2011/12/04

عاشوراء.... وما أبعد من عاشوراء

( الذي يريد أن يعيش في الماضي، لن يكون بمقدوره أن يعيش في الحاضر، ولا أن يرى المستقبل؛ لأن من ينظر إلى الوراء، لايمكنه أن يبصر الطريق التي أمامه)

الإحتفال بعاشوراء هو تخليد ليوم العاشر من محرّم من كل سنة، وذلك إقتداء بسنّة الرسول عليه الصلاة والسلام.

وعن أهميّة عاشوراء ( التي تعني العاشر) تحدّث بعض المؤرّخين، وبالأخص علماء السنة عن العديد من الآحداث التي حصلت في العاشر من محرم مثل أن الكعبة كانت تُكسى قبل الإسلام في يوم عاشوراء، ثم بعد ذلك صارت تُكسى في يوم النحر.
عاشوراء أيضا... هي اليوم الذي تاب الله فيه على سيّدنا "آدم"، وهي اليوم الذي نجّى الله فيه "نوحا" وأنزله من السفينة، وفي عاشوراء أنقذ الله نبيّه "إبراهيم" من "نمرود"، وفيه ردّ الله "يوسف" إلى والده "يعقوب" عليه السلام، وهي اليوم الذي أغرق الله فيه "فرعون" وجنوده ونجّى سيّدنا "موسى" وبني إسرائيل ( سبب إحتفال اليهود بيوم عاشوراء) ، وفي عاشوراء غفر الله لنبيّه "داوود"، وفيها وهب "سليمان" ملكه، وفيها أخرج نبيّ الله "يونس" من بطن الحوت، وفيها رفع الله عن سيّدنا "أيوّب" البلاء. وفي يوم الجمعة 10 محرّم عام 61 للهجرة قتل حفيد النبي عليه السلام "الحسين بن علي" في معركة كربلاء بين من تبقّى معه من أنصاره، وجيش يزيد بن معاوية إبن أبي سفيان. كان الجيشين المتقاتلين من المسلمين، وكان قائد كل جيش ( يزيد والحسين) يسعى لإنتزاع خلافة المسلمين من الآخر، وفرض الأمر الواقع على الطرف الثاني ( حرب بين القريشيّين والأمويين)، وهي بطبيعة الحال بمثابة ثأر الأمويين لمقتل عثمان من قبل القرشيين ( محمد إبن أبي بكر الصديق).

صيام عاشوراء

إختلف المسلمون على صيام يوم عاشوراء؛ ففي حين يعتبره الشيعة مكروهاً، يعتبره أغلب السنّة مستحبّاً غير أن أصل صيام عاشوراء لم تتفق عليه الروايات؛ فمنهم من قال بأنّه عندما دخل النبي عليه السلام مكة فاتحاً وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ولكن ليس في العاشر من محرّم طلب النبي عليه السلام من المسلمين صوم عاشوراء إقتداء باليهود. وتقول روايات أخرى بأن قريش كانت تصوم يوم عاشوراء، ويشير بعض المسلمين إلى حديث نسبوه للرسول عليه السلام ورد في "صحيح" مسلم يقول: { من صام عاشوراء غفرت له كل ذنوب السنة التي تسبقها}. وهناك من يقول أيضاً بصيام اليوم السابق لعاشوراء ( 9 محرّم) ويستند أولئك لحديث آخر ينسب للرسول عليه السلام يطالب فيه المسلمين بمخالفة اليهود... ولا تعرف من تصدّق !.

عاشوراء عند الشيعة

يوم عاشوراء عند الشيعة هو يوم ذكرى حزينه وآليمة لمقتل الحسين بن علي بن أبي طالب وكل من معه في العاشر من محرم 61 للهجرة من قبل جيش يزيد ابن معاوية. جيش يزيد بن معاوية هو جيش مسلم يتبع الدولة الأمويّة في سوريّا؛ في حين أن الحسين بن علي كان يقيم في كربلاء في العراق على رأس الدولة الشيعيّة ( شيعة علي).

وعد الشيعة المقيمون في العراق بالوقوف مع الحسين ضد يزيد بن معاوية ( مع العلم بأن معاوية هو إبن أبي سفيان الذي دخل الإسلام مكرهاً بعد فتح مكّة). حين دخلت قوات يزيد الكبيرة خاف الشيعة وقرّروا التخلّي عن وعدهم للحسين بالوقوف معه ونصرته، وبذلك ظلّ الحسين مع القليل من أتباعه في الميدان لوحدهم. أرسل يزيد بمبعوث له إلى الحسين طالباً منه التسليم؛ لكنّ الحسين رفض التسليم ضانّاً بأن أتباعه من الشيعة سوف يقومون بحمايته فما كان من قوات يزيد إلا مهاجمته هو وأنصاره فقتل الحسين في كربلاء بالعراق، وقتل أغلب من تبقّى معه من أتباعه. شعر الشيعة الذين بايعوا يزيد بعد ذلك بخذلانهم للحسين، وظلّوا يحسّون بعقدة الذنب إلى يومنا هذا.

من هنا قد لانستغرب إن عرفنا بأن عاشوراء عند الشيعة عموما، والإثني عشريّة خصوصا هي مجرّد تذكير بالإحساس بالحزن، والغبن، وعذاب الضمير..... وبذلك كانت للشيعة شعائرهم المميّزة في ذكرى عاشوراء التي يقومون بها طيلة الايام الآوائل من محرم، والتي من شأنها بأن تعزز إيمانهم من خلال التفكّر بالحدث المآسوي العظيم حسب إعتقادهم.

من الشعائر التي يقوم بها الشيعة الاثني عشرية - خاصة في "كربلاء" - زيارة ضريح الحسين ( الذي حوّله الشيعة إلى ما يشبه المعبد، ويعتبرونه مكّتهم) - وإضاءة الشموع، وقراءة قصة الامام الحسين والبكاء عند سماعها مع اللطم على الخدود، والضرب على الرأس حتى إسالة الدماء في مشهد دموي شنيع يعبّر عن الإنسياق وراء العاطفة، وغياب العقل تعبيراً عن ندمهم لخذلان الحسين، وليس حزناً لمقتل الحسين.

الشيعة يطوفون حول مرقد الحسين كما يطوف الجّاج حول الكعبة

كما يقوم الإثنى عشريّة بمراسم توزيع الماء للتذكير بعطش الحسين في صحراء كربلاء، وإشعال النار للدلالة على حرارة الصحراء.
ويقوم البعض كذلك بتمثيل الواقعة وماجرى بها من أحداث أدت إلى مقتل الحسين بن علي فيتم حمل السيوف والدروع في الشوارع والميادين، ويقومون بتمثيل حادثة مقتل الحسين جماهيريّا فيما يعرف "بموكب الحسين" حيث يقوم بعض المتشدّدين بما يعرف ب"التطبير" أي إسالة الدم مواساة للحسين؛ كما يقوم البعض بضرب انفسهم بالسلاسل وخمش خدودهم. رجاء مشاهدة هذا الشريط:

ظاهرة الركض، والضرب على الرؤوس حتى تسيل الدماء هي بدعة كان أوّل من قام بها هم أهل "الطويريج" الواقعة بقرب كربلاء عام 1885م حيث خرج أهالي وعشائر هذه المدينة بعد قراءة "المقتل" في دار "ميرزا صالح القزويني" مهرولين في الشوارع لنصرة الحسين، وبعدها بدأ نفس المشهد يتكرر حتى ركضت الجماهير نحو كربلاء في الذكرى الثانية أو الثالثة لتلك الأمسية، ثم بعد ذلك ظلّت المشاهد تتكرر في كل سنة، وبدأ الناس يضيفون عليها حتى بلغت حد تلك العروض "المخجلة" التي بدأنا نشاهدها كل سنة في كربلاء من ضرب على الرؤوس، وشق للجيوب، ودعوى حقيقية بدعاء الجاهليّة في وسط كئيب ملطّخ بالدماء وذكرى المآسي. المشكلة الكبرى، والفضيحة التي لم أتمكّن من تفسيرها تكمن في وجود مئات من أساتذة الجامعات، وحملة الشهائد العليا، وحتى شيوخ الدين الكبار من بين هؤلاء "المطبّرين"، وهذا بالفعل يعتبر أمراّ محزناً، ومدعاة للأسى، وإحساس بالإمتعاض إن لم يكن السخط والتبرّم..... يمكنكم مشاهدة هذا الشريط:

في هذا الإطار أود أن ألفت إهتمام القارئ العزيز إلى هذه الجزئيّة البسيطة من تقدم العلم والتقنية في الكلية الإمبراطوريّة بلندن Imperial College London، حيث تجري هناك ورشة عمل كبيرة لهندسة الأنسجة في مختلف أنواع التركيبات الجسمانية مثل تنمية خلايا قلبيّة من خليّة جذعيّة لشخص يعاني من هبوط قاتل لعضلة قلبه على هيكل ذلك القلب الهابط بإشراف البروفيسور "جون بولاك" بهدف تخليق قلب جديد معافى وفي كامل الحيويّة من أجل إعادة زراعته في صدر نفس المريض. هذا الشخص سوف يكون بإمكانه تجديد عضلة قلبه بالكامل بدون الحاجة إلى زراعة جسم غريب في جسده. يقول
البروفيسّور بولاك في إحدى المقابلات الإذاعيّة بأنّه يحسّ بإنبهار شديد حين يترقّب خلية جذعيّة وهي تنمو رويدا، ثم تتم زراعتها على بقايا هيكل قلب منته فإذا بالخلايا الجذعية تتنامى وتتشكّل مع الأيّام على ذلك الهيكل وهو موضوع في قنّينة مملوءة بسائل حيوي حتى يبدأ القلب الجديد بالنبض أمام عينيه... إنّها بالفعل لحظة فريدة من نوعها كما يقول البروفيسور بولاك، لكنّها لامحالة تعكس مدى التقدّم العلمي في موضوع هندسة الأنسجة الحيويّة التي لا تعجزعن تخليق أي نوع من الأنسجة حسب الطلب ما عدا المخ الذي مازال يحيّر العلماء. لقد تمّ في السنة الماضية تخليق بكتيريا أحادية الحمض النووي من مواد كيميائيّة، وبالفعل تحركت البكتيريا وأخذت تنمو. هناك الآن من يحاول تخليق إنسان كامل، لكن يقول العلماء مازال الشوط طويلا، وطويلا جدا؛ غير أنّهم على ثقة بأن ذلك ليس مستحيلاً في وجود الخبرات الحاليّة في مجال الهندسة النسيجيّة والذي يتطوّر في كل يوم.
Tissue Engineering: Tissue engineering is an interdisciplinary field at the intersection of engineering, and biology and medicine. it requires the considerable input from biological scientists, who provide the insight to the various developmental control mechanisms of the cell and are able to manipulate the cell at a genetic level, and the contribution of material scientists who develop the structural scaffolds. My laboratory (BSEL) is seeking to provide integrated solutions to tissue engineering problems working close with material scientists (Dr. Bismarck) and modellers (Drs. Xu and Stepanek) to develop suitable scaffolds and culture systems for a variety of applications ranging from bone marrow, bone, cartilage, pneumocytes (Dr. Bishop), and cardiomyocytes (Prof. Polak), as well as developing ex vivo models for disease states, such as leukaemia (Dr. Panoskaltsis).

أين نحن من مثل هذا التقدّم الذي يحدث الآن حولنا في العالم المحيط بنا، بينما مازال الناس عندنا ( بما فيهم العلماء، والأطباء، وأساتذة الجامعات، وكذلك كبار شيوخ الدين) تضرب رؤوسها بالسيوف والسكاكين حتى تدميها حسرة وندماً على شخص قتل في حرب بين المسلمين بهدف السيطرة على قيادة المسلمين أو تولّي الخلافة عليهم?... إننا بالفعل مازلنا نعيش في الماضي السحيق.

وقبل أن أختتم هذا المقال، وددت أن أزيدكم من تفكير أولئك الذين يعيشون في عصر آخر، وأظنّهم يعيشون أيضاً في كوكب آخر. يقول الإثنى عشريّة من الشيعة ( بالمناسبة يبلغ عدد الشيعة في العالم حوالي 160 مليون نسمة، منهم حوالي 145 مليون من المؤمنين بالإثنى عشريّة.. أي الأئمة الإثنى عشر:

1) علي بن أبي طالب (ع) مدة إمامته 30 سنة ( 632 – 661)
2) الحسن بن علي (المجتبى) (ع) مدة إمامته 10 سنوات (661–669)
3) الحسين بن علي (الشهيد) (ع) مدة إمامته 11 سنة ( 669–680)
4) علي بن الحسين(السجّاد) (ع) مدة إمامته 35 سنة ( 680 – 713)
5) محمد بن علي (الباقر) (ع) مدة إمامته 19 سنة (743 – 713)
6) جعفر بن محمد الصادق (ع) مدة إمامته 34 سنة ( 743–765)
7) موسى بن جعفر (الكاظم)(ع) مدة إمامته 35 سنة(765–799)
8) علي بن موسى(الرضا) (ع) مدة إمامته 20 سنة ( 799–818)
9) محمد بن علي (الجواد) (ع) مدة إمامته 17 سنة (818 – 835)
10) علي بن محمد (الهادي)(ع) مدة إمامته 33 سنة (835 – 868)
11) الحسن العسكري(ع) مدة إمامته 6 سنوات ( 868 – 874)
12) محمد بن الحسن (المهدي) مدة إمامته ممتدة لأن الشيعة الاثني عشرية يعتقدون  بأنه حي ومرتقب الظهور(874 – إلى أن يظهر حيّاً من جديد) = المهدي المنتظر !!.

يقول الشيعة عن هؤلاء الأئمّة:

إن جميع ما يدلّ على عصمة رسول الله يدلّ على عصمة الائمة الإثنى عشرالأطهار، وكلّ دليل موجود يبرهن على عصمة جميع الأئمة الإثنا عشر إلى جانب فاطمة والرسول حتى من السهو والنسيان والخطأ والغلط. ويقولون أيضاً: أن من جحد إمامة أحد الأئمة الاثني عشر فهو بمنزلة من جحد نبوة جميع الأنبياء عليهم السلام، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله !!. أمّا عن الإمام المنتظر فيقول علماء الشيعة الإثنى عشريّة ( وهم غالبية الشيعة): الغياب غياب عن العالم، وعن الأنظار حتى يأذن الله له بالظهور ليملأ الأرض قسطا
وعدلا كما ملئت من قبل رجوعه ظلما وجورا. ويقولون بأنه مخفي عن الأنظار ولا يحظى بلقائه أحد (الا الخلص من أصحابه الذين يؤمنون بأنّه حي يرزق، ويعيش بين الناس)، وفي عهد الغيبة هذه يكون العلماء أو المراجع هم نواب الإمام ، ويرجع إليهم الإمام المغيّب في شئونهم الفقهية والدينية بغرض الإستشارة  آه !!.
يقولون أيضاً: إن الإمام محمد بن الحسن (المهدي المنتظر) كان قد غاب مرتين: غاب غيبة صغرى عام 260هـ لمدة 75 سنة، ثم غاب غيبة كبرى في عام 329 هـ وهو مازال غائباً حتى الآن (1105) سنة أي أن مدة إمامته بلغت 1169 سنة آه !!.

هل آن لنا بأن نفيق من سباتنا، وأن نعيش الواقع مثل غيرنا من البشر بدل هذا التيه والضياع الذي يسئ إلينا وإلى ديننا ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك