2011/06/12

ليبيا بعد القذّافي - 2

  "لكي يصبح الشخص قائدا بديلا عليه أن يخرج من جهويته ليحتضن الوطن ـ كل الوطن ـ في قلبه من أجل أن يشعر الجميع بوجوده حولهم فيقتنعوا به قائدا لهم. القائد هو من يحسّ بآلام ابناء شعبه؛ فينتبه إلى مشاقهم، ويعمل على تخفيف معاناتهم، ويحسّسهم بأنه بينهم ومعهم كلّما بحثوا عنه". 

ربما بدأ أكثر يقينا لكل الليبيين في الآونة الأخيرة بأن نظام حكم القذافي بدأ الآن يترنّح، وهو يسير حثيثا إلى الهاوية رغم محاولاته اليائسة ليبرهن لأتباعه على أنّه مازال يحكم ويسيطر.
نظام حكم القذافي إنتهى بحكم العالم من حولنا بعد أن لفظته كل من روسيا والصين اللتان كانتا من أكبر المؤيدين له؛ ذلك لأن حكّام هاتين الدولتين عرفوا الآن بأن حاكم يقوم بتقتيل شعبه، ويهدم بنيان بلده، ويهاجم مصانعها والمراكز الحيوية فيها إنما هو حاكم منته الصلاحية وعليه أن يترك الحكم لمن هو أقدر عليه منه ربما يمكن القول الآن أيضا بأن كل الليبيين يعرفون بأن نظام حكم القذافي كان قد إنتهى وعليه أن يترك الحكم بدل هذا العناد الصبياني، وهذه المكابرة الغبيّة. القذافي ونظام حكمه إلى مزبلة التاريخ؛ لكن الذي يجب أن يكون حاضرا في عقول وتفكير الليبيين هو أن حاكما بهذا الصلف، و "قائدا" بهذه اللامسئولية يجب أن يحاكم على كل جرم إقترفه في حق الليبيين أولا، وفي حق بقية شعوب العالم ثانيا ذلك؛ لأن الطاغية القذافي لم يقتصر أذاه على الليبيين فقط بل إنّ إجرام القذافي كان قد تجاوز حدود ليبيا إلى بقاع كثيرة من العالم حولنا ويجب أن ينال جزاءه بما يتقرر من خلال محاكمة وطنية عادلة تكون شاملة ومنصفة.  
إن الذي يهمّنا كليبيين وليبيات ليس مصير الطاغية القذافي فذلك أمرا ربما تم حسمه الآن وما هي إلا بضعة أيّام لنرى نهاية مفاجئة ربما تتجاوز حدود التصوّر حين يتبخّر النظام بكامله في صبيحة أحد الأيام القليلة القادمة... إن الذي يهمّنا ـ أو يجب أن يهمّنا ـ هو ماذا سيحدث بعد تبخّر النظام المفاجئ؟.
نحن نعيش في دولة من دول العالم الثالث حيث تغيب المؤسسات، وينعدم الوعي السياسي، وحيث يفتقر أبناء هذا البلد إلى أية دراية بأسس الحكم الديموقراطي اللهمّ إلا ما كان إجتهادا أو أخذ من إستشارة.
الناس في ليبيا ربما مازالوا لم يستوعبوا ـ أغلبهم على الأقل ـ أبعاد التغيير الذي سيحصل في ليبيا بعد زوال نظام حكم شمولي حكم البلد بشريعة الغاب بعد أن عطّل القوانين، وألغى كل أركان الدولة ككيان بحيث إستولى هو وأفراد أسرته على كل مقاليد الدولة وحوّل كل شئ فيها إلى شبه أغراض يتملّكها بذلك القدر الذي أصبح الشعب بناء عليه مثل العبيد في بلادهم عليهم واجبات تفرض عليهم بدون إستشارتهم، ولهم حقوق ملغاة بالكامل بما يشمل ذلك منعهم من المطالبة بها، أو حتى مجرّد التحدّث عنها. نعم نحن نعيش ـ وللأسف ـ في بلد تم تحويله إلى إقطاعية مملوكة بالكامل للحاكم ولأبنائه وهذا بالطبع يشمل الجيش، ويشمل الشرطة، ويشمل أجهزة الأمن، بل ويشمل القضاء نفسه؛ وهذا يجعل من الوضع في ليبيا فريدا من نوعه لا في المنطقة فقط بل وفي كل بقاع العالم.
إذا من هنا نرى بأن المسئولية كبيرة، والتركة ثقيلة، والمسار مزروع بالأشواك إن لم تكن ألغاما تنتظر لحظة التفجير لتحوّل البلد إلى فوضى قد تصعب السيطرة عليها؛ وعلينا أن لانستهين بوطئ المرحلة التي سوف تتبع سقوط القذافي.

القائد البديل
فكرة القائد البديل كانت تعتبر شغلي الشاغل حتى لحظة تكوين المجلس الإنتقالي في الأيام الأولى للإنتفاضة المباركة؛ وكنت بصدق في حيرة من أمري في هذا الخصوص نظرا للفوضى السياسية في داخل البلد، وتشرذم المعارضة الليبية في خارجها. كنت أعرف يقينا بأن التغيير في ليبيا سوف لن يحدث هكذا عشوائيا؛ لكنّه كان يجب أن يكون منظّما من ناحية، ويجب أن يشمل كل أبناء الشعب الليبي. كنت أخشى كثيرا من التفكير في مثل هذا السيناريوا حكما بوجود معارضة ليبية ضعيفة ومنقسمة على نفسها من ناحية، وغياب التواصل بين الداخل ( الشعب) والخارج (المعارضة) وكلّما تذكّرت تلك الأيام الحزينة في مايو عام 1984، وفي عام 1995-1996 حين حاولت المعارضة الليبية بمعزل عن الشعب الإطاحة بنظام حكم العقيد معمر القذافي وكان أن باءت تلك المحاولات بالفشل الذريع؛ بل يمكن القول بأن تلك المحاولات الغير مدروسة إسترتيجيا كانت قد خدمت الطاغية القذافي بشكل ربما تجاوز تصوّراته هو نفسه فما بالك بحاسابات الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا من ناحية، والجماعة الليبية المقاتلة من ناحية أخرى.
الذي حدث في 17 فبراير 2011 كان مفاجأة بكل المعايير للمعارضة الليبية في الخارج، ولأبناء الشعب الليبي أنفسهم في الداخل؛ ولولا تلك الأحداث الفريدة التي وقعت في تونس، وفي مصر الشقيقتين والجارتين لما تمكّن الشعب الليبي من إحداث إنتفاضة عارمة في الفترة من 17 – 20 فبراير حيث أذهلت تلك الجموع التي خرجت إلى الشوارع في الكثير من المدن الليبية النظام نفسه الذي كان يتوقّع مثل هذه الإنتفاضة؛ بل إنّه كان مستعدا لها لكن حجم تلك الإنتفاضة كان مفاجئا بكل معنى الكلمة.
ما إن أرغم الطاغية القذافي تلك الإنتفاضة الشعبية المسالمة على أن تحمل السلاح لتتحوّل إلى حركة عسكرية مقاتلة حتى سارع العقلاء من أبناء الشعب الليبي ليكوّنوا على عجل "المجلس الوطني الإنتقالي"، وكان وجود السيد الفاضل مصطفى عبد الجليل في تشكيلة هذا المجلس بمثابة ـ ربما يمكن القول ـ سر نجاح ذلك المجلس وتمكّنه من الصمود حتى تحوّل بقدرة قادر إلى قدوة لكل الليبيين الذين لم يترددوا في الإعتراف به والإنضمام إليه بحيث أصبح هذا المجلس آليّا بمثابة الممثّل الوحيد لكل الليبيين وكانت هذه نعمة من نعائم الله سبحانه وتعالى، ورحمة منه خاصة وأننا نعرف وجود تيارات وإتجاهات مختلفة بما في ذلك طبعا بقايا أتباع العهد الملكي الذين كانوا يحلمون بعودة ذلك العهد إلى السلطة معتمدين على وجود شاب مغمور لا يعرفه أغلب الليبيوّن ( محمد الحسن الرضاء السنوسي) وهو آخر ما تبقى من سلالة عائلة السنوسي التي كانت تحكم ليبيا قبل مجئ القذافي للسلطة.
تشكّل المجلس الإنتقالي وإستطاع بفضل مجهودات أعضائه أن يطرح نفسه كبديل لنظام القذافي؛ وكان أن نال هذا المجلس إحتراما من الجميع في داخل ليبيا وخارجها فأخذت دول العالم تعترف بهذا المجلس كممثل وحيد للشعب الليبي، وكبديل شرعي لنظام حكم العقيد معمّر القذافي، وبرهن المجلس بحق على أهلية أعضائه للحكم ذلك لأن هؤلاء الأعضاء كانوا في مجملهم واقعيين وعمليين، وكانوا أيضا حكماء بحيث تحوّلوا بسرعة إلى رجال دولة من النوع الممتاز ( براغماتيون) مما فرض إحترام الغير لهم وساعد ذلك على سحب البساط من تحت أقدام الطاغية القذافي رغم ماكينة الدعاية التي كان يتقوّى بها، ويعتمد عليها.
أصبح الآن السيد المستشار مصطفى عبد الجليل بمثابة القائد البديل لكل الليبيين وفي هذا الكثير من الميزات والخواص بحيث أننا ربما يمكننا الآن القول بأن شبح الحرب الأهلية في ليبيا، أو الإنقسامات العرقية أصبحت في حكم "الغير ممكن" ولا أريد أن أقول "المستحيل" حتى نكون حذرين... ولكي لانتواكل أو نتراخى.
هناك أشياء أرى أن على المجلس الإنتقالي القيام بها في هذا الظرف الذي نعيشه الآن وبدون تأخير:
1. قيام السيّد مصطفى عبد الجليل بإلقاء خطاب "رئاسي" لكل الليبيين من خلال تلفزيون ليبيا الأحرار، ومحطات الجزيرة والعربية يتحدّث فيه إلى كل الليبيين على أنه قائدهم الذي يهتم بهم؛ بحيث يرسم صورة واضحة لمعالم الفترة القادمة بما في ذلك تطمين الليبيين على حياتهم وأرزاقهم وممتلكاتهم. كما يؤكّد لأولئك الذين كانوا مع نظام حكم العقيد القذافي ـ في أية صفة كانوا ـ بأنّهم في آمان تام، وبأنّه سوف لن ينتقم منهم أحدا، ولن يقتلوا أو يسجنوا لكن لامحالة أولئك الذين أساءوا لليبيين سوف تتم محاكمتهم بكل عدل وإنصاف مع إحتفاظهم بأدميتهم وخصوصياتهم، والتأكيد لهم بأن أسرهم وأصدقائهم سوف لن تتطالهم المساءلة اللهم إلا من كان قد ظلم وثبت لدى رجال القضاء ظلمه.
  2. قيام السيد اللواء عبد الفتّاح يونس بالإعلان الرسمي عن تأسيس الجيش الوطني الليبي، وتشكيل كوادره الميدانية بحيث تعطى إمرتها للقادة الميدانيين في كل ليبيا كل بما ثبت عليه قدرته وحسن سيرته من قبل زملائه الذين يقاتلون معه. يجب أن يتم الإعلان عن تأسيس الجيش الوطني الليبي من خلال كلمة متلفزة يلقيها اللواء عبد الفتّاح يونس.
3. تشكيل رابطة لشهداء إنتفاضة 17 فبراير تقوم بوضع قوائم مؤكّدة لكل الشهداء بغرض الإتصال بأسرهم وتقديم العون المناسب لهم مع التأكيد على أن "دم الشهداء ما يمشيش هباء" بما يعني ذلك في مستقبل أسر هؤلاء الشهداء الذين قدّموا أرواحهم الطاهرة فداء للوطن، وثمنا لحرية بقية الليبيين الذين سوف ينعمون بها في حين ذهب أولئك الشهداء قبل أن يروا عصافير الحرية وهي تمرح في سماء ليبيانا الحبيبة بعد زوال نظام الطاغية القذافي.
4. الإهتمام بسكّان المناطق الغربية، وخاصة آهالي جبل نفوسة وذلك بالقيام بزيارتهم والإلتقاء بهم من قبل أعضاء من المجلس الإنتقالي، والمسئولين في المجلس (الحكومة) بغرض تطمينهم وإحساسهم على أنهم جزء من نظام الحكم الجديد، وعلى أن الغد سوف يكون زاهرا بإذن الله لكل مناطق ليبيا ولكل سكانها بدون إستثناء.
5. تشكيل فرق الشرطة الوطنية أسوة بفرق الجيش؛ بحيث تتشكّل الرتب العسكرية والمراتب بالنسبة للشرطة كما هو الحال في الجيش الوطني، ويشرع فورا في تجنيد مواطنين لأجهزة الشرطة في كل مناطق ليبيا ولو أدى ذلك إلى جلب شباب من المناطق التي مازالت تحت سيطرة قوات الطاغية القذافي إلى المناطق المحررة بأية طريقة بحيث يكونون جاهزين لإستلام مراكزهم في المناطق التي يتم تحريرها بما يعمل ذلك على الحفاظ على الأمن، وتسيير الحياة اليومية في تلك المناطق حتى تمنع كل أعمال الشغب أو محاولات الإنتقام من قبل بعض المواطنين الذين لايرون الأمور كما نراها نحن.
6. التذكير بدور المهاجرين الليبيين في الخارج الذين قاموا بكل ما يجب من أجل معاونة إخوانهم في الداخل بكل ما يستطيعون من عون مادي، ومعنوي من أجل التقليل من معاناة الليبيين في مناطق النزاع، أو أولئك النازحين الذين تقطّعت بهم السبل.

وإلى القاء في الجزئية القادمة بإذن الله.