعها البخاري ومسلم إلى صحيحين لا يقبلان التشكيك (مثل القرآن) ولا يقبلان النقاش أو حتى الدعوى لإعادة التفكير في محتوياتهما؟. هل حدث ذلك من باب "اللملمة" والخوف على الدين من "الضياع"؟. ألم يبدأ المسلمون في تجميع القرآن وكتابته منذ عهد سيّدنا أبو بكر الصديق ومروراً بسيّدنا عمر حتى قام سيّدنا عثمان بتدوين أوّل كتاب للقرآن الكريم بعد عشرة سنوات فقط من وفاة الرسول ومن ثم حافظ القرآن الكريم على تكامله وقدسيّته على عكس الآحاديث التي جرت أوّل محاولات جدّية لتجميعها بعد ما يقارب 200 سنة من وفاة قائلها حدثت خلالها حروباً مدمّرة (منها الفتنة الكبرى والفتنة الصغرى) قضت على العباد ومواثيق وتجميعات البلاد. ألم يمت الكثير من حفظة الحديث في تلك الحروب وغيرها، وألم يتناحر الناس ويتكالبون على السلطان في تلك الأثناء، وألم يتقاتل الأمويّون والعبّاسيّون على السلطة بذلك الشكل الجنوني الذي أودى بحياة عشرات الألاف من خيارالمسلمين؟. ألم تأتي كل جماعة بأحاديثها المنسوبة للرسول وبشكل يخدم مصالح كل أسرة حاكمة؟. هل تتفق أحاديث أتباع السنّة مع أحاديث أتباع الشيعة؟. ألا يحفظ الشيعة أحاديثاً يعتبرها السنّة "تكفيريّة" والعكس صحيح؟. هل يستطيع "علماء المسلمين" إعطاءنا الإجابات المقنعة المستندة على أسس تحليليّة بما فيها منهج "التشكيك والإثبات" أم أن علماء المسلمون لا يهتمّون إلاّ بالتحدّث عن "الثابت" بدون السماح للبحث فيه على أساس أنّه من "الخطوط الحمراء" التي يؤدّي الخوض فيها إلى فتح أبواب "الكفر" لا سامح الله؟.

الجن
 يتحدّث الكثير من شيوخ الدين عن الجن وكيف يمكن للإنسان أن يسخّره، ويتحدّثون عن "مقدرة" الجن على التأثير في حياة وسلوك البشر بذلك الشكل الذي يجعل من الجنّة وكأنّهم قوة لا يمكن مقاومتها أو الهروب منها.
يقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز:
نعم الجن تلتبس بالإنسان، تلتبس به على صفة خاصة حتى تنطق على لسانه وتتكلم على لسانه بأشياء يعرف صوت الجنّي من صوت الإنسي، وهذا واقع قديماً وحديثاً.
 المجنون الذي يلتبس به الجنّي يتكلّم الجنّي على لسانه فيقول بالنيابة عنه وفي حضوره: أعطوني كذا، أعطوني طيب، أذبحوا لي كذا، أفعلوا كذا؛ بصوت يسمعه الناس غير صوت الإنسي وهذا يؤدّي إلى إلتباس الجنّي بالإنسي وبهذا يتحوّل الإنسان إلى مجنون يختل عقله ويضطرب فإذا ذهب الجنّي عنه وفارقه رجع إليه عقله؛ وهذا شيء يقع ومن أنكره فقد غلط.
ما هي براهين الشيخ عبد العزيز بن باز على ما يقول؟.
قال إبن القيّم يرحمه الله تعالى في كتابه (زاد المعاد):
عندما يلبس الجنّي إنساناً فإنّه يحوّله إلى شبه المصروع. ويقول... الصرع صرعان:
1-   صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية.
2-   وصرع من الأخلاط الرديئة.
والثاني هو الذي يتكلم الأطباء في سببه وعلاجه، وأما صرع الأرواح فأئمتهم (أي الأطباء) وعقلائهم يعترفون به، ولا يدفعونه..
وأما جهلة الأطباء وسقطتهم وسفلتهم ومن يعتقد الزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرّون بأنها تؤثر في بدن المصروع !!... وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبيّة ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهدان به، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء(الأطبّاء) وضعف قلوبهم.
وكان "شيخ الإسلام" إبن تيمية يعالج المسّ الجنّي بقراءة آية الكرسي والمعوذتين، وكثيراً ما يقرأ في أذن المصروع: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}. ولكن، ما هي براهين هؤلاء المشعوذين على أنّ علاجهم يفيد المصاب؟.
قال إبن القيّم وهو تلميذ إبن تيميّة:
حدثني أنه قرأ مرة تلك الآية في أذن المصروع.. فقالت الروح: نعم، ومدّ بها صوته..
قال: فأخذت له عصا، وضربته بها في عروق عنقه حتى كلّت يدي من الضرب.."!!.
يقول المتعاملون بالسحر بأنّ المسحور لا يمكن شفاءه إلاّ بتعاويذ معيّنة، وبقراءة "الرقية" عليه أو أنّه هو نفسه يقرأها فيشفى من المسّ... أه.
كم من مرضاهم يشفى من جنونه... تلك تحتاج إلى بحث يرفض أولئك المشغوذون إجراءه أو حتى الإيمان بضرورته لأنّهم يعتمدون دوماً على الحالات الفرديّة Anecdotal evidence  ولا يعرفون قوانين البحث الحديثة التي تشترط عنصر المقارنة بين العيّنة التي يتم عليها الإختبار، والعيّنة التي تعتبر "مرجع" لمعرفة ما إذا كانت نتيجة التجربة تعد في حساب "المصادفات"، أم أنّها كانت بالفعل بسبب تأثير "العلاج"؛ وإذا كانت كذلك فكم هي نسبة الإختلاف محتسبة أسس "القيمة الإحصائيّة" التي عادة ما تحدّد ب "البي فاليو" p 0.05 أو أقل من ذلك.

 السحر
يقول شيوخ الدين في السحر:
يعتبر السحر من أخطر الأمراض الروحانيّة ، وهو أذى موجّه لشخص أو لعدة أشخاص، وهو من فعل إنسان ويختلف عن باقي الأمراض الروحانيّة ، لأنّه لا يفرّق بين إنسان تقي وإنسان غير تقي أو إنسان مؤمن أو كافر فالكل معرّض لأذاه.  
 ولكن - حسب قولهم -  ينعم الله عز وجل ويحمي من يشاء من خلقه ، لأن الله هو الضار والنافع والمعز والمذل والمحيي والمميت ، لا راد لقدره فهو القادر العظيم.
 وينقسم السحر في رأيهم الى قسمين رئيسيين:

القسم الأوّل- القاعدة:
وهي العمل الذي يسقى او يؤكل عن طريق الفم ويصل أثره الى المعدة ثم من خلالها الى باقي الجسم . أو العمل الذي يرّش على الارض في المنطقة التي يمر منها المسحور أو المسحورين ، وهي في الغالب ما تكون عتبات البيوت أو أعتاب المحلات أو ما شابه ذلك . أو العمل الذي يدفن على هوى طبيعة برج المسحور . فاذا كان برج المسحور ترابيّاً يدفن في التراب . واذا كان برج المسحور مائيّا يرمى في ماء جار . أما إذا كان برج المسحورهوائيا فيعلق في الهواء ، على سيبة رمان او ما شابه ذلك . أما إذا كان برج المسحور ناريّا فيحرق في النار . وفي الغالب يحدّد الساحر البرج كما يحدد أين يوضع السحر لعنة الله عليه.  

القسم الثاني – الخادم:  
 فهو من شياطين الجن ، ينفّذ تضاريس السحر الموجودة على القاعدة ، ويتوكّل بها ، ويكون الأمر لكبار الشياطين حلفاء وأولياء الساحر . وكبار الشياطين من الجن هم خدام الطلاسم والأسماء الشيطانيّة ، فيأمرون الخادم فينفّذ ما أمره به الساحر من سحر . مثال على ذلك : يقرأ الساحر عزيمته الشيطانية أو يكتب طلاسمه ثم يقوم بالتوكيل بقوله : توكّلوا ياخدّام هذه الطلاسم أو العزائم بالتفريق ما بين فلان إبن فلانه ، وفلانه بنت فلانه ، فتقوم الخدم بالخدمه فيبدأ السحر وتبدأ معاناة المسحور .
وللسحر أنواع كثيرة وأشكال كثيرة ؛ كما أن له أسماء ومسميّات كثيرة.... وللسحرأعراض تبدو واضحة على الإنسان، ومن خلال هذه الأعراض يحكم على الإنسان بأنّه مسحور أم لا بعيدا عن الشعوذة والدجل.
يصف الكثير من شيوخ الدين علاجاً للسحر، ويصنّفون أبواباً له مثل هذه:
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – حفظه الله – في وصفه لعلاج المربوط:
أن يأخذ سبع ورقات من السدر (النبق) الأخضر فيدقّها بحجر أو نحوه، ويجعلها في إناء ويصب عليها من الماء ما يكفيه للشرب وللغسل، ويقرأ فيها "آية الكرسي" و "قل يا أيّها الكافرون" و "قل هو الله أحد" و "قل أعوذ برب الفلق" و "قل أعوذ برب الناس" و أيات السحر وهي الآيات من 118 إلى 122 سورة الأعراف ، الآيات من 81 إلى 82 سورة يونس، الآيات من 68 إلى 69 سورة طه" (تقرأ كل من السوروالآيات التي ذكرت 11 مرّة) مع ملاحظة وضع اليد اليمنى ضمن الماء بعد وضع أوراق السدر وتدويرها في الماء أثناء القراءة (لماذا 11 مرّة.. سؤال في حاجة إلى "بحث" ؟!).
وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب بعض الشئ ويغتسل بالباقي وبذلك يزول الداء إن شاء الله ، وإن دعت الحاجة لإستعماله مرّتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء.  
لا أريد أن أعلّق على هذا لأنّني بإذن الله سوف أتعرّض لموضوع السحر والجن وما في بابها بالكثير من التحليل والتفنيد من خلال خلفيّة طبيّة وخبرة سريريّة في مجال الأمراض العصبيّة والنفسيّة لا بأس بها حيث من خلالها سوف يصطدم العلم بالجهل، والواقع بالخيال والشعوذة.

الغيبيّات: (الأشياء الغير مدروكة بالحواس) مثل الشيطان، والجن، والملائكة، وما يقع في بابها:
 الشيطان هو الجانب الردئ منك يا إنسان....... وهو جزء منك يصاحبك أينما حللت. 
هناك الكثير من الأشياء التي ذكرت في القرآن (ونحن كمسلمين نؤمن بها ليس لأنّنا رأيناها أو تعاملنا معها ولكن لأنّنا نؤمن بكتاب الله، ومن ثمّ فمالا نستطيع أن نبرهنه نؤمن به إلى أن نتعرّف عليه أو ننتهي نحن) لكنّنا لا نراها ولا نستطيع وصفها إلاّ من خلال التخيّل والتصوّرحين يكون ليس من السهل إثبات ما نتصوّره.
الشيطان قد يكون كائناً غير منظور، وقد يكون يحيط بنا من كل مكان يتصيّد لحظات ضعفنا؛ لكنّنا أبداً ما تحادثنا معه وما رأيناه إلاّ أن يكون ذلك تخيّلاً.
أنا شخصيّاً أظن بأن الشيطان ما هو إلاّ الجانب السئ في تركيبتنا.. أي أنّه فينا ويعيش معنا وهو أحد مكوّنات شحصيّتنا. فالإنسان كما نعرف يتركّب من مادة ومن روح... من جسد ونفس. الجسد نعرفه، والروح قوّة كبيرة أعارها الله لنا لحظة إنبعاث الحياة فينا وتستمر ملكاً معاراً لنا إلى أن يستعيدها الله إليه من جديد فيترك الجسد جثّة هامدة لا حراك فيها. قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }، ويقول: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }، ويقول: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابًا }، ويقول: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ }. إذاً الروح هي من أمر ربّنا وقد لا نعرف كنهها إلى يوم البعث.
الشياطين محيطة بنا لكنّنا لا نراها.. فهل هي في واقع الأمر "الجانب السئ" في تركيبتنا كبشر؟. أم أنّها النفس "الأمّارة بالسوء"؟. مهما كانت الإجابة على مثل هذه التساؤلات فهي سوف لن تكون شافية، ولن تكون مقنعة لأنّنا بكل صراحة ووضوح لن نرى الشياطين، ولن نكلّمها، ولن نتحادث معها إلا أن يكون ذلك من بنات الخيال، وجزءاً من "الهووس النفسي" الذي قد يرتقي أحياناّ إلى مستوى "الفصام" أو "الشيزوفرينيا".
يتحدّث شيوخ الدين كثيراً عن الشيطان، ويضعوه أحياناً في صور شبه مجسّده ربّما من باب "التهويل" وتخويف الناس من شروره. لا أحد من شيوخ الدين أو غيرهم يستطيع أن يرينا الشيطان، أو أن يتحدّث معه أمامنا. الذي نعرف هو أن الشيطان كان الله قد أعطاه الإذن في أن يتربّص بأي منّا، وأن يفسد من يستمع إليه؛ أمّا إذا كنت مؤمناً صادقا بربّك، ومخلصاً في طاعتك له، وواثقاً من نفسك فلن يجد الشيطان سبيلاً إليك ولا يتوجّب عليك أن تخاف منه أو أن تخافه فعليك مخافة الله وهي كافية لأن تحنّبك الخوف من الشيطان لأنّه حين تخاف ربّك سوف لن يتمكّن من النفاذ إلى تفكيرك أو يشوّش على تصرّفاتك.
الجن والملائكة هي مخلوقات أخرى حدّثنا الله عنها لكنّنا سوف لن نراها أو نكلّمها أو نتعامل معها إلاّ أن يكون ذلك من بنات خيالنا، ومن تخيّلاتنا التي تكون في أغلبها نفسيّة أو نابعة من خوف باطني من الصعب تفسيره لكنّه قد يكون إنعكاساً على كآبة كامنة في أعماقنا تدفعنا إلى تخيّل الأشياء، وربّما أيضاً التحدّث إليها في عدم وجودها المادّي أمامنا.
من هذا الجانب أيضاً يتحدّث شيوخ الدين كثيراً عن الجن، ويتحدّثون عن الملائكة، وتنسج الكثير من القصص الخياليّة منها المعاشرة، والإختلاء، والتعامل، والسيطرة، والتسخير وغيرها من "الخزعبلات" التي كثيراً ما تنطوي على ضعاف الإيمان ومحدودي التعليم. بكل تأكيد لا يستطيع أي شيخ دين مهما ظنّ بأنّه على علم ببواطن الأمور أن يبرهن لنا على صحّة تلك "التخيّلات" والمشاهد النظريّة التي لا يمكن إدراكها بالحواس لاّ أن يكون ذلك تصوّراً أو نوع من الهلوسه التي قد تكون بصريّة، سمعيّة، شمّية، أو من الصعب وصفها.
والخلاصة في هذا المضمار أن رجل الدين هو من يظن بأنّه يمثّل ظل الله في الأرض، وهو يحمل تفويضاً إلاهيّاً يجيز له بأن يتصرّف كما يتراءى له بدون الحاجة للإصغاء للغير الذين ربّما يعتبرهم غير مؤهّلين للإعتراض على أو مناقشة رأيه على أساس أنّهم "غير متعمّقين في الدين".

عالم الحياة
يقول أحد المفكّرين من أساتذة علوم الحياة: رجل العلم هو من يبعد الأشياء عن بعضها حتى يفهم كنهها، أما رجل الدين فهو من يقرّب الأشياء من بعضها حتى يجعلها تعمل.
نعم... فرجل الدين هو من يبحث في كل ركن من أركان الدين، ويستنجد بكل فاهم لها، ويستفيد من كل تفسير مهما كان ضعيفاً لكي يبرهن على صدقيّة ما يدعو إليه، أما العالم الحياتي فهو من يشك في كل شئ، ويحاول الإستفسار عن مصداقية كل نظريّة أو إجتهاد محاولا في كل مرّه أن يدحض المعتقد لا أن يثبته، وحين يبرهن على صدق نظريّتة فإنّه يعتبر ذلك من الإكتشافات الرائدة.
من أجل أن يتعرّف رجل العلم على كنه الأشياء عليه أن يمر بمراحل "البحث" كلّها بدون الإستغناء عن أية مرحلة منها.  Hypothesis عناصر البحث تبدأ دوماً ب"الإفتراض" ، وهذا عادة ما يكون على هيئة سؤال، أو تصوّر، أو نوع من أنواع الشك. بعد ذلك تأتي أهداف الدراسة Aims والتي تقسّم إلى هدف أوّلي وهدف ثانوي، ثم يأتي لب الالبحث وهو يعنى بعيّنة الدراسة بحيث تقسّم العيّنة إلى مجموعة خاضعة للتحدّي Study Group ومجموعة الضبط Control Group التي تبقى كما هي مع إستخدام مموّه غير فعّال (خامل) Placebo لا يغيّر من الأمر الواقع شيئاً. الدراسة من أجل مصداقيّتها لا بد وأن تكون مغيّبة بالكامل عن الشخص الخاضع للدراسة وعن الدارس Double Blind.
تأتي بعد ذلك مرحلة تجميع النتائج والذي يجمّع النتائج يجب أن يكون غير عارف بما تناوله المُجرى عليه الدراسة (مريض مثلاً) حتى تكون النتائج صادقة وجديّة.
بعد ذلك يأتي من يحلّل النتاج بدون معرفة الكثير من أسرار الدراسة، وفي الختام تتم المقارنة بين الشئ المراد إختباره على من إستخدمه، والشئ الذي وضع للتمويه وهو لا يحمل أية مواد نشطة على الإطلاق.
تحسب النتائج وفق فرضيّة "الحساسيّة الإحصائيّة" والتي تحسب مسبّقاً عند تصميم الدراسة وفق فرضيّة إحتماليّة مقدارها 0.05 يرمز لها بالحرف p  وهو الحرف الأوّل من كلمة probability التي تعني "الإحتماليّة" وتكتب هكذا 0.05 p .   
إذا وجد أن الفرق بين المادة المجرّبة والمادة (المرجعيّة (الخاملة) أكثر من 0.05 p فإن النتيجة سوف تعتبر "مصادفة" ومن ثم فلا يكون هناك فارقاً بين المادة المجرّبة ونظيرها الخامل، أما إذا كانت الفروق بين الصنفين أقل من 0.05 p فإن النتيجة تكون إيجابيّة والفارق يعتبر حينها جوهريّاً ويعتد به.
ولنطبّق هذا النموذج البحثي على أعمال شيوخ الدين:
لنفترض بأنّنا نريد أن نختبر فعل قراءة "الرقية" على مسحورين لنرى مدى فاعلية قراءة الرقية على ممسوسين من الجن أو مسحورين بمعنى آخر.
نبحث عن 40 شخصاً (رجال ونساء) كلّهم يدّعون بأنّهم مصابين بمسّ الجن كما سبق لكل منهم أن علم من شيخ دين يفهم السحر ومس الجن.
يقسّم الأربعين شخصاً إلى عيّنتين (20 لكل ذراع من التجربة) بحيث يكون كل عشرين بخواص متقاربة من حيث العمر والجنس والثقافة والتعليم وربّما أيضاً يكونون منحدرين من نفس المكان، ومولودين في نفس المكان. يجب أن تتشابه الظروف المعيشيّة لكل منهم من حيث البيت والأسرة وطريقة التربية.
تجهّز غرفتين متشابهتين تماماً من حيث اللون والشكل والمحتويات.
يخضع كل فرد لسماع قراءة مسجّلة بصوت نفس الشيخ لكل منها تكون واحدة لسورة البقرة (جزء مهم من الرقية) وتكون القراءة الثانية لمقالة إنشائيّة تشابه سورة البقرة من حيث الكلمات والترنيمة لكن المقالة تتحدّث عن أشياء أخرى تماماً بشرط التشابه الكبير بما يكفي لعدم إكتشاف أي من أفراد ذراعي التجربة للفرق بينهما.
يأتي بعد ذلك نفس الشيخ الذي شخّص حالة السحر لكل المشاركين بدون علمه لما جرى سوى أن جميع المشاركين كانوا قد خضعوا للعلاج بالرقية.
يقوم الشيخ بفحص كل المشاركين (كل على حده) ويكتب نتائج فحصه على الورق لكل مشارك في الدراسة.
يأتي بعد ذلك الشخص المسئول عن هذه الدراسة ليقوم بتحليل النتائج بدون معرفة أصحابها إلاّ من خلال أرقام تعطي لكل مشارك.
تقارن المجموعتين وتعتمد النتائج.
لو كانت المجموعة التي قُرئت عليها سورة البقرة هي من أظهر أفراداً تم شفائهم أكثر من أفراد المجموعة الأخرى الذين لم تقرأ عليهم سورة البقرة وتكون النتائج بتلك الحساسيّة الإحصائيّة عندها سأكون أنا أوّل من يؤمن بإستخدام الرقية أو سورة البقرة لعلاج السحر والمس الجنّي.
أنا أتحدّى أي من رجال الدين أن يقوم بمثل هذه الدراسة على أي نوع من العلاج "القرآن" أو "التداوي بالأعشاب" أو ب"التسبيب" أو "الرش" أو "الكتيبة" أو "التعزيم" أو "الحضاري" أو "زيارة الولي": أو "الكي" أو "إخراج الجن" أو ما دخل في إطارها ليبرهن هؤلاء الشيوخ للعالم على أن ما يدعون إليه أو ما يقومون به يستند إلى أسس علميّة.
  
وختاماً.... لم يقصد من هذا المقال التطاول على أحد، أو التقليل من قيمة أي أحد، لكن الهدف الأساس من كتابة هذا المقال هو أن نستخدم عقولنا قبل عواطفنا، وأن نستند إلى الأشياء المبرهنة بدل الإستدلال بأقوال متواترة لا نعلم مدى صحّتها من عدمه. إنّها دعوة لتوسيع المدارك بهدف إعادة النظر في الكثير من الثقافات الموروثة والتي إستمرّينا على نهجها وهداها بدون أدنى محاولة لإعادة النظر في مصداقيّتها.

قال أرسطوطل (أرسطو): دنيا غير مجرّبة ( لم يتم تحدّيها) هي دنيا غيرجديرة بالحياة فيها.

وأود هنا أن أهمس في أذان شيوخنا المبجّلين بأن كلمة "علماء" لا تعني حصريّاً "علماء الشريعة" أو "علماء الدين" كما تستخدم في المحافل الإسلامية بكل تبجّح أحياناً. إننا حين نتكلّم عن علماء فإنّنا نعني "علماء الحياة وعلماء الدين" على السواء. أقول هذا الكلام وأنا أعرف بأن "رابطة علماء ليبيا" هي رابطة لعلماء الدين في ليبيا ولا تشمل علماء الحياة من مختلف التخصّصات العلميّة الأخرى. كان من الممكن أن تسمّى "رابطة رجال الدين في ليبيا" أو "رابطة علماء الشريعة" ليترك المجال أمام التخصّصات العلمية الأخرى لتنشئ روابط خاصّة بها بحيث في نهاية المطاف تتكون رابطة علماء ليبيا من ممثّلين لكل الروابط التخصّصية بحيث تكون هذه الرابطة ممثّلة للجميع بما يفتح المجال رحباً أمام التعاون الثنائي أو الجماعي بين مختلف الروابط العلميّة لما فيه مصلحة بلادنا وخير أهلنا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك