2012/06/23

عذراً سعادة المستشار..... فأنا لست سلفيّاً

 عندما يكون فكر الإنسان مشوّشاً فإنّه لا يرى طريقه بوضوح ومن ثمّ لا يستطيع التقدّم إلى الأمام

الحياة إجتهاد، والإنسان الذي يجتهد هو ذلك الذي يفكّر ويتدبّر. الطفل الصغير يبدأ في إستكشاف العالم من حوله بمجرّد أن يفتح عينيه، ثم بعد ذلك يبدأ في التعرّف على من هم حوله.
الطفل الذكي هو ذلك الذي يتعلّم من محيطه ثم يضيف لما يتعلّمه شيئاً من عنده تكون مصادره في الأساس مقتبسة من تصوّراته وإستنتاجاته فيخلق بذلك فكراً ووجهة نظر تخصّه وتكون منسجمة مع واقعه، لكنّها ليس بالضرورة أن تكون تقليداً لأفكار وتفكير الغير.
الفلسفة هي أن تفكّر وتحلّل وتستنتج، ففي داخل كل منا يوجد فيلسوفاً يرسم له معالم حياته. الطفل الصغير يعتبر فيلسوفاً في عالمه، والإنسان الناضج يعتبر فيلسوفاً حسب قدراته الذهنيّة وخبرته المكتسبة من الحياة التي عاشها ومارسها. من حق كل منّا بأن يتفلسف ويفكّر ويخلق رأياً، ولكن ليس من حق أي منّا أن يفرض رأيه على الآخرين. من حقّك عليّ أن أحترمك وأحترم أدميّتك، ولكن ليس من واجبي أن أتبّع ملّتك وأفعل ما تأمرني به بدون أن تقنعني بوجهة نظرك.
في كل زمان وفي كل مكان يتواجد من بين الناس من يفكّر وينظّر، ويتواجد بينهم من يؤمن ويعتبر.. ولكن من البديهي أن يفكّر كل مجتهد منّا حسب معطيات زمانه ومكانه وحسب ثقافة العصر الذي يعيش فيه؛ ومن هنا فليس بالضرورة أن تكون أفكار ذلك الزمان صالحة للتطبيق في هذا الزمان، وهذا بطبيعة الحال ينطبق على المكان أيضاً.
هناك بعض العباقرة، وهناك من الناس من له المقدرة على رؤية المستقبل – ليس من خلال السحر أو التعامل مع الجن ! – وهؤلاء بطبيعة الحال يدخلون ضمن فئة "الفلاسفة"، غير أن التفكير المستقبلي يظل في نهاية المطاف عبارة عن تكهّنات وتوقّعات وربّما تنبوءات أيضاً. المستقبل نحن لسنا من يصنعه لكنّنا نمتلك الحق في التفكير والإستعداد له بناء على تصوّراتنا وبناء على توقّعاتنا وبناء على تنبوءاتنا، مع أنّه يتوجّب علينا أيضاً بأن نضع الخطط البديلة في حالة أن يحدث عكس ما توقّعنا. المثل الذي يحضرني الآن هو "الأرصاد الجويّة"، فالمتخصّص في هذا المجال يعتبر التنبوء بالمستقبل جوهر مهمّته وعليه أن يحدّثنا عن المستقبل لأنّنا نرى الحاضر بأعيننا. أخصائي الأرصاد الجويّة عليه أن يدرس ويتعلّم ويتعرّف على مصادره الأساسيّة التي يقتبس منها معلوماته التي يستند إليها ومن ثمّ تكون تنبوءاته المستقبليّة أحسن ما يمكن الوصول إليه، غيرأنّها ليس بالضرورة أن تكون صادقة فهي في نهاية المطاف تظل مجرّد تنبوءات ( تخمينات) وعلينا أن نراها كذلك. الذي يعرف المستقبل هو الله وحده لأنّه – سبحانه - هو من يصنعه، وما نحن إلاّ بشر خلقنا الله كما خلق الكون من حولنا؛ فلا حول ولا قوة لنا إلاّ بالله.  

المستشار مصطفى عبد الجليل لا أحد من الليبيّين ينكر - إلا الجاحدين – بأنّه كان صادقاً في مساعيه من أجل بناء دولة في ليبيا بعد عقود من الضياع، ولا أحد ينكر تضحيّاته والمشاق التي تحمّلها في سبيل تحقيق هذا الهدف. المستشار مصطفى عبد الجليل نال إحترام كل الليبيّين – إلاّ الشواذ – ونال إحترام العالم من حولنا لأنّه إجتهد وفكّر وعمل وتمكّن مع زملائه ومعاونيه من وضع العربة على سكّتها من جديد بعد أن تركت ضائعة لا قرار لها حين خرّب الطاغية القذّافي سكّة مسيرتها فأنحرفت عن طريقها وتاهت.
فلح المستشار مصطفى عبد الجليل وفلح معه من كان في نفس الخندق حين كانت الأمور واضحة ومحدّدة المعالم... كان حينها للأحداث وجهان فقط (أسود و أبيض).. أي أنّك إمّا أن تكون مع نظام الطاغية القذّافي أو أن تكون ضدّه. ذلك ما جعل الإختيار بسيطاً حينها، لكنّ تنفيذ ما تختار حينها لم يكن بتلك البساطة.

إختار السيّد مصطفى عبد الجليل بأن يقف ضد النظام وتحمّل تبعات كل ذلك، لأن ذلك الموقف كان من إختياره ولأنّه عزم على المضي فيه بمحض إرادته؛ فلم يفرضه عليه أحد. نجح المجلس الوطني الإنتقالي برئاسة المستشار مصطفى عبد الجليل في إدارة الثورة وتمكّن الليبيّون من الوصول بليبيا إلى شاطئ الآمان، وعلينا أن نقدّر كل جهد بذله المجلس الإنتقالي الليبي من أجل إنجاح ثورة التغيير في ليبيا وعلينا كليبيّين أن نشكرهم على ذلك حتى لا نبخسهم حقّهم.
بعد نجاح الثورة وإسقاط نظام الطاغية القذّافي تغيّرت المعطيات، ولم تعد الصورة بلونين كما كانت. الحياة بدأنا نراها ملوّنة من جديد والإختيارات أمامنا أصبحت متشعّبة ومنتوّعة، وبناء عليه تنوّعت إجتهاداتنا في إختيار الوسائل والآليّات. بدأنا نتفلسف وبدأنا نجتهد وبدأنا نختلف وتلك هي طبيعة الحياة.
الآن أصبح بمقدورنا رؤية نواقص وعيوب المجلس الإنتقالي ذلك لأن المطلوب من المجلس اليوم لم يكن هو نفسه ما كان مطلوباً منه قبل إعلان التحرير. بدأنا الآن نحس بأن المجلس الإنتقالي لم تكن له رؤية محدّدة ولم يكن له أفق بأبعاد تزيد عن مرمى البصر.
المستشار مصطفى عبد الجليل قالها بصراحة بأنّه لم يكن سياسيّاً وأنا أتفق معه تماماً في هذا، فمنذ تلك الوهلة الآولى التي وقف فيها المستشار عبد الجليل أمام الناس ( أوّل إختبار) برهن المستشارعلى محدوديّة تفكيره وقصوره كزعيم وكحاكم وكسياسي. كان خطاب التحرير كما نعرف "مهزلة" وكان بكل صدق "كارثة" لو قيّمناه من ناحية سياسية ولو نظرنا إليه من منظار "قيادي"؛ فذلك الخطاب كان في واقع الأمر عبارة عن خطبة جمعة ضعيفة وربّما لم يتعدّ كونه وعظاً دينيّاً في أحد المساجد، غير أنّ كل إناء بما فيه ينضح فكان خطاب التحرير عبارة عن إنعكاس طبيعي لمستوى المستشار عبد الجليل كقائد سياسي أو كزعيم وطني.
تكرّرت من حينها أخطاء المستشار، وتكشّف الناس تباعاً على نواقص المجلس الإنتقالي، وكان يجب البحث عن بديل منذ بداية هذه السنة لكن ظروف البلد كانت ربّما لم تسمح بذلك أو أنه ربما كان خوفنا من المجهول هو ما فرض علينا كليبيّين البقاء في دائرة "الحذر" والترقّب بدل الإقدام على إحداث التغيير.
قال المستشار مصطفى عبد الجليل في مقابلته الأخيرة مع قناة "ليبيا الأحرار" الفضائيّة: {أنا أقدّر الجماعة السلفيّة، ونحن سلفيّة بالفطرة}. وقال أيضاً: {نحن والسلفيّون في خندق واحد}.... وهذا ما وددت التعليق عليه.



السلفية:

السَّلَف في اللغة العربيّة - بفتح السين واللام - هو ما مضى وإنقضى.
مصطلح "السلف الصالح" هو تعبير يراد به المسلمون الأوائل من الصحابة والتابعين  وتابعي التابعين الذين عاشوا في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام - ويستثني المعرّف من ذلك "أهل البدع" كالخوارج والشيعة والمعتزلة والقدريّة - حسب تفسير السلفيّين لحديث نسبوه إلى الرسول محمد عليه السلام يقول:
«خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي من بعد ذلك أناس يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون ويكون فيهم الكذب". السلفيّون فسّروا هذا الحديث - المشكوك في صحّته من حيث الأساس - على أن الرسول كان قد حدّد ثلاثة قرون من أوانه تكون هي أحسن القرون في كل الحياة الدنيا حتى يخلف الله الأرض ومن عليها. وفي البدء حتى ولو أجزنا هذا الحديث فإنّ تفسير السلفيّين له غير صحيح على الإطلاق لهذه الأسباب:
1. نلاحظ الخطأ النحوي في هذا الحديث فقد ألحق الجمع بالمفرد، وعومل المفرد كأنّه جمع ( قرني ثم الذين يلونهم)، وقد إستعاظ السلفيّون عن الخطأ النحوي بحيث إختلفوا في التفسير فقال بعضهم: كان المقصود في حديث الرسول "ناس" قرني فكانت "ثم الذين يلونهم تعني الناس وليس القرون"؛ وهنا نلاحظ بأن ذلك التفسير يدحض نقطة جوهريّة بل ومفصليّة في إحتساب القرون الثلاثة الأولى من الإسلام على أنّها من أحسن القرون في الحياة كلّها.
2. النقطة الأخرى التي إختلف فيها المفسّرون هي تكرار "القرن" ثلاثة مرّات ( قرني ثم الذين يلونهم"قرن" ثم الذين يلونهم"قرن") وفي هذا خطأين واضحين: الأوّل- تقديري أي إعتباطي على أساس أن الذين يلونهم إعتبرت قرناً مفردا وهذا بالطبع خطأ منطقيّا ونحويّاً، والثاني- نحوي أيضاً، فنحن حينما نعني التكرار لمرّتين نقول: هذا ثم الذي بعده؛ أمّا إن كنا نقصد التسلسل بدون تحديد العدد فإنّنا نقول: هذا، ثم الذي بعده، ثم الذي بعده (إلح، إلخ، إلخ...) ومع أنّنا نكرّرها لثلاث مرات فقط لكنّنا بكل تأكيد نقصد إلى مالا نهاية (إلخ...) وهذا من وجهة نظري بكاف لإبطال نظريّة "الثلاث قرون" في ذلك الحديث.
3. النقطة الثالثة التي وددت لو أن العقلاء من السلفيّين حاولوا التفكير فيها... ومفادها أن العالم يسير إلى الأمام وفي كل يوم؛ فالعالم الذي كان يعيش فيه الرسول لم يكن خيراً من عالم اليوم في كل شئ اللهم إلاّ في موضوع بعثه هو كرسول وإعتباره من قبل ذا الجلال والإكرام كآخر رسول مبعوث من لدنه. كان الرسول ومن معه يعيشون ضنك الحياة، ويحتاجون إلى كل شئ، وكان الناس حينها يمرضون ويموتون بأمراض وعاهات من السهل علاجها في عالم اليوم. كان الرسول وجماعته وكل البشر حينها عندما يعزمون على السفر يستخدمون الجمال والحمير والخيول وقد تستغرق منهم الرحلة أياماً وشهوراً، في حين نحن اليوم نستطيع أن نلف حول الكرة الأرضية في أقل من 24 ساعة مع توفّر كل سبل الراحة والإطمئنان. ربما لا يختلف معي عاقل في أن عالم اليوم الذي نعيش فيه ( القرن 21) هو أحسن قرن عاشته البشريّة منذ بدء الخليقة، وسوف تأتي قروناً بعد هذا القرن كل منها هو أحسن من الذي يسبقه ( وليس الذي يليه !) ... فكيف تكون القرون الأولى أحسن من القرون التالية؟. هذا يتعارض مع سنة الله في هذه الحياة التي تسير إلى الأمام، وتسير إلى الأحسن لأن الناس تتعلّم وتتعظ وتتقدّم إلى الأمام في كل يوم. هل يريد السلفيّون أن يقنعونا بأن المسلمين في عهد الرسول كانوا أفضل منّا في الإيمان أو في فهمهم للقرآن؟. بكل تأكيد لا وألف لا، فقد تقاتل المسلمون بمجرّد غياب الرسول عنهم، وهجم "مسلمون" على الخليفة عثمان وهو يقرأ القرآن فنتفوا شعر لحيته ومزّقوا ثيابه وجرجروه على الأرض حتى قتلوه. ثم كانت الفتنة الصغرى وواقعة الجمل والتي تلتها الفتنة الكبرى ومقتل الحسن والحسين، ثم تقاتل المسلمون وتناحروا ونكّل بعضهم ببعض بشكل وحشي يندئ له الجبين. حدثت كل هذه الحروب والإقتتال والفتن في القرن الأول والثاني والثالث، وحدثت كل المفاسد في العهد العبّاسي الأوّل والثاني، وحدثت كل الفتن في الأندلس، وحدثت كل السرقات وخداع الناس في العهد العثماني الأوّل والثاني.... هل كان المسلمون الأوائل بأحسن حالاً منّا اليوم حتى لو قسنا ذلك على قوة ونقاء الإيمان فقط؟. بالطبع لا وألف لا، فنحن اليوم أقوى إيماناً وأكثر إقتناعاً، وأقل عرضة لعبادة الصور والتماثيل والأصنام من أي وقت مضى.... نحن اليوم نمتلك القدرة على فهم أحسن للقرآن بما يعني ذلك فهماً أحسن لديننا. القرآن كما نعرف ونؤمن يعتبر صالحاً لكل زمان ولكل مكان بخصوصيّة وجدت فيه (إعجاز) مفادها أننا لا نعلم تأويل القرآن في زماننا وفي مكاننا. القرآن يفسّر بطرق مختلفة حسب العصر الذي يعيش فيه المفسّر لأنّنا لا نستطيع الإلمام بكل شئ ورد فيه... وتلك هي معجزة القرآن الكبرى.
وعودة إلى السلفيّة كمذهب أو كمدرسة أو كمنهج... فيعتقد بأن السلفيّة ما هي إلا امتداد لمدرسة أهل الحديث والأثر الذين برزوا في القرن الثالث الهجري في مواجهة المعتزلة في العصر العباسي تحت إمامة "أحمد بن حنبل" أحد أئمة السنّة الأربعة، فكان المعتزلة يتّخذون مناهج عقليّة في قراءة النصوص وتأويلها وإستمدّوا أصولهم المنطقية من الحضارة الإغريقية عن طريق الترجمة والتعامل المباشر، ورأى أهل الحديث في هذه المناهج العقلية خطراً يهدد صفاء الإسلام ونقاءه وينذر بتفكك الأمة وانهيارها.
ظهر السلفيّون لفترة قصيرة في منتصف القرن الثالث الهجري، لكنّهم سرعان ما إصطدموا بالمعتزلة بقيادة "أحمد بن حنبل" الذي نصره وأيّده وساعد على إنتشار مذهبه "الخليفة القادر" ( امير الدولة العبّاسيّة) في مطلع القرن الرابع الهجري، فإنتهى بذلك الفكرالسلفيّ نظراً لتحسّس الناس من تفكير أتباعه الذي كان يعتمد أساساً على أحاديث الرسول التي أخذت من السلفيين إهتماماً زائداً فاق إهتمامهم بالقرآن أحياناً على أساس أن القرآن قد يصعب فهم تأويلاته في حين يجدون مبتغاهم في الآحاديث التي ينسبونها للرسول عليه السلام مع العلم بأن آحاديث الرسول كان قد تم تجميعها شفهيّاً (من حفظة الحديث) بعد 230 سنة من وفاة الرسول على أيدي البخاري ومسلم ومن عاش في عصرهما ( ويمكن القارئ أن يتصوّر كم أضاف الحفّاظ من عندهم). جمعت الآحاديث بعد حدوث الفتنة الكبرى التي شرّدت المسلمين في كل مكان، ونفق فيها عشرات الألاف من خيرة المسلمين حفظة الحديث؛ حتى إن الكثير من المسلمين الأوائل حمدوا الله على أن القرآن كان قد تم جمعه في عهدي أبوبكر وعمر رضي الله عنهما، ثم تدوينه في كتاب في عهد الخلفية عثمان بن عفّان رضي الله عنه.  
إبتعد الناس عن التفكير السلفي حينها لسببين:
1- تشدّد السلفيّون في التمسّك بفكر "السلف الصالح" دون السماح بالتجدّد في التفكير أو في الإجتهاد.
2- إنتصار المذهب التجديدي - في المقابل - على يد راوي الحديث "أحمد بن حنبل" الذي حظي بمباركة ودعم الخليفة القادر ثم من بعده الخليفة العبّاسي "القائم بأمر الله".
ظل التفكير السلفي مختفياً أو متخفّياً حتى سقوط الدولة العبّاسيّة على يد التتار سنة 656 مما خفّف الضغط على من تبقى من السلفيّين فقام "إبن تيميّة" بإحياء المذهب السلفي الأمر الذي أدّى إلى محاربة المجدّدين على إعتبار أنّهم من "أهل البدع" حيث حرّم السلفيّون "الإبتداع" على أساس أن البدعة تعتبر خروج عن نص الحديث، وبذلك فقد حرّموها ومنهم من كفّر المبتدعين.
حدث بعد ذلك صراعاً كبيراً بين المجدّدين من الأشعريّة والسلفيّين من الحنابلة مما أضعف الفكر السلفي من جديد نظراً لكثرة المناوئين له من قبل بقية المسلمين في ذلك الوقت، فبقى الفكر السلفي منزوياً بين القلّة حتى القرن الثامن عشرالميلادي حين قام "محمد بن عبد الوهّاب" في الجزيرة العربيّة بإحياء الفكر السلفي مستغلاّ بذلك ضعف الدولة الإسلاميّة بعد سقوط الخلافة العثمانيّة وظهور أتاتورك في تركيا الحديثة مع إنتشار الإستعمار الغربي في معظم الممالك العربيّة التي كانت جزءاً من الخلافة العثمانيّة فأنتشر بذلك الفكر السلفي الذي بدأ يعرف ب"المذهب الوهابي" والذي ظل سائداً في منطقة الخليج العربيّة وخاصة المملكة السعوديّة ومنها إنتشر إلى باكستان وأفغانستان وبعض جمهوريّات الإتحاد السوفييتي الإسلاميّة حينها.


يعتمد السلفيّون على مصادر 4 في تشريعهم:
1- القرآن.
2- الآحاديث "الصحيحة".
3- الإجماع: والإجماع عندهم سلفي وليس عصري في وقتهم (إجماع من سبقوهم).
4- القياس.
 السلفيّون يعتمدون في تفكيرهم وممارساتهم على"النقل" ويعتبرونه قبل "العقل"... فلا يجوز عندهم معارضة الأدلة الصحيحة من كتاب وسنة وإجماع بحجج عقليّة أو كلاميّة. السلفيّون لا يؤمنون ببراهين وثوابت العلم الحديث والأبحاث على أساس أنّ "النقل" يسبقها ويلغيها... فالعلم الحديث يعتبر عندهم من "البدع" التي قد تؤدّي إلى الكفر بالله إذا فسّرالعلم ظواهر طبيعيّة على عكس فهمهم للقرآن والسنّة كما وردت في آحاديث الرسول عليه السلام... ومن هنا فالسلفيّون في معظمهم يحاربون العلم ويعتبرون العلماء (علماء الحياة) هم أوّل من يكفر بالله.
السلفية يحبّون ويتولّون صحابة محمد وأهل بيته وأزواجه أجمعين، ويؤمنون بفضائلهم ومناقبهم التي ثبتت لهم في القرآن والسنة. كما يؤمن السلفيّون بأفضلية "الخلفاء الراشدون" على جميع البشر بعد الأنبياء، وأن ترتيبهم حسب الأفضلية هو:أبوبكربن الصدّيق ثم عمربن الخطّاب ثم عثمان بن عفّان ثم علي بن أبي طالب ثم باقي "العشرة المبشّرين بالجنة". ويؤمن السلفيّون بأن زوجات الرسول هن أمّهات المؤمنين، وهن أزواجه في الآخرة، خصوصاً  خديجة بنت خويلد و عائشة بنت أبي بكر، وأظنّهم ينسون في ذلك قوله تعالى عن اليوم الآخر: { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۖ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۖ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } .... صاحبته حسب علمي هي "زوجته". أمّا إنتقاء خديجة وعائشة من بين بقيّة زوجات الرسول على أنهما كانتا الأفضل فذلك حسب علمي يتناقض مع عدل الرسول مع زوجاته وإعتبارهنّ (من الناحية النظريّة على الأقل) متساويات في الأفضليّة. 
السلفيّون لا يؤمنون بعصمة أحد من الصحابة بعينه، بل تجوز عليهم الذنوب حسب معتقدات وتفكير السلفيّة؛ بل إنّهم يعتقدون بعصمة إجماع الصحابة فقط. كما أن السلفيّين يسكتون عما شجر بين الصحابة من خلاف على أساس أنهم فيه مجتهدون معذورون وهم بذلك يكونون إمّا مخطئين وإما مصيبين.

 أشهر الحركات السلفية الحديثة هي:
1- حركة الإمام محمد بن عبد الوهاب: التي تنادي بالجهاد لفرض الفكر السلفي.
2- جمعية أهل الحديث: التي تنادي بمحاربة البدع، وكل دعوة إلى التجديد.
3- جماعة أنصار السنة المحمّدية: التي تنادي بعودة الخلافة الإسلاميّة، وتحارب الدعوة إلى الديموقراطيّة الحديثة.


العلاقة بين السلفيّين والجماعات الإسلاميّة الأخرى
يعتبر السلفيّون أنفسهم حماة الدين، وعلى أن كل من يخرج عن تفكيرهم وإعتقادهم هو مخالف لشريعة الله؛ ويسارع المتشدّدون منهم إلى تكفيره وإقامة الحد عليه. السلفيّون لا يعترفون بالمتصوّفة ويعتبرونهم من ضمن "الخوارج"، كما أن السلفيّون يختلفون مع تفكير "الإخوان المسلمون" من حيث الجوهر حيث يعتبرونهم من الخارجين عن منهج التفكير السلفي الذي يقاوم التجديد والإجتهاد.
من هنا نلاحظ حرص الولايات المتحدة الأمريكية على تمكين الإخوان المسلمون من الحكم في بلاد "الربيع العربي" وبأي ثمن وذلك الإهتمام الأمريكي يرجع إلى هذه الأسباب:
1- الفراغ السياسي الكبير الذي أوجدته الثورات العربيّة الحديثة.
2- الخوف من سيطرة أتباع تنظيم القاعدة (سلفيّون) على مقاليد الحكم في هذه البلاد.
3- العداء الكبير بين تنظيم الإخوان والسلفيّون.... بحيث يضرب بعضهم بعضاً.
4- ترويض وتطويع تنظيم الإخوان المسلمون وفق العقلية والتفكير الأمريكي بذلك القدر الذي جعل من الإخوان بمثابة الخادم المطيع للسياسة الأمريكية.
5- إيمان الولايات المتحدة الأمريكية القوي (من خلال تقارير إستخباراتية قوية) بأن التنظيم الوحيد الذي بإمكانه القضاء على السلفيّين - ومنهم بالطبع تنظيم القاعدة - هو تنظيم الإخوان المسلمون من خلال تمكينهم من الحكم وإستحواذهم على الجيش وأجهزة الأمن في البلاد العربيّة الثائرة حديثاً مثل تونس ومصر وليبيا واليمن ثم سوريا بعد ذلك.


 السلفيّة في ليبيا

لم تكن السلفيّة معروفة في ليبيا، ذلك لأنّ أغلب الليبيّين إعتمدوا المذهب المالكي كمرجع ديني توحّد حوله الليبيّون، فالمذهب المالكي كما نعرف هو مذهب وسطي متسامح ومتجدّد، يؤمن بالتفكير والإجتهاد. كذلك فإن الدعوة السنوسيّة كانت مالكيّة في الأساس مع مسحة من التفكير "الصوفي".
 كما يجب علينا التنويه بأن هناك أعداداً من الليبيّين في منطقة جبل نفوسة وزوارة من يتبعون "المذهب الأباضي" الذي تعود جذوره إلى عُمان والمناطق المحيطة بها، والأباضيّة ليسوا من السلفيّين.
بدأ بعض الليبيّين يتأثّر بالسلفيّة ويتقرّب منها أكثر في آواخر فترة السبعينات وفترة الثمانينات حيت بدأ الطاغية القذّافي يحارب المتديّنين حين كان يرى فيهم تهديداً لطموحاته وسلطته. القذّافي كما نعرف كان في بداية حكمه متأثّرا بالفكر الناصري (قومي-إشتراكي)، وكان أيضاً قريباً من المنهج الإشتراكي الذي كان ينادي به الإتحاد السوفييتي حينها ويعمل على نشره في شرق أوروبا وفي أسيا وكذلك في بعض المناطق في أفريقيا وأمريكا اللاتينيّة. حين إنتصر الإسلاميّون بدعم من السعوديّة والولايات المتحدة في أفغانستان خاف من قوّتهم ونفوذهم الطاغية القذّافي وبدأ يتوجّس منهم شرّاً من حينها.
هاجر بعض الليبيّون خوفاً من جبروت القذّافي فطاب المقام لبعضهم في السعوديّة ( وهم قليلون)، ثم ذهب الآخرون إلى أفغانستان حيث وجدوا من يأويهم ويهتم بهم، وذهب البعض الآخر إلى أوروبّا. تأثّر أولئك المهاجرون الليبيّون بالفكر الوهابي سواء كان ذلك في السعوديّة أو أفغانستان وبذلك نشأ السلفيّون الليبيّون الذين عاد الكثير منهم إلى ليبيا بعد سقوط نظام حكم الطاغية القذّافي وهم يشكّلون الآن مجموعة السلفيّين في بلادنا بفكرهم المتشدّد الذي إكتسبوه من إختلاطاتهم بتنظيم القاعده في أفغانستان.
أغلب المصادر تقول بأن عدد السلفيّين في ليبيا لا يتجاوز أل4000 سلفي، وهم يتمركزون أساًساً في المناطق الشرقيّة وتعتبر درنة هي عاصمتهم الروحيّة ومركز تجمّعهم حيث توجد لديهم فيها معسكرات تدريبيّة ومراكز قيادة ميدانيّة.
المعلومات المتوفّرة تقول بأن الشيخ الصادق الغرياني (مفتي ليبيا) لا ينتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمون (بشهادة الشيخ الوهابي السلفي راشد اللحيّان) ولكن هل يعني ذلك بأن الشيخ الصادق الغرياني هو من السلفيّين ؟...... تأمّلوا معي هذه الفتوى للشيخ الصادق الغرياني في شأن "حلق اللحية" في الجيش والشرطة على إعتبار أنّها ملزمة إسلاميّاً كما يعتقد السلفيّة:



ولكن من ناحية أخرى سمع الشيخ الصادق الغرياني وهو يتحدّث في برنامج "فتاوى وقضايا" حيث قال: الشباب السلفيّون في ليبيا كلهم ضد القذافي، والذين مع القذافي أدعياء السلفية فقط وهم حفنة قليلة.
المستشار مصطفى عبد الجليل ربّما يعتبر أيضاً من السلفيّة، ومع أنّه لم يقرّ بذلك إلاّ أنّنا نلاحط من تصرّفاته وخطبه على أنّه قد يكون من السلفيّين، وربّما الدليل الأكبر على سلفيّة المستشار مصطفى عبد الجليل هو تصريحاته الأخيرة في قناة "ليبيا الأحرار" الفضائيّة كما ذكر أعلاه.
ومهما يكن من أمر فإنّ السلفيّين يعتبرون أقليّة في ليبيا ويجوز إعتبارهم من الشواذ في المجتمع الليبي، ولا أعتقد بأن لهم قبولاً في ليبيا رغم تديّن الليبيّين وتأثّرهم بروح الدعوة السلفيّة التي تشد الناس إلى الإسلام الأصلي؛ لكن تصرّفات السلفيّين وتشدّدهم كثيراً ما تنفّر الناس منهم وكثيراً ما تحوّلهم تصرفاتهم إلى "مخرّبين" و"معرقلين" في عيون غالبيّة أبناء وبنات الشعب الليبي.

تصرّفات السلفيّين في ليبيا
ذكر تقرير دوري للجنة الدولية للصليب الأحمر أن اللجنة بالتعاون مع الهلال الأحمر وفّرت بعض المساعدات التي تشتد الحاجة إليها خلال الاشتباكات الدائرة على مدى الأيام القليلة الماضية في مزدة والشقيقة وفي جبل نفوسة بالجبل الجنوب الغربي من طرابلس، ما أجبر آلاف الأشخاص على الفرار من ديارهم بحثًا عن الأمان. إلى جانب، إزالة مخلفات الحرب من المتفجرات وزيارة المحتجزين؛ في حين تتواصل الجهود الرامية إلى حساب عدد الأشخاص المفقودين والنازحين في جبل نفوسة.
وقال مندوب اللجنة الدولية "ألكسندر غريف" بأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتعاون مع الهلال الأحمر الليبي قامت بتوفير الفرش وأواني المطبخ ومستلزمات النظافة إلى الأهالي في وقت سابق من هذا الأسبوع، مشيرًا إلى أن اللجنة الدولية تبرّعت بإمدادات جراحية تكفي لعلاج 50 مصابًا بالأسلحة، وكذلك أكياس الجثث للمستشفى الرئيسي في غريان ، لافتًا إلى تقديم الإسعافات الأولية للجرحى في وحدة الشقيقة، وقال غريف، "ودعمًا للسلطات المحلية قمنا بتوريد هذه الوحدات مع المواد الطبية، بما في ذلك مواد تضميد الجروح، بالتعاون مع زملائنا من الهلال الأحمر الليبي"، منوّها إلى إقامة مركزين صحّيّين في المنطقة، وإلى أن القتال لا زال مستمرًا في مزدة وهم يقومون بإسعاف المتضرّرين.

هذا هو الصليب الأحمر نفسه الذي فجّر مكاتبه وعبث بمحتويّاتها السلفيّون وأتباع القاعدة في بنغازي وفي مصراته إنتقاماً لقتل زعيمهم "أبويحي الليبي" الذي تمكّن الأمريكيّون من إصطياده بطائرات "البريديتور" الذكيّة وقتله لتخليص البشريّة من شروره. أبو يحي الليبي هو القائد الثاني لتنظيم القاعدة بعد رئيسها الجديد "أيمن الظواهري" الذي خلف "أسامة بن لادن".
جمعية الصليب الأحمر العالميّة كما نعرف تقوم بمساعدة المنكوبين في جميع أنحاء العالم بغض النظر عن إنتمائهم العرقي، أو ديانتهم، أو لغتهم، أو موقعهم الجغرافي؛ فهذه الجمعية العالميّة تهتم بمشاكل الإنسان وتعمل على التخفيف من معاناته أينما وجد.
الجمعية لا تقوم بحملات تبشيريّة، ولا يهتم المنتمون إليها بالقضايا الدينيّة أو السياسيّة، ولا أدري لماذا تتحوّل مكاتب هذه الجمعية في ليبيا إلى هجمات شرسة من قبل الإسلاميّين. الجمعية ساعدت الليبيّين منذ الأيّام الأولى لثورة 17 فبراير ووقفت معهم في أحلك الظروف، وقامت الجمعيّة بجلب الكثير من المواد الغذائيّة والعلاجيّة والأغطية ومياه الشرب للمصابين الليبيّين، وقامت أيضاً بتوفير حليب الأطفال والحفّاظات لأطفال ليبيا حين كان الطاغية القذافي يقصفهم من الجو ومن البحر ومن البر.
جماعة السلفيّون قاموا كذلك بمهاجمة السفير الإنجليزي بينما كان يقوم بزيارة لبنغازي من أجل توفير بعض المتطلّبات التي سوف تساعد على إجراء الإنتخابات الليبية في موعدها المناسب. كما قامت الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة كذلك بالهجوم على القنصليّة التونسيّة في بنغازي، حيث دخل 20 مسلّحا من تنظيم السلفيّين إلى مقر القنصليّة في ساعات الفجر الأولى قاصدين العبث بمحتويات القنصليّة لولا تدخّل أجهزة الأمن للحيلولة دون إحداث تفجيرات أو حرائق بداخل القنصليّة.
يقول هؤلاء الشباب المغرّر بهم بأنّهم إنّما قاموا بما قاموا به من أجل "نصرة الدين الإسلامي" بعد أن قام بعض الفنّانين التوانسة بكتابة أسماء الله الحسنى مستخدمين الحشرات الميّته كنوع من الإبداع الفنّي.
الفنّان هو عبارة عن إنسان مرهف الحس، ويعتبر مخلصاً لفنّه فيعمل كل جهده من أجل تطويره وتجديده وإضافة لمسات جميله عليه. الفنّان هو إنسان يحب الخير للجميع ولا يمكن لفنّان مبدع بأن يقوم بإهانة الآخرين سواء كان ذلك من خلال ممارسات سلوكيّة أو إجتهادات فنيّة. الفنّانون التوانسة هم مسلمون مثلنا، وهم يعبدون الله ويقدّسون الجلالة كما نقدّسها نحن وما قاموا به من أعمال فنيّة مبدعة كان القصد منه التجديد والإبداع لتذكير الناس وتحبيبهم في أسماء الله الحسنى.... فهل أساءوا إلى لفظ الجلالة بذلك؟.
الأعمال تقاس بمعيارين:
1- الضرر
2- القصد (النيّة)
هل من الممكن أن يضر الإنسان خالق الكون وهو من خلق هذا الإنسان؟. الله كان موجوداً قبل وجود الإنسان، وسيظل موجوداً بعد فناء الإنسان فهل يستطيع هذا المخلوق الضعيف التقليل من قيمة الخالق؟.
أما فيما يتعلّق بالقصد... فلماذا نشك بأن الفنّان التونسي المسلم الوسطي المتواضع يعمد إلى الإساءة إلى خالقه وهو فنان مرهف الحس يقتبس إبداعه من جمائل وكمائل خلق الله؟. هل فكّر أولئك الشباب العاطفيّون في مثل هذه الأشياء حين قاموا بإقتحام قنصليّة بلد له كيان دولي متميّز، وهل إنعدمت الوسائل الأخرى للتعبير عن الإحتجاج أو عدم الرضاء إلاّ هذه الوسيلة "الغبيّة" والغير مستصاغة من أي كان حتى ولو كان مسلماً متشدّدا لا يحسب ولا يقيس ولا يتدبّر؟.
ثمّ... فلننظر إلى الموضوع بشئ من الواقعيّة. لقد بدأ الإسلام بشخص واحد، وحارب آل محمد دعوته بكل إستماته فنكلوا به وحاولوا قتله؛ لكن إرادة الله كانت أقوى منهم. هاجر النبي وهاجر معه القلة ممن أمنوا برسالته في ذلك الوقت، وبدأ أتباع الرسالة السماوية يزدادون في كل يوم رغم كل المعوّقات حتى بلغ عدد المسلمين اليوم أكثر من 1500 مليون مسلم ومسلمة. هل يمكن لمخلوق أن يضر بالخالق حتى وإن حاول؟. هل يستطيع أي من البشر ( أو لنكون أكثر شموليّة.. هل يستطيع أي من مخلوقات الله) إيذاء الجلالة أو تغيير إرادته حتى وإن حاولوا؟.
منذ عهد الرسول وإلى يومنا هذا والناس تحاول الإساءة إلى الإسلام.. فهل تمكّن أي منهم من تغيير مسار هذا الدين أو التقليل من سرعة إنتشاره؟. إن الذين وبصدق إستطاعوا أن يعطوا الصورة السيئة عن الإسلام فحوّلوه إلى دين قتل وترهيب في عيون ال 5 مليار من غير المسلمين، وفي عيون أغلب المسلمين أيضاً هم أولئك الذين نصّبوا من أنفسهم حماة لهذا الدين من الوهابيّين الذين فرّخوا لنا التشدّد وجماعات التكفير والقتل والإجرام وفعلوا كل ذلك بإسم الله وبإسم الإسلام.
وأخيراً... هجوم السلفيّين على المقابر في سويعات الهزيع الأخير من الليل من أجل العبث بمحتوياتها من بقايا البشر الذين وهبوا حيواتهم من أجل إنقاذ البشريّة من الطغاة والجبابرة من أمثال هتلر وموسوليني وغيرهم. ألم يعمل أولئك الجنود من أجل مساعدتنا على الإستقلال والتخلّص من الإستعمار الفاشيستي، وهل كان بإمكاننا إنتزاع بلادنا من بين مخالبهم لولا مساعدة جنود الحلفاء لنا على بلوغ تلك الغاية. أولئك الجنود الذين ماتوا من أجل حريّتنا كان يجب علينا إحترامهم وتكريمهم بدل أن ننبش قبورهم ونخرج بقاياهم بذلك الشكل المقرف الذي يعكس إنعدام الأخلاق وإنحسار الإنسانيّة من مشاعر الأغبياء الذين قاموا بذلك الفعل الدنئ بإسم الإسلام. هل أساء غيركم إلى الإسلام بمثل ما فعلتم؟. هل فكّرتم في جرائر أفعالكم حين أقدمتم على إقتراف مثل تلك الأفعال التي لا يرضاها الله ولا يباركها رسوله عليه السلام.
   
الطريق إلى الأمام

الطريق إلى الأمام هو طريق لنا كلّنا كليبيّين وليبيّات، وطريق آخر بالنسبة لهؤلاء السلفيّين ولبقيّة المتشدّدين في الدين.
بالنسبة لنا، علينا أن نكون على بيّنة، وعينا أن نرسم طريق حياتنا، وعلينا أن نحدّد مساراتنا.
علينا أن نحدّد ما نريد... هل نحن نريد دولة عصريّة يحكمها المتعلّمون من أهلها، ويحكمونها بالعلم والعقل والتفكير والحسابات؟. إن كان جوابنا على مثل هذه الأسئلة بنعم فعلينا ألاّ نقف مكتوفي الأيادي، وألاّ نقف متفرجين وكأن ما يجري في بلادنا لا يهمّنا.... علينا أيضاً بأن نكون من المبادرين والمثابرين وبأن نحسّ - وبكل ثقة - بأننا أقوياء في بلدنا.
هناك الكثير من الثوابت في حياتنا يسعى البعض وللأسف لتغييرها لنا رغماً عن إرادتنا، فهؤلاء الناس الذين أتحدّث عنهم لا يستشيروننا ولا يستمعون إلى رغباتنا ولا يُخضعون ما يفكّرون به لحكمنا كشعب:
1- السلفيون بالنيابة عنّا يقدمون على الإساءة لنا من خلال العبث بممتلكات ضيوفنا من الأجانب الذين نقيم علاقات ديبلوماسيّة معهم برضانا وبرغبتنا وهم ضيوفاً علينا من واجبنا الأخلاقي ومن إلتزامنا الديبلوماسي توفير الأمان لهم طالما أنّهم بقوا ضيوفاً مقيمين على أرضنا.
2- السلفيون بالنيابة عنّا يهاجمون محلاّت ومتاجر وصالات يستفيد منها أهلها بالتعايش عليها ونستفيد منها نحن حين نحتاج إلى خدماتها.
3- السلفيون بالنيابة عنّا يريدون أن يفرضوا رؤيتهم وطريقة تفكيرهم علينا حتى وإن طلبنا منهم ألاّ يفعلوا ذلك.
4- الفيدراليّون هم بدورهم يفرضون علينا أرائهم وطريقة تفكيرهم غصباً عنّا، فنجدهم ينتشرون في الشوارع ليزيلوا صور وملصقات المترشّحين لإنتخابات نحن من إختارها ونحن من رضى بها ونحن من صوّت لها. بلغ عدد المسجّلين لإنتخابات المؤتمر الوطني حسب الإحصائيّات الصادرة عن المفوضيّة العليا للإنتخابات 2,865,937 أي ما يعادل 82% من كل الليبيّين والليبيّات المصرّح لهم قانوناً بالإنتخاب والترشّح. بمعنى أن أولئك الفيدراليّون إنّما هم يعملون على عرقلة مسيرة أكثر من 80% من الشعب الليبي ونحن وللأسف ساكتون. ما يقارب من 3 مليون ليبي وليبيّة يشاهدون بأعينهم بعض العشرات من الإنفصاليّين يعملون على تخريب البلد ولا أحد منّا يقف لهم بالمرصاد... هذه وللأسف تضاف إلى سلبيات الليبيّين، وهذا يدل على أنّنا لم نتعلّم الدرس.
حكمنا الطاغية القذّافي رغماً عن إرادتنا بمعاونة بضعة مئات من مؤيديه لأكثر من 40 سنة ولم نتمكن في أي يوم من الأيام بأن نقول له توقّف... وها نحن نعيدها من جديد.

يقول الرسول عليه  السلام – حسب ما نسب إليه – (لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين)... وها نحن نلدغ من نفس الجحر مرّات ومرّات لكنّنا لم نتعلّم الدرس بعد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك