2012/08/18

مشروع دولة عصريّة

 الإنتقال إلى الأمام يعني التمرّد على كل ما يشد إلى الوراء، والتسلّح بمستلزمات الولوج إلى عالم الغد....


من أكبر المهام المناطة بالطبقة المتعلّمة والمثقّفة في ليبيا هي التفكير في شكل وتركيبة نظام الحكم المستقبلي في ليبيا، وقبل الشروع في التفكير في كيفيّة تحقيق هذه المهمة الكبيرة والخطيرة علينا أن نسأل أنفسنا: ماذا نريد بالضبط؟.
من وجهة نظري... نحن في حاجة إلى نظام حكم جمهوري ديموقراطي رئاسي يتمتّع فيه جميع أبناء وبنات الشعب الليبي بنفس الحقوق ونفس الواجبات على أن يحترم هذا النظام خلفيات المجتمع الثقافية والعرقية والروحية أيضا.
نحن في حاجة إلى نظام حكم يُحترم فيه الجميع، ويتيح الفرص أمام الجميع بدون الإستناد إلى خلفيّات ثقافية أو مكانية بحيث يحس كل ليبي وليبية بأنّهم أبناء هذا الوطن ينتمون إليه، وينتمي الوطن بكامله إليهم ليعيش في وجدانهم فيتدافعوا بتلقائية لبنائه ويذودوا بشغف للدفاع عنه عند حدوث مكروه لا سمح الله.
ما الذي يريده الليبيّون ؟
الخلط بين الرغبه والإحتياج هو كمثل الخلط بين الطموح والواقع
ماذا يريد الليبيون، ماذا تريد شعوب العالم، وماذا يريد البشر؟. أظنّها أسئلة منطقية، وواقعية، وطبيعية جدا؛ من حق كل منّا أن يسألها لأننا بكل بساطة ـ كبشرـ  نبحث دائماً عن الأحسن ومن حقّنا أن نفعل ذلك. بدون شك لا يمكننا بلوغ الأحسن بدون طرح أسئلة؛ فالذي يسأل سؤالاً يجد نفسه ملتزماً بالبحث عن إجابة شافيه له.
أنا شخصيا أرى أن الإنسان الذكي هو ذلك الذي يكثر من إستخدام ذلك السؤال البسيط "لماذا"؛ لأن مجرّد طرح مثل هذا السؤال المتواضع يدفع السائل إلى التفكير والبحث الدّي عن إجابة له، وذلك معناه اللجوء إلى إستخدام ملكة العقل التي زوّد الله بها الإنسان وميّزه بها على غيره من بقية المخلوقات التي في أغلبها تتعلّم من "التجربة والخطأ"، ولا تحاول الإجابة على أسئلة معينة لأنها لا تتحذّر كثيرا ـ أو ربما مطلقا ـ من الوقوع في الخطأ؛ فغالبا ما نجد حيوانا ميّتا بعد أن وقع في حفرة أو مطبّ ما، وكثيرا ما نعثر على فأر واقع في مصيدة بدائية ينصبها له الإنسان الأذكى بغرض الإيقاع به؛ وبالفعل يحقق ذلك الفأر للإنسان مبتغاه بدون الكثير من الإجهاد بسبب وجود البون الكبير في تفكير كل منهما، وبسبب أن الإنسان دائما يتساءل: لماذا أنا مقدم على فعل ذلك الشئ، أو منتهج لهذا السبيل، أو معتبر لتلك الوسيلة ؟.
ما الذي يريده الليبيون لا يختلف من وجهة نظري عن: ماذا أريده أنا (الفرد) لنفسي، وماذا أريده أنا (الأب) لأبنائي، وماذا أريده أنا (الحاكم) لشعبي؟. كل هذه الأسئلة أظنّها مشروعه، بل ويجب أن تسأل؛ ولو أن حاكم ليبيا المقبور الطاغية معمر القذافي كان قد سأل نفسه مثل هذا السؤال لما نال ذلك المصير المحتوم.
ماذا يريد الليبيون؟. سؤال حائر ربما لكنه حتما يبحث عن إجابة؛ ولو إجتهد مفكروا ليبيا ومتعلّموها في الإجابة عن مثل هذا السؤال بكل صدق، وبكل وطنية لكان حالنا تغيّر منذ زمن بعيد قبل أن تتحوّل بلدنا إلى خرابة لا قانون ولا حكومة فيها. أنا أقول بكل بساطة، وبدون فلسفة وتلويك الكلام... إن ما يريده الليبيون هو السعاده، والأمان، والإطمئنان على حياتهم ومستقبل أطفالهم.
أنا ربما أعرّف السعاده كما اريدها بالنسبه لي؛ لكنني بدون شك سوف لن أجيب عن مفهوم السعاده بالنسبة للشعب الليبي ولن أسمح لنفسي بأن أعرّفها لهذا الشعب أو لغيره نيابة عنه.
إذا أردنا أن نتعرّف على مفهوم الليبيين للسعاده فلنمكّنهم من حريتهم، ولنسمح لهم بحريّة الإختيار، وحرية التفكير، وحرية التعبير، وحرية التصرّف وفق ميثاق عمل يصيغ بنوده أبناء وبنات الشعب الليبي ويقرّونه بدون وصاية من أحد ليصبح هذا الميثاق نافذا على الجميع بدون إستثناء، وبدون "خطوط حمراء"، وبدون أولئك الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون أو خارج ساحة القضاء والمحاسبة.
لو سألنا عموم الشعب الليبي رجالا ونساء، صغارا وكبارا، عربا وأمازيغاً، مسلمين وغير مسلمين، فقراء وأغنياء، متحضّرين وبدو.. لو سألنا كل هؤلاء عن مفاهيمهم للسعادة وعن ماهيّة مكوّنات سعادتهم لكنا تحصّلنا على الإجابة اليقينيّه، ولكنّا عرفنا بالفعل ماذا يريده الليبيون لأنفسهم.

مفهوم الدولة المدنيّة
على من يهمّه الأمر أن يتواصل مع هذا الرابط ففيه المزيد من الأفكار ووجهات النظر في هذا الخصوص:

شكل الدولة الليبيّة الجديدة
 الشعب الليبي يعتبر ـ بكل تواضع ـ شعباً ذكيّاً له مقدرة فريده على الإبتكار، والإبداع، والتخيّل الواقعي؛  وهو شعب سريع التعلّم وله من الحذق ما يمكّنه من قراءة الواقع بكل تروّ وعقلانية .... كما أن الشعب الليبي يعتبر شعباً طيّباً من السهل إدارته وحكمه؛ لكنه مع ذلك يعتبر أيضا شعباّ لايحتمل الظلم، ولا يرضى بالإهانه مهما صبر عليها.
من ناحية أخرى يمكن القول بأن الشعب الليبي لم يمارس السياسة من قبل ولا أظنّه يفقه كثيراّ في هذا الشأن؛ لكن الناس في بلادي تتحدث عن السياسة غير أن الحديث في السياسة ليس كممارستها.
عاصر الليبيّون في فترة ما بعد الإستقلال ثلاثة أشكال للدولة؛ منها الدولة الملكيّة، ثم الدولة الجمهوريّة، ثم أخيراً ذلك المسيخ الذي سمّاه الطاغية القذّافي الدولة الجماهيريّة.
كانت تجربتنا كليبيّين مع تلك النظم الثلاثة تجربة مريرة ومرّة بكل معاني الكلمة؛ ففي العهد الملكي لم تكن ليبيا دولة ديموقراطيّة، ولم تكن ليبيا دولة متحرّرة، ولم يكن النظام الملكي في حقيقة الأمر يحكم ليبيا بل من كان يحكم ليبيا هم أناس يتحرّكون من وراء الكواليس ويسيّرون البلد في وجود ملك ضعيف وواهن يقال بأنّه كان زاهداً في السلطة، وأنا أظنّه بأنه كان ضعيفاً وخائفاً ومرتاباً من المستقبل. الملك إدريس كان رجلاّ متديّناً ربّما، وإنساناً طيّباً ربّما أيضاً، لكنّه كان ضيّق الأفق قليل الخبرة السياسيّة وضعيف الإرادة.
أولئك الذين يدعون إلى إعادة الشرعيّة الدستوريّة هم بالطبع من ينادي بإعادة الحياة للعهد الملكي الذي أباد نفسه – ولا أقول بأنّه أبيد – فذلك العهد بلغ به الترهّل إلى درجة شلّته عن تحريك أي ساكن عندما أحسّ بحدوث حركة "خجلة" متردّدة قام بها ضباط مغمورين في الجيش الليبي الذي كان يعرف بالجيش السنوسي، وحدث أن زال ذلك النظام وكأنّه لم يكن في ساعات ذلك لأنّه لم يجد من بين الليبيّين من كان راغباً في الدفاع عنه أو المحافظة عليه بما في ذلك آمر وأفراد القوّة المتحركة التي كانت ترهب الليبيّين وتبث الرعب في صفوفهم علّهم يفكّرون بما فكّرت به ثلّة الملازمين في الجيش في الليلة الأخيرة من شهر "أغسطس" عام 1969. الغريب في الأمر أن ذلك النظام الملكي الواهن ظل يحكم ليبيا بذلك الضعف والتردّد لأكثر من18 سنة دون إعتراض من أحد وكأن الليبيّين هم هكذا يحكمهم كل من يقول بأنّه حاكم عليهم. إن نجاح إنقلاب سبتمبر عام 1969 لم يكن بسب ذكاء الملازم معمر القذّافي لكنّه كان نتيجة لضعف النظام الملكي.

الناحية الأخرى التي يستوجب التنبيه إليها هو أن الملوك يحكمون الشعوب بدون الإهتمام بمصالحهم؛ فكل ما يهم الملك ( أو الملكة) هو كيف يمكنه توريث العرش لأبنائه من بعده. هل يمكن تسمية الأنظمة الملكية أنظمة ديموقراطيّة؟. بالطبع لا، فليس هناك ملكاً يرضى بالخضوع لسلطة "صندوق الإقتراع"، وليس هناك ملكاً يحتكم إلى الشعب الذي يعتبر الملك أفراده على أنّهم مجرّد "أشياء" .
من هنا فإنّني أقول إن مجرّد التفكير في عودة النظام الملكي في ليبيا يعتبر من وجهة نظري إهانة لكل الليبيّين الشرفاء الذين ضحّوا بأرواحهم في سبيل تحقيق الحرية والكرامة لمن سوف يعيش من بعدهم.
الأنظمة الوراثية الأخرى كالنظام الأميري والنظام الإمبراطوري والنظام الإمامي ونظام "آيات الله" من الملالي تندرج كلّها في باب "النظام الوراثي" الذي يحكم  بتغييب صوت الشعب، ولا يؤمن بالتناوب السلمي على السلطة. الأنظمة الملكيّة وما وقع في بابها ليست أنظمة ديموقراطيّة وهي بالفعل تعتبر من مخلّفات الماضي التي عفى عليها الزمن وتجاوزها.

إذا... أنا أرى بأنّنا في ليبيا يجب ألاّ نفكّر في نظام حكم غير النظام الجمهوري إن كنّا بالفعل نرغب في أن نبني بلداً يتمتّع شعبه بالحريّة وتعود ملكيّته وخيراته للشعب.

نظام رئاسي أم نظام برلماني ؟

النظام البرلماني: ينتخب الشعب أعضاء البرلمان الذين يكون رئيس الحكومة من بينهم بالإقتراع المباشر عبر الدوائر الإنتخابيّة وصناديق الإقتراع، وفي النظام البرلماني تسيطر أغلبيّة حزبيّة على سلطة الحكم لتقوم هي وحدها بتسميّة رئيس الحزب الفائز ليكون رئيساً للوزراء فيعتبر هوالمشرّع وهو المنفّذ بمباركة البرلمان الذي عادة يمتلك الحزب الحاكم فيه الأغلبية البرلمانيّة التي كما أسلفت يتعيّن منها رئيس الوزراء بطريقة آليّة بعد نجاح حزبه في الحصول على أغلبيّة أصوات المصوّتين وليس بالضرورة أغلبيّة أصوات الشعب( في إنتخابات البرلمان البريطانيّة الأخيرة كان عدد المصوّتين يمثّل 34% فقط من مجموع الذين يحق لهم انتخاب، وحدث مثل هذا في فرنسا أيضاً في إنتخابات بداية هذه السنة). النظام البرلماني تصبح فيه رئاسة الدولة وظيفة شرفيّة من أهم مهامها المحافظة على تماسك الدولة ولكن بدون إمتلاكه لأيّ سلطة تشريعية أو تنفيذيّة إلا من خلال ما يطلبه منه رئيس الوزراء ويكون توقيعه على أي قرار مجرّد ظاهرة شكليّة مفروغاً منها سلفاً.

توجد الكثير من الأمثلة للنظم البرلمانيّة في العالم منها بريطانيا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، إيطاليا، اليونان، مالطا، وغيرها. المشكلة الجوهريّة في النظام البرلماني تكمن في عدم تمكّن أي حزب من الحصول على الأغلبيّة وحينها يتوجّب الإئتلاف مع أحزاب أخرى أحيانا تختلف مع هذا الحزب في كل شئ كما حدث في بريطانيا بعيد الإنتخابات الأخيرة حيث وجب تحالف المحافظين مع الديموقراطيّين الأحرار وهذان الحزبان يختلفان جوهريّا في الفلسفة وفي الإيديولوجيّة، وفي برامج التطبيق. بريطانيا الآن تعاني من شلل في القرار السياسي وما هي إلا أزمة واحدة تحل ببريطانيا حتى تقضي على هذا الإئتلاف الهش وبعدها تدخل بريطانيا في متاهة سياسيّة كبيرة تؤثّر في الإقتصاد وفي الإستقرار لهذا البلد. المثال الآخر كما نعرف هو ذلك الشلل الذي تعاني منه اليونان في كل شئ منذ ما يزيد عن 4 سنوات وهذا أثّر سلبيّاً على الإقتصاد اليوناني بحيث أصبحت اليونان اليوم مثقلة بالديون إلى ذلك القدر الذي يهدّد اليونان بأن تصبح "دولة فاشلة"، ومازال اليونان كما نعرف غير قادر على تكوين حكومة قويّة.

الأمثلة الأخرى لفشل النظام البرلماني يمكن إيجادها في إسبانيا والبرتغال وإيرلندا وإيطاليا حيث تعاني إقتصاديّات تلك البلاد من ركود كبير يهدّد البنية التحتية للبلد ويهدد الإستقرار الإجتماعي.

النظام الرئاسي: يتميّز النظام الرئاسي بوجود مثلّث للسلطة يتكوّن ضلعه الأوّل من رئيس للدولة ينتخبه الشعب مباشرة ويكون رئيس الدولة في النظام الرئاسي مسئولاً أمام البرلمان الذي من حقّه أن يساءله ويحاكمه ويحجب عنه الثقة مما يدفع إلى إجراء إنتخابات إستثنائية ، أمّا ضلع المثلّث الثاني فهو البرلمان الذي يتم إنتخابه من قبل الشعب، وضلع مثلّث السلطة الثالث في النظام الرئاسي هو السلطة القضائيّة التي تنظر في مشروع الفصل بين السلطات وهي من حقّها محاسبة الجميع بما في ذلك أعضاء البرلمان المنتخبين أنفسهم. 
رئيس الوزراء في النظام الرئاسي يمثّل السلطة التنفيذيّة وهو غير منتخب، بل يتم تعيينه من قبل رئيس الدولة الذي يسمح له بتكشيل حكومته والتي بدورها يتم عرضها على البرلمان ليعتمدها. رئيس الوزراء في هذه الحالة يتم إختياره على أسس مهنيّة وخبرة في العمل ومقدرة على العطاء.... بمعنى أنّه بإمكاننا في ليبيا تحت مظلّة النظام الرئاسي إختيار أجود الخبرات الليبيّة في مجال الإدارة أو الإقتصاد أو التخطيط ليكون رئيساً للوزراء، أمّا إذا طرحنا هذه الوظيفة للتصويت فلن يكون بوسعنا حينها إختيار الأحسن في البلد لأن عموم الشعب هي من تختار وتدخل في ذلك الكثير من الإعتبارات التي من بينها القبلي والطائفي والمحاصصي وما إليها ( أتمنّى بأن تكون هذه النقطة الحيويّة مفهومة ومهظومة أيضاً لأنّها في حد ذاتها تعني الكثير لبلد سائر في طريق النمو مثل ليبيا). البرلمان من حقّه محاسبة الحكومة ومحاسبة رئيس الدولة الذي ينتخبه الشعب مباشرة ولا يمثّل الحزب الفائز بأي شكل من الأشكال.

من أهم ميزات النظام الرئاسي هي فكرة الفصل الواضح بين السلطات، وكذلك خضوع الجميع للمحاسبة من قبل أعضاء البرلمان، وخضوع الجميع للسلطة القضائية في الدولة. كما يتميّز النظام الرئاسي بديناميّة واضحة، ولا مكان في النظام الرئاسي للحكم الإئتلافي. طريقة الإنتخابات التي تمّت في المؤتمر الوطني كانت كلّها تعتمد النظام الرئاسي في فكرة الإقتراع بحيث تنتهي
الإنتخابات إلى تحديد واضح وصريح للفائز كما حدث للدكتور محمد المقريف الذي فاز بأكثر من 50% من أصوات أعضاء المؤتمر في الجولة الثانية للإنتخابات التي لا يعتد بها في النظام البرلماني... وهذا يختلف تماماً مع ما صرّح به الدكتور محمد المقريف في برنامج "حوار مباشر" مع قناة الجزيرة الفضائيّة، والذي تنازل عنه لاحقاً).

الأمثلة الواضحة للنظام الرئاسي نجدها في فرنسا وفي ألمانيا حيث تعتبر إقتصاديات هذين البلدين من أكبر إقتصاديات أوروبا بكاملها، وهذا ربما يرجع إلى ديناميّة النظام الرئاسي وقوته التشريعية والتنفيذية في البلد الذي يعتمده. كما تتميّز كل من فرنسا وألمانيا بوضوح الرؤية حيث يحصل الرئيس دائماً على أكثر من 50% من أصوات الناس ومن ثمّ يكون الرئيس قويّاً ولكن تحت مراقبة وسيطرة البرلمان الذي من حقّه حجب الثقة عنه إن هو إستغلّ سلطاته لغير مصلحة الشعب مما يدعوا إلى إنتخابات رئاسيّة جديدة قبل الآوان.
النظام الأمريكي يعتبر رئاسيّاً بإمتياز ولكن أمريكا لا يوجد بها رئيساً للوزراء حيث يعتمد النظام الأمريكي على فكرة "رئيس مجلس الإدارة كما هو الحال في الشركات التجارية الكبرى" بدل الوزارات. نظام الحكم الأمريكي يسمح إلى حد ما بديكتاتورية الرئيس وذلك لكثرة السلطات الممنوحة له ومن ثم فنحن في ليبيا لا ينفعنا النموذج الأمريكي على الأقل في الوقت الراهن وإلى مالايقل عن عقد قادم من الزمان.

من السرد الملخّص أعلاه نرى أن النظام الأمثل لبلادنا هو النظام الرئاسي وليس النظام البرلماني خاصة فيما يتعلّق بالديناميّة في التشريع والتنفيذ بما يعني ذلك من التقليل من البيروقراطيّة في صناعة القرارات وتنفيذها.

بالنسبة لأولئك الذين يخشون من تكرار "القذّافي" في النظام الرئاسي أقول لهم إن مثلّث السلطة لا يسمح مطلقاُ بتكرار "القذّافي" على الإطلاق وهذه يجب الإعتماد عليها بكل قوة لأن الرئيس هو ليس من البرلمان ولا يمثّل الحزب الحائز على أكبر عدد من الأصوات، ومن ثم يعتبر البرلمان "خصماً" للرئيس يبحث عن كل مناقبه ويركّز على كل أخطائه علّ البرلمان يجد ثغرة يقوم من خلالها بحجب الثقة عن الرئيس فيتوجب إعادة إنتخاب رئيس جديد للبلد من بين المترشّحين الجدد الذين قد يكون من بينهم الرئيس السابق حسب رغبته لكنّه يدخل في المفاضلة الشعبية من خلال صناديق الإقتراع.

مشروع تقسيم إداري جديد في ليبيا ( وجهة نظر)
نظرا للتغييرات الحاصلة في كل شئ يحيط بنا في عالم اليوم من تغيّر في عنصر الزمن، وتغيّر في الإنسان ( كما وكيفا)، ونظرا للتطوّر الطبيعي في حياة البشر عبر الزمان، وحيث أن بلادنا كانت قد ظلّت معزولة عن العالم المحيط بها وهي ترزح تحت نير نظام حكم الطاغية القذافي البدائي المتخلّف الذي ينبذ التحضّر، ويجسّد فكر "البدونة" كنقيض لحركة التاريخ وطبيعة البشر التي تسعى إلى بلوغ أفاق جديدة في عالم التحضّر الرحب الذي وقف ضده الطاغية القذافي بكل قوة وصلت إلى حد معاداة التمدّن كظاهرة حضارية على إعتبار أن المدينة في فكر وعقل الطاغية القذافي كانت تعتبر منبوذة ومستهجنة بحيث أن هذا الطاغية كان قد غيّر كلمة "مدينة" بكلمة "شعبية" حتى يقضي على المدينة على إعتبار أن المدينة تعني "التمدّن" وهذه تعني "التحضّر" الذي لم يتمكن المقبورالقذافي من التكيّف معه بحكم ثقافة "البداوة" التي كان الطاغية القذافي يتفاخر بإنتمائه العميق إليها، وتشرّبه منها في مهده وفي صباه.
نحن نعرف جميعا بأن ليبيا كانت في العهد الملكي الذي سبق إنقلاب القذافي في عام 1969 تنقسم إلى 10 محافظات، وكل محافظة إلى عدد من المتصرفيات، وكل متصرفية إلى عدد من البلديات وهذا كان يعتبر تقسيما إداريا غاية في التحضّر والتنظيم حينها، وبالطبع كان يتجانس مع العالم المجاور لبلادنا بحيث أن ليبيا كانت تمثّل إنسجاما مع محيطها. النظام الملكي قرّر لاحقاً إلغاء المتصرّفيّات للتقليل من البيروقراطيّة لكنه حافظ على نظام المحافظات إلى أن سقط ذلك النظام عن بكرة أبيه.
ربما كانت هناك مشكلة في تقسيم ليبيا الإداري في العهد الملكي وتلك المشكلة كان سببها النفوذ القبلي في ليبيا من ناحية، ووجود عنصر المحاباة والمجاملات من ناحية أخرى؛ وبالطبع كان هناك عامل النفوذ الفردي لبعض المتنفّذين في البلد في ذلك العهد. التقسيم الإداري القديم في ليبيا كان يراعي في الأساس العوامل المكانية أكثر من مراعاته للعوامل البشرية (السكانية) وتلك في رأيي كانت نقطة ضعف كبيرة جدا فالأرض بدون شعب لايمكن أبدا تسميتها بالدولة؛ حيث أن الدولة = أرض+شعب... والشعب يعتبر هو العنصر السائد في هذه المعادلة إذا إعتبرنا أن الشعب بدون أرض يستطيع أن يصنع الحياة؛ أما الأرض بدون شعب فتتحول إلى أرض بور مهملة لاقيمة لها.
دول المنظومة الإشتراكية (الشيوعية) إهتمت بالأرض ( العمران) وأهملت ساكن الأرض (الإنسان) فإنتهت تلك الأنظمة وتبخّرت؛ في حين أن الدول الرأسمالية التي إهتمت بالإنسان وأهملت الأرض التي ذابت في "العولمة" فإنتعش الإنسان وتطوّر وحافظ النظام الرأسمالي بذلك على وجوده لأنه كرّم الإنسان، وإعترف بقيمته.
أنا أحمد الله بأن حدث في ليبيا إنقلابا عسكريا بحيث جعل من إمكانية إعادة التقسيم الإداري في ليبيا أمرا غير ممكن نظرا للتغييرات التي أحدثها القذافي في الهيكلية الإدارية لليبيا طيلة العقود الأربعة الماضية بحيث لم تعرف بلادنا في عهد نظام الطاغية لقذّافي إستقرارا إداريا كجزء من تلك "الفوضى العارمة" التي حكم بها العقيد القذافي ليبيا والتي أطلق عليها "سلطة الشعب" أو ما تعوّد الليبيّون على سماعه "النظام الجماهيري".
أود هنا أن أطرح مشروعا لنظام إداري في ليبيا يرتكز على الوجود البشري كبعد يتفوّق على البعد الجغرافي آملا في أن يلقى هذا المشروع قبولا من أصحاب الشأن في بلادنا ( هذه الفكرة هي فكرتي الشخصيّة وأنا وحدي المسئول عنها وهي لا تمثّل أية جهة إعتبارية أخرى):
1) يبلغ عدد سكان ليبيا حوالي 6 مليون نسمة ( 6,571,000 نسمة).
2) يتركّز معظم سكان ليبيا في مدن طرابلس (25%)، بنغازي (16%)، مصراته (7%)؛ أي أن ما يقارب من 50% من الشعب الليبي يقيمون في ثلاثة مدن على الساحل وهذا يجعل من التقسيم الإداري المعتمد على الجغرافيا غير عملي في عالم اليوم على أساس أن الإنسان يعتبر أهم من العمران.
3) النظام الديموقراطي العادل يجب أن يعتمد على الكم السكاني وليس على الكم المكاني ذلك لأن كل الخدمات يجب أن تركّز على إسعاد الإنسان وليس على جمالية ومعمار المكان... فمعمار بلا إنسان هو مآوي للخفافيش والجرذان.

وبناء على المفاهيم المذكورة عاليه فإنني أقترح التقسيمات الإدارية التالية:
أولا: تقسّم ليبيا إلى 300 بلديّة يكون عدد سكان كل بلديّة منها 200 ألف نسمة ( 150 – 250 ألف نسمة).
 ثانياً: تقسّم كل بلدية إلى عدد 10 محلاّت يكون عدد سكان كل محلة 20 آلاف نسمة ( 15 – 25 ألف نسمة).
ثالثا: يتشكّل في كل مدينة (بلديّة) مجلس محلّي يتكون من 10 أعضاء يهتم كل واحد منهم بشئون 2000 مواطن؛ ويتم إنتخاب هؤلاء الأعضاء بنظام الإنتخاب الحر المباشرعبر صناديق الإقتراع في كل بلدية على أن تتمثّل الأحزاب في البلديّات كل حسب رغبته، وتجري الإنتخابات في كل بلديّة في ليبيا في نفس اليوم وبنفس الكيفيّة(إنتخابات عامّة).
رابعاً: يمثّل المجلس المحلّي السلطة التشريعيّة في البلديّة، ويكون مسئولاً وظيفيّا وأخلاقيّاً أمام سكّان البلديّة وتشريعيّاً أمام سلطة الدولة.
خامساً: يقوم المجلس المحلّي بتعيين رئيس البلديّة (بمثابة رئيس الوزراء) ليقوم رئيس البلديّة بعد ذلك بتعيين أعضاء إدارته والتي تسمّى "المجلس البلدي". يكون المجلس البلدي مسئولاّ مباشرة أمام المجلس المحلّي للمدينة.
سادساً:  يتشكّل المجلس الوطني (البرلمان) من 300 عضو (عضو عن كل بلديّة) يمثّلون عموم ليبيا بحيث يقوم كل مجلس محلّي منتخب بترشيح أحد أعضائه عن طريق الإقتراع السرّي من بين الأعضاء ليمثّل المدينة في البرلمان.
سادساً: ينتخب المؤتمر الوطني بعد تشكيله رئيساً للبرلمان تكون له إختصاصات واضحة ومحدّدة وفق لائحة يقرّها أعضاء البرلمان يتم الإتّفاق عليها وفق نظام 51% وليس ثلثي الأعضاء حتى لا يحدث شلل في البرلمان يجمّد عمله.
سابعاً: ينتخب الشعب رئيس الدولة في إنتخابات حرة مباشرة مستقلّة عن الإنتخابات البرلمانيّة، بيحث يكون الرئيس منتخباً من الشعب ومسئولاً أمام البرلمان كما سبق توضيحه أعلاه.

بذلك يتكوّن الهيكل الإداري في ليبيا بشقّيه التشريعي والتنفيذي، وتتحدّد صلاحيات كل جهة بحيث لايسمح هذا النظام بتشابك أو تداخل للسلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، وهذا في حد ذاته يعتبر نقلة موضوعيّة كبيرة جداً.

وختاما..... فإنني أود القول بأن ليبيا تحتاج أيها الساده إلى الآتي كأساس لمستقبل زاهر:
1- نظام حكم ديموقراطي عصري تتساوى فيه الفرص أمام كل الليبيين بجميع خلفياتهم العرقيه، والثقافيه، والإجتماعيه بدون إستثناء أو تمييز.
2- دستور وطني يضعه خيار البلد من علماء، ومثقفين، ومن أهل الفضيله والنبل في هذا البلد المعطاء.
3- جهاز قضاء عادل يتساوى أمامه كل الليبيين من الحاكم الى أصغر محكوم.
4- جهاز شرطه متحضّر يسهرعلى راحة المواطن، وأمنه في بيته، وأمنه في خصوصياته (شرفه وكرامته)، وأمنه في ممتلكاته .
5- جيش مهني متطوّر يعتمد على الكيف لا على الكم تكون مهمّته الوحيدة حماية حدود البلاد، ولا يحق لهذا الجيش الإقتراب من السلطات السياسيّة إلاّ أن يكون ذلك من باب الحفاظ على المصالح العليا للبلد.
6- صحافة حرة تكون بمثابة عيون الشعب على الحكومه، ونافذة الحكومه على الشعب.
7- تنظيمات مجتمع مدني يشكّلها أفراد الشعب الليبي بإرادتهم الحرة بعيدا عن نفوذ الحكومة أو تدخّلها.

لو توفّرت كل هذه الأساسيّات في ليبيا بإرادة ومثابرة كل الخيّرين في البلد فإن عمليات الإنتقال الى الأمام بعدها سوف تصبح من أيسر الأشياء؛ ومن ثم تبدأ عمليات البناء، والترميم، والصيانه لكل شئ في حياتنا.... ومن خلالها سوف ينعم المواطن في بلادنا بخيرات ترابه في سكنه، وفي مأكله، وفي صحته وعلاجه، وفي رفاهيته أيضا.

من سوف يراقب ويقوّم ؟

أولا- في الفترة المؤقتة:
تتحوّل الميادين الرئيسية في كل مدينة في ليبيا إلى ساحات تعج بجموع المواطنين من كل الفئات تلتقي مرة واحدة في كل إسبوع ( ليكن بعد صلاة الجمعة) تتشكل خلاله منابر سياسية، فكرية، ثقافيه، وفنية أيضا يكون همّها الرئيسي هو مراقبة سير الأنشطة الحكومية، والتنبيه إلى كل ممارسة تحدث خارج نطاق القانون، والبحث عن كل تأخر في ممارسة السلطات التشريعيّة والحكومة(السلطات التنفيذيّة) لمهامها. تظل هذه الساحات زاخرة بنبض الشارع إلى أن تستقر الأمور في البلاد وتتحدد الإختصاصات ويبدأ القضاء والجهات الرقابيّة بممارسة أعمالهم كما يجب.

ثانيا- على المدى الطويل:
 تتشكل ملتقيات لكل المثقفين الليبيين الذي لايرغبون في الإنخراط في التنظيمات الحزبية، والذين لايبحثون عن وظائف سياسية في الدولة تكون مهمة هذه الفعاليات الوطنية مراقبة أجهزة الدولة والبحث عن كل تأخير أو مظالم تحدث من أية جهة مع الدفع بعرض كل قضايا الفساد على أجهزة القضاء والإنضباط. كما يناط بهذه الفعاليات الوطنية إستخدام شبكات الإنترنت للتواصل مع المواطنين من خلال المعلومات التثقيفية والتعليمية والتوجيهية حتى نتمكن من خلق المواطن الواعي الذي لن يرضى في المستقبل بالقبول بحكم طاغية مهما كانت الأسباب.

وفي الختام... تظل مسئولية النهوض ببلادنا، وإنقاذها من هذا البلاء الذي تعاني منه مسئولية مناطة بنا نحن من نعتبر أنفسنا من المتعلمين والمثقفين؛ وعلينا أن نلوم أنفسنا قبل لوم أولئك الغلابه الذين يكدّون من أجل إيجاد كسرة الخبز لأطفالهم، أو البحث عن مكان يعالجون فيه مرضاهم. هؤلاء لهم مشاغلهم اليومية الملحة التي تبعدهم عن المكتبات، والمسارح، ودور السينما، ونوادي المثقفين؛ فما بالك بهم يبدعون. إننا نظلمهم، ونقسوا عليهم على حساب توجيه اللوم لأنفسنا لأننا بكل تجرّد أول من يلام... نحن من يجب أن نكون قوارب النجاة لهذا الوطن الذي نراه يغرق أمام أعيننا ولا نستطيع (أو لانريد) أن نحرّك ساكنا وكأن الذي يحدث في بلادنا لايعنينا.
الديكتاتوريات لا تبني دولة، ولا تؤسس لحضارة، ولا تحفل بمدنية، ولا تخطط للمستقبل؛ فكل ما يهم الديكتاتور هو نفسه وأسرته وكرسي الحكم... فعلينا أن نشرّع دستوراً يمنع تكرار أشكال الحكم الشمولي الذي عانت منه بلادنا كثيراً. علينا ألاّ نسقط من حساباتنا الديكتاتورية الدينيّة، والديكتاتوريّة العرقيّة أيضاً. ي،
 وفقكم الله إلى ما فيه خير ليبيا وراحة ورفاهيّة شعبها الذي يستحق بأن يعيش كريماً ومعزّزاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك