2012/08/04

اللّامبالاة... على من يقع اللوم ؟


تتناقل وسائل الإعلام وخاصّة المنظورة منها من حين لآخر صوراً وتعليقات عن إقدام الكثير من الليبيّين على قذف القاذورات وفضلات الإستخدام اليومي على قارعة الطريق، حتى تحوّلّت الكثير من الأماكن في مختلف مناطق البلاد بما فيها المدن الكبرى إلى مساحات كبيرة مترامية الأطراف ممتلئة بكل أنواع القاذورات وبقايا الأكل والمحتويات المنزليّة التالفة أو فاقدة الصلاحيّة.
المشكلة أن البداية دائماً تكون من طرف شخص قد يكون طائشاً أو متهوّرا أو مستهتراً، لكنّها سرعان ما تتحوّل إلى إسلوب مقبول للبقيّة يقتدون به دون حتّى مجرّد التفكير في مشروعيّته من عدمها.
الناس يمرّون بتلك الأماكن فتجذبهم إليها وسرعان ما يستحسنوا الفكرة، فيعودون إلى بيوتهم يجمعون ما تراكم من قاذورات بداخلها ليقوموا بالتخلّص منها وذلك برميها في أماكن التجميع الغير شرعية تلك ثم إذا بهم يعودون إلى بيوتهم فرحين وكأنّهم إستطاعوا تحقيق إنجاز عظيم يدعو إلى الفخر.
من السهل على أيّ منّا وضع اللّوم على الجهات المسئولة، ولوم الحكومة على عدم القيام بتنظيف المدن وحماية المواطن من أثار التعفّن التي تكون نتيجة حتميّة لتلك المزابل حيث تنمو الجراثيم وتتكاثر الحشرات الضارّة بداخلها فتتحوّل تلك المزابل إلى قنابل جرثوميّة تهدّد الساكنين حواليها والمارّة الذي يضطرّون للمرور بجانبها.
هل نلوم الحكومة على كل ما يصيبنا، وهل ننتظر من الحكومة أن تفعل كل شئ لنا، وأن تقوم الحكومة بتوفيرملاعق ذهبيّة لإطعامنا كالأطفال الرضّع؟.
الإصلاح دائماً يبدأ من الداخل، وإصلاح الإنسان يحتاج إلى وقت طويل على عكس إفساده الذي يحتاج لدقائق. هذه الظاهرة سوف تستمر وكذلك الكثير مثلها وغيرها سوف يستمر إلى أن تستقر أوضاع البلاد وتتجّه وسائل الإعلام وجلسات الوعظ نحو المواطن تعلّمه وتثقفه ليصبح مواطناً صالحاً. كنت إستمع إلى راديو 4 التابع ل "بي بي سي" وكان فيه رجل أمريكي قرّر الذهاب للعيش في مدينة صغيرة في ريف ويلز على شاطئ البحر كي يستريح من صخب الحياة في أمريكا. إشترى بيتاً صغيراً وبدأ في الإستقرار. خرج ذات صباح يتمشّى على الشاطئ فوقع بصره على مكان تتجمّع فيه القمامة بشكل مقزّز. نظر إلى أكوام القذارة وهي تتكدّس في كل مكان، ونظر نحو النباتات البريّة المحيطة بها، ونظر إلى مياه البحر بجانب ذلك المكان وهي تفرغ أمواجها على الرمال فقال في نفسه يا لها من متناقضات: جمال الطبيعة وجمال البحر تفسده القاذورات والعفونة. عاد إلى بيته وفكّر في طريقة للتخلّص من تلك القاذورات. قام أوّلاً بزيارة جيرانه طالباً يد العون لكنّهم جميعاً ردّوا عليه بأنها ليست مشكلتهم، وبأنّهم لم يكونوا مسئولين عن رمي تلك القاذورات في ذلك المكان. أصيب بالإحباط لكنّه لم يستسلم لليأس فقرر الذهاب إلى وسط المدينة الصغيرة، وهناك وجد نادياً مكتوباً عليه "نادي أصدقاء البيئة". طرق بابه وحين سمح له بالدخول وجد في الإستقبال سيّدة بدأت لا مبالية في أوّل الأمر.... حكى لها القصّة فقالت له بأنّها لا تستطيع مساعدته نظراً لعدم وجود أشخاص في النادي ليمدّوا له يد العون. واصل معها النقاش وحدّثها عن نظافة البيئة وإستخدم الكثير من وسائل الإقناع وفي نهاية المطاف قرّرت العمل معه ومساعدته. طلب منها قائمة بأسماء الأعضاء المسجّلين في هذا النادي وطرق الإتصال بهم. إتصل بأعداد كبيرة منهم وكان بينهم الرافض واللامبالي وكان بينهم المتحمّس للفكرة. إستطاع تجميع 10 من الشباب المتحمّسين للفكرة. إتصلوا بالمجلس المحلّي طالبين لوازم ومعدّات تحصّلوا عليها بالكثير من الإقناع. إتجّهوا إلى المكان وأخذوا يعملون على تنظيفه. توافد عليهم الكثير من السوّاح وسكّان القرى المحيطة الذين جاءوا إلى ذلك المكان بغرض التمتّع بهواء ومنظر البحر. وصل عددهم في 3 أيّام حوالي 54 شخصاً من مختلف الأعمار وكان بينهم رجالاً ونساء. تعاونوا مع بعض كأسرة واحدة وبهدف واحد في تفكير كل منهم.... تنظيف القمامة وتحويل المكان إلى حديقة يتسفيد منها الجميع. بعد إسبوع كامل من التعب والمشقّة تم تنظيف القمامة وإبعادها بالكامل وتحّول المكان بالفعل إلى حديقة نظيفة زرعوا فيها المزيد من الشجيرات والأزهار. أصبحت المنطقة بعد ذلك فعليّاً بمثابة مزار لأعداد هائلة من السوّاح حين إنتشر الخبر عبر وسائل الإعلام. تحصّل الأمريكي صاحب الفكرة على رسالة شكر من المجلس المحلّي وأعطوه وسام المواطن الصالح. تلك كانت قصّة حقيقيّة كما رواها الشخص نفسه على الهواء. هل يمكن إستخلاص عبرة من هذه الحكاية(الواقعة)؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك